النقل الحضري العمومي بواسطة الحافلات.. برنامج 2025-2029 حكامة جديدة لتنقل مستدام    الناظور.. أحكام متفاوتة في حق موقوفين على خلفية احتجاجات العروي    واشنطن تحسم الموقف في مجلس الأمن: مبادرة الحكم الذاتي المغربية قاعدة وحيدة للحل في الصحراء    مشروع قانون يحدد لائحة الجرائم التي تمنع القيد في اللوائح الانتخابية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    الجولة السادسة من الدوري الاحترافي الأول.. الرجاء يستعد للديربي بلقاء الدشيرة والماص يرحل إلى طنجة دون جمهور    إدريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    "وسيط المملكة" يفتح باب المشاركة أمام شباب جواز الشباب لتقييم الخدمات الصحية عبر منصة "    تحويلات الدولة للمؤسسات العمومية ترتفع إلى 84,2 مليار درهم سنة 2025 مقابل موارد لا تتعدى 19,5 مليارا    توقيف ثلاثة قاصرين بسوق الأربعاء بعد اعتدائهم على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة    مهرجان عيطة الشاوية يطلق دورته الأولى ببنسليمان    حميد لحميداني، إنعام كجه، حميد سعيد، عبد الجليل التميمي: جائزة سلطان بن علي العويس تكرم الفائزين    انطلاق عملية صرف الدعم المباشر لفائدة مربي الماشية    إنريكي: "حكيمي هو أفضل ظهير أيمن في العالم بالنسبة لي"    مونديال كرة القدم للسيدات لأقل من 17 سنة (المغرب 2025 ) المنتخب الصيني يفوز على نظيره الاكوادوري ( 4-0) ويتأهل الى دور الثمن    مطارات المملكة استقبلت أزيد من 23,9 مليون مسافر خلال 8 أشهر    اتصالات المغرب تحقق أكثر من 5,5 مليار درهم أرباحًا في تسعة أشهر    الطاقة الكهربائية.. الإنتاج يرتفع بنسبة 5,3 في المائة عند متم غشت 2025    العرض الصحي الوطني يتعزز بدخول 49 مركزا صحيا جديدا حيز الخدمة على مستوى 9 جهات    "الجمعية" تعلن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في مقتل 3 أشخاص في أحداث القليعة    مباحثات مغربية-كينية حول سبل تعزيز التعاون الثنائي في مجالات النقل البحري والجوي واللوجيستيك    قبل الكلاسيكو.. برشلونة يلجأ للمحكمة الإدارية الرياضية لإلغاء طرد فليك    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    حاتم عمور يهدي "أشبال الأطلس" أغنية احتفاء بكأس العالم    خورخي فيلدا: تتويج أشبال الأطلس بكأس العالم مصدر فخر وتحفيز للبؤات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    المخرج نبيل عيوش يغوص في عالم "الشيخات ". ويبدع في فيلمه الجديد الكل "يحب تودا "    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    المندوبية العامة لإدارة السجون تفند مزاعم تقرير أممي حول أحداث "اكديم إزيك"    الملك محمد السادس يبارك عيد زامبيا    ترامب يعفو عن مؤسس "بينانس" للعملات المشفرة    نزلة برد تؤجل جلسة "محاكمة مبديع"    دبوس ماسي لنابليون بونابرت يعرض للبيع في مزاد    حسن بوستة يحتفي بالمغرب وبلجيكا    نشطاء يطالبون بالأمازيغية على أقمصة المنتخبات وواجهات المنشآت الرياضية    "اتصالات المغرب" تتجاوز حاجز 81 مليون زبون    الكشف عن صور تظهر أوضاعا قاسية لأسرى فلسطينيين داخل سجن إسرائيلي    الصين تطلق أكبر سفينة شحن كهربائية بالكامل لتعزيز النقل البحري الأخضر    المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب يطلق مشروعا لنشر أطروحات الدكتوراه    الدوحة..انطلاق منافسات بطولة كأس الأمم للكارتينغ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمشاركة المغرب    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف بشأن الإمدادات    "كاف" يعلن عن موعد إجراء قرعة دور مجموعات دوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية    أردوغان: على أمريكا والدول الأخرى الضغط على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار    رسميا.. ليونيل ميسي يمدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    مزارعو الضفة الغربية يجمعون الزيتون وسط هجمات المستوطنين المعتادة بموسم الحصاد    لجنة نداء الكرامة بتاونات تصعد من احتجاجاتها وتدعو إلى مسيرة للمطالبة بالتنمية المجالية    بلدان الاتحاد الأوروبي توافق على الانتقال إلى نظام التأشيرة الإلكترونية الموحدة ل"شنغن"    الصين: انتخاب المغربي ادريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    الذهب يرتفع قبيل صدور بيانات التضخم الأمريكية    أكاديمية المملكة تحتفي بالمسار العلمي الحافل للباحث جان فرانسوا تروان    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منهج الفعل الإصلاحي الراشد
نشر في الرأي المغربية يوم 20 - 01 - 2014

( إنما التغيير تغير في السلوك.. و إنما الإصلاح صيانة للنفوس..)
