هيئات مدنية وحقوقية تطالب بفتح تحقيق في مالية وتدبير وكالة الجنوب    بنك المغرب يقرر الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في 2,25 في المائة    ترامب يعلن «نهاية الحرب» بين إيران وإسرائيل… والعالم يترقب مصير الهدنة الهشة    غزة.. استمرار حملات الإغاثة المغربية لفائدة العائلات الفلسطينية الأكثر احتياجا في قطاع غزة    مدرب المنتخب النسوي يكشف معايير اختيار لائحة كأس إفريقيا    إسماعيل نورديف.. من غروزني إلى المغرب: نجم الفنون القتالية الذي اختار حمل الراية الحمراء    في برنامج مدارات بالإذاعةالوطنية : وقفات مع شعراء الزوايا في المغرب    قبيل حفله بموازين.. راغب علامة في لقاء ودي مع السفير اللبناني ورجال أعمال    الموت يُغيّب الممثلة أمينة بركات    انعقاد مجلس الحكومة بعد غد الخميس لتدارس مجموعة من مشاريع القوانين        قطر توجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الهجوم الإيراني ضد قاعدة العديد    تعزية في وفاة الرمضاني صلاح شقيق رئيس نادي فتح الناظور    وزيرة الطاقة تكشف في البرلمان مشاريع الناظور لضمان الأمن الطاقي للمغرب    أشرف حكيمي يتوج بجائزة أفضل لاعب في مباراة باريس سان جيرمان وسياتل ساوندرز الأمريكي    "مرحبا 2025" تنطلق من الحسيمة.. استقبال حافل لأولى رحلات الجالية من إسبانيا    إحباط تهريب دولي ضخم بالمغرب.. 3 أطنان من المخدرات كانت على وشك الإبحار    الناظور.. السجن والغرامة في حق المتهم الذي كذب بشأن مصير مروان المقدم        بركة يكشف للبرلمان: 7.9 مليار درهم لربط ميناء الناظور    المغرب وتركيا يتفقان على شراكة تجارية جديدة تعيد التوازن للميزان التجاري        لفتيت مطلوب في البرلمان بسبب تصاعد ظاهرة "السياقة الاستعراضية" بالشواطئ المغربية    الرشيدي يجتمع بوفد من البنك الدولي ويستعرض المنجزات الاجتماعية وجهود النهوض بالأشخاص في وضعية إعاقة    زغنون: في غضون شهرين ستتحول قناة 2m إلى شركة تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    نادر السيد يهاجم أشرف داري: "إنه أقل بكتير جدًا من مستوى نادي الأهلي"    ترامب يطالب إسرائيل بعدم إلقاء المزيد من القنابل على إيران    الهولوغرام يُعيد أنغام عبد الحليم حافظ إلى الحياة في مهرجان موازين    في مهرجان موازين.. هكذا استخفت نانسي عجرم بقميص المنتخب!    بوغبا يترقب فرصة ثمينة في 2026    العراق يعيد فتح مجاله الجوي بعد هدنة إيران وإسرائيل    إسرائيل تعلن رصد إطلاق صواريخ إيرانية بعد إعلان وقف إطلاق النار وطهران تنفي    الوداد يطمئن أنصاره عن الحالة الصحية لبنهاشم وهيفتي    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولاتها على وقع الأخضر    كأس العالم للأندية .. الأهلي خارج المنافسة وإنتر ميامي يصطدم بباريس    وفد من مؤسسة دار الصانع في مهمة استكشافية إلى أستراليا لتعزيز صادرات الصناعة التقليدية المغربية على الصعيد الدولي    ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    "بي واي دي" الصينية تسرّع خطواتها نحو الريادة العالمية في تصدير المركبات الكهربائية    رمسيس بولعيون يكتب... البرلماني أبرشان... عاد إليكم من جديد.. تشاطاراا، برويطة، اسعادات الوزاااار    توقعات حالة الطقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    بركة: انقطاعات مياه الشرب محدودة .. وعملية التحلية غير مضرة بالصحة    الهلال السعودي يتواصل مع النصيري    إيران ترد بقوة على اغتيال عالمها النووي    ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على "وقف تام لإطلاق النار"    الحسيمة تترقب زيارة ملكية خلال الأيام المقبلة    "تالويكاند" في دورته الرابعة.. تظاهرة فنيّة تحتفي بتراث أكادير وذاكرتها    هذه تدابير مفيدة لتبريد المنزل بفعالية في الصيف    موازين 2025.. الفنانة اللبنانية نانسي عجرم تمتع جمهورها بسهرة متميزة على منصة النهضة    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارثة التعليم التي تَتَهَدَّدُنا
نشر في المساء يوم 22 - 03 - 2009

يخطئ ألف مرة من يَحْسَب أن إصلاح أوضاع التعليم أمْرٌ في حكم اختصاص فريق دون آخر
لا يختلف اثنان في أن التعليم في البلاد العربية كافة بلَغَ حالاً من الاستنقاع تُنْذِرُ مجتمعاتنا بأَوْخَمْ العقابيل. مناهجُهُ متخلّفة، وبرامجُه فقيرة، ومضمونُه البيداغوجي والعلمي أجوف، ومؤسساتُه متهالكة، وجمهورُ المتعلمين فيه ضعيفُ التكوينُ، وخرّيجُوهُ في حالٍ من الضياع، والقائمون على أمْرِهِ لا مبالون! والنتيجة؟ أفقٌ مسدودٌ أمام التقدم، ومواردُ بشرية ومادية في حالةِ هَدْر، وغد» اجتماعيّ» وثقافيٌّ مكْفهرُّ الوجه !
