لفتيت: إصلاحات المنظومة الانتخابية تهدف إلى "تجنب الشبهات" وتحسين صورة البرلمان    سيراليون تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتعبر عن ارتياح بالغ باعتماد القرار التاريخي 2797    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة        المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    المغرب يرأس المجلس الدولي للزيتون لعام 2026    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تراجع أسعار الذهب    المغربي إدريس علواني يحصد الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا للدراجات    مدرب مارسيليا: أكرد لاعب لا يعوض.. وعلينا التأقلم مع غيابه    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    بوعياش: تبادل إطلاق النار بحي بوسلامة ينتهي بتوقيف أحد المشتبه فيهم    مراكش: استئناف هدم مساكن العسكريين وقدماء المحاربين... وتعويضات تشمل بقعاً أرضية ومساعدات للبناء    اعتداء خطير بمستعجلات مستشفى بني ملال يخرج النقابة الوطنية للصحة للاحتجاج والتصعيد    كيوسك الجمعة | المنظومة المؤطرة للانتخابات تهدف إلى تخليق العملية الانتخابية والسياسية    وسام حمادة والدة "هند رجب" في افتتاح الدوحة السينمائي:    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    مأساة "رضيع الترامواي" تكشف عن إهمال طبي وخصاص حاد في أطباء النساء والتوليد بسلا    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    مهرجان الذاكرة المشتركة بالناظور يتوج أفلاما من المغرب وبولندا وأوروبا الغربية    سفير عمان يثمن تمسك المغرب بالسلم    توقيف "مولينكس" ونقله إلى طنجة للتحقيق في ملف مرتبط بمحتوى رقمي مثير للجدل    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    حوالي 756 ألف مستفيد من دعم مربي الماشية توصلوا بأزيد من 3 ملايير درهم    بوريطة يتباحث بالرباط مع نظيره الغاني    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    "الأحرار" يصادق على تصوره للحكم الذاتي تمهيداً لرفعه إلى الملك    تتويج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب إفريقي.. إشادة واسعة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية    بوريطة يستقبل رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية تنزانيا المتحدة    نبيل باها: "اللاعبون مستعدون لمواجهة البرازيل والفوز بالمباراة"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    الكاف يتجاهل المدرب محمد وهبي    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    الحكومة تقر "تنظيم مهنة العدول"    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    السكتيوي يعلن الجمعة لائحة الرديف    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يحرق جحيم أزواد أصابع «هولاند»؟
نشر في المساء يوم 12 - 04 - 2013

قرابة شهرين ونصف هي عمر التدخل العسكري الفرنسي في مالي حتى الآن، والنتيجة السطحية التي تتراءى للعيان هي طرد المسلحين الإسلاميين من مدن وقرى إقليم أزواد في شمال البلاد، وإعادة بعضها للسيادة المالية (تمبكتو وغاو)، ومنح حق السيطرة على البعض الآخر منها (كيدال، ومنيكا) لبعض الحركات الانفصالية الرافضة للسيادة المالية (الحركة الوطنية لتحرير أزواد)، فضلا عن حشر مقاتلي الجماعات الإسلامية
في آخر معاقلهم في جبال آدرار الإيفوغاس، تمهيدا للقضاء عليهم وتطهير المنطقة منهم.
غير أن قراءة من هذا القبيل لا يمكن القول إلا أنها تحظى بنصيب وافر من السطحية، والجهل بحقائق الوضع في المنطقة، إذ أن «نصف النصر» الذي تحقق حتى الآن للفرنسيين والماليين والأفارقة كان شبه مجاني، مما يرجح فرضية أن يكون نصف النصر المتبقي غالي الثمن، باهظ التكاليف. فالحركات الإسلامية المسلحة سارعت إلى سحب قواتها من المدن وإخلائها، قبل وصول الفرنسيين والأفارقة إليها، في إستراتجية بدا واضحا أن الهدف منها هو تجنب التكاليف الباهظة لأي محاولة للاحتفاظ بالمدن والتجمعات السكانية.
إلا أن تلك الحركات لم تكن لتترك الفرنسيين والماليين يهنؤون بدخولهم المدن الكبرى في أزواد، دون توجيه رسائل إزعاج لهم، عبر مجموعات من المقاتلين تقوم -من حين لآخر- بمناوشات وعمليات انتحارية داخل مدن غاو وتمبكتو وكيدال.
