قطر ترفض تصريحات "نتانياهو" التحريضية على خلفية وساطتها في هدنة الحرب على غزة    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    بعد خيباته المتراكمة .. النظام الجزائري يفتح جبهة جديدة ضد الإمارات    في خطوة رمزية خاصة .. الRNI يطلق مسار الإنجازات من الداخلة    برشلونة يهزم بلد الوليد    منتخب "U20" يستعد لهزم نيجيريا    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    العثور على ستيني جثة هامدة داخل خزان مائي بإقليم شفشاون    إسرائيل تستدعي آلاف جنود الاحتياط استعدادا لتوسيع هجومها في قطاع غزة    الوداد يظفر بالكلاسيكو أمام الجيش    من الداخلة.. أوجار: وحدة التراب الوطني أولوية لا تقبل المساومة والمغرب يقترب من الحسم النهائي لقضية الصحراء    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    الناظور.. توقيف شخص متورط في الاتجار في المخدرات وارتكاب حادثة سير مميتة وتسهيل فرار مبحوث عنه من سيارة إسعاف    حقيقة "اختفاء" تلميذين بالبيضاء    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    البكاري: تطور الحقوق والحريات بالمغرب دائما مهدد لأن بنية النظام السياسية "قمعية"    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    أمسية احتفائية بالشاعر عبد الله زريقة    نزهة الوافي غاضبة من ابن كيران: لا يليق برئيس حكومة سابق التهكم على الرئيس الفرنسي    قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 63 عالميا في جاهزية البنيات المعرفية وسط تحديات تشريعية وصناعية    52 ألفا و495 شهيدا في قطاع غزة حصيلة الإبادة الإسرائيلية منذ بدء الحرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    تفاصيل زيارة الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت وترؤسها لحفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وغالوديت    حادث مروع في ألمانيا.. ثمانية جرحى بعد دهس جماعي وسط المدينة    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    المغرب يبدأ تصنيع وتجميع هياكل طائراته F-16 في الدار البيضاء    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم وأسرار في الإسراء والمعراج (1)
نشر في ميثاق الرابطة يوم 24 - 06 - 2011

قال الله تقدست أسماؤه: "بسم الله الرحمن الرحيم: "سُبْحَانَ اَلذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اِلاَقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ايَاتِنَا إِنَّه هُوَ اَلسَّمِيعُ الْبَصِير" [سورة الاِسراء، الآية: 1].
هكذا افتتحت سورة الإسراء التي سميت كذلك ببني إسرائيل، فهي بذلك تجعل حدث الإسراء والمعراج، وما ينطوي عليه من معان وأسرار في قلب عقيدة المسلمين وذاكرتهم ووعيهم مهما تباعد الزمان واشتط المزار.
يخبر سبحانه أنه أسرى بعبده أي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عاد به إلى منطلقه في جزء يسير من الليل، وهذا حادث عجيب في بابه، خارق للعادة، لكونه قطعَ مسافة بعيدة، وانتقالا من أرض إلى أرض في بعض ليلة.
فالعقول تستبعد مثل هذا الأمر ولا تستقل بإدراكه، فلذلك تعجبت قريش منه وأكبرته، وكان بحق فتنة للناس، ارتد بها قوم وزاد بها إيمان آخرين.
وهذا وجهُ افتتاح السورة بالتسبيح "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى" فمعناه تنزيه الباري جل وعلا عن العجز أي تنزه وتقدس سبحانه عما ينسبون إليه من صفات العجز، فالله قادر مقتدر على ما يريد، هو الذي أسرى بعبده ولم يسر العبد بنفسه، فمم العجب إذن؟
ثم قال: "من اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اَلاَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ" [سورة الإسراء، جزء من الآية: 1]. وهذا إيحاء لطيف بما سيقت لأجله السورة، إنها تريد أن تعرف هذه الأمة وجميع الناس ببركة المسجد الأقصى وقدسيته، وإبراز العلاقة بينه وبين المسجد الحرام، وأن تعرف بشأن هذا النبي، وشأن النبأ العظيم الذي أنزل عليه، وأن حادثة الإسراء ترمز إلى لحظة تاريخية حاسمة، وهي انتقال أمانة الوحي ورسالاته من بني إسرائيل إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فمن أسباب بركة المسجد الأقصى وقدسيته، أن رافع قواعده إبراهيم عليه السلام كما في الصحيحين، "عن أبي ذر قال: قلت يَا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أَول، قَالَ: المسجد الحرام قال: قلت ثم أَي قال: المسجد الاقصى قلت كم كان بينهما قال: أربعون سنة".
