طقس الأحد: انخفاض في درجات الحرلرة مع هبوب رياح قوية    جبهة الدفاع عن فلسطين ومناهضة التطبيع تنظم مسيرة وطنية في الرباط تنديدا بتجويع أهالي غزة    في عملية أمنية مشتركة... حجز شاحنة محملة بالمخدرات بحي الوفاق بازمور    العيطة تتألق في قلب الرباط.. ليلة فنية تسافر بالجمهور في أعماق التراث المغربي    أوجار: جلالة الملك صنع مغربا جديدا.. ومسؤوليتنا إيصال الحصيلة الحقيقية للمغاربة    تأخر صرف "منحة يوليوز" يؤرق طلبة مراكز جهوية للتربية والتكوين بالمغرب    "كان السيدات"..جنوب إفريقيا إلى النصف        غانا تهزم الجزائر وتضرب موعدا مع المغرب في نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للسيدات    الملتقى الدولي لفناني القصبة بأليكانتي: الفن في خدمة التبادل الثقافي والتنمية الإنسانية    احتجاجات في العرائش بسبب "الشرفة الأطلسية" وسط تصعيد لحماية التراث التاريخي للمدينة    بلاغ: ادعاءات سيدة سرقة الأعضاء البشرية لابنها المتوفى إثر حادثة سير سنة2021 غير صحيحة ومخالفة للحقيقة    تفاصيل قرعة الموسم الجديد للبطولة    "رويترز": سوريا ظنت أنها حصلت على موافقة أمريكا وإسرائيل لنشر قوات بالسويداء    وفاة الأمير النائم بعد غيبوبة مستمرة دامت 20 عاما    الدعوة بكيغالي إلى الاستلهام من خطب ورسائل جلالة الملك لترسيخ قيم السلم والتعايش المشترك بإفريقيا (بيان ختامي)    رسملة بورصة البيضاء تفوق ألف مليار درهم .. ربحيّة السوق تجذب المستثمرين    أشرف حكيمي الأعلى تقييما في موسم سان جيرمان التاريخي        إنفانتينو: المغرب أصبح أحد المراكز العالمية لكرة القدم    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات.. غانا تنتصر على الجزائر وتواجه المغرب في نصف النهائي    أخنوش يطلب من الوزراء والمصالح الحكومية التسريع بتنزيل قانون العقوبات البديلة    السجن المحلي بالناظور يوضح أسباب وفاة أحد نزلائه    تشاؤم واسع بين الأسر المغربية... الادخار مستحيل والأسعار تواصل الارتفاع    "سهام بنك" يعزز الاقتصاد الأخضر    لقجع: استثمارات "الكان" وكأس العالم تناهز 150 مليار درهم ولن تثقل على الميزانية العامة للدولة    البنك الدولي: 44% من المغاربة يملكون حسابات بنكية و 6% فقط تمكنوا من الادخار سنة 2024    غياب مراقبة المطاعم ومحلات الوجبات السريعة يهدد صحة المواطنين بالحسيمة    نتائج الشطر الثاني للدعم السينمائي    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    عين اللوح .. افتتاح فعاليات الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الوطني لأحيدوس    قندس جندول تفوز بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الحر الدولي بعمان    لقاء تواصلي هام بهدف تجويد خدمات قطاع الكهرباء بجهة الشرق    فرحات مهني: النظام الجزائري يحوّل تالة حمزة إلى قاعدة عسكرية ضمن مخطط لاقتلاع القبائل    المغرب واليونسكو يعلنان عن تحالف جديد لتعزيز التنمية في إفريقيا عبر التعليم والعلم والثقافة    ترامب: قريبا سيفرج عن 10 أسرى في غزة        أكثر من 20 عاما في فرنسا ويرفض منحه تصريح إقامة    محمد المهدي بنسعيد        كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق تحتضن مناقشة رسائل تخرج الطلبة الفلسطينيين    تعاون مغربي فلسطيني في حقوق الإنسان    الدفاع الجديدي يتعاقد مع حارس موريتانيا    السغروشني: تكوين الشباب رهان أساسي لتحفيز التحول الرقمي بالمغرب    "الأشجار المحظورة" .. الشاعر المغربي عبد السلام المَساوي ينثر سيرته أنفاسًا    حملة هندية تستهدف ترحيل آلاف المسلمين .. رمي في البحر وهدم للمنازل    زيادة كبيرة في أرباح "نتفليكس" بفضل رفع أسعار الاشتراكات    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية        بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    وداعا أحمد فرس    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام «بلارج»
نشر في المساء يوم 24 - 12 - 2012

في الساعة نفسها، وبالتمام والكمال، يمر «الرجل الأهبل»، الهداوي المجنون، بلحيته الكثة، يتوقف مثل مطارد أمام واجهة المقهى، ويشرع في ارتجال خطبته المألوفة، لا يزيد عليها إلا جملا قليلة، وفي كل مرة يعمل فيها بعض التنقيح والتطوير؛ موضوعه المفضل هو «السياسة». يلقي خطابه مثل منذر من شر ما قد يحل بالمغاربة والعالم، لا يوفر في نقده أحدا.. السياسيون طبقه الأثير، وهم لسبب غامض يسببون له غصة في الحلق.