من خلال متابعتنا اليومية للتدافع القائم في مجتمعنا ، داخل حلبة الصراع التاريخي بين الخير و الشر ، نلاحظ غياب مجموعة من المحددات و الخصائص التي تحكم فلسفة التغيير و سنن الإصلاح عند سالكي هذا الدرب، ما جعلهم يتخذون أشكالا فاسدة و أدوات عاطلة في تدافعهم اليومي، حالت دون وصولهم للهدف المنشود ، ودفعهم إلى فقدان الأمل في بناء الصرح الحضاري المنتظر، و أدى الى توليد رغبة تدميرية لديهم ، حملتهم الى تحطيم كل ما يحيط بهم ... حتى تلك المساعي النبيلة لبعض أبناء هذه الأمة البررة ، و المتمثلة في قيامهم بمحاولات للإصلاح و الصيانة في مجتمعاتهم ، ظنا منهم بعدم جدوى ما يفعلون.. و باستحالة عيش ذلك الجنين الذي يحملون.. فوقعوا في أسر ما اسماه فيلسوف الحضارة مالك بن نبي رحمه الله معامل القابلية للاستعمار°1، هذا المعامل الذي نربيه بأيدينا ونحميه بأنفسنا ليجعلنا وسيلة مجانية للاستعمال و أداة مسخرة للاستغلال...
إن غياب هذه المحددات تحتم علينا العودة لقراءة التاريخ البشري قراءة منهجية، و قراءة القران الكريم قراءة استنباطية ، لاستخلاص المبادئ المؤطرة لمفهوم الإصلاح ، فما هي إذن أهم هذه المبادئ ؟ و ما هي طريقة تفعلها ؟؟
إن اعتمادنا على قراءة منهجية لتاريخ البشرية و القران الكريم سيوصلنا الى نتائج هامة :
أولى نتائج تلك القراءة: فشل الإصلاح ما لم ينطلق من تغيير النفوس، الأمر الذي يتجلى بشكل واضح وجلي في قول الله تعالى في كتابه العزيز: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " سورة الرعد الآية 11.
إن فعل التغيير من خلال هذه الآية الكريمة هو فعل إلهي مشروط بصلاح نفوس الأفراد، وهو معطى نفسي له انعكاسات في الواقع. فإيمان الفرد مثلا بمراقبة الله عز و جل له يدفعه للتعفف عن الحرام، الأمر الذي يخلص بدن الأمة من مجموعة من الأورام ( الرشوة، الغش، النهب... ) التي أثقلت كاهلها ، الى حد أصبحت فيه معاني الصدق و الوفاء و غيرها شيء غير معهود و شيء غير طبيعي . فلكمال عدل الله سبحانه ، وكمال حكمته، لا يغير ما بقوم من خير إلى شر أو من شر إلى خير، ومن رخاء إلى شدة أو من شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامة ثم غيروا غيِّر عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات، "جَزَاء وِفَاقًا"[النبأ: 26]، وقد يملي لهم سبحانه ويمهلهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون، ثم يؤخذون على حين غرة.
