عدد زوار فضاء الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بالجديدة ناهز مليونين    احتجاجات دولية بعد إطلاق إسرائيل النار باتجاه دبلوماسيين في الضفة الغربية    وفاة زوج وزوجته وطفلاهما في حريق نواحي شفشاون    أحكام بالسجن في حق أفراد من عائلة "هشام جيراندو"    رغم قرار الإلغاء.. إقبال على شراء الأضاحي وارتفاع أسعار اللحوم يربك الأسواق    صعود اتحاد يعقوب المنصور إلى دوري الأضواء ثمرة عمل متواصل    إصابة سبعة أشخاص في حادث اصطدام بين سيارة أجرة وسيارة لنقل العمال بطنجة    الهدهد والطيور الاثنا عشر .. عرض تربوي فني يوقظ وعي أطفال سيدي مومن    "مؤشر التضخم" ينخفض في أبريل    فاس: الجامعة الأورومتوسطية تضع بنياتها الرياضية المتطورة رهن إشارة الجامعات الملكية المغربية للرياضة    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"    الدولار يتراجع وسط مخاوف مالية وبتكوين تواصل الصعود القياسي    مندوبية التخطيط: تراجع الفقر متعدد الأبعاد في المغرب مع استمرار الفوارق بين المجالين الحضري والقروي    مندوبية التخطيط: تراجع الفقر متعدد الأبعاد بنسبة 45% في الجماعات الأكثر فقرا    التوقيع على اتفاقية لتنزيل جائزة محمد السادس الدولية للسلامة الطرقية بلايبتسيج    شهادات للبيع وترقيات بالرشوة    "العدالة والتنمية" يدين استهداف إسرائيل للسفير المغربي بالرصاص ويطالب بإسقاط التطبيع    الكفيف ولذَّة الكفوف    حوار مع سلافوي جيجيك يحذر فيه من "جدران غير مرئية جديدة"    فوزي لقجع: تنظيم مونديال 2030 و"كان" 2025 امتداد لمسار تنموي مستدام يقوده الملك محمد السادس    "نساء المحار" في تونس يواجهن خطر التغيرات المناخية و"السلطعون الأزرق"    نقابة تستنكر الحملة الإعلامية المغرضة ضد الجامعة المغربية بعد قضية "المتاجرة بشواهد الماستر"    البوليساريو تتسلل من جديد تحت عباءة الجزائر إلى اجتماع وزاري أوربي مع الاتحاد الإفريقي    ONMT يطلق حملة "نتلاقاو فبلادنا" لتشجيع السياحة الوطنية    الوزيرة السغروشني تكشف من قبة البرلمان عن 5 مبادرات لتعزيز الذكاء الاصطناعي بالمغرب    كأس العالم للأندية: فيفا يفتح نافذة انتقالات استثنائية من 1 إلى 10 يونيو    كأس العالم للأندية: مهاجم ريال مدريد اندريك يغيب عن المسابقة بسبب الاصابة    تقارير.. مودريتش قد يودع جماهير ريال مدريد أمام سوسيداد    جامعة الكرة تكشف البرنامج الكامل لمباريات السد    مقتل موظفين بسفارة إسرائيل بواشنطن    حجيرة يدعو إلى تجارة دولية أكثر ملاءمة لواقع القارة الإفريقية    طقس الخميس .. أجواء حارة نسبيا وزخات رعدية بعدة مناطق    مقتل موظفيْن إسرائيليين في واشنطن    أمام نظيره الجنوب إفريقي وعلى مسمعه: ترامب يدين 'الإبادة الجماعية' ضد الأقلية البيضاء    الإمارات تتوسع في غرب إفريقيا: جولة دبلوماسية رفيعة المستوى تفتح آفاقًا استثمارية جديدة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر    الجديدة: تسليط الضوء على الأدوار الاستراتيجية للقوات الخاصة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    من تطوان إلى إشبيلية.. مسيرة فنية تحتفي بجسور الثقافة بين المغرب وإسبانيا    إسبانيا تراقب عن كثب تقارب المغرب وكوريا الجنوبية بشأن قضية الصحراء    عزلة