وحين يمعن في خطابه ويدرك أنه تجاوز الحدود، سرعان ما يختم مرافعته بمستملحة من مستملحاته أو بعبارة ملغزة، ويمضي في طريقه. إنه يقول إن سياسيي اليوم أصبحوا مثل «بلارج»، أغلبهم «تلف المشية»، والباقي رجل هنا ورجل هناك، وحين يصل إلى هذه الصورة يتوقف، ويضحك عاليا، قبل أن يقول «واش كتعرفو آش كيوقع «لبلارج» وآش كيوقع اللي رجل هنا ورجل ليه».. لا ينتظر جوابا، يمسح بعينيه جمهور المقهى ويسوي رزمة أشياء فوق كتفه، ويمضي معتدا بنفسه مثل دون كيشوت دي لامنشا أو مثل محارب من غير هذا الزمان، موقنا في قرارة نفسه بأن «خطبته» خلفت الأثر الذي يريده، لذلك ينصرف مرتاحا هانئ الضمير، ليترك ضمائر جمهور المقهى تتساءل عن صدقية كلام الرجل الأحمق الذي يشبه «مجذوبا» صغيرا، جاء ليقول الحقيقة لناس زمنه ويمضي.
لا نحتاج إلى التذكير بحكاية «بلارج» أو طائر اللقلاق في الحكاية الدارجة، الكل يحفظها عن ظهر قلب. واستعارتُها في التعبير عن واقع سياسي مغربي فيها الكثير من الصواب. والحقيقة أن كثيرا من جنتلمانات السياسة في البلاد قد أضاعوا أنفسهم، فلا هم تعلموا السير في فدادين السياسة، ولا هم عادوا إلى خطوهم الأول، ولذلك يبدو المشهد السياسي المغربي متأرجحا وكأن حجرا ما ينزل على كتفيه ويعوق حركته، في شبه تأكيد على انعدام الخيال السياسي وكساد المقولات التي كانت تطعم مائدة المرحلة.
أكبر مصيبات هذا المشهد هي النجاح في تأبيد النظرة الجاهزة للعمل السياسي، باعتباره مجالا للاسترزاق واللعب على الحبال وتغيير المعاطف، بمناسبة وبدونها، وخلط الأوراق والدفع بالنقاشات الهامشية إلى صدارة الاهتمام وجعلها هي الجوهر، في حين أن ما ينتظره المغاربة من الفاعلين السياسيين ليس هو التحول إلى جوقة كذابين في مسرحية رديئة تردد الكلام نفسه، وإنما العمل على إرجاع بعض المصداقية مهدورة الكرامة إلى حيز العمل السياسي وإنقاذ البلاد من الابتذال المتعمد الذي أصبح لحظة «إدمان» ضرورية مثل حبة الدواء تفرض عنوة على هذا «المارستان» السياسي تناولها حتى لا تقع الصحوة المرتجاة.
«بلارج» ليس طائرا في الطبيعة فقط، بل هو مفردة سياسية تنضاف اليوم إلى حديقة المفردات التي تضم فصيلا من الحيوانات المفترسة والشرسة والأخرى المسالمة التي أنجبها الفاعل السياسي، والتي أصبحت توصيفا دقيقا سيطبع المرحلة المقبلة. هكذا يمكن الحديث بالإضافة إلى العفاريت، سكان العالم الآخر، عن عالم الطيور الكواسر أو مكسورة الخطى، كما هو الحال بالنسبة إلى «بلارج» رمز المرحلة المقبلة.
ففي الواقع العملي، لم تعد الأحزاب تملك قرارها بنفسها، هناك إجماع على أن القرار الحزبي أصبح مصادرا، فالمؤتمرات تجري، والعملية الديمقراطية تمضي في أحسن حال، ويتم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والتصويت المباشر؛ ورغم ذلك يطلع في اليوم الموالي من يطعن في مصداقية ما جرى، متهما جهات ما «غامضة» بمصادرة قرار وإرادة الناخبين داخل حزبه، بل هناك من يتوغل عميقا في اتهام مناضليه بتسلم مبالغ مالية من جهات غير معلومة أو ينتفض ضد «العروبية اللي عمرو الأحزاب»، في حين أن الموضوع ليس موضوع نقود ولا إنزال للقادمين من العالم القروي ومن مغرب القاع إلى الأحزاب، بل الخلل في إدارة اللعبة السياسية واحترام قانون الاختلاف والتباري بأدوات الديمقراطية والوفاء للمقولات الكبرى لهذه الأحزاب، والتي شكلت جوهر وجودها ووسمت مسارها.
لقد مررنا من سياسة النعامة إلى سياسة «بلارج»، ومن دس الرؤوس في الرمال إلى الاستعراض الفارغ بمعاطف مستعارة، وهذه هي «لقلقة»، على غرار «بلقنة»، الحياة الحزبية في المغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.