و هذه النتيجة توصلنا هي الأخرى الى نتيجة حتمية ثانية، مفادها أن الإصلاح لا يبدأ من فوق إنما ينطلق من عمق البنية التحتية الثقافية للمجتمع أو ما يسمى نظام الأفكار،بحيث يتشكل في التراكيب العميقة ضمن البيئة الاجتماعية، بتغيير المفاهيم الاجتماعية العقيمة وأفكار الحفريات التي كونت التضاريس العقلية وتحولاتها الكبرى، و هذا نفسه ما أشار إليه المفكر عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد الذي أصدره منذ ما يزيد عن ثمانين سنة ، فقد خلص فيه الى أن التغيير لا يتم و لا جدوى له بتغيير الحكام ، و السبب هو أن الشريحة الجديد في المجتمع سوف تخلف الشريحة القديمة و ستتصرف كالسابقة ، ما لم يتغير النظام الأساسي في بناء المجتمع ، و هذا نجده حاضرا بشكل قوي في مجتمعاتنا ، فرغم خروج المستعمر من بلداننا منذ ما يزيد عن نصف قرن لم نبرح أماكننا بعد، بل لازلنا نتصرف كما لو أن المستعمر لازال بكل قوته بيننا، إنه في الحقيقة خرج بجحافله و آلياته المادية و قبع داخل قلوبنا بأدواته النفسية ، فجعل يحركنا و يسيرنا كما لو كنا دمى و العاب ليس إلا. و إننا إذا ما عدنا الى تجربة الرسول صلى الله عليه و سلم سنجده قد ركز على هذا الأمر،فقد سعى الى تغيير ثقافة المجتمع ، عن طريق إعادة تركيب بنيته التحتية ، بنشر مبادئ السلام و الحرية و العدل و الشورى، و هذا راجع لوعيه و إيمانه بمركزية الإصلاح عن طريق التقويم الثقافي ، فإيمانه بهذه الحقيقة جعله يؤمن بعدم جدوى التغيير عن طريق الملك الذي عرضته قريش عليه ، فقد أيقن بان تغيير الوضع رهين بتغير ثقافة المجتمع لا بتغير نظام حكمه .
و أما ثالث تلك النتائج فمؤداه أن أي تغيير اجتماعي تبرز أمامه أربع أنظمة فكرية رئيسة واحدة منها هي السلمية و الصالحة له °2.
أولى تلك الأنظمة الفكرية هي نظام الغاب ، حيث المنتصر يسيطر على المنهزم و يستبد به ، وهي مرحلة مشى فيها الجنس البشري وهو يودعها تقريبا الآن ، وقد يعترض من يقول : لا إن الوضع لم يتغير ، وهذا ينسف كل إمكانية أي تقدم و أي تطور عند الإنسان والجنس البشري عموما ، وهو تصور غير صحيح في ضوء إنجازات الجنس البشري حتى الآن ، من نظام الأمم المتحدة ومحكمة لاهاي للعدل الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ومعاهدة جنيف لأسرى الحرب ومنظمة الهلال والصليب الأحمر الدوليين ... الخ وهذا لا يعني الكمال في الانجاز ولكنها خطوات متواضعة في طريق تحقيق الكمال الإنساني والدولة العالمية الواحدة لتأمين الخبز ودحر المجاعات واحتكار السلاح وإيقاف الحروب.
و ثاني تلك النظم هي الديمقراطية الغربية التي تبيح العنف لصناعة الحكم ، من خلال ممارسته للإطاحة بالحكومات الظالمة المستبدة ، وتحرم العنف بعده ، ويصب معهم في نفس الاتجاه تيار ( الخوارج ) من التاريخ الإسلامي ، الذين لم يؤمنوا بارستقراطية الحكام ، القرشيين الذين استأثروا بالحكم ، إنما أمنوا بأحقية العبد الأسود بالرغم من كونه ينتمي للشرائح المستضعفة أن يتولى منصب الرئاسة ؛ وهذا التصور كان مستحيلاً في تلك الأيام ؛ كما آمنوا بالثورة المسلحة لتغيير الحاكم المنحرف ، وقد استنفدوا طاقتهم في الصراع مع الأمويين ، وجعلوا الدولة الأموية تنزف حتى الموت ، فسقطت كالتفاحة الناضجة ليست بأيديهم ، بل بيد العباسيين ، المجهولين المختبئين في الظلام ، وهذا نفسه ما تفعله الجماعات المسلحة في الوقت الحاضر حيث أحيت مذهب الخوارج من جديد .
