دفعتني الضرورة إلى زيارة مستشفى عمومي بالبيضاء لا داعي لذكر اسمه، فرأيت المشهد التالي: سيدة مريضة ومرهقة تستجدي حارس الأمن فقط لمعرفة موعد الطبيبة المشرفة. وعوض أن يجيبها حارس الأمن بكل بساطة سألها بطريقة متعالية عن غرضها من معرفة موعد الطبيبة المعالجة. استفزني سؤاله لأنه يعلم جيدا كما غيره أن من يقصد مستشفياتنا يقصدها فقط لأن المرض أرغمه على ذلك، وأن لو كان بمستطاعه الذهاب إلى عيادة خاصة لفعل، لكن الله غالب. ظلت المرأة المسكينة مستسلمة لجبروت «السيكيريتي»، وعوض أن يستفزها سؤاله هي الأخرى ظلت أمامه مطأطئة، تنتظر أن يحن قلبه ويرأف بحالها. وبين الحين والآخر كانت تسأله مستجدية: «أوليدي الله يهديك... كول ليا غير امتى الطبيبة غاتجي...» وكأنها كانت تحاول كسر ذاك التجاهل القاتل الذي كان يعاملها بها والذي كان يدعس على كرامتها. لم يفكر ذاك الشخص لحظة أن أمه يمكن أن تجد نفسها هي الأخرى في مثل هذا الموقف المذل أو أن يتعرض هو نفسه لذلك. كل ما استطاع أن يفعله أمام مريضة تتألم أن أمعن النظر إليها جيدا وخاطبها: «كلت ليك الطبيبة مريضة..نمشي نجيبها ليك من دارها؟». لكن المرأة تجاهلت كلامه وناولته ورقة كانت بيدها يبدو أنها وصفة طبية، فقال لها بنرفزة واضحة: «اللهم إني صائم. واش ما كاتفهميش. كلت ليك الطبيبة مريضة وما جاياش». رغم ذلك ظلت مسمرة في مكانها وقتا معينا، قبل أن يستبد بها اليأس في الأخير فوضعت وصفتها الطبية في كيسها البلاستيكي ورددت: «الرجا في الله..المسكين ليه الله..». صراحة شعرت بالدم يغلي في عروقي، وتخيلتني لحظة مكان هذه السيدة، وسألت نفسي عما كنت سأفعله أمام شخص من هذه الطينة، قبل أن أنتبه إلى أنها لو كانت تعيش ظروفا أخرى لما تجرأ ذاك «السيكيريتي» على معاملتها بتلك الطريقة المهينة. لكن لعن الله الفقر كما يقولون. انتبه «السيكيريتي» إلى الطريقة التي كنت أنظر بها إليه فبادر بسؤالي عما أريد، فوجدتها فرصة لإذلاله وأخبرته بأني قريبة الطبيب الفلاني، الذي هو في الحقيقة صديق لي. وما أن سمع بالاسم حتى هرول باتجاهي مسرعا وأرشدني إلى الطابق الذي يوجد فيه الطبيب بكل أدب واحترام، واستوقف لي المصعد وعيناه لا تفارقان يدي. ربما كان ينتظر مقابلا لخدماته. نظرت إليه ببرودة قبل أن ينغلق باب المصعد علي ويغربه عن وجهي. صعدت إلى حيث صديقي الطبيب وسؤال واحد كان يشغلني: لماذا تعامل مستشفياتنا المواطنين بهذه الطريقة المذلة؟ سؤال لا أدري كيف أجيب عنه. ربما يفعل ذلك وزيرنا في الصحة.