لا بأس من تحديد أدقّ يحرّر نظرتنا من ثْقل لغة التعميم. حصّة التعليم الرسمي، الذي ترعاه الدولة وتنفق عليه من المال العام أسوأ في ميزان الخسائر العامة التي تعصف بهذا القطاع منذ عقد الثمانينيات. ولقد وَطَن في أذهان الناس أن المدارس الحكومية لم تعد مكانا مناسبا كي ترسل العائلاتُ أبناءَها للتعلّم والتكوين، فبات من يستطيع أن يكون في غنَاء عن خِدمتها لا يتردد في إرسال أبنائه إلى مدارس خاصة على مايرتّبه عليه ذلك من نفقات مادية مرهقة بسبب ارتفاع أقساط الدراسة فيها. رسخت عن هذا التعليم صورة، تكاد تصبح نمطية، مفادها أنه حيّزٌ لقضاء الفراغ والتمرين على الضياع واليأس. ولم يكن في الصورة كبيرُ مبالغة لأن حال التعليم الرسمي ومؤسساته ليست بعيدة تماما عن هذا التمثُّل الجماعي، ولأن الذين يطلقون في حقّه هذه الأحكام آباء وأولياء يقيسون أداءه بما تَحَصَّلوهُ من نتائج في أبنائهم، ويقيسون الفارق بين المدرسة في عهدهم والمدرسة في عهود أبنائهم وأحفادهم ويتحَسَّرون.
ولكن، من قال إن التعليم الخاص أفضلُ حالاً وأجزل فائدةً وثماراً من التعليم الرسمي؟! ثم من يدري إلا كان الكثير ممّا يُقْذف به التعليم الرسمي من أوصافٍ بالتردّي وضعف المردودية والإفلاس إنما هو مصروف لصرف الناس عنه ودفعهم دفعا إلى التعليم الخاصّ؟ أو للدقة- من يَضمن أن لا يكون للقائمين على التعليم الخاص، مستثمرين ومستفيدين، مكانٌ ما في معركةٍ مع التعليم الرسمي يفتحها عليه من هُم حريصون على سوائِهِ وعافيته واستقامة أدواره، ومن يراهنون على مزيدٍ من تفسُّخه وتعفُّن أوضاعه بغرض مَحْوه ووراثته؟. وإذا كانت معركةُ الأوّلين إنما هي لإصلاح ما فَسُد، فإن معركة الآخرين إنما لقطع الطريق على الإصلاح. وسبيلهم إلى تلك الغاية إنما هو أن يُشيعُوا في الناس في المجتمع والدولة- أن حال التعليم تَعُد تَقْبَل معه إصلاحات. وتكفينا الدعوات المتباكية على موارد الدولة «المهدورة» في قطاع التعليم وحاجة البلاد والعباد للتنمية إليها (وكأن التعليم ليس من مداميك التنمية وعناصرها ومواردها !)، والتحريض المتعدد الصيغ والمفردات على سياسة الإنفاق الحكومي على هذا القطاع. ففي هذه الدعوات، والجهات التي عنها تصدر، فائض الأدلة على أن المعركة ضد التعليم الرسمي ليست دائما – على تعفُّنه – نظيفة الوازع والمَقْصِد، ولا هي دائما على تطوير التعليم حريصة.
