مراكش ... مدينةٌ مفتوحةٌ على شعريتها وفتنتها. كلٌ يكتبها بحساسيته. كلٌ يفهمها ويعيشها على طريقته. مدينةٌ يهيم بها سياح الداخل والخارج، على حدٍّ سواء : كلٌّ يأتيها من حيث اشتهى ورغب : الكتاب والفنانون. السياسيون والرياضيون. التجار ورجال الأعمال. المُبدعُون والمُدّعون ... لكلٍّ حكايته مع المكان والحياة. خلال سنوات قليلة، تغيرت مراكش وتبدلت ملامحها بشكل متسارع : سيارات ودراجات نارية وهوائية، وراجلون لا يقلون هوائية، تتقاذفهم الأرصفة والطرقات؛ عمارات تسابق بعضها، فيما تتطاول على أشجار النخيل وصومعة الكتبية؛ فنادقُ ومطاعمُ راقية، ومحلات باذخة تعرض عطورها وملابسها وأحذيتها، و»شواطئ» في مدينة لا تطل لا على البحر الأبيض المتوسط ولا على البحر الأحمر .. أو البحر الأسود. إنها مراكش .. المدينة التي غمرها البحر عنوة، تلبية لأهواء وراحة السياح. يبدو الحديث عن شواطئ بمراكش، بالنسبة لمن سمع عن المدينة الحمراء أو قرأ عن تاريخها وجغرافيتها، أو حل بها سائحاً وزائراً لحاراتها ودروبها، شيئاً غريباً ومفارقاً، ووصفاً يبدو أقرب إلى النكتة منه إلى واقع الأشياء وطبيعة المدينة: فكيف نتحدث عن شواطئ في مدينة يبعد عنها أقرب شاطئ، من جهة المحيط الأطلسي، بأكثر من 150 كلم، ومن جهة البحر الأبيض المتوسط، بأكثر من 600 كلم؟ وغالباً ما كان يُنصح سياح مراكش، وهي المدينة التي اشتهرت بين الناس، عبر العالم، بأنها مدينة الشمس والنخيل والسمرة، بزيارة المدينة القديمة، حيث صومعة الكتبية وساحة جامع الفنا والأسواق الشعبية ومدرسة ابن يوسف ومتحف مراكش والقبة المرابطية وقبور السعديين وقصر البديع وقصر الباهية ودار سي اسعيد، فضلا عن حدائق وعرصات ماجوريل والمنارة وأكدال ومولاي عبد السلام، ومحطة أوكايمدن للرياضات الشتوية، ومنطقة أوريكا، التي تلعب دور الحديقة الخلفية والخضراء للمدينة الحمراء،. أما اليوم، فصارت عناوين الإنترنت واللوحات الإشهارية تعرض على سكان مراكش وسياحها زيارة شواطئ وحدائق مائية، أيضاً : «البحر في مراكش»، تقول إحدى اللوحات الإشهارية ! فعلا، هناك بحار وشواطئ في مراكش، غير أن الأصل يبقى أحلى من الصورة، وشواطئ مراكش ليست شواطئ طبيعية، كشواطئ الكوستا دل سول بالجنوب الإسباني، حيث موج إيستبونا وماربيا وفوينخيرولا وبنالمدينا وطوريمولينوس، أو شواطئ مارتيل والسعيدية وكابونيكَرو بالشمال المغربي، أو شواطئ بيروت والإسكندرية ونابولي، حيث تمتد الزرقة على مدى البصر، نحو عمق البحر الأبيض المتوسط. شواطئ مراكش اصطناعية، تحمل أسماء تختلف عن أسماء المحيطات والبحار المعروفة: أسماء تساير طبيعة المكان، متحايلة على منطق الجغرافيا، أشهرها و«الشاطئ الأحمر» و«نيكي بيتش» و«بيتش غاردن». شواطئ مراكش هي مجرد مساحات من ماء منعش للسباحة والعوم لمن استبدت به الرغبة في أن يستثمر شمس مراكش سمرة ومتعة، كما أن مياهها ليست مالحة، فضلاً عن أنها لا تختزن خيرات سمكية، كشواطئ أكادير وأسفي والصويرة، ولذلك فهي لا تصلح للصيد البحري المعروف، وبالتالي فلن يكون من الممكن الحديث عن راحة بيولوجية للأسماك أو استعمال شباك مرخص بها، أو حتى أن تتنازع أسماكها الأساطيل الأجنبية، فتوقع أو تعلق أو تفشل بشأنها الاتفاقيات. ثم إن شواطئ مراكش لا ترسو فيها البواخر ولا تخرج منها السلع نحو باقي دول العالم ومدنه، فهي محصورة في المكان، ووحدها المتعة تتجاوز حدودها. وإذا كانت معظم شواطئ الدنيا مفتوحة على البحار وظلماتها وأمام الرواد بدون مقابل، في أغلب الأحيان، فإن شواطئ مراكش لا تنفتح لا على المحيطات ولا على البحار، وليست لها روافد تصب فيها كمعظم بحار الكون، وإنما تكتفي بمياه الحنفيات والآبار التي تغذيها، فضلاً عن أنها تتطلب جيباً دافئاً يؤدي واجب الدخول وراحة العوم والسهر، بل وممارسة صيد غير مرخص به «شرعاً»، وبشباك غير مرئية للعيان .. صيد قد يتحول خلاله «الصياد» إلى «صيد» !!
عبد الكبير الميناوي شواطئ مراكش، المطبعة والرواقة الوطنية، مراكش، ط.1، 2012.