و ثالث تلك النظم ، طريقة الأنبياء في صناعة الحكم الشرعي؛ الحكم القائم على عدم الإكراه و عدم العنف؛ و من أهم مقومات هذه الطريقة و مميزاتها السلم و الكلمة الطيبة ، متبعين في ذلك قول الله تعالى في كتابه العزيز " اذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " سورة طه الآيات42 و 43 . و قوله سبحانه في موضع اخر " و ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إن ربك اعلم بمن ضل عن سبيله و هو اعلم بالمهتدين " النحل الآية 125 .فقد حرموا صناعة الحكم بالقوة المسلحة وبالعنف من خلال الانقضاض على الحكومات القائمة، حتى لو كان مجيئها إلى السلطة بالسيف وبالعنف ، فاللاشرعية لا تزال باللاشرعية ، بل بالشرعية ، والخطأ لا يزال بالخطأ، بل يُقَوَّم بالعمل الصحيح . وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه و سلم الذي غير المجتمع بالفكر و بشكل سلمي، فحين تعذر عليه صلى الله عليه و سلم اختراق مجتمع مكة والطائف ، قام بنشر دعوته في أهل يثرب التي أخذت اسم مدينة الرسول (المدينة المنورة ) بعد ذلك ، فلم يذهب إليهم على ظهر الدبابات بانقلاب عسكري ، بل خرجوا لاستقباله في حشد ضخم ضم أهل المدينة من الرجال والنساء ، في مشاركة رائعة ، مع فرقة إنشادية ، ينشدون جميعا طلع البدر علينا ، معلنين خضوع مجتمع المدينة للفكرة الجديدة بدون سفك قطرة دم واحدة . إن هذا التحول المدهش في مجتمع المدينة المنورة سابقاً وبهذه الطريقة السلمية ، غاب عن ذهن المسلمين منذ ذلك الوقت ، فقد عطلوا تلك السنة العظيمة من سنن الإسلام في كيفية بناء المجتمع أو معالجته حين الانحراف ، وتبخر الحكم الراشدي تحت حرارة العنف ودمويته ، وانزلق المجتمع الإسلامي إلى ليل التاريخ ، الذي لم يخرج العالم الإسلامي منه حتى اليوم ، بل و لازال يغط فيه بنوم عميق .
أما رابع تلك الأنظمة الفكرية فيأتي بعد قيام الحكم الشرعي ، بحيث إذا ما أقيم الحكم على قوائم و أعمدة شرعية سمح بالجهاد المسلح للدفاع عن هذه المكتسبات، فبعد أن يبنى مجتمع "اللإكراه" و مجتمع "الحرية و المساواة و العدل و الشورى"، إذ ذاك يمكن استخدام العنف لردع من أراد أن يمس بأمنه ، بفرضه لأفكاره و معتقداته بالعنف على هذا المجتمع.
إن كل ما ذكرناه آنفا هو قوانين و قواعد تحكم فعل الإصلاح وسلوك التغيير.
في الختام يتجلى لنا – أخي القارئ- انه لا سبيل لنا لتضميد جراح امتنا و لملمت شتاتها و إصلاح حالها ، إلا من خلال التركيز على الإصلاح الثقافي المنطلق من تغيير البنى الفكرية التحتية ، فيجب ان لا توقفنا أخطائنا المنهجية في السير نحو الإصلاح الراشد المحقق للنهضة الشاملة .
حمزة الوهابي
المراجع:
°1 الاستاذ مالك بن نبي " شروط النهضة ...
°2 مقالة الدكتور خالص جلبي " التغيير السلمي للمجتمع و الحكم في الإسلام " من مدونته على الانترنيت
°3 الأستاذ مالك بن نبي " شروط النهضة الصفحة 159 ، دار الفكر الطبعة الأولى"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.