ونحن لا نتزيَّد إن قلنا إن أوضاع التعليم الخاص وإنتاجيَّته ليست على مثال ما يريد القائمون به، والقائمون عليه، أن يصوّروها ويروّجون صورتها في الناس حتى لا نقول إنها لا تختلف كثيرا عن أوضاع التعليم الرسمي في الملامح وإن اختلفت في القَسَمات. وإن توخّيْنا الدقة في المضاهاة قلنا إن في التعليم الخاص مَزِيَّاتٌ لا تتوفر في التعليم الرسمي أو لم تعُد تتوفر فيه، وفي قلبها حُسْن الإدارة والمراقبة. وما هذا بأمْرٍ قليل الشأن، لكنه ليس يكفي وحدُه كي ينتج تعليماً فعَّالاً ومميَّزاً. فالفوارقُ بين الطواقم المكونة أو التعليمية ( المعلمين والأساتذة) تكاد لا تُلْحَظ، دعْك من أن التعليم الخاص يستفيد كثيراً من قوة العمل المهنية العاملة في المدارس الحكومية. والبرامج المدرسية هي عينُها أو تكاد. ولمَّا كانت الأمورُ تُقَاس داْئما بنتائجها، فإن الأرقام والمعطيات تقول إن نسبة النجاح في القطاعين متقاربة. والأهم من ذلك أن مستوى التأهيل العلمي – كما يُلَحظ في الجامعات عند الالتحاق بها – هو نفسُه لدى المتخرجين من مدارس المال العام ومدارس الرأسمال. فلماذا كل هذا الضجيج عن «الفرادة» و»التميُّزّ؟
نحن، إذن، أمام نظامٍ تعليمي يعاني من قصور حادّ في الأداء وعجْزٍ فادحٍ في الإنتاجية. يستوي في ذلك الرسميُّ والخاصُّ من قطاعاته، وما بينهما لا يعدو أن يكون – في هذه الحال – فَرْقَ عُمْلة. وإذا كان لا بد من دقّ ناقوس الخطر للتحذير من المآلات الكارثية التي تتدحرج إليها أوضاعنا التعليمية، فَحريٌّ بنا أن ندقَّه في ساحات المدارس الحكومية والخاصة معا وأن لا نوفّر من المحاسبة قطاعا من القطاعيْن تحت أيّ عنوان. فإذا كانت الدولة تنفق على التعليم الرسمي من المال العام (أي مال الشعب)، فلا ينبغي أن يُتَّخذ ذلك تَكِئََةً للقول إنه أولى بالمحاسبة من غيره، ذلك أن الشعبَ نفسه يُنِْفِق من ماله لتعليم الأبناء في مدارس القطاع الخاص، فحقَّ له – إذن – أن يحاسب ذلك التعليم على خِدمة مؤدى عنها وليست مسدادة «لوجه الله».
لابد للمحاسبة من وازعٍ يَحْمل عليها ويبررها، وهو في الحالة التي نحن بصددها الإصلاح، وإلا سلكت دروبا أخرى غير معنية ببناء المستقبل. وتفترض المحاسبةُ ابتداء، وفي شأن عظيم الخطر كهذا الذي نتحدث فيه، أن نسلم بمسؤولية الجميع – دولةَ وقطاعا خاصَاَ ومجتمعاَ وأهالي ومدرّسين – في الوصول بالتعليم إلى هذه المآلات المأساوية. فليس في المشهد أبرياء ومتهمون، ملائكة وشياطين، ضحايا وجُناة . الجميع أمام المسؤولية وإن تفاوتَت المقادير: السياسة التعليمية، البرامج المدرسية، منطق الاستثمار وإغراءات الرّبح، الفساد الإداري الممتد إلى المؤسسات المدرسية، تأهيل الأطر المدرّسة، الضمير المِهنيّ ،ضعف الرقابة المدرسية والأسرية، نظام التلقين، نظام الامتحانات... الخ. وما لم يكن في الوسع النظر بعين الجمع والتأليف بين هذه العوامل كافة، فلن يكون في الوُسْع الذهابُ إلى مقاربة شاملة لهذا الإعضال الذي يَفْتِك بالمستقبل.
ويخطئ ألف مرة من يَحْسَب أن إصلاح أوضاع التعليم أمْرٌ في حكم اختصاص فريق دون آخر، أو أن في المُكْنِ تحقيقُه بإجراءات وقرارات فوقية من موظفين بيروقراطيين كبار، أو أن يدعيه لنفسه حزبٌ في السلطة أو ائتلاف أحزابٍ «حاكم» أو جهازٌ وصيّ أو ما شابه. إنه غير ممكن ولا متاح إلاّ من طريق حوار وطني عميق وصادق يشارك فيه المعنيُّون جميعا بهذا الأمر. وحوار المعنيّين يختلف عن حوار المُحَاصَصَة السياسية (الكوطا) من دون أن يلغي تمثيل القوى السياسية والنقابية بحجم يناسب نوع العلاقة بالموضوع ولا يفرض جدول أعمال سياسيّ على قضية يكون فيها للكفاءات وأهل الاختصاص في المقام الأول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.