انسحاب سريع
وقد بدا الاختفاء السريع للحركات المسلحة التي كانت تسيطر على المدن الكبرى لغزا حير الكثيرين، وتكاثرت الأسئلة: أين مئات الرجال والسيارات العابرة للصحارى، والمصفحات والعتاد الثقيل الذي كانت تعج به مدن وقرى إقليم أزواد، هل ابتلعت الأرض هؤلاء، أم عرجوا إلى السماء، أم وجدوا لهم مخبأ آمنا ركنوا إليه وتحصنوا فيه.
فالمتابعون لمسار الأحداث في أزواد يدركون جيدا أن تلك الحركات كانت قد بدأت في سحب قواتها وعتادها من المدن الكبرى، أسابيع عديدة، قبل أن تتحرك نحو الجنوب باتجاه قرى وبلدات سفاري وكونا وجبالي، لإشعال فتيل المواجهة.
إذ تؤكد المعطيات الميدانية، وشهود العيان أن المقاتلين الإسلاميين قاموا بسحب قواتهم وأسلحتهم الثقيلة من تمبكتو وغاو قبل اندلاع الحرب، وأبقوا على كوكبة من السيارات المتحركة، تدخل المدن لتجوب شوارعها ثم تختفي مع الغروب أو خلال ساعات الليل الأولى، في عملية تستهدف إعطاء إشارات للسكان بأنهم باقون، تجنبا لوقوع عمليات نهب وسلب وفوضى. ويمكن تفسير قرار تحرك قوات الحركات الإسلامية نحو الجنوب بداية شهر يناير الماضي، بأنه خطة استهدفت خلق بؤرة مواجهة بعيدا عن أماكن تجمعهم، للفت الانتباه إليها وإشغال الرأي العام، تمهيدا لسحب ثقيل العتاد والقوات الكبيرة من مدن أزواد.
لذلك كانت قواتهم التي قاتلت في سيفاري وجبالي عبارة عن مجموعة خفيفة متحركة على متن سيارات رباعية الدفع، استهدفت إشغال الفرنسيين والماليين، ومناوشتهم خارج أزواد، حتى تتمكن الحركات من إعادة الانتشار في مخابئها التي أعدت سلفا لاحتضانها، في حرب استنزاف خطط لها قادة تلك الحركات وأرادوها -كما يقول أمير الصحراء في القاعدة يحيى أبو الهمام- طويلة الأمد عصية على الانتهاء، وبعد اكتمال المهمة انسحب المقاتلون من سيفاري وجبالي، وتبعهم الفرنسيون والأفارقة على أمل مقاتلتهم في المدن الكبرى، وإلحاق خسائر فادحة بهم، لكنهم كانوا قد اختفوا وتوغلوا في الصحراء والجبال في أقصى الشمال.
البحث عن صحوات
ومع دخول القوات الفرنسية والأفريقية إلى كبريات المدن دون قتال، كان لابد من التفكير في المهمة الأصعب وهي اقتحام معاقل المسلحين الإسلاميين في منطقة جبال آدرار الإيفوغاس، خصوصا سلسلة جبال «تغرغارت» الوعرة، والتي اتخذ منها مقاتلو تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وحلفاؤهم مأوى منذ سنين عديدة، وأطلقوا عليها اسم «طورا بورا المغرب الإسلامي» تيمنا بجبال طورا بوار الوعرة في أفغانستان، التي آوى إليها أسامة بن لادن ورفاقه خلال الحرب الأمريكية على أفغانستان قبل أكثر من عشر سنوات، واستعصى اقتحامها على القوات الأمريكية.
وكان الفرنسيون يدركون جيدا أن مهمة دخول جبال الإيفوغاس هي المرحلة الأصعب في الحرب، وأن المقاتلين الإسلاميين تعمدوا توفير قوتهم لتلك المرحلة، فدفع الفرنسيون بحلفائهم التشاديين إلى المقدمة، بعد عملية شحن إعلامي وسياسي ودعائي استمرت عدة أسابيع، تم خلالها الترويج للجيش التشادي باعتباره من أفضل جيوش المنطقة، وصاحب الخبرة الكبيرة في الصحراء، وهو تنويه تحريضي، يحاكي على طريقة البلاغيين المدح بما يشبه الذم.
