بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    علماء يكتشفون حياة ميكروبية تحت جليد القطب الشمالي    مهرجان الدوحة السينمائي يعلن عن لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الدار البيضاء تحتفي بالفلامنكو الأندلسي عبر عرض استثنائي لفرقة باليه الأندلس    دراسة: المغاربة متسامحون مع المهاجرين لكنهم يفضلون تقليص أعدادهم داخل البلاد    الأحزاب السياسية من الضمور الى القبور    الحتمية التاريخية ومسار التجديد في ملف الصحراء    البرلاسين يفتح صفحة جديدة مع الرباط ويجدد دعمه لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء    التويزي يوضّح حقيقة عبارة "طحن الورق" ويؤكد: المقصود هو التلاعب في الفواتير لا خلط الدقيق    المغرب يتوقع استقبال 18 مليون سائح وتحقيق 124 مليار درهم إيرادات سياحية في 2025    بعد أن أشعل الجدل.. التويزي: "المقصود هو التلاعب في الوثائق وليس الدقيق"    مقتل جندي إسرائيلي في قطاع غزة    إعصار "ميليسا" العنيف يضرب جامايكا ويسبب خسائر في الأرواح    مأزق الجزائر في مجلس الأمن... سقوط خطاب الممانعة أمام واقعية الدبلوماسية المغربية    الساكنة الحقيقية لمخيمات تندوف... عندما تنكشف أكاذيب النظام الجزائري    صقور الصّهيونية    قيمة شركة "إنفيديا" تقترب من مستوى 5 تريليونات دولار القياسي    تسريب ضخم ل183 مليون حساب Gmail في أكبر خرق بيانات على الإطلاق    شباب المحمدية يبسط سيطرته على صدارة القسم الثاني    "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" يصل محطة طرفاية-العيون    غوارديولا يتطلع إلى عودة مرموش لكامل لياقته    بعد ليلة بيضاء .. القضاء يوزع 168 سنة سجنا في أحداث التخريب بالشمال    أمطار ورياح قوية وانخفاض في درجات الحرارة بعدة مناطق من المملكة    جرائم بيئية ترتكبها معاصر الزيتون تهدد الموارد المائية بالمغرب    الأمن يوقف المتورط في قضية اغتصاب مساعدة محام بالبرنوصي    برشلونة تحتضن المؤتمر الثاني لشباب مغاربة إسبانيا    كيوسك الأربعاء | أزيد من 71 ألف مغربي يستفيدون من دعم السكن    محمد بنموسى في لقاء مفتوح حول الوضع السياسي والاقتصادي في المغرب    إسقاط رئيس جماعة مرتيل بعد صدور حكم نهائي بإدانته.. مقابل إلغاء قرار إقالة عضو المجلس محمد أشكور    بنسعيد يترأس حفل تنصيب لجنة تحكيم الجائزة الكبرى للصحافة    شيخوخة اللسان!    إجراءات الحكومة تساعد على الحفاظ على استقرار أسعار السمك في مستويات معقولة    سقوط عشرات القتلى في قطاع غزة    الجديدة.. تأجيل محاكمة شبكة 'السمسرة والتلاعب بالمزادات العقارية' إلى 4 نونبر المقبل    آفاق واعدة تنتظر طلبة ماستر "المهن القانونية والقضائية والتحولات الاقتصادية والرقمية" بطنجة    "لبؤات U17" يغادرن مونديال الفتيات    هل نأكل الورق بدل القمح؟ التويزي يكشف اختلالات خطيرة في منظومة الدعم بالمغرب    مستشار ترامب يجدد التأكيد على دعم واشنطن الثابت لمغربية الصحراء و أبدى تفاؤل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بقرب التوصل إلى حل    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    "الديربي البيضاوي".. الإثارة والتنافس يلتقيان في مركب محمد الخامس    لقاء أدبي بالرباط يحتفي برواية «أثر الطير» لثريا ماجدولين    سعيد بوكرامي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ابن خلدون سنغور للترجمة    العصبة الاحترافية تعلن تغيير موعد مباراة الوداد واتحاد طنجة    ريال مدريد يعلن خضوع كارفخال لعملية جراحية ناجحة    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية:أضواء على صفحات منسية من تاريخ الحركة الأدبية بالمغرب، من خلال سيرة الشاعر أحمد الزعيمي وديوانه المحقق..    عبد الإله المجدوبي.. العرائشي الذي أعاد للذاكرة دفئها وللمكان روحه    قيوح: نعمل على اقتناء 168 قطارا جديدا بينها 18 قطارًا فائق السرعة    ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم 2026 رغم مخاوف العمر واللياقة    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحنين إلى الوطن حنين إلى اللسان وجْهُ اللغة
نشر في اليوم 24 يوم 18 - 06 - 2018

من بين ذلك أنني كتبت يوماً أن «كلّ متكلِّم يُعبِّر باللغات الأجنبية انطلاقاً من لغته التي يُمكِن التعرُّفُ إليها عن طريق نَبرة شاذّة أو لفظ أو تركيب». كلام واضح، مقبول إلى حَدّ ما، لكنني أضفت- مباشرة- بعد ذلك: «وأيضاً عن طريق النظرة وَسِمات الوجه (أجل، للغة وجه)». ترى ما عساني كنت أعني بوجه اللغة؟ تملَّكني الشعور لمدّة بأنها عبارة لا تخلو من تهوُّر، وتخوَّفت أن يستفسرني أحد القرّاء عمّا قصدت، أن يقول لي مثلاً: هل يختلف وجهك عندما تتحدَّث بالفرنسية أو بالعربية؟ وكيف الحال عندما تتحدَّث بالإنجليزية التي لا تتقنها تماماً؟
-مجرَّد تخمينات... لكن، أتيحت لي الفرصة مرّة أو مرّتين أن ألاحظ، لا أقول صحّة حدسي، وإنما إمكانية استئناف البحث في هذه المسألة. قرأت مؤخَّراً مقالاً عنوانه «ضَيْف غيرُ مَدعُوّ»، لشاعرة يابانية (يُوكُو تَاوَادَا) تعيش في برلين وتكتب بلغتها الأصلية وأيضاً بالألمانية. من جملة ما لاحظت أن «العديد من الألمان يَبدون مَرِحِين عندما تُتاح لهم فرصة التحدُّث بالإنجليزية، فكأن هذا يسمح لهم بان يتحرَّروا من ضرورة تحسين أدائهم، ومن وسواس السيطرة على النفس، وهما أمران أصبحا مرتبطين باللغة الألمانية». روت- في هذا السياق- أن أحد معارفها، وهو تشيكي يعيش في كاليفورنا، يفضِّل كثيراً، حين يزور ألمانيا، التحدُّث بالإنجليزية على التحدُّث بالألمانية. «فما دام يتحدَّث بالإنجليزية، يُعامَل بلُطف على أساس أنه قادم من أميركا، لكن عندما ينتقل إلى الألمانية، تجعله نبرته الخفيفة يُصَنَّف حالاً في فئة «أوروبا الوسطى» [...] ؛ يفقد حينئذ وضع الضيف [...] ولا يُسمح له بدخول صالون اللغة الألمانية».