الجزائر تتفاقم في الساحل: نظام غارق في الخطابات ومتخلف عن دينامية التحالفات    كرة القدم والاستثمار .. المغرب يسرع الخطى نحو كأس إفريقيا والمونديال    مدرب نهضة الزمامرة: الزعيم استحق التأهل إلى ربع نهائي كأس العرش    الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض يؤكد التزامه باستقلال القضاء وحماية الحقوق والحريات في كلمة تنصيبه الرسمية    مصرع سائق دراجة هوائية دهساً تحت عجلات شاحنة بطنجة (فيديو)    المصالح الأمنية المغربية عززت قدراتها في مواجهة المخاطر المرتبطة باستضافة التظاهرات الرياضية الكبرى    الفنانة سمرا تصدر "محلاها ليلة".. مزيج إسباني عربي بإيقاعات عصرية    نادي "صرخة للفنون" يتألق ويمثل المديرية الإقليمية بالعرائش في المهرجان الجهوي لمؤسسات الريادة    تتويج المواهب الشابة في الدورة الثالثة لمهرجان الفيلم المغربي القصير بالجوال    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    باحثون بريطانيون يطورون تقنية جديدة تسرع تشخيص أورام الدماغ    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    طنجة تحتفي بالثقافات في أولى دورات مهرجان الضفاف الثلاث    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    تلك الرائحة    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الله يعطيه الصحة
نشر في المساء يوم 03 - 03 - 2009

كل الذين شاهدوا الندوة الصحافية عبر التلفزيون أصيبوا بالذهول. فهذه أول مرة يتجرأ فيها الوزير الأول على رفع يده في وجه أحد وزرائه. فيبدو أن الوزير الأول ضاق ذرعا بالانتقادات الموجهة إلى وزارة الصحة، ومل من سماع شكاوى المواطنين من الرشوة التي تنخر المستشفيات العمومية، فلم يتمالك نفسه ونزل من المنصة و«قرفد» المسؤول عن وزارة الصحة.
لا تندهشوا، فليس عباس الفاسي هو من «قرفد» ياسمينة بادو بسبب تدهور قطاع الصحة في المغرب، ولكن من قام بهذه «المهمة» هو الوزير الأول التشيكوسلوفاكي. فقد كان يتكلم أمام الصحافيين «ما عليه ما بيه»، حتى وصل إلى قطاع الصحة والانتقادات الموجهة إليه، فنزل من المنصة وتقدم من وزيره في الصحة وأعطاه للقفا حتى طار الوزير من مكانه. فوقف وزير الصحة من مكانه مصدوما بينما عاد الوزير الأول إلى المنصة ليتابع مداخلته وكأن لا شيء حدث.
وعندما «بردها» وزير الصحة جمع ملفه وقام من مقعده لمغادرة القاعة، فهمس في أذنه أحدهم ونصحه بأن يصعد إلى المنصة ويأخذ الكلمة. وفعلا تقدم وزير الصحة نحو المنصة حيث كان لا يزال الوزير الأول واقفا وأصابعه تأكله على «قرفادة» وزيره، وبدأ يتحدث معه غاضبا. وبينما كان وزير الصحة يستنكر ما قام به وزيره الأول أمام الصحافيين، ظل هذا الأخير يحدجه بنظراته الغاضبة ويحرك رأسه بالنفي، وكأنه يقول له «هاد الشي عندك مشادش». وطبعا هذه ترجمة تقريبية لما قاله الوزير الأول التشيكوسلوفاكي لوزيره في الصحة، فليس هناك صحافي مغربي واحد يستطيع أن يترجم حرفيا ما دار بين الوزيرين باللغة التشيكية. ومن يدعي ذلك سيكون مثل ذلك التلميذ الذي أراد أن «يفوح» على زملائه في القسم عندما سألهم المعلم في أية دولة يفضلون قضاء عطلتهم، فرفع التلميذ أصبعه وقال للمعلم «في تشيكوسلوفاكيا يا أستاذ»، فقال له المعلم «نوض للسبورة كتبها»، فقال التلميذ «ما بقيتش غادي ليها».
