- كيف كانت علاقتك بمالك أسبوعية «لافي إيكونوميك»، سيرفان شرايبر، عندما بدأت تكتب مقالا ثابتا فيها، بينما تتولى في الوقت نفسه رئاسة تحرير جريدة أخرى هي «لوبينيون»؟ كانت علاقة جيدة، إذ لم يسبق أن مورست علي الرقابة في جريدته كما كان عليه الأمر في «لوبينيون». وعلى ذكر «لافي إيكونوميك»، يجب أن تعرف أن الفضل في اقتنائها من طرف الفرنسي سيرفان شرايبر، في 1994، يعود إلى الحسن الثاني الذي كلف أندريه أزولاي، بعدما عينه مستشارا له في 1990، بمهمة ربط الاتصال بالصحافة الفرنسية؛ وكان من ثمرات ذلك، الحوارُ الذي أجراه الحسن الثاني حينها مع جريدة «ليبراسيون» الفرنسية، وهي جريدة مقربة من اليسار. في هذا السياق، سمح الحسن الثاني، بشكل استثنائي، لسيرفان شرايبر بشراء الأسبوعية، لأنه ممنوع على أجنبي أن يمتلك جريدة في المغرب. هذا التحول في سياسة الحسن الثاني كان مرتبطا بالتحولات التي عرفها العالم مع تصدع المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وبداية تشكل نظام عالمي جديد شعاره الديمقراطية وحقوق الإنسان. - لعب سيرفان شرايبر دور ملمع لصورة نظام الحسن الثاني في فرنسا من خلال «لافي إيكونوميك».. في هذا السياق سوف أحكي لك حكاية، فبعد مرور مدة على شراء شرايبر ل«لافي إيكونوميك» في 1994، تمت برمجة زيارة لفرنسا من قبل الحسن الثاني؛ وقد أعدت الجريدة عددا خاصا كان سيوزع على رجال الأعمال، طبعت منه 10 آلاف نسخة، لكن مرض الملك حال دون سفره إلى باريس. وفي ذلك العدد، طُلب مني أن أكتب مقالا حول الحسن الثاني والديمقراطية، فأجبت بقولي: «إيلا كتبت را غادي نطحن هاذ الشي»، فالنظام يتحدث عن الديمقراطية الحسنية، وأنا لم يسبق لي أن سمعت عن ديمقراطية مقرونة باسم شخص.. هناك الديمقراطية الكونية، وهي لا علاقة لها بديمقراطية الحسن الثاني؛ فقال لي مسؤول النشر: لك أن تكتب هذا. عندما ألغيت زيارة الحسن الثاني لفرنسا، وبعد مباحثات بين شرايبر وأزولاي مع «دار المخزن»، سُمح للجريدة بتوزيع العدد في المغرب؛ وعندما أخبر مسؤول «لافي إيكونوميك» الجهات المعنية بأن العدد يتضمن مقالا لخالد الجامعي ينتقد فيه الديمقراطية المغربية، أجابه الحسن الثاني: وزعوا العدد لكي يعرف المغاربة ما هي ديمقراطيتي. - هل كان ادريس البصري، فعلا، غير مرتاح للانفتاح الذي كان المغرب يشهده في هذه المرحلة، والإعلامي منه على وجه الخصوص؟ نعم، لقد كان ادريس البصري متضررا من هذه العملية وناقما على «لافي إيكونوميك»، و«ما مشى حتى ردّ الصرف» وفرض على شرايبر بيع الجريدة إلى عزيز أخنوش. وتعرضت أول ما تعرضت للرقابة في «لافي إيكونوميك» بعدما أصبحت الأخيرة في ملكية أخنوش «اللي جرا علي». - كيف حصل ذلك؟ بعثت مقالي الأسبوعي كالمعتاد فتم رفض نشره، وقال لي مسؤول النشر حينها: هذا المقال ينتقد المخزن، ونحن لم نعد نتحدث عن مثل هاته الأشياء؛ فأجبته: «مابقيتوش تهدرو على هاذ الشي، الله يهنيكم». - حدث هذا في 1997، وهي السنة التي ستنطلق فيها أسبوعية «لوجورنال» التي أسسها ابنك بوبكر الجامعي رفقة آخرين؛ متى التحقت بهذه التجربة؟ بعد ستة أشهر على انطلاقها. - خلال هذه الأشهر الستة، تحولت «لوجورنال» من جريدة متخصصة في الاقتصاد إلى أسبوعية شاملة، تهتم بالسياسة والمجتمع إلى جانب اهتمامها بالاقتصاد؟ نعم، بوبكر كان مبهورا بتجربة الجريدة البريطانية المتخصصة في المال والأعمال «فاينانشال تايمز»، لأن تكوينه كان في مجال المال والأعمال. - صادف مجيء «لوجورنال» انتخابات 1997، وحكومة التناوب في 1998، فأصبح بوبكر الجامعي حينها متأثرا بنموذج «إلباييس» الإسبانية التي واكبت الانتقال الديمقراطي في إسبانيا، نهاية السبعينيات، وأصبحت من أكبر المجموعات الإعلامية في العالم؟ لا شك في أن الأحداث السياسية التي حبلت بها نهاية سنة 1997 وبداية 1998 ساهمت في تحول «لوجورنال» من جريدة اقتصادية إلى جريدة شاملة بوعي سياسي واضح؛ لكن العامل الأساسي في هذا التحول هو أن مؤسسي «لوجورنال» اقتنعوا بصعوبة نجاح جريدة مستقلة، متخصصة في الاقتصاد، في بلد مثل المغرب. لقد ساهمت معرفة صحافيي «لوجورنال» بالاقتصاد، ثم انفتاحهم على السياسة، في جعل هذه الأسبوعية في طليعة المنابر الصحفية التي استعملت بوعي تعبير «المخزن الاقتصادي» الذي كنت قد تحدثتُ عنه في بداية التسعينيات خلال ندوة نظمتها «منظمة العمل الديمقراطي الشعبي» بالدار البيضاء، وأثار حينها جدلا كبيرا، وكان من جملة ما قلته أن الضباط الكبار أصبحوا يشكلون قوة اقتصادية في المغرب. - مع انطلاق حكومة التناوب، تباينت مواقف صحافيي «لوجورنال» منها إلى حد كبير؛ فبينما كان بوبكر الجامعي يتريث في الحكم على التجربة، كنت أنت وعلي المرابط ضدها منذ البداية؛ لماذا؟ لقد كنت على خلاف مع بوبكر في الموقف من حكومة التناوب، وقلت له: لا تنتظر شيئا من حكومة كهذه، لكنه كان يراهن على نجاحها. وقد صرح بوبكر مؤخرا في إحدى الندوات بقوله: لقد خالفت والدي في هذا الأمر، ولكن تبين بعدها أن رأيه كان صائبا. لقد أقمت طرحي حول حكومة التناوب التوافقي على أساس: ما بني على باطل فهو باطل، وحكومة التناوب لم تتأسس على إرادة الشعب من خلال الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، بل أملتها رغبة أشخاص تعاقدوا بشكل غامض.