فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    السجن المحلي بتطوان يحتفل بالذكرى ال16 لتأسيس المندوبية    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    الزمالك المصري يتلقى ضربة قوية قبل مواجهة نهضة بركان    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري        اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفاصيل مثيرة عن «تشيّع» إدريس الأول وضريحه «المكتشف» في زرهون والإشاعة حول زوجته 2/2
مؤرخون يشكون في قبره وآخرون ينتقدون «تضخيم» التاريخ الرسمي للإمارة الإدريسية
نشر في المساء يوم 18 - 03 - 2013

التازي: إدريس الأول «شيعيّ» والأدارسة أشراف ومن يدعون زنا كنزة «أبالسة» وسذج ومأجورون
قال إنّ الاسلام تجذر في المغرب قبل إدريس الأول وإنّ الأدارسة لم يؤسسوا فيه أول دولة

في هذا الحوار يعترف المؤرخ الكبير عبد الهادي التازي بأنّ إدريس الأول كان، بالفعل، شيعيا، لكنه استدرك أنّ التشيع آنذاك لم يأخذ شكله السياسيَّ المعاصر، مشيرا إلى أنّ المغاربة «شيعة» لأنهم يحبّون آل البيت.. وفي رد فعل على الذين يُروجون لروايات من قبيل التشكيك في الأشراف الأدارسة، قال التازي إنّ «من يدّعون «زنا» كنزة الأمازيغية «أبالسة» وهمّهم زعزعة الناس عن معتقداتهم، مخاطبا من سماهم «السذج والمأجورين» بقوله: «حاول أن تغلب خصمك بأمور معقولة أمّا أن تقول له أنت لستَ ولد أبيك فهذه تهم سوقية»..
- تقول بعض المصادر التاريخية إن إدريس الثاني هو تمرة زنا بين كنزة الأمازيغية ورشيد وليس ابنَ إدريس الأول.. ما حقيقة هذا الكلام؟
بعد أن تخلّص هارون الرشيد من إدريس الأول، بالحيلة التي انطلت على الجميع، «دسّ» له شخصا يحمل اسم «الشماخ»، استطاع -بذكائه كجاسوس- أن يتمكن من إدريس حتى كان يومٌ شكا فيه إدريس من مرض فقدّم له الشماخ «دواء» فيه سُم.. أدخل التخلص من إدريس البهجة على هارون الرشيد، فكان يعتقد -خطأ- أنه قد قُضيّ على «الجرثومة»، وبلغته الأخبار بأنّ إدريس، الذي اعتقد أنه قد تخلص منه، ترك زوجته كنزة حاملا.. وبالفعل، تبيَّن بعد ذلك أنّ السيدة كنزة الأمازيغية أتت بولد يحمل اسم إدريس (الثاني)..
وهنا تأكد هارون الرشيد أنّ «الجرثومة» لم تمُت وأن هناك أخطارا تهدّده من هذا الولد.. وهنا لاحتِ الفكرة الجهنمية، التي قد تخطر على بالِ أي حاكم، وهي فكرة أسميها -بتعبيري- «النزوة المارقة»، وهذه النزوة هي أن يطعن في نسب إدريس الثاني.. فالوصول بالجيوش العباسية صعب جدّا، فلتكن، إذنْ، الطريقة الدعائية الهدّامة والسهلة وهي أن يطعن في نسَب إدريس الثاني وأنّ المولود هو ابن راشد وليس إدريس الأول.. هنا أريد أن أنبّه إلى أنّ العباسيين شغلوا أنفسَهم بهذا الموضوع.. وأعتقد أن الفكرة التي سميتها «النزوة المارقة» أتت من بعض الأعاجم الذين كانوا يندسّون في البلاط العباسي.. ظنوا أنّ مجرّدَ هذه الاشاعة كافية لإحباط حركة الطالبيين وكانوا مُخطئين، لأن الأمازيغ الأحرار لم يكونوا يتصورون إطلاقا مثل هذه التهمة الرخيصة والمأفونة والحمقاء. الأمازيغ أناس «كود» وأجمعوا كلهم على أن إدريس وارث إدريس الأول. سأقول لكم إن فكرة هذه الإشاعة لعبت في مخ كثير من الضعفاء والسذج والمأجورين، الذي روجوا لها. لقد ظلّ العباسيون «مرضى» بقضية الطالبيين ومشغولين بأمرهم، حتى أتى خليفة عظيم جدا وهو المعتضد بالله، وهو الذي خلّص العباسيين من «عقدة» التفكير في الطالبيين.. هو الذي أصلح الاشاعة، وقال «هؤلاء أشراف لا نطعن فيهم».. أنا أقدّر هذا الرجل، لأنه استطاع أن يقف موقفا أرجو من مواطننا ومن إخواننا جميعا أن يتمعشروا به وهذا المبدأ هو عدم خلط بين موضوع وموضوع آخر.. حاول أن تغلب خصمَك بأمور معقولة أمّا أن تقول له أنتَ لست ولد أبيك فهذه تهم سوقية..
