بريطانيا تؤكد التزامها بتعزيز الشراكة الاقتصادية مع المغرب    المغرب: الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني يستقبل وزير دفاع جمهورية رواندا    برادة يستعرض مقتضيات مشروع قانون تطوير منظومة التعليم المدرسي    المغرب يحقق رقما قياسيا جديدًا في عدد السياح    مزور : شركة طيران تمتلك وحدات إنتاج بالمغرب تحقق رقم معاملات سنوي يفوق 2,5 مليار يورو    السعودية تُعلن فتح باب التقديم لتأشيرات العمرة لموسم 2025 بشروط جديدة وتسهيلات موسعة    ثلاثة مغاربة ضمن قائمة أغلى عشرة لاعبين عرب بمونديال الأندية    مونديال الأندية.. الوداد يكشف عن التشكيلة الرسمية لمواجهة مانشستر سيتي    شابة في قبضة الأمن.. ضبطوها ب3000 قرص مخدر في محطة قطار    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    طقس حار وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    الدرك الملكي يحجز 8 أطنان من الشيرا    وهبي: آن الأوان للاعتراف القانوني بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني.. تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    جلالة الملك يهنئ رئيس السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    خامنئي: إيران "لن تستسلم أبدا" للضغوط    وهبي: آن الأوان للإقرار التشريعي بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية    لقجع: الدعم الاجتماعي المباشر حلقة جديدة ضمن المبادرات الملكية الهادفة إلى صون كرامة المواطن    اعمارة: أنماط التشغيل الجديدة تواجه تحديات غياب التأطير القانوني والحرمان من الحماية الاجتماعية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"    المغرب ‬خامس ‬قوة ‬اقتصادية ‬في ‬إفريقيا: ‬مسار ‬تحول ‬ونموذج ‬إقليمي ‬صاعد    بعد أزمة القطيع.. مطالب لمجلس الحسابات بافتحاص أموال وبرامج جمعية مربي الأغنام والماعز    شكوك حول مشاركة مبابي في مباراة ريال مدريد الافتتاحية بكأس العالم للأندية    جهة "سوس-ماسة" تسهم ب9.5% من التجارة الخارجية للمغرب وتستهدف تعزيز موقعها التصديري    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    إضراب مفتوح ووقفة احتجاجية لعمال النظافة بشركة أوزون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر الأجور    مسؤولو حسنية أكادير يفشلون في الحفاظ على الركائز بعد رحيل الشماخ    الشرعي يدرب "لويسترلو" البلجيكي    مجازر الاحتلال تتواصل.. إسرائيل تقتل 32 فلسطينيا بغزة بينهم 11 من منتظري المساعدات    ارتفاع أسعار النفط في التعاملات الآسيوية    الرباط.. المحكمة الإدارية تنظر في طلب افتحاص صندوق تقاعد المحامين بمراكش    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    كأس العالم للأندية 2025.. تعادل فلومننزي البرازيلي وبوروسيا دورتموند الألماني دون أهداف    فياريال الإسباني يتعاقد مع لاعب الوسط موليرو لخمس سنوات    تحول "OpenAI" إلى الربحية يشعل الخلاف مع "مايكروسوفت"    مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    كأس العالم للأندية .. قمة إنجليزية مغربية وصدام إسباني سعودي    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد برادة : الرواية هي طريقي إلى البوح والمكاشفة واللعب
مؤلف رواية لعبة النسيان قال إن الكتابة جري وراء إشراقات التخييل
نشر في المساء يوم 10 - 07 - 2009

في هذا الحوار نستعرض مع الكاتب والناقد محمد برادة تجربته الإبداعية، حيث يرسم قصة شغفه بالكتابة السردية، باستحضار أهم المنعطفات في مفهومه للأدب، مرورا ب«لعبة النسيان» ورواية «امرأة النسيان» إلى عمله الأخير «حيوات متجاورة»، وهي أعمال يقول عنها برادة إنها تندرج في إطار تجارب تنتمي إلى شكل روائي دينامي، أي مغاير للشكل التقليدي المسمى «الواقعي»...
