ياسمينة أبو الزهور* عن المعهد المغربي لتحليل السياسات في 29 مايو 2020، توفي السيد عبدالرحمان اليوسفي، الوزير الأول المغربي السابق، والذي يعتبر أحد أهم الشخصيات في الساحة السياسية المغربية. كان محاميا متمرسا في مجال حقوق الإنسان قاده نضاله الى الاعتقال مرتين وقد تم سجنه مرة واحدة وحكم عليه بالإعدام بسبب معارضته السياسية. كان عضوا مؤسسا وزعيما لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومن معارض للملك الراحل الحسن الثاني نصب أول رئيس وزراء ذو خلفية اشتراكية في المغرب (1998-2002). عمل اليوسفي خلال مدة رئاسته للحكومة على تخفيف الضغوطات السياسية وتقليص الأزمة الاقتصادية بالبلاد، لكنه وبسبب الصلاحيات الواسعة للنظام آنذاك، لم يتمكن من إجراء إصلاحات جذرية لكونه لم يحظ بموافقة النظام وتعاون منه. وبناء على كل الظروف المحيطة برئاسته للحكومة، فإنه لم يتمكن من معالجة تحديات المغرب طويلة الأمد، لا سيما فيما يتعلق باستمرار التفاوتات وضعف السلطة التشريعية، ذلك أن هذين التحديين يعرقلان دائما تطور المغرب، بالرغم من مرور ما يناهز عقدين من الزمن عن انتهاء ولاية اليوسفي. الوزير الأول: الإنجازات والتحديات والانتقادات عين الملك الحسن الثاني عام 1998 اليوسفي وزير أول لقيادة حكومة التناوب التي كانت تتكون من وزراء ينتمون إلى أحزاب اشتراكية ويسارية-وسطية ووطنية، بالإضافة إلى وزراء تكنوقراط مدعومين من القصر. لا بد من الإشارة إلى أن هذه الحكومة لم تكن مستقلة بشكل كامل لكون الملك الحسن الثاني أبقى على صلاحياته الواسعة وقام بتعيين وزراء السيادة: وزير الداخلية.. وبقي يتحكم في البيروقراطيين الذين كانوا يتدخلون في العمل اليومي للحكومة. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن حكومة التناوب كانت أكثر استقلالية من الحكومات السابقة، حيث إن الملك شجع اليوسفي على تحسين وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، وإجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية واجتماعية. أبرز الإنجازات إضافة إلى قيادتها لتجربة تاريخية فريدة من نوعها في المغرب، فإن حكومة اليوسفي نجحت في إحداث تغيير كبير في الأوضاع السياسية والسوسيو-اقتصادية لبلد كان يشهد ارتفاعا كبيرا في معدلات التفاوتات ويعيش فصولا سوداوية من انتهاكات لحقوق الإنسان. في هذه الفترة تمتعت الصحافة بقدر أكبر من الحرية طالما أنها لم تتجاوز الخطوط الحمراء، كما تحسن سجل المغرب الحقوقي على نحو جذري، عن طريق تشكيل الحكومة للجنة الانصاف والمصالحة كلفت بدراسة ومنح تعويضات للمعتقلين السياسيين زمن سنوات الرصاص. ولقد تبنى اليوسفي إصلاحات إدارية لتقوية النظامين القانوني والضريبي للبلاد وقام بإحداث تغييرات إيجابيا على مستوى الحكامة، الأمر الذي بعث الأمل في حدوث إصلاح في البلاد، حيث حقق المغرب بين 1998 و2002 نتائج ما بين 37 و47 نقطة (من أصل 100 نقطة)، وفقا لمؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، وهي نتائج أعلى من النتائج المحققة في السنوات السابقة؛ والحقيقة أن المغرب بعد ولاية اليوسفي لم يصل إلى 47 نقطة. من بين الجهود