رغم أن رئيس الحكومة الحالية كان قدم منشورا حول محاربة التغيب غير المشروع للمستشارين، فإنه مازال يلاحظ الغياب المتواصل في صفوف المستشارين عن الجلسات الأسبوعية لمجلس المستشارين، بماذا تفسر ذلك؟ سبق لمجلس النواب أن أقدم على هذه الخطوة المتعلقة بمحاولة القضاء على ظاهرة الغياب، وذلك بذكر أسماء كل المتغيبين عند كل جلسة افتتاحية، لكن هذا الإجراء يبقى غير كاف في ظل عدم تفعيل مسألة الاقتطاع من أجور كل من لم يحضر الجلسات العامة أو اجتماعات اللجن.. وكذلك المسطرة التأديبية المنصوص عليها في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في ظل الغياب المتكرر لممثلي الأمة. إذ أن التغيب غير المشروع في الغرفة الثانية تفشى بشكل كبير وهو استهتار بأصوات المواطنين الذين وضعوا الثقة في كل من سولت له نفسه القيام بهذا العمل المشين. كيف يؤثر غياب المستشارين على أداء دور المجلس وكذا على مصداقية القوانين التي يصوت عليها داخل مجلس المستشارين؟ إن ظاهرة التغيب في مجلس المستشارين تبدو تأثيراتها بادية للعيان من خلال دور مجلس المستشارين وجودة النصوص التشريعية، إذ أن النقاشات المستفيضة بين مستشاري الأمة ستسهم في إخراج نصوص قانونية ذات جودة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن حضور قلة من المستشارين قد يتضمن أفكارا تهم توجهات دون أخرى دون أن تصل إلى حد التوافق بين مختلف الفرقاء السياسيين، وهذا الانتشار المهول لهذه الظاهرة يؤثر بشكل أو بآخر على مصداقية القوانين التي تصدر عن هذه الغرفة، وبعبارة أخرى فحضور البعض دون الآخر يؤثر على مصداقية القوانين الصادرة عن هذه الغرفة. إن غياب مستشاري الأمة وعدم الحضور في مناقشة القوانين والاقتصار فقط على الحضور عند التصويت عليها عمل ينتقص بشكل أو بآخر، ليس فقط من البرلمانيين أنفسهم، بقدر ما يسيء للمؤسسة التشريعية نفسها. من يتحمل مسؤولية غياب المستشارين، وكيف يمكن ضبط ومحاسبة المستشارين الغائبين؟ إن عملية ضبط غياب المستشارين تفرض اتباع سبل وطرق إبداعية جديدة تتعلق باستثمار الوسائل التكنولوجية الحديثة في القيام بهذا الأمر حتى تتمكن هذه الغرفة من التعرف على كل من لا يحضر للجلسات العامة أو لاجتماعات اللجن.. وبالتالي محاولة محاسبتهم عن هذه السلوكات اللاأخلاقية التي يقوم بها مستشارو الأمة من خلال تفعيل ما تضمنه النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وكذلك ما أشار إليه النظام الداخلي لمجلس المستشارين في هذا الشأن، ومن ثمة فغياب جزاءات، أو عدم تفعيلها، سيسهم في الرفع من ظاهرة الغياب غير المشروع عن العمل داخل المؤسسة التشريعية بمجلسيها، والقضاء على هذه الظاهرة رهين بإرادة سياسية حقيقية تخدم مصلحة الوطن وتجاوز النظرة الضيقة للفاعلين السياسيين من خلال التنافس في الأمور التي تسيء لهذه المؤسسة الحيوية برمتها.