رحلت الممثلة الفرنسية الأسطورية بريجيت باردو، أيقونة السينما الفرنسية في الستينات والناشطة في مجال الرفق بالحيوان، عن 91 عاما، على ما أعلنت المؤسسة التي تحمل اسمها أمس الأحد. وتضمن بيان للمؤسسة "تعلن مؤسسة بريجيت باردو ببالغ الحزن والأسى وفاة مؤسستها ورئيستها بريجيت باردو، الممثلة والمغنية العالمية الشهيرة التي اختارت التخلي عن مسيرتها الفنية المرموقة لتكريس حياتها وجهودها لرعاية الحيوان ودعم مؤسستها". وأشارت المؤسسة إلى أن الممثلة توفيت صباح الأحد في مقر إقامتها في لا مادراغ في سان تروبيه بجنوبفرنسا. ونادرا ما شوهدت باردو في الأماكن العامة خلال الأشهر الأخيرة، لكنها نُقلت إلى المستشفى في أكتوبر، وفي الشهر التالي أصدرت بيانا تنفي فيه شائعات وفاتها. وكانت قد دخلت المستشفى في تولون بجنوب شرق فرنسا في أكتوبر لإجراء عملية جراحية لم يُكشف عن طبيعتها، ثم عادت إلى منزلها في سان تروبيه للراحة. وقد سطع نجم باردو عالميا بعد ظهورها في فيلم "Et Dieu… crea la femme" ("وخلق الله المرأة") سنة 1956، قبل أن تعتزل التمثيل في أوائل السبعينات بعد مسيرة حافلة بالنجاحات شاركت خلالها في نحو خمسين فيلما. وفي السنوات الأخيرة، اشتُهرت بريجيت باردو التي شكلت رمزا للتحرر في فرنسا خلال خمسينيات القرن العشرين، بتصريحاتها الجريئة حول السياسة والهجرة والنسوية والصيد، وقد دينت بتهمة الإدلاء بإساءات عنصرية على خلفية بعض مواقفها. وكتبت بنبرة لا تخلو من التحدي في مقدمة كتابها بعنوان "ماي بي بي سيدير" ("My BBcedaire") الذي نشرته دار فايار في أوائل أكتوبر "الحرية هي أن تكون على طبيعتك، حتى وإن أزعج ذلك الآخرين". وقبل أن تشتهر بصراحتها، كانت المرأة المعروفة بحرفي اسمها الأولين (بي. بي.)، أسطورة بكل ما للكلمة من معنى. حيث كانت إمرأة متحررة، على صعيد القيود الأخلاقية والملابس والعلاقات العاطفية والجنسية، ومن كل ما كان متوقعا منها. وقد كانت امرأة "لا تحتاج لأحد"، بحسب كلمات أغنية كتبها لها سيرج غينسبور عام 1967، لتتخطى بشهرتها حدود فرنسا إلى العالم بأسره. وكانت بريجيت باردو أشبه بمارلين مونرو الفرنسية، شقراء مثلها، بجمال آسر وحياة خاصة مضطربة، مطاردة من المصورين. وكانت مارلين "امرأة تعرّضت للاستغلال ولم يفهمها أحد، وماتت في النهاية بسبب ذلك"، بحسب توصيف باردو التي التقتها في العام 1956. لكن باردو حاولت تفادي تكرار هذا الخطأ، إذ سلكت دربا مختلفا في التاسعة والثلاثين من عمرها، تاركة وراءها نحو خمسين فيلما ومشهدين حُفرا في الذاكرة السينمائية: الأول يظهرها ترقص المامبو بحماس في مطعم بسان تروبيه (في فيلم "وخلق الله المرأة" سنة 1956)، والثاني مونولوغ تفصّل فيه عارية أجزاء جسدها المختلفة، في بداية فيلم "الازدراء" (1963). ولم يكن هناك ما يُهيئ بريجيت في شبابها لهذا الدرب، إذ وُلدت لعائلة برجوازية باريسية عام 1934، وكانت شغوفة بالرقص وجرّبت حظها في عرض الأزياء. وتزوجت وهي في الثامنة عشرة من عمرها من حبها الأول، المخرج روجيه فاديم الذي أسند إليها دور جولييت في فيلم "وخلق الله المرأة" الذي أثار صدمة لدى عرضه ورسّخ مكانتها كرمز للإغراء. وبعد نجاح الفيلم، انطلقت في سلسلة من المشاريع السينمائية التي أثارت فيها الجدل وتعرّضت من خلالها إلى ضغوط الشهرة. وفي عام 1960، في أوج شهرتها، أنجبت ابنها الوحيد نيكولا في ظل متابعة واسعة من الصحافة. وقد كانت التجربة مؤلمة بالنسبة للممثلة التي قالت إنها تفتقر لغريزة الأمومة، فتركت زوجها جاك شاريه يربّي ابنهما. وتزوجت لاحقا من الألماني غونتر زاكس، المليونير المُولع بالنساء، ثم من الصناعي برنار دورمال، أحد مؤيدي حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف. وبعدما طوت صفحة السينما، كرّست بريجيت باردو حياتها للدفاع عن حقوق الحيوان. وكانت نقطة التحول عندما رأت عنزة في موقع تصوير فيلمها الأخير "L'histoire tres bonne et tres joyeuse de Colinot trousse-chemise" ("قصة كولينو تروس-شيميز الجميلة والمرحة جدا") الصادر سنة 1973، فاشترتها واحتفظت بها في غرفتها بالفندق لتحميها من الذبح. وخاضت باردو معارك كبيرة في هذا المجال، دافعت فيها عن الأفيال وعارضت عمليات ذبح الحيوانات في الشعائر، كما حملت على مصارعة الثيران واستهلاك لحم الخيل. وفي العام 1977، سافرت إلى جبال الجليد في القطب الشمالي للتوعية بمعاناة صغار الفقمة، في حدث أثار شهية كبيرة لدى وسائل الإعلام وتصدّر غلاف مجلة "باري ماتش"، ما ترك لديها ذكريات مؤلمة. وقد أمضت الأيقونة الفرنسية معظم فترات حياتها الثانية ما بعد السينما بعيدا عن الأضواء، في جنوبفرنسا، بين دارتها الرئيسية "لا مادراغ" ومقر إقامتها الثاني الأكثر هدوءا، "لا غاريغ". هناك، كانت تنقذ الحيوانات المعذبة وتدير المؤسسة التي تحمل اسمها والتي تأسست عام 1986. وفي مقابلة أجرتها في ماي مع قناة "بي اف ام تي في" الإخبارية، صرّحت باردو بأنها تتوق إلى "السلام والطبيعة" وأن تعيش "كمزارعة"، مع حيواناتها، من دون "هاتف محمول أو حاسوب". وفي نوفمبر، وبعد أن أشارت تقارير صحافية إلى دخولها المستشفى للمرة الثانية في أسابيع قليلة، طمأنت بريجيت باردو الجمهور بشأن صحتها. وفي حديثها عن الموت، حذرت من أنها تريد تجنب حضور "حشد من الحمقى" في جنازتها، وطلبت وضع "صليب خشبي" بسيط فوق قبرها في حديقتها، تماما كما هو الحال مع حيواناتها.