-يستمتع محمد برادة بالرواية، ويكتبها بذات الألق والمتعة، وبانحياز تام، لا تزحزحه عنها إلا سروده القصصية ودراساته النقدية. كيف يمكن أن ترسم لنا قصة هذا الشغف؟
<أنا أنتمي إلى جيل مخضرم بدأ يتلمس طريقه إلى الكتابة، وحصيلة الإنتاج الأدبي المغربي الحديث لا تتعدى بضعة نصوص تُحصى على الأصابع، والسياق مطبوع بقيم الوطنية والنضال من أجل الاستقلال، أي أن المبدع المغربي آنذاك، كان مشدودا إلى متخيل وطني تتلاحم داخله جميع أشكال التعبير عن الذات والوطن. ومن ثم فإن مفهوم الأدب كان أقرب إلى التحريض والتعبئة والالتزام بقضايا المجتمع المستعمَر، فلم تكن الأنا المبدعة تطل إلا من وراء حجاب... والذين درسوا مثلي، في المشرق العربي، عادوا ليخوضوا بعد الاستقلال، معركة بناء أدب مغربي حديث يمتح من حركات التجديد العربية ومن أصداء التجربة الطلائعية الأوربية، في سياق الصراع بين قوى المحافظة وقوى التحرر... أمضيتُ أكثر من عشر سنوات، ما بين 1960 و1970 وأنا أمارس الأدب شفويا، أي من خلال المحاضرات والجدالات والعمل في اتحاد كتاب المغرب، لتمهيد الطريق أمام أدب كانت ملامحه تتخايل لنا وهي في بداءة التكوُّن. أنا، كنتُ، في تلك الفترة، أكتب قليلا، قصصا ومقالات سياسية، ولكنني كنتُ أقرأ كثيرا مدفوعا بعملي في كلية الآداب وبفضول مجموعة جيدة من الطلاب... إن كتابة الرواية التي جاءتْ متأخرة لديَّ، كانتْ هي والقصة، الاختيار الحقيقي لانتمائي إلى الأدب. أما النقد فقد جئتُ إليه عن طريق دراستي الجامعية وارتباطي بالتدريس. عندما بدأتُ في مطلع الثمانينيات كتابة «لعبة النسيان»، كنتُ في مرحلة صعبة جراء أزمنة الرصاص، وتعثر الفكر اليساري، وفشل الأفق القومي التحرري... لجأتُ إلى كتابة الرواية لأواجه الأسئلة المكبوتة وأمارس حريتي.. وأثناء الكتابة التي امتدت قرابة 7 سنوات، اكتشفتُ أن الرواية هي طريقي إلى البوح والمكاشفة واللعب، والجري وراء إشراقات التخييل... ليس غريبا، إذن، أن أجد في الرواية وسيلة للمعرفة والمتعة واكتناه ذاتي/ ذواتي الغائصة أكثر فأكثر، في سديم الحيرة والقلق والتمزق، ووسيلة لبلورة علائق الغيْرية...
- في «لعبة النسيان»، استثمر محمد برادة مفهوما باختينيا للكتابة السردية، وأعطى للسيرة الذاتية تشخيصا تخييليا. ماذا استخلصت من هذه التجربة، بعد مرحلة طويلة نسبيا من التلقي؟
<أظن أن «لعبة النسيان» كانت منعطفا في مفهومي للأدب والكتابة والعلاقة بالعالم. فقد كتبتُها في فترة حرجة من حياتي، فترة تجمعتْ عندها تساؤلات سياسية ووجودية وأدبية، وأردتُ أن أتخذ من كتابة الرواية طريقا إلى مواجهة الأسئلة المسكوت عنها.. فعلا، كانت التجربة مثيرة ومفيدة، وكنتُ قد استحصدتُ غير قليل من التصورات وتفاعلتُ مع كثير من النصوص الروائية والنظريات الأدبية أثناء إقامتي الدراسية بفرنسا (1970/1973)، فكانت فرصة لأن أخوض التجربة لحسابي الخاص، مستكشفا عناصر تؤثث عالما روائيا أجد فيه نكهة تذكرني بما عشتُه متسارعا، متشابكا، في غمرة الفعل وهوجة الشباب... كانت العودة إلى الطفولة تفرض نفسها، وفضاءا فاس والرباط يأويان مدّخرات الذاكرة، وأصداء لغة الأم ولغة النصوص الأدبية ولغة الكلام لابدَة في ثنايا الذاكرة، ولم يكن بوسعي أن أكتب من منطلق «البراءة» والاكتفاء بالمواد الخام، لأنني كنتُ متابعا لما يُنشَر في الأدب العالمي مدركا لأهمية الشكل واللغة و«البلاغة» الخاصة. والحقيقة أنني أفدتُ من شيئين: إقامتي في مصر(19551960) التي نبهتني إلى أهمية لغة الكلام ودورها في تنويع التعبير وتدقيقه، ثم قراءتي لميخائيل باختين التي فتحتْ عيني على مسألة تعدد مستويات اللغة، والأصوات ومنظورات السرد: كان هذان العنصران وراء إيقاظ مخزوني من لغة الكلام.. ومن ثم الدخول إلى لعبة اللغة والتخييل. وأظن أن هذه العناصر جميعها هي التي جعلت من «لعبة النسيان» شبه رواية كلاسيكية بعد مرور 22 سنة على نشرها، لأنها استوحتْ الطفولة، والعلائق العائلية، وتاريخ المغرب بين مرحلتين، وتحولات القيم بعد الاستقلال، وكل ذلك من خلال شكل يخلخل السرد الواقعي...