- هل تقصد أنّ هدفَ الإشاعة كان هو نزع الشرعية عن إدريس الثاني التي أضفاها المعتضد مجددا على أحفاد إدريس؟
لقد انتهت خرافة أنّ إدريس هو «ابن سفاح» بمجرّد ظهور المعتضد العباسي.. لذلك فإن أغلوطة وخرافة وأسطورة أنّ إدريس هو ابن رشيد أنهاها المعتضد، وهي ورقة محروقة لعبها من كان قبل المعتضد، ولم يترك مجالا لمُدّعٍ ما أو لقائل ما أن يفكر في هذا الموضوع.. هذه لعبة ديماغوجية ظهرت في وقت محدود، في أوائل الدولة العباسية، وانتهت بتولي المعتضد بالله (أحمد بن طلحة).
- هل تعتبر الدولة الإدريسية أول دولة إسلامية في المغرب؟
في كتابي «التاريخ الدبلوماسي للمغرب»، وهو موجود في 15 مجلدا، قلت إنه قبل أن يكون هناك الأدارسة كانت هناك خمس دول إسلامية في المغرب وهي: إمارة بني صالح في النكور، وإمارة بني عصام في سبتة، وإمارة بني مدرار في سجلماسة، وإمارة بني رستم في تاهرت، وإمارة برغواطة على ساحل المحيط الأطلسي.. هناك الآن بين المغاربة مَن يعتقدون أنّ إدريس جاء ووجد الدنيا «ظلماء».. هذا غيرُ صحيح، هو فعلا تمكن من التفاهم مع هؤلاء الأمراء، إمّا صلحا أو عنوة، ولكنْ قبل هذا كانت هناك إمارات ولم تكن «سهلة»، فبرغواطة، مثلا، دولة قوية، وكان لديها سفراء في الأندلس.. ولم يقض عليها سوى المرابطين الأمازيغ..
- يرفض كثير من الأمازيغ «اختصارَ» تاريخ المغرب في 12 قرنا.. في رأيك، هل يبدأ تاريخ المغرب منذ دخول إدريس الأول إلى البلاد؟
في الكتاب الذي ذكرته آنفا من أقدم العصور إلى الآن.. تجد فيه يوغورطا متزوجا بمصرية، وهناك ملوك آخرون، مثل جوبا وماسينيسا.. سأعطيك كلمة انقلها عليّ أرجوك: هناك مؤرخ فرنسي اسمه ستيفان كزيل ألّف كتابا في سبعة مجلدات عن «تاريخ إفريقيا الشمالية القديم»، مطبوع سنة 1700 م. وقال كلمة من أجلها «أقدّسًُه».. قال إنّ «هناك أربعة ملوك يرجع لهم الفضل في صنع المغرب الكبير، الأول: ماسينيسا، الثاني: يوسف بن تاشفين، ثم الثالث هو عبد المؤمن الموحدي، ورابعا: مولاي إسماعيل».. أنا أفقد صوابي عندما أرى هذا الفرنسي لا يُفرّق بين ملحد ولا أمازيغيّ ولا عربي، هو يقول الحق.. هذا هو التاريخ الذي أحبّه، وليس التاريخ المبنيّ على الأمور الحقيرة.. وتجد أن ثلاثة من هؤلاء الملوك أمازيغ وليسوا عربا.. وأضيف أنني زرتُ قبر ماسينيسا في قسطنطينة قبل ثلاثة أشهر وقرأت عليه الفاتحة، رغم أنه توفي قبل ظهور الفاتحة.. في التاريخ لا يجب أن نميّز بين الأشخاص لدمهم أو لقوميتهم..
