يعرض الفنان التشكيلي عبد السلام القباج جديد أعماله تحت عنوان «مشاهد حضرية وقروية حديثة الأسلوب» من 29 نونبر إلى 11 دجنبر 2013، برواق مزار طريق أوريكا بمراكش. عبد السلام القباج هو أحد هؤلاء الفنانين الذين يشتغلون على تيمة الطبيعة في بعدها الجمالي الخام من جهة، والحضاري الذي طالته يد الإنسان من جهة ثانية عكس ما قاله جون جاك روسو : «كل شيء يأتي من الطبيعة فهو جميل وحسن وخير طالما لم تمتد إليه يد الإنسان»، فكانت بداياته الإبداعية مرتبطة بالطفولة كمنبع أساسي لتسلسل إنتاجاته الفنية، انطلاقا من معاينة تأريخية استلهم تفاصيلها من فضاء البحر بعدما استهوته الطحالب بأشكالها وألوانها، ليتخذها أيقونات اعتقادية في مضمونها الغيبي لما كانت تحمله في تصوره من جوانب إيجابية مرتبطة بالحظ، ولما كانت لها من تأثير على حياته الشخصية في علاقته بوالدته التي كانت تستعملها كوسيلة وقائية وعلاجية له في بعض الأحيان. لم يكن هذا المعرض الأول من نوعه، بل هو امتداد للمعارض السابقة، تأكيدا على ضرورة اهتمام الفنان بمحيطه، ودعوة صارخة للانتباه إلى ما آل إليه فن العمارة في المغرب، وخصوصا مدينة الدار البيضاء، التي أصبحت نموذجا مشوها لهندسة معمارية تغيب فيها كل المقاييس الجمالية المحددة لخصوصياتها، التي جمعت بين ثلاثة مستويات تاريخية من حيث الشكل والمظهر، بدءا بالمدينة القديمة، مرورا بالهندسة المعمارية الفرنسية، ووقوفا عند البناء العشوائي الذي عرفته ضواحي المدينة. إن الاهتمام بهذا الموضوع لم يتخذ فيه الفنان القباج دور المهندس المعماري، بقدر ما اتخذ موقع المؤرخ البصري بعين ناقدة حاولت الوقوف على بعض المشاهد من المعالم التاريخية التي تعرف انقراضا بطيئا جراء عدم ترميمها، وظهور معالم أخرى غير منسجمة من حيث التركيب في مقابلها، ولهذا اتخذت جل عناوين أعمال الفنان عبد السلام القباج دلالة رمزية كإحالة على الموضوع العام للمعرض، والتي لخصها حسب معرفته ب (الانشطار، الانفجار، اللاانسجام...)، فكان حضور الطحالب في المشهد العام للعمل بصمة وتذكيرا وخطا رابطا بمرحلته العملية السابقة على مستوى الأسلوب. ما ميز هذه التجربة هو طريقة إنجازها، حيث استطاع فيها الفنان القباج ملامسة القضايا المعاصرة من حيث نوعية وشكل الإنجاز ومعالجة السند من خلال الأشكال والألوان والأبعاد التي تجاوزت حدود النقل والتقرير، متحررة من كل تأثير أكاديمي، تتقاطع فيه أساليب متداخلة جمعت بين الانطباعية والتعبيرية والتشخيصية الجديدة في إطار ما هو تجريدي وتشخيصي في نفس الوقت، لتخلق بذلك أسلوبا شخصيا متفردا لا ينتمي إلى أي من الأساليب سالفة الذكر، مع استعمال لملون شخصي بتضاد ملفت للنظر جمع بين الألوان الساخنة والباردة في وعاء مشهدي واحد باختلاف فصوله الأربعة (الخريف، الشتاء، الربيع والصيف)، وبهذا نصل كخلاصة إلى أن الاهتمام بالفن والمعمار كان مفتعلا منذ البداية، وكانت الغاية منه إثارة تساؤلات وجودية تخص الإنسان في علاقته بالطبيعة والمعمار استنادا إلى غياب الشروط الجمالية في تقويم الخصوصيات المكونة لملامح المعمار المغربي.