المغرب يحتفي بأبنائه في المهجر ببرامج صيفية تعزز الانتماء للوطن وتواكب ورش الرقمنة (صور)    مشروع قانون المالية لسنة 2026.. مواصلة تعزيز استدامة المالية العمومية (مذكرة توجيهية)    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع        موجة حر مع الشركي وأمطار رعدية مرتقبة من الجمعة إلى الثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    جمال بن عمر: لا يمكن تسوية نزاع الصحراء بتدخل خارجي.. وربط البوليساريو بإيران وحزب الله يقوض فرص الحوار    تفاعلا مع الخطاب الملكي.. أخنوش: قانون مالية 2026 سيوجه الاستثمار العمومي نحو المناطق الأكثر هشاشة    آلاف المغاربة يتظاهرون للمطالبة بدعم غزة للأسبوع ال88 على التوالي    قادة دول ورجال أعمال يلتمسون ود ترامب بالذهب والهدايا والمديح    تمديد فترة تجديد الانخراط بنادي الرجاء الرياضي إلى غاية هذا التاريخ    أخبار الساحة    في مبارياته ببطولة أمم إفريقيا : المنتخب الوطني للمحليين يواجه كينيا في طريقه نحو اللقب الثالث    وفاة طفل غرقاً داخل حوض مائي بإقليم الحسيمة    المعرض الوطني للطوابع والمسكوكات يتوج نسخته الثانية في مدينة خنيفرة بندوة علمية حول تاريخ النقود والبريد    عيطة الحال ... صرخة فنية من قلب البرنوصي ضد الاستبداد والعبث    الرباط تحتضن النسخة الأولى من «سهرة الجالية» بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر    بطولة إسبانيا.. مهاجم برشلونة ليفاندوفسكي يتعرض للإصابة    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    المغرب في قائمة الوجهات الأكثر تفضيلا لدى الإسبان في 2025    الشرطة توقف طبيبا متلبسا بتلقي رشوة 3000 درهم مقابل تسريع خبرة طبية    موجة حر تصل إلى 48 درجة وزخات رعدية مرتقبة في عدد من مناطق المملكة    قتيل ومصاب في انهيار بمنجم إميضر    ارتفاع صاروخي في صادرات الطماطم المغربية نحو إسبانيا بنسبة 40%    الجمارك المغربية تجدد إجراءات الرقابة على المعدات العسكرية والأمنية    رحيل الفنان المصري سيد صادق عن عمر 80 عاما في وفاة مفاجئة    بطولة أمم إفريقيا للمحليين.. بوابة اللاعبين المحليين صوب العالمية    بلدية إسبانية تتخذ قرارا مثيرا للجدل بحق المسلمين    مقاييس الأمطار المسجَّلة بطنجة ومناطق أخرى خلال ال24 ساعة الماضية    المغرب يصدّر أول شحنة من القنب الهندي الطبي نحو أستراليا    وفاة الفنان المصري سيد صادق        جبهة تحرير فلسطين تعلن مقتل وشاح    السلطات تحجز بالفنيدق طنا من البطاطس مجهولة المصدر وغير صالحة للاستهلاك    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"    العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    سان جرمان يتوصل الى اتفاق مع ليل لضم حارسه لوكا شوفالييه    واشنطن تعلن عن جائزة 50 مليون دولار مقابل معلومات للقبض على الرئيس الفنزويلي    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    "أوبن إيه آي" تقوي الذكاء الاصطناعي التوليدي    مسؤول أممي يرفض "احتلال غزة"    مدرب الرجاء يمنح فرصة لأبريغوف    أطروحات يوليوز    المغرب على رادار البنتاغون... قرار أمريكي قد يغيّر خريطة الأمن في إفريقيا    الدرهم المغربي بين الطموح والانفتاح النقدي... هل يطرق أبواب "العملات الصعبة"؟    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    عمليتا توظيف مالي لفائض الخزينة    الماء أولا... لا تنمية تحت العطش    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    جو عمار... الفنان اليهودي المغربي الذي سبق صوته الدبلوماسية وبنى جسورًا بين المغرب واليهود المغاربة بإسرائيل    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل المقال في ما بين الهريف والتخريف من اتصال
نشر في المساء يوم 13 - 11 - 2008

يبدو أننا نحن الصحافيين أصبحنا في هذه الأزمنة الرديئة التي تمر منها حرية التعبير في المغرب، مطالبين باستخراج شواهد طبية لدى الاختصاصيين في الأمراض العصبية والعقلية، تحسبا للطوارئ.
«الواحد هوا اللي يدير تحتو كواغط الطبيب ماتعرف الوقت آش تجيب».
فالظاهر أن القضاء المغربي يتساهل كثيرا مع حملة مثل هذه الشواهد الطبية، ويؤجل أو يطوي ملفات أصحابها إلى أجل غير مسمى.
