كيف تابعت التطورات الأخيرة في نواحي مراكش.. حول ما صاحب نصب تذكاري خاص بالمحرقة؟ وكيف ترىالتراكمات التاريخية التي اجتمعت حتى تجعل من دولة الاحتلال قادرة على اختراق دول في المنطقة بما فيها المغرب؟؟ أولا، لا بد من اعتماد نوع من مقاومة مفردات في القاموس، المرتبط بقوالب فكرية، والتي تحاول الوسائل السمعيةالبصرية السائدة في العالم فرضها على جميع العقول، مثلا كلمة “إرهاب“… دون تمييز حالات المقاومة المشروعةضد الظلم. وما يهمني هنا، هو رفض كلمة ‘هولوكوست” المعربة تارة، بكلمة “المحرقة“، أو تبني الكلمة العبرية “شواح“. لذلك لا يجب التطبيع مع تلك الكلمات، لأن في ذلك نوعا من الانسياق الضمني وراء مفاهيم تهدف الكيل بمكيالين،وذلك بالتمييز بين الجرائم ضد الإنسانية. لذلك، ما قامت به النازية في القرن العشرين من التدمير شبه التامللطوائف اليهودية الأوروبية المختلفة، وهي جرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم لا مثيل لها في التاريخ، الشيء الذييفرض علينا اللجوء إلى كلمات من القاموس التعبدي. والأخطر هو أن هذا المجهود الدلالي غرضه هو قوْلبة العقولوتزكية النظرية الصهيونية الزاعمة بحقوق خاصة للطوائف اليهودية عبر العالم على أرض فلسطين، بمعنى المساهمةفي تبرير استعمار فلسطين والاستيطان على أرضها والتمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني. العقول الأوروبية والألمانية منها بالخصوص مثقلة بالشعور بالذنب لأن الجرائم المشار إليها ارتكبت باسم الدفاع عن“الأمة الألمانية“، وعلى أرض أوروبا بشراكة مع السلطات الأوروبية. ونتج هذا الشعور بالذنب تبريرا لضرورة“التعويض“. وهكذا استفاد من يزعم تمثيل سائر الطوائف اليهودية عبر العالم، وهو مشروع الصهيونية، من تأييد فيعمله لاستعمار أرض فلسطين. بل تم شراء صك الغفران بالملايير تم دفعها لميزانية الاحتلال منذ الستينيات على شكلأموال أو أسلحة. فالإمبريالية يجب أن تُحاسَب، أيضا، على فظاعة ما قامت به من الأعمال لصالح الصهيونية بعد ارتكاب الجرائمالنازية، وهذا باسم محو آثار تلك الجرائم. والطامة الكبرى هي انسياق تيارات من الرأي العام الألماني وراء نفسالمنطق، وبالخصوص الأجيال التي بحثت من خلال فضح جرائم الآباء، عن سبل التخلص من ثقل الإرث، وقامتبتزكية الصهيونية. وبالحديث عما شاهدناه في مراكش، لا غرابة أن تأتي مبادرة بناء في منطقة مراكش لنصب تذكاري لل“هولوكوست” من ألمانيا التي تحمل عقدة الذنب الثقيلة. فلو كانت المبادرة ساوت بين الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها أوروباالرأسمالية باسم “الحضارة” منذ مرحلة محاكم التفتيش وإبادة شعوب في أمريكا واستعباد البشر في إفريقيا، إلىما قامت به الدولة التركية بربط جرائم تدمير الطوائف اليهودية الأوروبية ضد الأرمن، وإلى الجرائم في رواندا إلخ. وقامت، أيضا، بالجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني باسم “جبر الضرر“، لكان الأمر مقبول… لكنه غيرذلك. وهناك خطر وارد في استغلال هذه المبادرة في المشاريع الصهيونية الهادفة إلى توسيع دائرة مجال قولبة العقولإلى المغرب، ليقبل الناس باستعمار فلسطين. وعلى أساس ما سبق، أكيد أن ما قامت به الجمعية الألمانية في نواحيمراكش مرفوض. والمشكل حقيقة يكمن في عدم تصدي السلطة لهذا التحرك المشبوه منذ نشأته، مقارنة مع كل ماتضعه السلطات من عراقيل بسرعة فائقة أمام تمتع المواطنين المغاربة بالحريات وبالخصوص حرية تأسيسالجمعيات. mic1.psd بالحديث عن التطبيع وعن الاختراق الصهيوني للمغرب، كيف يمكن الحسم في الممارسات من اعتبارها تطبيعا أواختراقا؟ إن تحديد مفهوم التطبيع هو الخطوة الضرورية الأولى. وهناك مرجع أساسي وهو التعريف الصادر عن حركةالمقاطعة الفلسطينية BDS التي تجمع بين المئات من الهيئات التي تمثل جل المجتمع المدني الفلسطيني والنقاباتوالأحزاب الفلسطينية، في فلسطين وخارجها، وهو يحدد التطبيع في عمل لا بد أن يكون فيه طرف فلسطيني أو عربيمن جهة، ومن جهة أخرى، طرف من الاحتلال ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييزوالاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وهذا ينطبق على “تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أوالفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية“. لذلك، هل لموضوع بناء النصب التذكاريفي منطقة مراكش صلة بالتطبيع حسب هذا التحديد؟ أرى أنه ينقصنا هنا معيار أساسي، وهو حضور طرفالاحتلال. أما رفض تصنيفه في ميدان التطبيع لا ينسينا الحديث عن مظاهر التطبيع الثقافي والأكاديمي، وهيأمور تتطلب المزيد من التصدي. أما الاختراق الصهيوني، فهو يتخذ عددا من الأشكال، منها على المستوى العسكرياعتماد أجهزة إلكترونية من صنع شركات الاحتلال مثل الطائرات إف-16، وهو ما يهدد السيادة الوطنية، وأيضانشاط شركات الاحتلال في الأسواق المغربية، كشركة النقل البحري ‘زيم‘ في موانئ البيضاء وطنجة، وشركة التجهيزالإلكتروني “كرامر“، التي تجهز عددا من المرافق العمومية المغربية في الميدان السمعي البصري، إلى الأنشطة فيميدان الزراعة، مثل بذور وسقي ومواد كيماوية التي توزع تحت مظلات مختلفة منها الفرنسية والسويسريةوالمكسيكية، وكلها خرق التزام المغرب بقرارات المقاطعة العربي.. ويشكل استقبال مجرمي الحرب من “مواطنين إسرائيليين” لأنهم يحملون السلاح طول حياتهم ضد الشعبالفلسطيني، يأتون في إطار سياحي وهذا وجه آخر للاختراق. خلاصة القول إن العمل التضامني مع الشعبالفلسطيني عن طريق التصدي للاختراق الصهيوني للمغرب، بمختلف أنواعه عمل، يتطلب المزيد من الجهود.