الأكثر إثارة للانتباه، تلك المبذولة في سبيل تحسين الأوضاع السوسيو-اقتصادية. فمن أجل خفض معدلات التفاوتات قام الوزير الأول بزيادة التمويلات المخصصة لقطاعات التعليم والصحة والإسكان، وقام بإحداث نظام تغطية صحية إجبارية للأجراء وبخلق 000,70 منصب شغل في القطاع العام في الفترة الممتدة بين 1998 و2002 . ولقد شهدت ولاية اليوسفي تغييرا اقتصاديا إيجابيا على مستوى المؤشرات، حيث ارتفعت نسبة النمو من 2.6% (1993-1997) إلى 3.8% (1998-2001) ، وانخفض معدل التضخم إلى ما دون 1.5% (1998-2002) مقارنة ب 4% (1993-1997)، في حين استقر معدل العجز الوطني في حدود 3% مما فتح المجال للحكومة لرفع الاستثمار الوطني بنسبة 23% في الفترة الممتدة بين1998 و2002 بالمقارنة مع الفترة بين 1993 و1997، كما ارتفعت مداخيل السياحة بين الأعوام 1998 و2020 بنسبة 3.4% والاستثمارات الأجنبية المباشرة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6% ومداخيل الميزانية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4% والصادرات بقيمة 48 مليار دولار. التحديات والانتقادات ومع كل ما قامت به الحكومة في عهد اليوسفي، فالكثيرون لم يكونوا راضين عن السياسات السوسيو-اقتصادية، حيث عبر 80% من المواطنين الذين شملهم استطلاع رأي في تلك المرحلة عن عدم رضاهم من البطالة والفقر والفساد، و79% منهم عن عدم رضاهم عن الخدمات الصحية، وأكثر من 60% منهم عن عدم رضاهم عن وضعيات التعليم والسياسة والإسكان . ولقد ازداد الاستياء الشعبي، أيضا، نتيجة موجات الجفاف المتكررة في الفترة الممتدة بين 1998 و2001، والتي أثرت على القطاع الفلاحي، حيث إن موجة جفاف عام 1999 وحدها كلفت نحو 900 مليون دولار. أما آخرون، فلم يكونوا راضين عن التقدم المحرز فيما يتعلق بالحريات السياسية والمدنية. فقد وصف محمد الحبابي، المنتسب إلى الحزب نفسه الذي ينتمي إليه اليوسفي، الحكومة بأنها "تجربة مريرة ومزرية"، كما انتقد رئيس الوزراء بسبب تنفيذه لتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كما انتقد حلفاء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية "بطء تقدم" رئيس الوزراء (حزب التقدم والاشتراكية) وعبروا عن استيائهم من "غياب إرادة سياسية لإحداث تغيير على أساس إجماع وطني" (منظمة العمل الديمقراطي الشعبي). وإضافة إلى ذلك، نظمت كل من الهيئات الشبابية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والكونفدرالية الديمقراطية للشغل احتجاجات عبرت من خلالها عن معارضتهما للحكومة. لكن أقسى الانتقادات التي جرى توجيهها لليوسفي كانت تلك التي همّت إغلاق ثلاث صحف محلية في دجنبر 2000 وهي: دومان Demain ، والصحيفة، ولوجورنالLe Journal ، وذلك بسبب تجاوزها لعدد من الخطوط الحمراء . وقال المعتقل السابق والمعارض في المنفى أبراهام السرفاتي، في هذا الصدد، إن هذه الواقعة أظهرت خضوع رئيس الوزراء لإرادة النظام والجيش. ليس من الواضح من كان وراء هذا الإغلاق، لكن الأرجح أن الأمر صدر من جهات عليا. مشاكل المغرب طويلة الأمد عند سؤاله عام 1999 إن كان من الضروري بذل المزيد من الجهود لإحداث تغيير