لكن «المقابلة» الصحافية بين الوزير الأول التشيكي ووزيره في الصحة لم تقف عند «التقرفيد»، بل تطورت إلى «البونيا». ولا أحد يعرف ماذا قال وزير الصحة لوزيره الأول إلى الحد الذي صوب نحو وجهه قبضة يده اليمنى. لكن وزير الصحة فهم الدرس، و«خوى ليها». ويبدو أن وزير الصحة عندهم ليس بارعا في «الخويان» فقط، بل لديه قدرة على الدفاع عن نفسه. «حتى هوا ما سويهلش»، فقد صوب هو الآخر لكمة إلى وزيره الأول كادت تسقط أسنانه الأمامية لولا أن هذا الأخير صدها بذراعه، ثم تشابك الاثنان «دقة فيا ودقة فيك»، إلى أن تدخل أحد الوزراء من سعاة الخير وفكهما.
المثير في هذه «المقابلة» الصحافية حامية الوطيس، أن لا الوزير الأول ولا وزيره في الصحة غادرا القاعة بعد الذي وقع. بل عاد الوزير الأول إلى المنصة ليتحدث أمام الصحافيين، فيما عاد وزير الصحة إلى مقعده وجلس يتحسس أذنه التي «حمرها» له رئيسه في الحكومة.
لا أخفيكم أنني شاهدت الشريط أكثر من عشرين مرة، وأكثر ما أثار انتباهي فيه ليس القسوة التي تعامل بها الوزير الأول التشيكي مع وزيره في الصحة، وإنما «القلدة» التي يتمتع بها الوزير الأول. وقد تذكرت وأنا أتفرج على الشريط وزيرا أول اسمه عباس الفاسي، لا يستطيع أن يقف طويلا في المنصات بسبب العياء الذي يصيبه. وقلت في نفسي كم هم محظوظون هؤلاء التشيكيون لأنهم يتوفرون على وزير أول «قاد بشغلو»، يستطيع أن «يقرفد» وزراءه الكسالى أمام عدسات المصورين والصحافيين.
وليس مثلنا نحن الذين لدينا وزير أول لا يستطيع مجرد جرجرة أرجله إلى مبنى البرلمان لكي يشرح للشعب الذي يدعي أنه صوت عليه، بأي حق سيصرف من أموالهم أكثر من 1،3 مليار درهم على أرباب الشركات المتضررة بسبب الأزمة.
عندما نقرأ آخر حوار للوزير الأول مع إحدى اليوميات الاقتصادية نندهش عندما نسمعه يعطي المثال بالإضراب على الطريقة الفرنسية، ويقول بأن 1،5 مليون فرنسي أضربوا عن العمل ونزلوا إلى الشوارع، ومع ذلك لم تتوقف حافلات النقل العمومي ولا حركة القطارات ولم تغلق المستشفيات أبوابها. ويستغرب عباس من أولئك النقابيين الذين يفتخرون أمام الصحافيين بأن مستشفى ابن سينا بالرباط كان مغلقا يوم الإضراب. ويضيف عباس أن التعليم تراجع، وأن أبناءنا يعانون من هذا التراجع.
عندما نقرأ كيف يقارن عباس الفاسي بين الإضراب المغربي والإضراب الفرنسي، وكيف يتأسف على تعليم «أبنائه» المتدهور، «نتوحش» فعلا الوزير الأول التشيكي. «نتوحش» يده بالضبط.
أولا لأن عباس يتجاهل شيئا أساسيا وهو أن الوزير الأول في فرنسا يحضر كلما تطلب الأمر ذلك في البرامج ونشرات الأخبار لكي يتواصل مع المواطنين ويشرح لهم القرارات التي تتخذها الحكومة. كما أنه يحضر إلى البرلمان بشكل منتظم لكي يواجه المعارضة وجها لوجه. وليس مثل عباس الفاسي الذي يحضر إلى البرلمان مرة واحدة عند افتتاحه من طرف الملك. أما التلفزيون فلا يظهر فيه عباس سوى لكي ينفي وقوع الأحداث التي يعرف الجميع أنها وقعت.