ولعل آخر من أشهر ملفه الطبي في وجه المحكمة هو النقابي المتقاعد، أو المجاهد كما سماه شباط في برنامج حوار، عبد الرزاق أفيلال. فقد أشهر دفاعه في وجه المحكمة ثلاثة تقارير طبية تفيد كلها إصابة المجاهد بعته الشيخوخة والخرف. يعني أن القلم أصبح مرفوعا عن عبد الرزاق أفيلال حتى يعقل، وبما أن التقارير الطبية التي تقدم بها دفاع أفيلال إلى المحكمة تقول بأنه لا رجاء في أن يشفى أو يعقل، فإن إسقاط المتابعة عنه بات قريب المنال. فليس من شيم دول الحق والقانون أن يتابع قضاؤها المعتوهين.
وأتصور يوسف التازي، المستشار البرلماني الذي رفضت المحكمة قبول طلب لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالغرفة الثانية والقاضي بإسقاط المتابعة في حقه وطس متابعته في قضية تبديد أموال عمومية إلى جانب أفيلال، أتصوره يقضم أظافره من «الغدايد» وهو يرى كيف يفلت شريكه في التهمة من الوقوف أمام المحكمة بفضل شواهده الطبية الكثيرة، بينما يظل هو متابعا. وربما يوحي أفيلال ليوسف التازي بفكرة الشواهد الطبية التي تثبت الخرف والعته وغيره من الأمراض المرتبطة بفقدان الذاكرة، حتى يرتاح هو الآخر من استدعاءات القاضي جمال سرحان.
ولعل المدهش في حالة عبد الرزاق أفيلال أنه سبق له أن قدم قبل أشهر شهادة طبية تثبت عجزه عن التنقل إلى المحكمة، وعندما وجه له شباط دعوة لحضور برنامج «حوار» الذي استضافه فيه مصطفى العلوي، هب من فراش مرضه و»ناض صحة سلامة» وذهب إلى الفندق حيث تم تصوير البرنامج وتبوأ مقعده بين الجمهور.
ويبقى عبد الرزاق أفيلال على الأقل أكثر احتراما للعدالة من بعضهم، فقد تجشم عناء الكشف عن قدراته العقلية عند أطباء متخصصين واستخرج ثلاث شواهد طبية تجمع كلها على كونه أصبح معتوها، وقدمها دفاعه للمحكمة لكي تسقط المتابعة في حقه. وليس كاليعقوبي الذي أطلق النار على شرطي مرور وأرداه طريح الفراش، وتكفلت وكالة الخباشي للأنباء بإجراء الفحص بأجهزة «الخطوط الحمراء» على دماغ السيد اليعقوبي واستخلصت في قصاصاتها الشهيرة أنه مصاب بمرض «كورساكوف»، ويتلقى علاجه في إيطاليا منذ سنوات.
ولم يتجرأ أي وكيل للملك على إرسال استدعاء إلى اليعقوبي للمثول أمام العدالة للتأكد من صحة ما ادعاه الخباشي في وكالته. واليوم بعد مرور شهرين على حادث إطلاق النار على الشرطي، ليس هناك ما يدل على أن العدالة ستفتح هذا الملف وستقوم باستدعاء المواطن اليعقوبي للمثول أمامها، كما تصنع مع عبد الرزاق أفيلال ومعنا ومع بقية الخلق في هذه البلاد.
فالتوفر على شواهد طبية تثبت الخرف أو العته أو «الكورساكوف» في الدول التي تحترم قضاءها لا يعفي من المتابعة والتحقيق في صحة هذه الشواهد، ولو اقتضى الأمر من المحكمة إجراء خبرة مضادة على المتهمين للتأكد مما يدعون.
وهكذا نرى في مغرب 2008 كيف أن الزعيم النقابي الاستقلالي وابن والي كلميم وزوج الأميرة كلهم يعانون من أمراض نفسية وعقلية وعصبية تجعلهم غير مسؤولين عن مخالفاتهم وتصرفاتهم الطائشة بفضل شواهدهم الطبية التي تعفيهم من كل متابعة قضائية. في الوقت الذي يسارع القضاء إلى تطبيق قرار الحجز على أموال جريدة «المساء» بسرعة قياسية، حتى دون أن يكلف نفسه عناء التأكد من قدرتي على دفع المبلغ من عدمه، مادام الحكم صادرا ضدي شخصيا وليس ضد الجريدة.
وقد أصبح اليوم واضحا أن الأمر عندما يتعلق بإغلاق جريدة بدفعها إلى الإفلاس فإن العدالة تصبح لديها سرعة «جيمي القوية»، أما عندما يتعلق الأمر بمحاكمة ناهبي المال العام فإنها تتحول إلى «فكرون» حقيقية. والدليل على ذلك أن محاكمة المتورطين في نهب 1300 مليار سنتيم من البنك العقاري والسياحي لازالت تراوح مكانها مع العلم أن تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول «السياش» صدر قبل ثماني سنوات من اليوم.