- يقولون إن إدريس الأول لم يحكم إلا إمارة صغيرة جدا ولم يكن يحكم كل المغرب.. هل هذا صحيح؟
هل تعتقد أنّ من يحكم إمارة صغيرة جدا يستطيع فتح تلمسان، التي تعتبر المفتاح لحكم إفريقية، كما قلنا آنِفا!؟.. على كل حال، هناك من الأسئلة ما أقبَله وأرحّب به وأخرى المقصود منها «التعْنفيجْ» أو «التّخْرْبيقُولوجْيا».. إذا كنتم تملكون سلطة على الكتابة فيجب أن يكون غرضُها البناء وليس الهدم.. أنا أشفق على أن يقرأ المغاربة أخبارا مزعجة لا يُقصد منها إلا الإزعاج، كشخص عاش 10 عقود من عمره، فطرق الرزق متوفرة، لكنْ أن تكون طريق الرزق هي الكذب فهذا حرام.. يقول تعالى في القرآن «وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون»..
- هل كان إدريس الأول شيعيا؟
سؤال ممتاز.. سأقول لك، بكل بساطة: يمكنك أن تسميَّ إدريس شيعيا كما أسميك أنت شيعيا.. لماذا؟ لأننا نحبّ النبي وآلَ البيت.. مرة، حينما كنت سفيرا في إيران بعد الخميني ألقوا عليّ سؤالا مفاده: هل المغاربة شيعة؟.. فضحكت وقلت لهم: ممكن أن يكونوا شيعة لأنهم يُحبّون آلَ البيت، ولكنْ ليسوا شيعة بالشكل الذي تعتقدون..
- باختصار شديد هل كان إدريس الأول شيعيا؟
كان شيعيا، لكنْ ليس بالمفهوم السياسيّ المعاصر.
- هناك من يشككون في قبر مولاي إدريس، لأنه فقِد لقرون طويلة، وتقول الرواية الموجودة إنهم تعرّفوا عليه بعد أن وجدوا جسده لم يمْسَسْه التراب.. بل لأنه توفي في حينه بتعبير الرواية.. هل تعتقد أنّ هذه القصة كافية لإثبات قبر فقِد لأزيدَ من 500 عام؟
هناك فكرتان اثنثان خُذهما عني.. هل تعرف «DNA» (الحمض النووي)؟ مع الأسف، لم يكن موجودا آنذاك، ولو كان لتم حلّ الكثير من المشاكل. أنا أقول في هذا الموضوع إنّ الرجل توفي، والتشكيك في القبر هو مجرّدُ خُزعبلات يتشبّث بها أصحاب الأفكار المحدودة والضيّقة، التي تريد أن تطبق ما هو موجود الآن على ما هو موجود قبل 10 سنوات.. خسارة، خسارة...
يشبه أصحاب هذه الفكرة، في نظري، تماما قصة أوردها مولانا جلال الدين الرومي في كتابه «المثنوي»، وهي قصة بعنوان «إبليس ومعاوية». فكانت مُحاوَرة من أجمل المحاورات. وفي الأخير، تبيّنَ أنّ إبليس يريد أن يصرفه عن اللذة التي كان فيها ونصحه أن يخرج ويصلي بالناس الفجر.. هذه القصة تُبيّن أنّ غرض إبليس هو أن يقلع الناس عن الفكرة التي كانت عندهم وهي أنّ إدريس الأول مدفون في زرهون، لكي يقول لك إدريس غير موجود، وبعد ذلك يمرّ إلى الرسول وينفي وجوده، ثم ينتقل إلى الله!.. لذلك فإنّ الاشتغال بمثل هذه الأسئلة تعب ما وراءه أرب.. اشتغل، يا سيدي، واغرس لنا البطاطس أو الطماطم إذا كنت ستلقي علينا التّفاهات!..
- يقول الذين يؤكدون أنّ الشكوك تحوم حول قبر مولاي إدريس إنّ غرضهم هو «النبش» في حقيقة التاريخ المغربي وقراءته نقديا.. هل تعتقد أنّ هذا عيب؟
أنا أرحّب بذلك، لكنْ يجب أن تكون النية طيبة.. إنّ القصد من وراء طرح هؤلاء هو الزّعزعة..

