يعد محمد المنصوري الإدريسي، من الجيل الذي وطد علاقته بالتشكيل بشكل لافت للنظر في أواخر التسعينيات، نظرا لنوعية الأسئلة المطروحة ثقافيا ونظرا للمواضيع التي كان يثيرها لما تحمله من أسئلة تصب في معين الإشكاليات المتعلقة بالمرحلة بمرجعياتها الفلسفية والصوفية استنادا إلى الثقافة العربية الإسلامية القديمة، حيث عمل على المزاوجة بين الكلمة في أبعادها المجازية كمفهوم مجرد وبين النصوص الصوفية والفلسفية التي تحمل في خباياها بداية لمشروع فني نابع من التربة المغربية والعربية بكل أسئلتها المثيرة للاهتمام، التي يمكن الوقوف عليها في عدد من المعارض التي كانت تحمل عناوين صوفية وشاعرية تحاول أن تلامس عمق المشاعر والأحاسيس غير الملموسة، وما تتوفر عليه من تناقضات في صياغة حقيقتها وكنهها، التي ظلت لغزا محيرا لا يمكن مقاربته إلا بالرسم والصباغة في نظر الفنان المنصوري، ومن بين هذه العناوين على سبيل المثال لا الحصر، عنوان معرضه الأخير الموسوم ب: «ملكوت اللون بين الحلول والتعالي»، الذي تناوله بالتحليل والدرس الباحث الجمالي محمد الشيكر، في كلمة جاء فيها: « إن لمسة المنصوري الساحرة والمهيبة تتمثل في قدرته الاستثنائية على نقل عين المشاهد من صعيد الرؤية البرانية، المتسربلة بتفاصيل العالم العيني إلى صعيد الرؤيا الجوانية المأهولة بالرموز والبلاغات والشعريات. ولأن تلك اللمسة المنصورية الآسرة، لا تنقل إلينا أشياء الطبيعة بل تقبض، برهافة وشموخ، على أشد الانطباعات التباسا وكثافة، ولا تضع ملء ناظرينا ما تألفه العين من مدركات حسية، بل ما يخالج الوعي من سوانح وما يتخايل على صفحته من استيهامات وتهيؤات وأضغاث رؤى وأحلام، فيسوغ لنا أن نصنف عمل المنصوري ضمن نوع من الانطباعية الجديدة أو الفائضة؛ وتجريدات اللون وتجنيحاته، وتنزلاته وتعريشاته هي عنوان هذه الانطباعية المحدثة. على أن اللون، عند المنصوري، ليس محض أداة لإنشاء عالم فني ما وتأثيث زواياه أو التمييز بين لحمته وسداه. إنه، بخلاف ذلك، مملكة قائمة بذاتها. ولن نتهيب، في هذا المقام، من الإقرار بأن المنصوري، هو فارس اللون وأميره الأسنى؛ وهو سيد كمياء الألوان وأخلاطها وتفاريقها وسيمياؤها وشعرياتها». إن محمد المنصوري الإدريسي، لم يعتمد في اشتغاله على أهمية اللون فقط، بل جعل من الأشكال الراقصة والطائرة والانسيابية، سندا وملونا لتجاربه كفنان يبحث عن أسلوب أصيل خاص به، فكانت لوحاته عبارة عن سرد جمالي لحكايات متعددة في الزمان والمكان، فتارة تحيلك على مشاهد من ألف ليلة وليلة، وتارة أخرى تلقي بالمتلقي في سراديب الاحتفالية والطرب والرقص.. عند العرب في الأندلس، فكانت جل أعماله تنطوي على انطباع احتفالي بتدرجات لونية تشكل تقابلات ضوئية تفصل بين الألوان الباردة والساخنة في إطار فسيفساء لونية فاقعة لا يمكن للفنان فيها إلا أن يكون في وضعية برزخية من الانتشاء الروحي، فرغم تشابه التكوينات اللونية بشفافيتها وبقوتها الكروماتيكية، يبقى الشكل هو المحدد الرئيسي والأساسي لجدلية هذه الألوان المتضاربة، بخطوطه الكرافيكية الصارمة، التي جعلت من الرؤية الشمولية للعمل بكل مكوناته، مجالا لإفراز المنظور بأبعاده المتعلقة بالعمق Profondeur في علاقته بالطول والعرض. إن ما يميز أعمال محمد المنصوري الإدريسي، هو ازدواجية الكائن فيها، بشكل غير مباشر، أي حضور الذات الذكورية المبدعة، التي تقف وراء حضور الأنثى في العمل الإبداعي، مما قد يوهم بأن العمل نتاج ذات إبداعية نسائية، وهنا تكمن قوة هذا العمل الحربائي بشطحاته الانسيابية والطائرة لأجساد أنثوية، شكلت مجموعات مهاجرة نحو الأفق بحثا عن بصيص نور وأمل في حياة أخرى سعيدة قريبة من الحلم الذي يريد تحقيقه الفنان محمد المنصوري الإدريسي في مدينته الفاضلة.