تشديد شروط الهجرة: عقابٌ للمهاجرين أم تراجعٌ عن المبادئ؟    وانطلق قطار المؤتمر الوطني الثاني عشر    الاتحاد الاشتراكي.. حالة إنصات لنبض الشعب    المغرب ‬يسعى ‬إلى زيادة ‬صادراته من ‬السيارات ‬نحو ‬مصر    الرباط تستضيف أشغال الاجتماع الخامس للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين    مكتب بايدن يعلن إصابته بسرطان البروستاتا وانتقال المرض إلى العظام    سفارة الصين بالمغرب: فيديو الملك الراحل الحسن الثاني وهو يدافع عن الصين بالأمم المتحدة حصد أكثر من 100 ألف إعجاب خلال يومين فقط على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية    التلفزيون الجزائري في قلب فضيحة دعائية: بث مشاهد إسبانية كمزاعم عن "نفق سري" بين المغرب والجزائر    الصين تؤكد انفتاحها وتدعو لتعاون دولي لمواجهة التحديات الاقتصادية    للمرة الأولى منذ 2015.. الطيران السعودي يستأنف رحلاته للحجاج الإيرانيين    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة .. وهبي: "اللاعبون قدموا كل ما لديهم والتركيز حاليا على كأس العالم المقبل"    أنشيلوتي: مودريتش سيقرر مصيره بهدوء.. وهذه نصيحتي لثلاثي المستقبل    مباريات السد.. السوالم يواجه أولمبيك الدشيرة والحسنية تلاقي رجاء بني ملال    مديرية الأمن الوطني توفر لموظفيها خدمات تفضيلية من "رونو" المغرب    تيزنيت : شركة نجمة سكن ترد على مقال "فضائح المشاريع السكنية بتيزنيت.."    السينما الصينية تتألق في مهرجان كان: جناح خاص يعكس ازدهار الإبداع السينمائي الصيني    وهبي: اللاعبون قدموا كل ما لديهم والتركيز حاليا على كأس العالم    أجواء حارة في توقعات طقس الإثنين    إيران ترفض اتهامات تجسس بريطانية    زعيم كوريا الشمالية يزور مقبرة شخصية عسكرية بارزة في ذكرى وفاته    قادة "البام" يكرمون الراحل فضلي    .    النصيري يسكت صافرات استهجان    ارتفاع حركة المسافرين بمطار الحسيمة بنسبة 19% خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025    وزيرة ثقافة فرنسا تزور جناح المغرب في مهرجان "كان" السينمائي    "حماة الوطن عيون لا تنام".. شريط فيديو يستعرض دور الأمن الوطني في حماية الوطن والمواطنين (فيديو)    توقيف شخصين بفاس والبيضاء بشبهة حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    تقرير رسمي.. بايدن مصاب بسرطان البروستاتا "العنيف" مع انتشار للعظام    نهائي "كان" أقل من 20 سنة.. المغرب يخسر أمام جنوب إفريقيا بهدف دون رد    اتحاد يعقوب المنصور يحقق إنجازا تاريخيا بالصعود للقسم الأول لأول مرة    انقلاب حافلة محملة بكمية كبيرة من مخدر الشيرا (صور)    ابتداء من 25 مليون.. فرصة ذهبية لامتلاك سكن بمواصفات عالية في الناظور    أسعار الفواكه الموسمية تلتهب في الأسواق الوطنية والناظور تسجل أرقاما قياسية    الجواز المغربي في المرتبة 67 عالميا.. وهذه قائمة الدول التي يمكن دخولها    إحباط محاولات اقتحام جماعية لمدينة سبتة    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في حفل التنصيب الرسمي للبابا ليو الرابع عشر    برونزية "كان U20" لشباب نيجيريا    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    عروض تفضيلية