ومنها: أن باب السماء الذي تعرج منه الملائكة هو بحذاء بيت المقدس، فقد ذكر القاضي ابن عطية في تفسيره لسورة ق "وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي اِلْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ" [سورة ق، الآية: 41]. يعني صخرة بيت المقدس، ووصفها بشدة القرب من السماء.
ومنها: ما لحقه من البركة ممن هاجر إليه، وصلى به من الأنبياء من داود وسليمان، ثم بحلول النبي عيسى عليه السلام ، ومنها بركة من دفن حوله من الأنبياء عليهم السلام أجمعين.
وأعظم تلك البركات على الإطلاق، حلول سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ذلكم الحلول المعجز الخارق للعادة، وصلاته فيه بالأنبياء جميعا، فأراد ربك ألا يخلي تربة فاضلة من مشهده ووطء قدمه، فتمم تقديس بيت المقدس بصلاة نبينا محمد صلى الله وسلم فيه، وإمامته بالأنبياء.
وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "َقدْ رأيْتنِي فِي الْحِجْرِ وَقرَيْش تَسْأَلنِي عَنْ مَسْرَاي، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقدِسِ لَمْ أثْبِتْهَا فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْد كَأَنه مِنْ رِجَالِ شَنوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِي، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ" [كتاب الأنبياء، فتح الباري، ابن حجر، رقم الحديث 3257].
وقال جل ذكره: "أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَءاهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ ايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى" [سورة النجم، الآيات: 12-18].
وهذه الآيات صريحة بصدق خبر المعراج ووقوعه؛ وأنه صلى الله عليه وسلم، رأى جبريل عليه السلام، وعرج به إلى السماء، وأن ذلك كله إنما كان كرامة له صلى الله عليه وسلم، ومعجزة وتقوية له وتسلية. وخص بالذكر رؤيته صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى لعظيم شرف المكان؛ ولأنه منتهى الارتقاء في مراتب الكرامة، ولما غشيه من أنوار الجلال والجمال، ولما حصل عنده من آيات ربه الكبرى.
وإليكم تفاصيل القصة كما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم حيث قال: "أُتِيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِه، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا" ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً؛ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً قَالَ فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْه" [باب الإسراء، كتاب الإيمان، صحيح مسلم، رقم الحديث: 162].
وقد تضمن هذا الحديث فوائد جمة نذكر منها ما يلي:
أولاهن: عبارة عن سؤال طالما شغل العلماء وهو ما الحكمة في اختصاص كل واحد من الأنبياء بالسماء التي رآه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما الحكمة في اختصاص هؤلاء الأنبياء باللقاء دون غيرهم، وإن كان رأى الأنبياء أجمعين فما الحكمة في اختصاص هؤلاء بالذكر.
والجواب على تأويل بعض العلماء؛ ومنهم المحققان الكبيران السهيلي وابن دحية، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذه الفترة بمكة، تناوشه قريش في أصحابه ودعوته، ومكة حرم الله وأمنه، وقطانها جيران الله؛ لأن فيها بيته، فأول ما رأى من الأنبياء آدم الذي كان في أمن الله وجواره، فأخرجه عدوه إبليس منها، وهذه القصة تشبهها الحالة الأولى من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حين أخرجه قومه من حرم الله وجوار بيته، فكربه ذلك وغمه، فأشبه حاله في هذا حال آدم.