ووفقا لتفاهمات فوق الطاولة وتحتها، وفي محاولة من الرئيس التشادي إدريس ديبي لرد الجميل للقوات الفرنسية التي حالت دون سقوط نظامه بعد أن وصل المتمردون إلى مشارف قصره وسط العاصمة نجامينا في فبراير عام 2008، لم يجد «ديبي» بدا من الاستجابة للطلب الفرنسي، فدفع بنخبة من قواته نحو الخطوط الأمامية، في محاولة لاقتحام معاقل المسلحين الإسلاميين، حيث كانت تلك القوات عرضة لمذبحة رهيبة قتل فيها عشرات الضباط، بينهم قائد القوات الخاصة التشادية العقيد عبد العزيز حسن آدم، وذلك في الثاني والعشرين من شهر فبراير الماضي، وتحدثت مصادر إعلامية غربية وتشادية عن إصابة نجل الرئيس نفسه في تلك القوات.
كما سعى الفرنسيون -أيضا- للبحث عن حليف آخر يتقدمهم نحو الشمال، مدفوعين برغبة عارمة في محاولة الاستفادة من تجربة «الصحوات» في العراق، فتحالفوا مع قوات الحركة الوطنية لتحرير أزواد، المؤلفة من مقاتلين طوارق، والتي وافقت على المشاركة في المهمة مقابل أن يتغاضى الفرنسيون عن سيطرتها على مدينة كيدال، وتسييرها للأعمال هناك باسم «جمهورية أزواد»، التي أعلنوا عن ميلادها سابقا في مدينة غاو (عاصمة إقليم أزواد)، قبل أن يطردهم مسلحو حركة التوحيد والجهاد منها نهاية شهر يونيو عام 2012.
وتقول المصادر الشحيحة التي تصل من شمال مالي إن القوات الفرنسية وحلفاءها يخوضون معارك شرسة على حذر في الخطوط الدفاعية الأمامية للحركات المسلحة، وإنهم يواجهون مصاعب حقيقية في التقدم نحو الشمال، حيث يعتقد أن قادة الجماعات المسلحة يتمركزون مع رهائنهم، في كهوف «تغرغارت» الوعرة.
غموض «تغرغارت» يعقد الموقف
كما يدل مسار الأحداث على أن فرنسا تفتقد في هذه الحرب سلاحا أساسيا وجوهريا، وهو سلاح المعلومات الاستخباراتية الدقيقة، حيث فشلت حتى الآن في تحديد مصير أي من رهائنها السبعة المحتجزين لدى القاعدة وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، قبل أن يكشف تنظيم القاعدة في العشرين من شهر مارس الماضي عن قتل أحدهم، مؤكدا أنه أعدمه في العاشر من نفس الشهر، أي بفارق عشرة أيام بين تاريخ قتل الرهينة وتاريخ إعلان الخبر، وهي فترة -رغم طولها- لم يستطع الفرنسيون خلالها تأكيد أو نفي هذا الخبر.
وحين عثرت قواتها في جبهة القتال على جثة القيادي في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي عبد الحميد أبو زيد، لم تكن أمامها أي وسيلة للتأكد من هويته سوى إخضاعه وأفراد عائلته لفحص الحمض النووي، وهذان نموذجان من مؤشرات عديدة تدل كلها على أن الغموض لا يزال يلف -بالنسبة للفرنسيين- حقيقة الأوضاع في جبال «آدرار الإيفوغاس»، وأنهم لم يتمكنوا حتى الآن من اعتقال أي من «المقاتلين المهمين» في التنظيمات المسلحة، وإلا لكانوا قد حصلوا منه على معلومات عن الرهائن، أو تعرف لهم على جثة «أبو زيد»، وهو ما يرجح فرضية قالها مسؤولون عسكريون فرنسيون، سابقا، تؤكد أن معظم من قتلوا أو وقعوا في قبضة القوات الفرنسية والأفريقية هم عناصر من «المقاتلين المساعدين» غير الأساسيين.
