طغت الجوانب والأرقام الاقتصادية خلال المحادثات التي تمت بين عباس الفاسي والوزراء الثمانية الذين رافقوه مع نظرائهم الإسبان لتوقيع اتفاقيات قطاعية تتعلق بميادين الصداقة والتعاون الدولي في مجال حماية الطفولة والتعاون الثقافي والتعليمي والاقتصادي، حيث بدت غالبة على القضايا السياسية العالقة بين ضفتي مضيق جبل طارق، خصوصا ملف سبتة ومليلية الذي تم تجنب التطرق إليه بتاتا في المحادثات. تراجعت المطالب المغربية بشأن استعادة سبتة ومليلية إلى الوراء مرة أخرى، بعدما لم يتطرق عباس الفاسي الوزير الأول إلى هذا الموضوع مع العاهل الإسباني خوان كارلوس الذي حمل الفاسي خلال زيارته لإسبانيا رسالة إلى الملك محمد السادس لا تعرف مضامينها، وربما كانت دعوة إلى إعادة المياه إلى مجاريها بين العائلتين الملكيتين بعد سنة من الجفاء والنفور بين القصر الملكي بالرباط وقصر الثارثويلا بمدريد. وقال الفاسي إن خوان كارلوس تأثر عندما سمع بالتحية التي حملها إليه من طرف الملك محمد السادس، موضحا أن محادثاته تطرقت لاجتماعات اللجنة العليا المشتركة المغربية-الإسبانية، واقتصر فقط على القول إن هناك إقرارا بضرورة التغلب على المشاكل العالقة، مضيفا أن خوان كارلوس له حنين إلى المغرب. وقبل أن يزور الفاسي قصر الثارثويلا بساعتين فقط، قال في الندوة الصحافية إن لقاءه مع الملك خوان كارلوس لا يعد طيا للصفحة التي فتحت بعد أزمة زيارة عاهلي إسبانيا لمدينتي سبتة ومليلية قبل أزيد من سنة، وأضاف الفاسي أنه سيرى خلال اللقاء إمكانية فتح ملف المدينتين السليبتين مع الملك خوان كارلوس، مشددا على أن ما يربط المغرب بالعائلة الملكية الإسبانية هو صداقة عميقة، وبين الأصدقاء تكون أحيانا بعض المفاجأة العابرة، لكن الفاسي لم يفتح الملف الذي عاد إلى التواري في انتظار نشوب أزمة أخرى بين البلدين تعيده إلى الواجهة كما هي العادة. والواقع أن الرباط مقتنعة تماما بأن ملف سبتة ومليلية ليس ذا طبيعة راهنية في الوقت الحالي بسبب مشكلة الصحراء أساسا، ورغبتها في الخروج من هذا المأزق، وهو الأمر الذي تعرفه مدريد أيضا بشكل جيد. لقاء الفاسي وخوان كارلوس سيعوض موضوع سبتة ومليلية بمواضيع أخرى، مثل مشروع إنشاء جامعة الملكين الذي دفن تحت التراب بعدما أعلن عنه في وقت سابق، وسيخبر الفاسي عاهل إسبانيا بأن مشكل الأرض غير مطروح لإنجاز هذا المشروع، والعائق الأساسي هو التصور الحقيقي لهذه الجامعة والهوية التي ستحملها. الاقتصاد يغلب على السياسة طغت الجوانب والأرقام الاقتصادية خلال المحادثات التي تمت بين عباس الفاسي والوزراء الثمانية الذين رافقوه مع نظرائهم الإسبان لتوقيع اتفاقيات قطاعية تتعلق بميادين الصداقة والتعاون الدولي في مجال حماية الطفولة والتعاون الثقافي والتعليمي والاقتصادي، حيث بدت غالبة على القضايا السياسية العالقة بين ضفتي مضيق جبل طارق، خصوصا ملف سبتة ومليلية الذي تم تجنب التطرق إليه بتاتا في المحادثات، فيما تمت إعادة المواقف الكلاسيكية بين الرباطومدريد بشأن قضية الصحراء، فالفاسي كرر على مسامع الإسبان تشبث الرباط بالجهوية كحل وحيد للمشكلة العالقة، وحمل الجزائر مسؤولية ما يقع، فيما عبر ثباتيرو عن ارتكاز بلاده على موقف بناء يروم الحياد الإيجابي وتأييد حل بين الأطراف متوافق بشأنه داخل إطار الأممالمتحدة. وخلال الاجتماع، أعلن عن توفير إسبانيا تسهيلات مالية عبر قروض تبلغ 520 مليون أورو لمشاريع عمومية مختلفة، وهو أهم قرض توجهه إسبانيا إلى بلد خارجي في ذروة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، كما وقع وزراء المغرب وإسبانيا على عدة مشاريع تهم التبادل التجاري والتعاون في المجال التقني ومجال الاتصالات والإعلام، وشُكل في النهاية فريق للعمل. مثلما طغى موضوع النقل بين ضفتي مضيق جبل طارق على المحادثات الثنائية، وخصوصا ملف الربط القاري الذي طلب البلدان من اللجنة المشتركة المكونة لدراسة المشروع تقديم خلاصاتها بخصوصه خلال العام المقبل، وكذا تقريرها الشامل حول الجوانب التقنية والسوسيواقتصادية للمشروع، إضافة إلى التعاون في مجال النقل الإقليمي الذي يدخل في إطار التنمية السريعة التي يهدف إليها مشروع الاتحاد من أجل المتوسط. الهجرة مشكل مشترك تبقى الهجرة السرية أو الشرعية، أحد الهموم المشتركة التي تربط المغرب بإسبانيا، حيث إن البلدين معا أصبحا يعدان مركزي تجمع المهاجرين السريين، حيث لا يخلو أي اجتماع بين المسؤولين من التطرق إلى