ويمكن أن نعتبر هؤلاء الذين يتورطون في مخالفات وجرائم مالية ثم يتذرعون بقدراتهم العقلية المفقودة، مواطنين يتمتعون بالامتياز القضائي الذي يفضلهم على بقية المواطنين. لكن ماذا يقول القضاء في كل هؤلاء الوزراء والمسؤولين الذين ذكرهم التقرير الأخير لقضاة المجلس الأعلى للحسابات. هل سيتذرع هؤلاء أيضا بشواهد طبية تثبت معاناتهم أثناء تحملهم لمسؤولياتهم من مرض «الهريف» وليس التخريف كما هو الحال مع أفيلال.
ولماذا لم تحرك وزارة العدل المتابعة القضائية في حق كل مسؤولي المؤسسات التي توصلت بتقرير المجلس الأعلى للحسابات حولها. ألا تستحق أموال الشعب أن تصان من العبث، ألا يستحق تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن يعقد من أجله البرلمان جلسة طارئة لمساءلة الوزراء الذين تشير إليهم أصابع القضاة بالاتهام. ألا يستحق تقرير القضاة برامج خاصة في الإعلام العمومي لمناقشة وشرح مضامينه للشعب، المعني الأول والأخير بمصير أمواله.
إن أكبر إهانة للقضاة هي أن يشتغلوا لأشهر طويلة على مراجعة الصفقات وضبط الحسابات وتتبع طرق صرف الميزانيات في المؤسسات العمومية والحكومية، وعندما ينجزون تقاريرهم في مئات الصفحات ويحددون حجم المبالغ المنهوبة بالملايير وأسماء المتهمين بالعشرات، توضع تقاريرهم في الرفوف ويرسلهم الميداوي إلى مؤسسات أخرى لكي يقوموا بنفس الشيء. أليس هذا هو العبث بعينه. أليس هذا هو الاستخفاف بهيبة القضاة الذين يسهرون الليالي الطوال من أجل صرف أفضل لأموال دافعي الضرائب. ثم أليس هذا هو قمة الاستهتار بأموال دافعي الضرائب التي «يتغذى» منها هؤلاء المسؤولون والوزراء الذين ذكر التقرير أسماءهم.
لقد جاءت محاكمة الوزراء في عهد الحسن الثاني سنة 1972 لردع المسؤولين الجشعين عن نهب أموال الشعب. خصوصا بعد أن ذهب المذبوح، مدير الديوان العسكري آنذاك، في رحلة إلى أمريكا والتقى في ملعب للغولف بأحد المستثمرين الأمريكيين واشتكى له عن اسم رجل أعمال مشهور يقوم بوساطات لجمع الرشاوى والعمولات من المستثمرين الأجانب لصالح وزراء ومسؤولين نافذين. وبمجرد ما عاد المذبوح إلى المغرب وتوصل الحسن الثاني بفحوى اللقاء حتى أعطى أوامره باعتقال ومحاكمة المتورطين. فتم إلقاء القبض على رجل الأعمال الشهير وبدؤوا يضربونه لكي يعترف بأسماء المسؤولين الذين يقوم بالتوسط لحسابهم. فبدأ «الأخ» يعترف بالأسماء الواحد تلو الآخر. لكن لائحة أسمائه بدأت تطول شيئا فشيئا، وبدأ «الأخ» يذكر أسماء ثقيلة. وهكذا بدأ المحققون استنطاقهم بضرب «الأخ» لكي يعترف وانتهوا في الأخير يضربونه «ها العار غير يسكت».
واليوم بعد مضي 36 سنة على محاكمة وزراء الحسن الثاني، نكاد نعيش نفس الأوضاع التي عاشها المغرب آنذاك بسبب تفشي الرشوة والمحسوبية والفساد المالي. وعوض محاكمة ناهبي المال العام تفضل الحكومة وضع قانون على المقاس لحماية الوزراء من المتابعة القضائية. فلكي يوجه البرلمان تهمة لأحد الوزراء يلزمه التوفر على اتفاق ثلثي أعضاء مجلس النواب وثلثي أعضاء مجلس المستشارين. يعني أن إسقاط الحكومة في المغرب أيسر من اقتياد وزير من وزرائها أمام القضاء.
إن القضاء المغربي اليوم يستأسد على الضعفاء والبسطاء والذين لا حائط يسند ظهورهم. أما الكبار وأبناؤهم فإنه يقف أمامهم خائر القوى، عاجزا حتى عن إجبارهم على المثول أمامه.
صدق شاعر الخوارج عمران بن قحطان عندما قال «أسد علي وفي الحروب نعامة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.