لموظفي الأمن الوطني لشراء السيارات بموجب اتفاقية جديدة مع رونو المغرب    حموشي يوقع اتفاقية مع "رونو المغرب" لتوفير عروض تفضيلية لموظفي الأمن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    الحسيمة تحتضن مؤتمرًا دوليًا حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    انتخاب المغرب على رأس شبكة هيئات الوقاية من الفساد    الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي    رقمنة القوة: دور الشركات الكبرى في السياسة الدولية    الجديدة : انطلاق تصوير الفيلم الجديد ''ياقوت بين الحياة والموت'' للمخرج المصطفى بنوقاص    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    متحف أمريكي يُعيد إلى الصين كنوزاً تاريخية نادرة من عصر الممالك المتحاربة    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاة الغائب
نشر في المساء يوم 11 - 01 - 2009

طالب خالد السفياني بالقيام بصلاة الغائب بعد صلاة الجمعة في كامل مساجد المملكة ترحما على أرواح الشهداء الذين سقطوا في غزة. شخصيا أعتقد أن صلاة الغائب يجب أن تكون أيضا على ضمائر القادة والزعماء العرب، وليس فقط على أرواح الشهداء الفلسطينيين. لأنه من العار أن يغضب ويهدد ويصف ما تقترفه إسرائيل في غزة بالبقعة السوداء في تاريخ اليهود والإنسانية رئيس دولة علمانية كتركيا، ويطرد رئيس دولة مسيحية كفنزويلا سفير إسرائيل من بلاده، بينما قادة الدول العربية التي تنص دساتير بلدانها على كون الإسلام هو دينها الرسمي، لا يكلفون أنفسهم سوى المطالبة بوقف العنف في غزة، مطالبين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي والمنتظم الدولي بتحمل مسؤولياته. وكأن هؤلاء الزعماء والقادة متحررون من أية مسؤولية أخرى تجاه فلسطين غير التنديد والشجب والإدانة.
وكأنهم لم يستوعبوا جواب البيت الأبيض على رسائل احتجاجهم وبياناتهم الغاضبة، عندما أصدر ساكنه بمناسبة وصول شهداء القصف الهمجي الإسرائيلي إلى 700 شهيد وآلاف الجرحى برقية عزاء لروح القطة الأولى «ويلي» التي أسلمت الروح داخل البيت الأبيض مخلفة حزنا عميقا في نفوس أفراد عائلة بوش. ولو أن «ويلي» الحقيقية هي التي يجب أن نقولها نحن ونلطم معها خدودنا بسبب هذا العجز العربي المخزي، ونحن نرى كيف يخرج عرب إسرائيل في تل أبيب للتظاهر تضامنا مع إخوانهم في غزة، بينما تمنع شرطة عباس الفلسطينيين من التظاهر في بيت لحم وغيرها من المدن، ويعطي حسني مبارك الأوامر لحرس حدوده لكي يطلقوا النار على كل من يقتحم المعبر هربا من النيران الإسرائيلية.
والتبرير الغبي الذي يسوقه هؤلاء القادة الأشاوس لمشاركتهم في الجريمة، هو أن حماس تتحمل مسؤولية ما يقع في غزة. وهم في هذا التحليل يشتركون مع ما يسوقه الناطق الرسمي باسم حكومة إسرائيل، وهو بالضبط ما ردده هذا «الممثل» مثل ببغاء في نشرة أخبار أمس بقناة الجزيرة التي ربطت الاتصال به.
وهؤلاء القادة وجيشهم العرمرم من المحللين والصحافيين، الذين لدينا جزء منهم في صحافتنا بالمغرب، ينسون أن إسرائيل لا تريد رأس حماس من خلال كل التصفية العرقية والإعدام الجماعي الذي تمارسه منذ أسبوعين في غزة، وإنما تريد مسح القطاع من الوجود. أو كما تمنى شارون دائما، إلقاء غزة في البحر.
