في الوقت الذي تتركّز فيه الأنظار والاهتمامات حاليا على التهديدات الصحية التي يشكّلها فيروس كورونا، تواصل الدولة تدبير المرحلة بعين على الحاضر وأخرى على المستقبل. هذه العين الثانية تستبق ما سيكون عليه حالنا بعد زوال الوباء، وهو ما يصعب على أي ذهن تخيّله، بالنظر إلى حجم الضرر، كي لا نقول الخراب، الذي سبّبه الوباء لاقتصاد البلاد. لا شك أن جلّ الفرضيات التي بني عليها القانون المالي للعام الحالي لم يعد لها أساس في الواقع، سواء منها المداخيل الضريبية للدولة أو معدل النمو أو سوق الشغل… ومن شبه المؤكد أن القسم الأكبر من النفقات التي توقعها هذا القانون، لم يعد الواقع يسمح به، ما يعني حتمية اللجوء إلى سياسة تقشفية حادة ومؤلمة، وذلك حتى لا تنهار التوازنات الماكرو-اقتصادية الكبرى، وتبقى الدولة قادرة على جرّ البلاد نحو مرحلة إقلاع جديدة من المؤكد أنها ستتطلب بضع سنوات. لا يمكن أن ينكر إلا جاحد الحس الاجتماعي الكبير الذي تبديه الدولة في هذه المرحلة، وذلك من خلال التفعيل السريع لبرنامج الدعم الخاص بالأسر الفقيرة، لضمان الحدّ الأدنى من الأقوات في فترة توقف الأنشطة الاقتصادية، ومعها انعدام الموارد المالية لكثير من المغاربة. وآخر هذه الخطوات، ما أقدم عليه الملك يوم أمس، باعتباره الناظر الأول للأوقاف، بإعفائه مكتريي المحلات الوقفية، سواء منها التجارية أو الحرفية أو السكنية، من أداء الواجبات الكرائية خلال فترة الحجر الصحي. ولأن أكبر خطر مرتقب هو جفاف مصادر العملة الصعبة بتوقف الأنشطة التصديرية والسياحية، وتأثر تحويلات مغاربة الخارج بالأزمة، فإن خط السيولة الذي حافظ عليه المغرب، برؤية استشرافية ثاقبة، سمح لنا بحيازة 3 ملايير دولار بيضاء، سنحتاج إليها حتما في أيام نخشى أن تكون سوداء.