الشراط *: إدريس الأول كان شيعيا والأمازيغ زوجوه وعرضوا عليه المُلك
قال إنّ الذين يتهمون كنزة الأمازيغية بالزنا «غوغاء»..

- تقول إن إدريس الأول كان شيعيا.. لماذا لم ينقل طقوس الشيعة إلى المغاربة، في رأيك؟
أولا، هي ليست طقوس، والمذهب الشيعي كسائر المذاهب الرئيسية الإسلامية الأخرى، ليست فيه أي «طقوس».. وإنما عبادات واجتهادات، لكنْ يجب أن نعترف بأنه ألحقت بالمذهب الشيعيّ بدَع وخرافات لا أصل لها في المذهب.. وتنسحب هذه البدع والخرافات على كافة المذاهب الإسلامية، مع الأسف الشديد..
أما عن سؤالك، فإنني أعيد لك سؤالا بسؤال آخر: كم من قرون مرّت على مجيء المولى إدريس الأول إلى المغرب؟ وكم من مذهب اعتُنِق في المغرب بعد غياب دولة الأدارسة؟ وبالتالي أسألك: كيف دخل المذهب المالكي إلى المغرب.. ومن أدخله؟..
أعتقد أنّ المسألة تحتاج أكثرَ من سؤال وأكثر من جواب.. فالمغرب حينما وصله إدريس الأول لم يكن بالطريقة التي نراه عليها اليوم: كان المغرب مُقسّماً إلى إمارات وقبائل يحكمها شيوخ وأعيان...
أما أن إدريس الأول فليس شيعيا، وهو الهارب من معركة «فخ» (في مكة) التي كان العباسيون يريدون من خلالها القضاء على شيعة علي بن أبي طالب، عليه السلام.. فإن السؤال يجب أن يكون هو: هل إدريس من آل البيت أم ليس من آل البت؟ وهل استشهد أخوه محمد في معركة فخ أم لا؟ إذا اعترفت بهذه المقدّمات ستصل إلى خاتمة مفادها أنه كان شيعيا، وكلمة «شيعي» تعني أنّ الرجل مُوال لآل البيت.. بمعنى أن التشيّع = الموالاة، فقط..
- في هذا الوقت بالتحديد، هل كان المغاربة شيعة؟
نعم، التاريخ يقول هذا.
- متى تحول المغاربة إلى السّنة، إذن؟
إلى حد الآن المغاربة المسلمون، عرباً وأمازيغَ على السواء، يحبّون آل البيت ويجلونهم ويحترمونهم.. وبسبب حبّ المغاربة آلَ البيت فإنهم كانوا دائما يميلون نحو الأسَر الحاكمة، التي تتحدّر أصولها من سلالة علي.. وذلك ما وقع مع الأشراف العلويين، الذين ما زالوا قائمين على حكم المغرب منذ أكثرَ من أربعة قرون ولا أحد ينازعهم في الملك.. ونحن نرى في استمرار دولة العلويين الأشراف للمغرب مناعة وقوة لهذا الوطن العزيز من التفكّك والاضمحلال..
- كيف ترُد على من يعتبر إدريس الأول «ابنَ زنا»، ثمرة علاقة جنسية بين المولى رشيد وكنزة الأمازيغية؟
-الأصل، حسب زعم هؤلاء «الغوغاء»، هو أنّ إدريس الثاني كان «تمرة زنا»، ورغم قبح هذا القول وسخافته، فإنني أجيب عنه بالآتي: حد عقوبة الزاني معروفة في القرآن.. وعقوبة من يرمي المُحصّنات الغافلات المؤمنات منصوص عليه، أيضا، في القرآن.. وأنت تسألني الآن عن شيء مرّ عليه أكثر من 12 قرنا، وعلى الذين يدّعون هذه السخافات أن يأتوا بدليل.. نحن ننزّه أنفسنا عن الخوض في هذه الادّعاءات السّخيفة جدّاً..
- هناك من يشككون في قبر إدريس الأول، لأنه ظل مجهولا لمدة قرون فوجد، حسب الرواية التاريخية، وكأنه توفيّ لتوه.. ما تعليقك على طريقة اكتشاف القبر؟
هذا السؤال يجب أن يُوجَّه لعلماء الآثار والحفريات، لأنّ تخصّصي بعيد جدا عن هذا الموضوع.. وما يمكن قوله بهذه المناسبة هو أنّ تاريخ دولة الأدارسة لم يُعط حقه من الاهتمام والتدقيق من قِبل المؤرخين.. لقد «طُمِس» تاريخ الأدارسة عن عمد لتبقى الفرصة متاحة للتأويلات والسياسات المختلفة..
