الصراط هو الطريق، والطريق المستقيم هو الطريق البين والواضح الذي لا يضل سالكه ولا يتردد ولا يتحير؛ لأنه لا عوج فيه ولا تعاريج. والمستقيم مستعار للحق البين الذي لا تخلطه أي شبهة من شبهات الباطل. ولهذا كان الحق هو الاستقامة على صراط الله تعالى لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال لقوله تعالى: "فماذا بعد الحق إلا الضلال" [سورة يونس، جزء من الآية: 32]. كانت الرسالات الإلهية صراطا مستقيما بحسب أحوال أهلها لقوله تعالى: "قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم" [سورة الأعراف، الآية: 16]. وخاتمة هذه الرسالات الرسالة الإسلامية لقوله تعالى: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما" [سورة الاَنعام، الآية: 161]. لكن هل يعني الصراط في الإسلام تلك السكة المطروقة أو هذا الجسر المضروب هنا أو هناك. وما على كل واحد من البشر إلا أن يسلك تلك السكة التي شقها غيرنا، أو يمر من هذا الجسر الذي بناه غيرنا؟ ليس الأمر كذلك؛ لأن الصراط المستقيم أمر يكابده المرء ويشقه لنفسه فيختاره بناء على ما يعتقده ناجعا وناجحا. الصراط من خلال هذا الفهم أو لنقل على كل حال الصراط من خلال هذا التعليل هو كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله "المنهج الذي يشقه المرء لنفسه بين مشكلات الحياة، والخط الذي يلتمس فيه الصواب بين وجوه الرأي"[1]. والحق أن القوام الإسلامي لمفهوم الصراط قوام منهجي؛ لأنه اختيار إنساني يتحمل من خلاله الإنسان مسؤولية اختياره للعقيدة الإيمانية التي يؤمن بها وللشريعة العملية التي تضبط أجناس سلوكه وتنظم أنواع تصرفاته في هذه الحياة. لا مجال في الاختيار الإسلامي لمجرد التقليد للآباء والمربين، وإنما مناط هذا الاختيار الدليل الذي يسدده العقل ويؤيده النظر في الكون والنفس والآفاق لقوله تعالى: "قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون" [سورة يونس، الآية 101]. كما لا مجال في هذا الاختيار الإسلامي للأهواء الذاتية والأنانيات الضيقة لهذا الفرد أو ذاك، أو لهذه الجماعة أو تلك، أو لهذه الطائفة أو تلك، وإنما مناط الاختيار في الشريعة العملية هو ما يحقق مصلحة الفرد بما لا يتناقض مع مصلحة المجموع. ولنقل بكلمة جامعة إن ما يجعل هذا الصراط مستقيما هو قيامه على الدليل والعلم الصحيح في جانب الاعتقادات الإيمانية، وما يجعل هذا الصراط مستقيما هو قيامه أيضا على قيم النفع والصلاح في جانب الأعمال والتصرفات الإنسانية. ------------------------------- 1. محمد الغزالي، جدد حياتك، القاهرة، مؤسسة الخانجي، الطبعة الثانية، 1963م، ص: 53.