أكبر قال اليوسفي: "إننا لا يمكن أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء". بيد أنه، وبعد 17 سنة من اعتزال اليوسفي للعمل السياسي، مازال المغرب يواجه نفس المشاكل – وإن كانت قد تحسنت تحسنا طفيفا – حيث لازالت التفاوتات الاجتماعية مستشرية، كما أن السلطة التشريعية لازالت لا تتمتع بصلاحياتها بشكل كامل. وبالفعل، لاتزال التفاوتات إشكالية كبيرة في المملكة التي سجلت أعلى نقطة على مستوى مؤشر جيني في شمال إفريقيا – باستثناء ليبيا التي تشهد حربا أهلية. فوفقا لدراسة أجرتها منظمة أوكسفام سنة 2018، فإن ثروة 3 من مليارديرات مغاربة تقدر ب 4.5 مليار دولار، أي أكثر من 000،375، مما يمتلكه المغاربة الأكثر فقرا. فيما يخص توزيع المداخيل، فإن المواطن المغربي الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور (ما يقارب 250 دولارا شهريا) يحتاج إلى العمل لمدة 154 عاما، ليتمكن من جني ما يجنيه ملياردير في عام واحد، وتتفاقم هذه الأرقام جراء الارتفاع المضطرد لمعدلات البطالة التي وصلت عام 2019 إلى 22% في صفوف الشباب على المستوى الوطني في حين بلغت النسبة في المناطق الحضرية 40.3% . فيما يتعلق بعدم المساواة الجنسانية، فإن 22.4% من اليد العاملة لعام 2017 كانت من النساء، أما بالنسبة إلى التنمية البشرية، فإن دراسة لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي لعام 2019 صنفت المغرب في المرتبة 121 من أصل 189 دولة، أي مرتبتين فقط، من قطاع غزة، كما أن للمغرب 7 أطباء و11 سريرا فقط، لكل 10 آلاف مواطن عام 2019 . علاوة على ذلك، فإن واقع الدينامية السياسية بالمغرب تقيد، وعلى نحو كبير، عمل المسؤولين المنتخَبين، ففي ظل غياب فصل واضح للسلطة واجه اليوسفي ورؤساء الوزراء الذين جاؤوا بعده التحديات عينها. فبينما قام النظام بمجموعة من الإصلاحات قلصت صلاحياته استجابة لاحتجاجات 2011، فإنه استمر في التحكم بالساحة السياسية على حساب استقلالية السلطة التشريعية، حيث مازال النظام يتحكم في مسطرة التعيين في المناصب العليا (مثل وزراء الداخلية والدفاع ووزراء الدولة والعمّال وغيرهم)، في حين لايزال المسؤولون المنتخَبون لا يتمتعون بالسلطة الفعلية للحكم أو للقيام بإصلاحات جذرية، ذلك أنهم في حاجة إلى موافقة النظام ومساعدته للقيام بذلك، وبالتالي – وهو الأهم – فإن سياساتهم لا يمكن لها أن تصطدم مع مصالح النظام. بنية الحكم تعوق أي تغيير حقيقي كان عبدالرحمان اليوسفي قامة اشتراكية شامخة ورجل سياسة ذو مبادئ، حيث كرس مساره المهني، سواء داخل الحكومة أو خارجها باعتباره معارضا، لتحسين الواقع السياسي والسوسيو-اقتصادي بالمملكة. معظم النقد الذي وجه لليوسفي بسبب عدم تحقيقه لتغيير كاف يرجع إلى العوائق التي يواجهها رؤساء الوزراء بالمغرب، نظرا إلى بنية الحكم في البلاد. وعلى الرغم من هذه القيود، استطاع اليوسفي أن يعمل من داخل النظام على القيام بإصلاحات مهمة حسنت الأوضاع السياسية والسوسيو-اقتصادية في البلاد وتحسين سجلها لحقوق الإنسان. أما اليوم، فما يزال أمام المغرب طريق طويل لخفض نسب التفاوتات بشكل فعال ودعم قدرات السلطة التشريعية.