* عبد النبي الشراط كاتب شيعي
ومدير دار الوطن للصحافة والنشر

متى دخل الإسلام إلى المغرب بالضبط؟

يصعب تحديد سنة بعينها لدخول الإسلام إلى المغرب.. ولكنْ يمكن اعتبار تأسيس القيروان وفصل ولاية إفريقية عن مصر تاريخا لاستتباب الإسلام في المناطق الشرقية لبلاد المغرب، أي المغرب الأدنى وتاريخ إنشاء ولاية المغرب سنة 85 ه -704 م، أي فصل المغرب الأقصى عن إفريقية واتخاذ طنجة قاعدة لهذه الولاية، تاريخا حاسما في استتباب الإسلام في الطرف الغربي من بلاد المغارب.. ويظهر من هذه التواريخ أنّ السيطرة على بلاد المغرب قد تطلبت ما ينيف على نصف قرن من الزمن منذ الحملة الأولى، التي لامست تخوم المنطقة سنة 27 ه -647 م إلى حين إنشاء ولاية المغرب سنة 85 ه -704 م.


حافظي علوي: «إدريس الأول شيعي زيدي وكنزة الأمازيغية بريئة من الزّنا»

قال إنّ طريقة اكتشاف قبر مولاي إدريس أقرب إلى الأسطورة منها إلى الرّواية التاريخية

في هذا الحوار يؤكد حسن حافظي علوي، أستاذ تاريخ المغرب الوسيط في كلية الآداب والعلوم الإنسانية -جامعة محمد الخامس في الرباط، أنّ «إدريس الأول كان شيعيا زيديا معتزليا».. مضيفا أنّ زوجته بريئة من تهمة الزنا، لأنّ مَن كانوا وراء الإشاعة هم العباسيون.. وأكد حافظي علوي، أيضا، أنّ التاريخَ الرّسمي ضخّمَ كثيراً الإمارة الإدريسية وأهمَل إمارات أخرى كانت قوية، مثل إمارة برغواطة الأمازيغية، نافيا إيمانه بأن يكون قبر إدريس الأول، المُكتشَف بعد حولي 5 قرون من وفاته، هو القبر الصحيح، قائلا إنّ «الاكتشاف كان استجابة لحاجة مُجتمعية»..
- هل كان المغرب شيعيا في بداية الدولة الإسلامية في المغرب؟
في بداية الدولة الإسلامية في المغرب لا، لم يكن شيعيا..
- هل تؤمن بأنّ مولاي إدريس كان شيعيا؟
نعم، لقد كان زيديا معتزليا، لكنْ يجب التفريق، في هذه المسألة بالذات، بين الشيعة الزيدية والشيعة الجعفرية، لأنّ أتباع هذه الأخيرة من الغلاة ويسُبّون الشيخين (أبا بكر وعمر) وأمهات المؤمنين، أما الزيدية فلا يسبّون ولا يلعنون أحدا، ويزعمون أنهم أقربُ فرق الشيعة إلى أهل السنة.. وفي ما يرجع إلى العلاقة بين الزيدية والمعتزلة فهي ثابتة بتتلمذ زيد بن علي على يد واصل بن عطاء.. ومعلوم أنّ إدريس بن عبد الله قد قدِم إلى المغرب رفقة رجلين، أحدهما هو راشد بن منصت الأوربي، والثاني رجل من أهل البصرة، من شيعة أخيه إبراهيم بن عبد الله، وكان معتزليا وخطيبا بليغا.. لم تذكر المصادر التاريخية اسم هذا الرجل كما لم يُعر الدارسون كبيرَ اهتمام للدور لذي اضطلع به في قيام الإمارة الإدريسية، مع أنه هو الذي أسهم في «التفاهم» بين المولى إدريس وإسحاق بن عبد الحميد الأوربي، الذي كان على مذهب المعتزلة أيضا.. أضفْ إلى هذا أنّ مولاي إدريس لم يتوجّه، بعدَ حلوله بالمغرب، مباشرة إلى وليلي، بل اتجه أولا إلى طنجة، لأنها كانت قاعدة المغرب آنئذ، من جهة، وكانت تضمّ مجموعة كبيرة من الواصليين (المعتزلة) قدرت بعض الروايات أعدادهم بحوالي 30 ألف رجل، من جهة ثانية.. ومَهْما انطوى عليه هذا الرقم من مبالغة قد تقلل من مصداقيته، فإنه يدلّ على مدى انتشار فكر المعتزلة في بعض مناطق المغرب في ذلك الزمن المبكر من تاريخ بدايات الإسلام فيه، وخاصة في منطقتي طنجة ووليلي، حيث مَواطن قبائل أوربة، التي قامت على أكتافها إمارة الأدارسة..