أما حكاية «تعليم أبنائنا» الذي تراجع، فليسمح لنا سعادة الوزير الأول أن نذكره بأن أبناءه لم يدرسوا في مدارس التعليم الحكومي، وإنما في مدارس البعثة الفرنسية. وعندما نالوا شهادة الباكلوريا لم يتزاحموا مثل السردين في الحافلات المتهالكة لكي يصلوا إلى مدرجات الجامعات الكالحة، بل درسوا في جامعة الأخوين المدفأة بالكهرباء الذي يؤدي فاتورته دافعو الضرائب.
واليوم يقضي أحد أصغر أبناء الوزير الأول، «سدي» عبد المجيد الفاسي، خريج جامعة الأخوين، فترة تدريب في القناة الأولى براتب إطار خارج السلم، ويأتي إلى دار البريهي على متن سيارته «الكات كات» التي تساوي «جانطة» واحدة من «جوانطها» مرتب شهر لأقدم موظف في القناة الأولى.
هكذا عوض أن يقوم وزيرنا الأول بانتقاد وزيرته في الصحة ياسمينة بادو والمشاكل التي تؤدي بالعاملين في هذا القطاع إلى القيام بإضرابات متتالية، يفضل سعادته إلقاء اللائمة على الأطباء والممرضين المضربين. فهؤلاء هم السبب في عدم تمكن المواطنين من الاستفادة من الخدمات الصحية أيام الإضراب. وفي الوقت الذي يدافع فيه عن وزيرته التي تنتمي إلى حزبه، ينتقد قطاع التعليم الذي يسيره وزير آخر ينتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة. لأن هذا القطاع تسيطر عليه نقابة غير تابعة لحزب الاستقلال.
وينسى سعادة الوزير الأول أنه إذا كان هناك من حزب «خرج» على التعليم في المغرب فهو حزب الاستقلال. وخصوصا في الفترة التي تقلد فيها وزارة التعليم عز الدين العراقي الذي عرب التعليم لأولاد الشعب فيما سجل كل أبنائه في مدارس البعثة الفرنسية.
وهذا أكبر تكذيب لما يردده عباس من أن حزب الاستقلال هو حزب الشعب. فهل قدم حزب الاستقلال وزراء في حكومته وموظفين في المؤسسات العمومية والشركات الكبرى ينتمون إلى الطبقات الشعبية. بالعكس، أغلبهم أبناء العائلة الفاسية الثرية الواحدة. يتوارثون الوزارات كما يتوارث أبناء الشعب
الأحذية والملابس والأمراض. عباس الفاسي الذي نادى عليه للحكومة علال الفاسي بعدما تزوج ابنته لالة أم البنين، يقوم بالشيء نفسه وينادي هو الآخر على زوج ابنته نزار بركة لكي يشغل منصب وزير منتدب مكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة. وبما أنه خال الطيب الفاسي الفهري وخال زوج ياسمينة بادو، فإنه ينادي عليه ليشغل وزارة الخارجية، وينادي على زوجته ياسمينة لتشغل وزارة الصحة. هذا دون أن نتحدث عن ابن عم زوج أخته المفتش العام للإدارة الترابية لوزارة الداخلية، وحفيد عمه المدير العام للشركة الوطنية للطرق السيارة، الذي هو في الوقت نفسه أخ الفهري الفاسي مدير الماء والكهرباء.
عباس يريد أن يبيع القرد ويضحك على من اشتراه بتصريحاته الجوفاء. فهو يعرف أنه ضعيف وحكومته مهزوزة وغير قادرة على مواجهة الأزمة القادمة تباشيرها في الطريق.
المغرب محتاج إلى وزير أول شاب، قوي وجريء، يستطيع أن يواجه التحديات التي سترتفع في وجهه. وزير أول لا يضرب وزراءه كما يصنع الوزير الأول التشيكي، بل يستطيع على الأقل أن يجمع قبضته ويضرب على الطاولة إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك. وهذا أضعف الإيمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.