أما الحكمة من كون آدم في السماء الدنيا فحتى يتمكن من رؤية الفريقين معا؛ لأن أرواح أهل الشقاء لا تلج في السماء، ولا تفتح لهم أبوابها كما قال جل ذكره: "إِنَّ اَلذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ" [سورة الاَعراف، الآية: 40].
ثم رأى في السماء الثانية عيسى ويحيى وهما النبيان الممتحنان المضطهدان من قبل يهود، أما عيسى فكذبوه وآذوه وهموا بقتله، فرفعه الله، أما يحيى فقتلوه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد انتقاله إلى المدينة صار إلى حالة ثانية من الابتلاء والامتحان، وكانت محنته فيها باليهود شديدة، آذوه وظاهروا عليه، وهموا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه، فنجاه الله كما نجى عيسى منهم، ثم سموه بالشاة، وهكذا فعلوا بنبيي الخالة عيسى ويحيى...
وأما لقاؤه يوسف عليه السلام في السماء الثالثة؛ فإنه إيذان بحالة ثالثة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومتقلبه تشبه حال يوسف وهي مرحلة التمكين، وذلك أن هذا النبي ظفر بإخوته بعد ما أخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم، وقال: "لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ" [سورة يوسف، جزء من الآية: 92]. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أسر يوم بدر جماعة من أقاربه الذين أخرجوه فيهم عمه عباس وابن عمه عقيل، ثم ظهر عليهم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم وقال أقول لكم ما قال أخي يوسف: "لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ" [سورة يوسف، جزء من الآية: 92]
أما لقاؤه إدريس عليه السلام في السماء الرابعة وهو المقام الذي سماه مكانا عليا، وإدريس عليه السلام أول من أوتي الخط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من بنى المدائن والحصون، وكثير من علماء اللغة على أن لفظ إدريس مشتق من الدراسة، قيل له ذلك لكثرة درسه كتب النبوة، فلقاء هذا النبي مؤذن بحالة رابعة هي مرحلة العلم والتعلم، وذلك أن رسالات الله إنما تنتشر، ويمكن لها في القلوب بنور العلم، ونور المعرفة.
ولم تقم حضارة الإسلام منذ أول يوم إلا على حركية القلم، والإعلاء من شأنه، وبناء مجتمع المعرفة، حين كان النبي صلى الله عليه وسلم، يكتب إلى جميع ملوك الأرض، ويراسل القاصي والداني، فمنهم من آمن كالنجاشي، ومنهم من هادنه، وأهدى إليه كهرقل ومقوقس، ومنهم من استكبر وعصى.
وأما لقاؤه في السماء الخامسة لهارون عليه السلام المحبب في قومه، فمؤذن بحب قريش وجميع العرب للنبي صلى الله عليه وسلم، بعد معاداتهم له.
ولقاؤه بموسى في السماء السادسة مؤذن بحالة تشبه حال موسى حين أمر بالتوجه إلى الشام، فظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها، وأدخل بني إسرائيل البلد الذي خرجوا منه بعد إهلاك عدوهم، وكذلك فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك من أرض الشام، ودخل في الإسلام أهل الفرات والنيل والمغرب، وفتح مكة ودخل أصحابه البلد الذي أخرجوا منه.
وأما لقاؤه إبراهيم في السماء السابعة، ولماذا تأخر ذكر إبراهيم إلى هذه المرتبة، فذلك لحكمة بالغة تتسق مع هذا التأويل، وهي أن آخر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، حجه إلى البيت الحرام، وحج معه ذلك العام نحو من سبعين ألفا من المسلمين، ورؤية إبراهيم عليه السلام عند أهل التعبير تؤذن بالحج؛ لأنه الداعي إليه والرافع لقواعده، وثمة تأويلات أخرى أرجو الله تعالى أن يفسح لنا في الأجل والتسديد حتى نجعلها مادة للدرس والبحث والاعتبار، وبالله التوفيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.