هذه الظاهرة، وفعلا عرف التعاون بينهما تزايدا مضطردا بشكل أدى إلى انحصار عمل مافيات الهجرة السرية. فخلال الأسبوع الماضي، أعلنت كونسويلو رومي، كاتبة الدولة الإسبانية في الهجرة، أن عدد قوارب الهجرة السرية التي وصلت إلى إسبانيا خلال الأحد عشر شهرا الماضية تراجعت بنسبة 22 في المائة مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعني أن أقل من 3.745 شخصا حاولوا العام الماضي الوصول إلى الشواطئ الإسبانية. وحسب الإحصائيات الإسبانية، فإن عدد محاولات دخول إسبانيا عن طريق البحر تراجعت بنسبة كبيرة في ألميرية التي سجلت تراجعا وصل إلى 47 في المائة ما بين شهري يناير ونونبر الماضيين، مما يعني أن أقل من 1.144 حاولوا دخول إسبانيا مقارنة بسنة 2007، معتبرة أن هذه الأرقام المسجلة تحيل على تراجع أكثر من ذلك المسجل العام الماضي الذي وصل إلى 50 في المائة مقارنة مع عام 2006. ومع ذلك، لم تمنع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إسبانيا من ارتفاع عدد العاملات الموسميات المغربيات اللواتي يشتغلن في حقول جني التوت، إذ زاد عددهن بنسبة 26 في المائة مقارنة مع العام الماضي، ويتوقع أن يصل عددهن إلى أزيد من 17 ألف عاملة خلال شهري فبراير ومارس المقبلين، وهو ما يشكل أعلى نسبة للعمال المتوافدين على إقليم الأندلس. وكان قد بلغ عدد العمال الموسميين المغاربة الذين انتقلوا من المغرب إلى إسبانيا العام الماضي 13.600، والذين كانوا قد تضاعفوا بنسبة 22 مرة بعدما كانت العملية الأولى قد اقتصرت فقط على 750 عاملة تم بعثهن إلى حقول هويلبا من طرف الوكالة الوطنية المغربية لإنعاش الشغل. لكن الغموض الذي يلف هذا الملف هو ذاك المرتبط برأي الرباط في المشروع الذي تقدمت به الحكومة الإسبانية، بشأن المغادرة الطوعية للمهاجرين المغاربة الذين يشملهم المشروع، فعباس الفاسي سكت عن هذا الأمر ولم يشر إليه بتاتا. وفي سياق الشراكة الأورومتوسطية، فرغم أن رهان المغرب كان على فرنسا في سعيه للحصول على وضع الشراكة المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، والذي ظفر به خلال رئاسة الجمهورية الفرنسية للاتحاد الأوروبي أخيرا، بيد أن إسبانيا مازالت تريد لعب دور في هذا السياق عبر تأكيد مسؤوليها خلال لقاء اللجنة العليا المشتركة عن رغبة بلادهم في عقد قمة بين المغرب والاتحاد الأوربي خلال رئاسة المملكة الإسبانية للاتحاد الأوروبي في الدورة الأولى من عام 2010، والتأكيد على رغبتها في لعب دور فعال من أجل تطبيق بنود الاتفاقية، وكذا دعم المقترح المغربي بإنشاء جامعة أورو متوسطية بفاس على هامش مشروع الاتحاد المتوسطي الذي أطلقه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. الأمن والعدالة ويشكل موضوع الأمن في مضيق البحر الأبيض المتوسط هاجسا رئيسيا ليس فقط بالنسبة إلى المغرب وإسبانيا، وإنما بالنسبة إلى مجموع دول البحر الأبيض المتوسط وبعض القوى الدولية التي لها مصالح في المنطقة، وهو موضوع مرتبط بالإرهاب الدولي والهجرة السرية ومكافحة المخدرات عبر إنشاء البلدين لمراكز أمنية للتنسيق بالجزيرة الخضراء وطنجة، وهو المشروع الموجود حاليا في طور الدراسة التقنية بين شرطة المغرب وإسبانيا. ويشمل التعاون في مجال العدالة تبادل المعلومات بهذا الشأن، وتحديث المعدات التي يشتغل بواسطتها الجهاز القضائي في المغرب، ومواجهة العنف بمختلف أشكاله، وكان أهم ملف قضائي عالق بين البلدين هو المرتبط بتاجر المخدرات محمد الطيب التهامي الوزاني المعروف ب»إلنيني»، والذي يتوقع أن تقوم إسبانيا بتسليمه للمغرب قريبا بعد رفض المحكمة الوطنية الإسبانية لجميع الطعون التي تقدم بها. صحافيون إسبانيون في قمم مغربية إسبانية.. خارج السياق يعاني الصحافيون الإسبان الذي يحضرون لتغطية الندوات الصحافية المشتركة المغربية-الإسبانية من مشكلة طرح أسئلة خارج السياق، بمعنى أنها لا تكون محور اللقاء المشترك وترتبط أساسا بالقضايا الوطنية الإسبانية، وهو ما تكرر خلال ندوة الفاسي مع ثباتيرو، حيث كان هناك تركيز في بعض المحطات على اعتقال الحرس المدني الإسباني لأربعة عناصر من تنظيم إيتا، وتم تجاهل القضايا الثنائية واللجنة المشتركة محور اللقاء، وهو ما فسره أحد الصحافيين الإسبان بكونه ناتجا عن عدم اهتمام هؤلاء الصحافيين بالقضايا المغربية، أو لكونهم يستغلون وجود رئيس الحكومة في الملتقى من أجل أخذ معلومات آنية تخدم مقالاتهم ونشرات أخبارهم الوطنية.