- أنت تؤكد، إذن، أنّ الإسلام كان في المغرب قبل مولاي إدريس؟
نعم، كان أكثرُ المغاربة قد أسلموا قبل مجيء المولى إدريس بزمن طويل.. فأول إمارة إسلامية قامت في المغرب أسسها صالح بن منصور في سنة 79ه -698 م في «النكور» (منطقة الريف) وثاني إمارة هي إمارة برغواطة في تامسنا، التي أسسها طريف بن شمعون بن يعقوب المصمودي سنة 122 ه -739 م، والثالثة هي إمارة بني مدرار، في سجلماسة، التي أسسها أبو القاسم سمكو بن واسول المكناسي في سجلماسة سنة 140ه - 757 م، والرابعة هي إمارة الأدارسة، التي تأسست سنة 172 ه - 789 م.. فأنت ترى كيف أنّ الإمارة الإدريسية هي رابع إمارة إسلامية من حيث الترتيب.. ولا يخفى أنّ المجهود الذي بذله الأدارسة في محاربة المشركين قد بذله غيرهم قبلهم بحرارة الإيمان والإصرار والعزيمة نفسِها، لكنْ بقناعات مذهبية مختلفة.. ولعلّ من المفيد التذكير في هذا الصدد بأنّ الأمازيغ قد ثاروا على الخلفاء الأمويين سنة 122 ه - 739 م بقيادة ميسرة المطغري، وهو رجل زناتيّ من الخوارج الصّفرية، قاد جموعا غفيرة من الأتباع في ثورة عارمة ضد السياسة الجبائية الجائرة التي انتهجها ولاة بني أمية في المغرب.. وقد شارك في هذه الثورة كلٌّ من مؤسس إمارة الخوارج الصفرية في سجلماسة ومؤسس الإمارة البرغواطية، الأمر الذي يؤكد أن أهل المغرب كانوا على دِين الإسلام.. وأنّ بعض المذاهب الإسلامية قد وجدت لها موطئ قدم في المغرب قبل مجيء المولى إدريس بزمن طويل..
- هل تعتقد أنّ التاريخَ الرّسمي قد «ضخّم» حجم الإمارة الإدريسية؟
لقد تم تضخيم حجم هذه الإمارة، فعلا، في الكتاب المدرسيّ، على حساب الإمارات الأخرى التي عاصرتها، والعقل والمنطق يقتضيان ألا نعطي التجربة الإدريسية حجما أكبرَ من حجمها الحقيقيّ.. فقد قامت هذه الإمارة في وليلي، ثم في فاس، وبسطت سيطرتها على بعض مناطق المغرب، وامتدّ نفوذها -في فترة من الفترات- إلى تلمسان، لكنها لم تكن وحدها في المجال المغربي.. بل عاصرتْها إمارات أخرى في النكور وتامسنا وسجلماسة.. واقتسمت معها مناطق النفوذ. ولا يصحّ أن يُغطِّيّ تاريخ هذه الإمارة على تواريخ قريناتها، بل يتعين النظر إليه في سياقه الموضوعي.. إنها مجرّدُ إمارة من بين إمارات أخرى كان لكل منها دورٌ وجبَ الاعتراف به وتثمينه، وفي ذلك دليلٌ على التعدّد الذي يشهد على غنى التاريخ المغربي، الذي هو مصدر فخر لنا جميعا.. ما الفائدة من «تضخيم» التجربة الإدريسية على حساب غيرها من التجارب التي عاصرتها في البرامج الدراسية!؟ ولماذا نعمَد إلى «إخفاء» هذه الحقائق التاريخية، مع أنّ تدريسَها للناشئين هو أول الخطوات الحثيثة للتصالح مع تاريخنا..