والدليل على ذلك أن إسرائيل عندما اقترفت مذابحها السابقة في دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا لم تكن حماس ولا فصائلها موجودة أصلا في فلسطين. ولم تكن تهطل على الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل أية صواريخ. فما الذي دفع الجيش الإسرائيلي ومليشياته آنذاك لتذبيح الفلسطينيين وأطفالهم ونسائهم. إن ما دفع إسرائيل لاقتراف تلك المذابح هو بالضبط ما يدفعها اليوم لاقتراف مذابح غزة. وهو بالضبط ما قاله الدبلوماسي «ستيفان هيسيل» في الحلقة المتميزة التي بثتها القناة الثالثة الفرنسية مساء الخميس ضمن برنامج «سو سوار أو جامي» لصاحبه «طاديي»، عندما قال بأن إسرائيل لا تريد السلام مع العرب والفلسطينيين. فهل يفهم بعض المتحمسين «سكر زيادة» لأوهام السلام من جانب واحد، أن أخشى ما تخشاه إسرائيل هو السلام. لأنها تتوسع بالحرب، وكل المناطق التي توسعت فيها كانت بعد حروب همجية روعت وأرهبت سكانها الأصليين لكي يتركوها للمستوطنين الإسرائيليين.
وكل من تابع تلك الحلقة المتميزة، اكتشف الوجه الحقيقي للمؤرخ اليهودي الفرنسي «أليكسندر آدلر»، الذي استدعته إحدى المؤسسات البنكية المغربية قبل شهر لكي يقتسم طاولة المحاضرات إلى جانب صلاح الدين مزوار وزير المالية ويتحدث لها عن قوة ومناعة النظام البنكي المغربي ضد الأزمة الاقتصادية العالمية.
فقد سقط القناع عن وجه «آدلر» عندما عرض منشط البرنامج صور الأطفال الذين أحرقت نيران الجيش الإسرائيلي أجسادهم الصغيرة، وصور الخراب الوحشي الذي طال البيوت والمستشفيات والمدارس، فتوجه طارق رمضان نحو «آدلر» وسأله هل يدين هذه الأعمال الوحشية، فأجابه هذا الأخير بأنه لا يدينها.
بمعنى أنه يباركها ويشجع عليها. موقف «آدلر» العنصري والمؤازر لسياسة العدوان الإسرائيلي لا يختلف كثيرا عن موقف المغني «إنريكو ماسياس» الفرنسي من أصل يهودي جزائري، والذي تظاهر أمام السفارة الإسرائيلية في باريس مشجعا حملة التطهير العرقي التي يشنها الجيش الإسرائيلي في غزة. وهذان العنصريان ينزلان عندنا في المغرب كضيوف شرف معززين مكرمين. الأول سمعنا صوته من خلال قراءته لعموده الأسبوعي عبر مايكروفون «إذاعة ميدي 1» التي تبث من طنجة، بعد أن دبر له «كولومباني» مدير «لوموند» السابق في هذا «البريكول» عند ابن بلده «كازالطا» مدير الإذاعة. والثاني يزور المغرب لإحياء حفلات خاصة بالملايين لبعض الأثرياء المغاربة.
أعتقد أن ما يحدث في غزة، رغم شراسته وهمجيته، فيه جانب إيجابي. فداخل كل نقمة هناك نعمة لا يراها سوى أولي الأبصار. أهم شيء يمكن أن نستنتجه مما يحدث في غزة، هو أن صورة إسرائيل في العالم اليوم أصبحت ملطخة بدماء الأطفال. ورغم أن وزيرة خارجية إسرائيل تمارس سياسة «موت أحمار» عن طريق محاولة لعب دور ضحية صواريخ حماس، فإن العالم اكتشف المؤامرة وانتهت إسرائيل منبوذة في كل الأمكنة التي يذهب إليها رياضيوها. وقبل أمس ضربوا لاعبي فريق كرة السلة الإسرائيلي في تركيا بالأحذية، وبالأمس تعرضت لاعبة التنس الإسرائيلية «شاهار بير» في نيوزيلاندا لحملة احتجاجية أمام الملعب نظمها متعاطفون مع فلسطين. وهذا يعني أن الحضور الإسرائيلي في العالم سيلاقي حملات معادية بسبب ما يقترفه جيش الاحتلال من جرائم ضد الإنسانية في غزة.