- رواية «امرأة النسيان»، ترتبط بوشائج سردية وثيقة مع «لعبة النسيان»، خاصة على مستوى تجربة التحرر الجسدي. هل شعرَ الأستاذ محمد برادة، في التجربة السابقة أنه لم يقل كل شيء، أم أن تجربة التناوب بالمغرب، هي التي فرضتْ ملاحقة للهواجس والرغبات؟
<بالفعل، هناك وشائج بين «لعبة النسيان» و«امرأة النسيان».. مع اختلاف في السياق، فقد أحسستُ بعد 10 سنوات، أن «ف.ب.» التي كانت على علاقة بالهادي في «لعبة النسيان» تعود لتلاحقني بأسئلة وجودية وحياتية في سياق سياسي اجتماعي مغاير، ومن موقع الخيبة والانهزام بعد أن تراءت لي من قبل فتاة جريئة، متحدية، مشدودة إلى تجريب الحالات القصوى. ووجدتُ أن «ف.ب.» لم تأخذ الحيز الذي تستحقه وأنني احتميتُ بالنسيان لأتلافى جذرية الأسئلة... تبدو «ف.ب» في «امرأة النسيان» حاملة لسؤال الكينونة المطلقة في سياق أرضي خاضع للتبدُّل والمناورة والابتذال. من ثم فإن السياق السياسي المرافق للقاء الكاتب المفترض بها، إنما هو تجسيد للتعارض الدائم بين تعالي النزوع إلى المطلق، والانشداد إلى مقتضيات النسبية ومنطق الاستمرار ولو على حساب المبادئ. وأنا لم أقصد إلى تصفية حساب مع حزب أنتمي إليه، كما قال بعض النقاد، بل أردتُ أن أستثمر عناصر من الواقع الخارجي تؤثر في تشكيل الرؤية المتغيرة... إن الروائي لا يستطيع الزعم بأنه استوفى الموضوع واستنفد إمكانات التخييل... إذ هناك باستمرار نتوءات وتضاريس تتبدى بعد الكتابة وتجتذب الكاتب من جديد...
- توحي روايتك الجديدة «حيوات متجاورة»(2009) بمواصلة لعبة التجريب، على مستوى ملاحقة «الحقيقة» الروائية وبناء الشكل. ما هي المبررات التي تدفع الأستاذ محمد برادة إلى هذا الاختيار في الكتابة؟
<أنا لا أمارس التجريب من أجل التجريب، وإنما في نطاق ارتسمتْ ملامحه مند روايتي الأولى، ويندرج في إطار تجارب تنتمي إلى شكل روائي دينامي، أي مغاير للشكل التقليدي المسمى «الواقعي». ذلك أن الرواية قابلة لامتصاص جميع الأشكال التعبيرية، وقادرة على ملاحقة الحاضر وتوظيف ما يبتدعه من تقنيات وتشكيلات، وهذه السمة هي التي تغري بالتجريب وتحرض عليه، خاصة وأن «حقيقة» الأشياء والمشاعر تبدو ممعنة أكثر فأكثر في التحوُّل والتعقيد. أضيف إلى ذلك، أن الوقائع والأحداث والمحكيات تكاد تكون معروفة ومشتركة لدى الجميع، بينما الصيغة التي تُقدَّم بها والشكل الفني الذي ترتديه هو ما يخصصها ويُكسبها دلالة متميزة، ونكهة موحية. من هنا يأخذ التجريب أهميته لأنه يساعد على بلورة الشكل الملائم لمضمون يتخلق وهو غائم القسمات.
- بعد قراءتي للرواية شعرتُ بأن الجسد هو الذي ينهض بالبطولة في هذه الرواية. ما هو تقييم الأستاذ محمد برادة لهذه الملاحظة؟
<نعم، في «حيوات متجاورة» الجسد يضطلع بالبطولة، إذا صح أن هناك بعدُ بطلا في ما يُكتبُ اليوم من روايات، ولكنه جسدٌ مكابر لأنه يعرفُ ضعفه أمام سطوة الزمن والموت. والجسد بحيويته ونزواته واشتهاءاته واستيهاماته، يُصدِّق أنه قادر على التحدي وامتلاك العالم! إلا أن هذه الأوهام الملتصقة بالجسد هي التي تعمق تعلّقنا بالحياة، وتنسج غلائل اللذة والافتتان على رغم معرفتنا بأن رحلتنا مؤقتة في هذه الدنيا.
لكن يبدو لي أنني كنتُ منشغلا أيضا، عند الكتابة، بمسألة تحديد «المصير»، مصير الجسد والروح... أو بتعبير آخر، كيف «نؤرخ» لحياة ما؟ لا أحد يستطيع أن يجد الطريقة الأدق للحديث عن حياته أو حيوات الآخرين، ومن ثم يغدو التخييل عنصرا مسعفا في هذا المجال لأنه لا «يسجن» حياة ما في خانة محكمة تظل أبعد ما تكون عن «حقيقية» صاحب الحياة...
أظن أيضا، أنني في «حيوات متجاورة» وظفتُ بعض النماذج البشرية التي تُلفت نظرنا في المجتمع المغربي الراهن، ولكنني أضفيتُ عليها إهابا شبه أسطوري لأنني لا أتقصد أن أنتقد سلوكا معينا، بقدر ما أتوخى تبرير العناصر المستترة الفاعلة في ثنايا التاريخ والسياسة والمتخيل الاجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.