- بماذا ترُدّ على الذين يعتقدون أنّ إدريس الثاني وُلد بعد وفاة أبيه ب11 شهرا؟..
هذه فرية افتراها العباسيون على العلويين في إطار صراعهم معهم حول الخلافة.. والمؤرخ الحصيف لا يثق بسهولة بما يرويه الخصوم عن خصومهم.. وبناء عليه، فإنّ القول إنّ إدريس الثاني وُلد بعد وفاة أبيه ب11 شهرا فيه انحياز إلى رواية على حساب أخرى، ذلك أنّ هناك اختلافا في تاريخ اغتيال المولى إدريس الأكبر بين قائل إنّ ذلك كان سنة 175 ه - 792 م وقائل إنه كان في سنة 177 ه - 794 م.. إلا أنه بالعودة إلى الروايات الأصلية التي يستقي منها المؤرخون، القدامى والمُحْدَثون على السواء، أخبار إدريس بن عبد الله -ويتعلق الأمر برواية كل من أحمد بن الحارث بن عبيد اليماني ورواية أبي الحسن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، إضافة إلى أخبار فخ للرازي- ينضاف إلى التاريخين السابقين تاريخ ثالث هو سنة 179 ه -796 م، وهذا التاريخ لم تذكره المصادر، لكنه يفرض نفسه إذا أخذنا بعين الاعتبار ما تُجمع عليه مختلف الروايات بخصوص الدور الذي كان لإبراهيم بن الأغلب، أمير المغرب الأدنى، في عملية اغتيال المولى إدريس، ذلك أنّ إبراهيم هذا كان في سنة 178 ه - 795 م مُجرّدَ عامل للخليفة هارون الرشيد على إقليم الزاب ولم يصبح أميرا للأغالبة سوى في تاريخ لاحق.. ونظرا إلى الالتباس الذي يمكن أن يترتب عن تشابه «رسم» رقمي تسعة وسبعة في الخط المغربي، وما يمكن أن ينجم عن قراءة هذا الرقم من تغيير في التاريخ بين سنتي 177 و179، فإنّ هذه السنة قد تنضاف بدورها إلى السنوات المحتمَلة لتاريخ اغتيال المولى إدريس.. وبناء عليه، فإذا كان هناك اختلاف في تاريخ اغتيال المولى إدريس، كما ذكرت لك، فأيُّ التواريخ -يا ترى- نأخذ بعين الاعتبار لنبدأ العَدّ ونقول إن المولى إدريس الثاني قد وُلد بعد وفاة والده ب11 شهرا؟ أعتقد أنّ الأمر أكبر من أن يُفسَّر بتمرين حسابيّ بسيط.. نحن أمام ادّعاءات رَوج لها الخصوم للنيل من شرعية خصومهم، ومن واجب المؤرخ أن يتخذ المسافة الضرورية من الروايات المُغرّضة..
- هل تؤمن بأنّ القبر المعروف حاليا في زرهون هو لمولاي إدريس، بعد تلك الرواية التاريخية التي تحكي كيف اكتشِف هذا القبر، وهي رواية أقربُ إلى الأساطير والخرافات منها إلى التاريخ؟
لقد تم اكتشاف قبر المولى إدريس بن عبد الله في سنة 718 ه - 1318 م، وهذا الحدث بالنسبة إليّ هو استجابة لحاجة مجتمعية في زمن ازدادت فيه مكانة الشرف والأشراف في المجتمع المغربي.. أما الرواية التي وصلتنا عنه فهي أقربُ إلى الأسطورة منها إلى الرواية التاريخية، كما تفضلتَ، وهي مستقاة من متنٍ مَناقبيّ مفعَم بالخوارق، التي لا يستقيم فهم دلالاتها سوى بالاستعانة بالأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي والسيميائيات وغيرها من العلوم المساعدة للتاريخ.. وعلى هذا، فإنّ الرواية المتعلقة باكتشاف قبر المولى إدريس هي مَنقَبَة وكرامة صوفية لا تختلف عن المشي على الماء أو الطيران في الهواء أو غير ذلك من «كرامات» الأولياء، التي يحتاج فيها الباحث إلى إعداد العُدّة العلمية لتفسير ما تحيل عليه من بُعد رمزيّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.