إذا كانت هذه تجربة الزائر التشيكي، فما هي حالة الشاعرة اليابانية؟ «فيما يخصّني يمكن أن أقول إن «النبرة» تبدو في وجهي أكثر مما هي عليه في نُطقي، فمهما تكن اللغة التي أتحدّث بها فإن مظهري الخارجي يكفي لتصنيفي فوراً. أُدْعَى بلُطف إلى الدخول إلى الصالون العائلي لأن ليس ثمة- فيما يخصّني- احتمال بأن أتحوَّل إلى امرأة أجنبية حتى النّخاع، لا يُكتَشف بسرعة أنها كذلك».
تضيف الشاعرة: «ومع ذلك، هناك أشخاص من البورجوازية المثقَّفة لا يَكُفّون عن مقاطعتي بملاحظات من نوع: «مُذهِل حديثك الجيد بالألمانية!»، إلى درجة أنني أشعر في النهاية أنني مُقصاة، ولا أعود قادرة على الاستمرار في الكلام. أو لا ينفكّون يسألونني هل أعرف هذه الكلمة الألمانية أو تلك. بشكل عام يكشف اختيار هذه الكلمات- بالذات- أنه لم يسبق لهم أبداً أن تعاملوا فعلاً مع لغة أجنبية. يبدو جليّاً أن وضع شخص ليس منهم، وليس أيضاً أجنبياً، يثير الانزعاج». لن تتكلَّم لغتي: ظاهرة تتخفّى في التفاصيل. قبل ما يقرب من عشرين سنة، كنت- لمدّة قصيرة- في كامبريدج بالولايات المتحدة، حيث جامعة هارفارد. ذات صباح كنت متّجهاً إلى المكتبة (ماذا ستفعل في هارفارد إذا لم تزر المكتبة يومياً؟)، وإذا بي أبصر، عن بعد، مغربياً قادماً جهتي. لم أكن أعرفه، ولم أرَه قبل ذلك، لكنني علمت أنه من المغرب، ويمكن أن أضيف أنني نادراً ما أخطئ في تخميني. كيف أتعرّف إلى مغربي قبل أن ينبس ببنت شفة (لا بد من توضيح ذلك، لأنه إن تَحَدَّثَ لا مجال حينئذ للتردُّد)؟ أهي قسمات الوجه، كآبة مستسلمة، طريقة مشي ببطء، نعم ببطء، كأنه يتجوَّل؟
كان يقترب مني رويداً. ما العمل في هذه الحالة؟ متابعة طريقي. في تلك الأثناء قلت لنفسي إنه لا شكّ يحنّ إلى طبخ بلاده، إلى طعام أهله البعيدين، وتذكَّرت ما قاله الحسن اليُوسِي عن الطريقة المُثلى لعلاج المغربي عندما يمرض (ربما يقصد عندما ينهار عصبياً): «أطعِموه الكُسْكس». وبينما كنت أدير هذه الوصية في ذهني، اقترب مواطني بحيث صرنا جنباً إلى جنب. ركَّزت نظري على نقطة في الفضاء أمامي وتابعت السير، وإذا بي أسمع: سي عبد الفتاح! لا شكّ أنه كان يعرفني، ربَّما دَرَس في الكلّيّة التي كنت أشتغل فيها. قد أكون تضايقت حينئذ، وبدت عليّ علامات اضطراب، وعلى الأرجح لاحظ ذلك لأنه قال لي على الفور: «اسمح لي سي عبد الفتاح، بغِيت غِير نَدْوي معاك شويا بَلعَرْبِية (أريد فقط أن أتحدَّث معك شيئاً ما بالعربية) ». الحنين إلى الوطن حنين إلى اللسان. كان بحاجة إلى التحدُّث بلغة الأم، ضرورة قصوى، شكل من التداوي والعلاج. تبادلنا بضع كلمات، نزلَت برداً وسلاماً عليه، وعليَّ كذلك. تغيَّر وجهه، صار له وجه آخر، وجه يشعّ بهجة 
وسروراً.
عبد الفتاح كليطو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.