وبالإضافة إلى تلطيخ صورة إسرائيل بدماء الأطفال الأبرياء وإدانة كل أحرار العالم للهمجية الإسرائيلية، ساهمت صور هؤلاء الأطفال المقتولين في إذكاء شعلة القضية الفلسطينية في قلوب الأجيال الجديدة من أطفال ومراهقي وشباب العرب والمسلمين عبر العالم، بعد أن خبت شراراتها في السنوات الأخيرة بسبب التطاحن الفلسطيني الداخلي. إذ لم تشهد قضية فلسطين منذ حرب 1967 حضورا قويا كالذي تشهده اليوم في الساحة العربية والدولية.
مسؤوليتنا نحن كصحافيين، ومسؤولية السياسيين والبرلمانيين والحقوقيين، هي أن يناضلوا جميعا من أجل الوقوف صفا واحدا ضد الهمجية الإسرائيلية لكي تتوقف المجزرة أولا، كما قال «إلياس صنبر» في حلقة الخميس من برنامج «طاديي»، وأن يضغطوا بكل ما في أيديهم من وسائل، سواء عن طريق الدعوة إلى محاربة التطبيع مع إسرائيل أو فضح كل الداعين إلى كسر جدار هذا التطبيع، سواء كان اقتصاديا أو سياسيا أو فنيا.
هناك اليوم بعض الأصوات التي تكتب معلقة على موجة الدعم غير المسبوقة لصالح غزة، منتقدين كون هذا الدعم كان أولى به أن يذهب إلى سكان «أنفكو». كما أن هناك من يكتب منتقدا استشهاد القيادي في حماس نزار ريان في بيته مع زوجاته الأربع وأطفاله، ساخرا من موته في منزله عوض حمله للسلاح في الميدان. وهناك من يكتب مرددا مثل ببغاء كلام وزيرة الخارجية الإسرائيلية وساركوزي، منتقدا وجود القيادات السياسية لحماس في سوريا ولبنان عوض وجودها في غزة، ويحمل هذه القيادات ما يقع اليوم من إعدام جماعي للأسر والعائلات.
هؤلاء يتحدثون عن وجود قادة حماس السياسيين في المنافي وكأن هؤلاء القادة يوجدون خارج أرضهم في رحلات سياحية، بحيث لم يكرههم أحد على مغادرة بيوتهم وأهلهم.
مثل هذه الكتابات والمواقف لا تسيء إلى حماس أو إلى القضية الفلسطينية، وإنما تسيء إلى أصحابها. لأن المطلوب الآن ليس محاكمة حماس أو صواريخها، وإنما محاكمة إسرائيل ومحاصرتها وتجفيف كل منابع التطبيع معها.
ولعل مسؤولية النواب البرلمانيين والأحزاب السياسية المغربية اليوم هي الإجماع على صياغة قانون جنائي يجرم التطبيع مع العدو الصهيوني في المغرب. فإسرائيل تقاتلت من أجل وضع قانون يجرم إنكار المحرقة اليهودية، وتحاكم بموجبه كل من يشكك في أرقام ضحايا «الهولوكوست». واليوم يعيش الكوميدي «ديودوني» حصارا خانقا من طرف اللوبي الإسرائيلي في الإعلام الفرنسي بسبب منحه لجائزة لأشهر أستاذ جامعي ينكر وجود المحرقة اليهودية، وألغت الشركة التي تتعهد حفلاته ثلاثة عروض كانت مبرمجة هذه الأيام في ثلاث مدن فرنسية.
على سياسيينا وممثلي الأمة أن يستفيدوا من الدرس، وأن يخرجوا قانونا جنائيا إلى الوجود يعاقب كل من تثبت في حقه تهمة التطبيع مع إسرائيل.
وهذا أضعف الإيمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.