فضحت احتجاجات المهاجرين الأفارقة المنحدرين من دول جنوب الصحراء، التي شهدتها شوارع مدينة طنجة، يوم الجمعة الماضية، نزوعات خطاب العنصرية والكراهية لدى شريحة من المواطنين المغاربة، إذ تناسلت التعاليق على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” تفاعلا مع الحدث، بعضها ذو مضمون عدائي لوجود المهاجرين الأجانب، حيث دعت إلى “طردهم” وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، بدعوى أنهم “أصبحوا مصدر إزعاج وقلق في الأحياء التي يقيمون بها”. وعبر فاعلون حقوقيون عن قلقهم من تفشي خطاب العنصرية والكراهية المتزايد ضد المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، معتبرين أنه “مؤشر خطير يمكن أن يشكل تيارا منظما يتبنى هذا الطرح المعادي لجميع المواثيق الدوليك لحقوق الإنسان”. وكانت السلطات المحلية والأمنية بعد زوال يوم الجمعة الماضي، تصدت لمسيرة احتجاجية حاشدة نظمها المئات من المهاجرين الأفارقة “المستقرين بشكل مؤقت” في عاصمة البوغاز، وغالبيتهم لا يحملون وثائق الإقامة، حيث استعملت الهراوات في تفريقهم، قبل أن “تكدسهم” في حافلات لتقل المسافرين وترسلهم لوجهة مجهولة. وانطلقت مسيرة المهاجرين الأفارقة من مجمعات العرفان بمنطقة “بوخالف”، حيث كان يتزايد زخمها مع تقدمها ومرورها بالقرب من الأحياء التي تستقر بها أفواج منهم، مثل حي مسنانة، البرانص، ثم توغلت مسيرتهم وسط المدينة، حيث توقفت مدة وجيزة قبالة القنصلية الإسبانية للاحتجاج أمامها، قبل مواصلة طريقها صوب الحي الإداري. وردد المهاجرون القادمون من دول مختلفة جنوب الصحراء شعارات تستنكر الملاحقات الأمنية ضدهم، ومنددين بالحملات المكثفة التي تقوم بها السلطات منذ شهر غشت الماضي، والتي أسفرت عن ترحيل المئات منهم إلى مدن داخلية، وإعادة عدد آخر إلى بلدانهم، الأمر الذي دفع الباقين إلى الفرار إلى غابات مجاورة للاختباء من أعين الأمن، ولمّا ضاق بهم الحال قرروا الخروج الجماعي للشارع للاحتجاج على “الوضع السيئ”، بحسب وصفهم. وقال بعض المحتجين إنهم يستغربون الحملات الدائمة عليهم وطردهم من منازل الكراء رغم أنهم لا يتسببون في مشاكل ولا يؤذون أحدا، في حين صرح آخرون بأنهم لا يرغبون أصلا في الاستقرار بالمغرب ويتحينون الفرصة من أجل الهجرة نحو الضفة الأوروبية من أجل تحسين ظروف عيشهم، لذلك، فإن كل ما يطلبونه هو العيش بأمن وسلام. من جهة أخرى، كشفت التعليقات العنصرية التي ذهب إليها بعض المواطنون المغاربة، عن فشل سياسة إدماج المهاجرين في المجتمع، إذ رغم المحاولات الرسمية المتمثلة في تسوية الوضعية القانونية للإقامة، وبعض المجهودات المدنية التي تسعى إلى إدماج هاته الفئة في المؤسسات التعليمية والاستفادة من الخدمات الصحية، إلا أنها “تبقى غير كافية”، بحسب متتبعين للشأن المحلي. في سياق متصل، أصدر التكتل الجمعوي بطنجة الكبرى، بيانا شجب فيه بشدة خطاب الكراهية الموجه للمهاجرين الأفارقة بطنجة، حيث سجل “مظاهر التعامل اللاإنساني التي رافقت حملة الترحيل للمهاجرين خلال الأسابيع الفارطة، والتي بلغت ذروتها يوم الخميس الماضي، حيث يتم اقتحام المنازل واقتياد المهاجرين في ظروف «غير لائقة»، مما جعلهم يرفعون شعارات في مسيرتهم تدعو إلى الحرية والمساواة ونبذ العنصرية والتضييق”. وطالب التكتل الجمعوي، في البيان الذي حصلت “أخبار اليوم” على نسخة منه، السلطات العمومية المغربية إلى التنفيذ الفعال للاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، وضمان حصول الأشخاص المهاجرين المقيمين بمدينة طنجة على إقامة تحفظ كرامتهم، داعيا كل المؤسسات العمومية والمنتخبة إلى تكثيف الجهود كل في إطار اختصاصاته ومسؤولياته، إزاء حركات نزوح اللاجئين والمهاجرين والتي تعرفها مدينة طنجة مع احترام كرامتهم وإنسانيتهم. وذكر المصدر نفسه في بيانه الصادر يوم الجمعة الماضية، المؤسسات والسلطات المغربية المعنية بأن الهجرة ظاهرة إنسانية طبيعية، حيث تنقل الإنسان دوما باحثا عن العيش الكريم أو هروبا من النزاعات المسلحة، أو بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، مشددا على أن “الهجرة تبقى حقا طبيعيا يجب الاستفادة منها عبر سياسات وطنية ضامنة للحق في اللجوء والإقامة”.