وأمام غموض الوضع في جبال «تغرغارت» يطارد الفرنسيون الزمن، في محاولة لإفشال خطط الجماعات الإسلامية المسلحة، الساعية إلى إطالة أمد المواجهات تمهيدا لحرب عصابات، يقترب زمنها المناسب مع حلول صيف الصحراء القائظ، وهو صيف يشبهه الكثيرون في تلك المناطق الجبلية الصحراوية بشتاء أفغانستان، نظرا لاشتراكهما في صعوبة الأوضاع المناخية واستحالة العيش فيهما، حيث تصل درجة الحرارة في صحراء أزواد، إلى ما يناهز 50 درجة، وتتحول صخور تلك الجبال وكثبان الصحراء إلى جحيم لا يطاق، وهو جحيم خبره مقاتلو الحركات الإسلامية خلال السنوات الماضية وأعدوا له العدة، في حين سيكون صعبا على الفرنسيين وحلفائهم الأفارقة التكيف معه، باستثناء التشاديين الذين أصيبوا في معنوياتهم بطعنة غائرة، بعد مقتل قائد قواتهم وعشرات من ضباطه وجنوده، قد يفاقم من تبعاتها إعلان المتمردين التشاديين استعدادهم لاستئناف العمل المسلح ضد النظام، الأمر الذي قد يجعل الحاجة إلى القوات التشادية على أراضيها أكثر من الحاجة إليها في صحراء أزواد.
انتهاكات على حساب الفرنسيين
كما أن تغاضي الفرنسيين عن الانتهاكات الفظيعة التي يرتكبها الجيش المالي ضد العرب والطوارق والفولان في أزواد، كفيلة بأن تعزز الحاضنة الاجتماعية والقبلية للمسلحين الإسلاميين الذين ينحدر الكثير منهم من قبائل العرب والطوارق، وحتى من قبائل الصونغاي والفولان، بل إن بعض السكان أصبح يجاهر بالقول إن «الإرهابيين» أفضل من الفرنسيين بالنسبة لسكان أزواد، وهو قول يعلله هؤلاء بأن الحركات الإسلامية -حين سيطرت على أزواد- كانت تقوم بما تشاء من «الفظائع» باسمها دون أن يكون لتلك الانتهاكات طابع عنصري أو عرقي، بل إنها حمت بعض السكان من بعض، وحافظت على مستوى من السلم الأهلي، رغم أن احتمال قيام بعض المجموعات العربية والطارقية بعمليات انتقام ضد السونغاي كان متوقعا.
وقد أقدم أحد عناصر الطوارق عشية هروب الجيش المالي من أزواد على قتل فلاح من الصونغاي، فكان رد حركة أنصار الدين سريعا باعتقال القاتل وإعدامه أمام ذوي القتيل، فتوقفت محاولات الثأر حينها، وخاف الناس على أعناقهم وأرزاقهم، لكن الفرنسيين حين قدموا مع حلفائهم تركوا الحبل على الغارب للماليين الزنوج، الذين قاموا بتصفيات عرقية ضد العرب الطوارق والفولان، ومنحوا بعض السكان فرصة نهب وحرق ممتلكات بعضهم الآخر، الأمر الذي يعني أن وضعية السلم الأهلي في أزواد تعرضت لنكسة ستكون لها تبعاتها لسنوات طويلة في المستقل القريب والمتوسط.
ينضاف إلى ذلك تجاهل الفرنسيين للجبهة العربية الأزوادية التي تضم مئات المقاتلين من قبائل البرابيش العربية -وهي حركة عربية قومية معادية للحركات الإسلامية وتسعى لتحقيق مطالب وطنية وقومية في أزواد- دون أن يحسبوا لها أي حساب، بل إن الجيش الفرنسي انساق وراء إشكالات وحساسيات بين العرب والطوارق، خصوصا الجبهة العربية والحركة الوطنية الطارقية، فقام الطيران الفرنسي في الرابع والعشرين من فبراير الماضي بقصف معسكر لقوات الجبهة العربية وقتل عددا من عناصرها، رغم وجود المعسكر على بعد كيلومترات قليلة من الحدود الجزائرية، وحصول الحركة على ضمانات من حكومة الجزائر بأنها لن تتعرض لأي هجمات.
وباختصار، يمكن القول إن حرب «فرانسوا هولاند» على الحركات المسلحة في أزواد، ما تزال في بدايتها، وأن عوامل تعقيد المهمة الفرنسية الأفريقية تتفاقم، بدءا باقتراب موسم الصيف وتحول المنطقة إلى جحيم لا يطاق، وتضاعف أرقام التكاليف البشرية والمالية والسياسية لتلك الحرب، وبدء مسلسل القتل في صفوف الرهائن الفرنسيين لدى الجماعات المسلحة، فضلا عن التبعات الأخلاقية والقانونية لما يحصل من انتهاكات عرقية وعنصرية، والتي إن لم تكن فرنسا شريكا فيها، فهي على الأقل تتغاضى عنها بعد أن مكنت لمرتكبيها.




محمد محمود أبو المعالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.