شبهة التحريض والدعوة إلى العنف تلاحق صوفيا بنلمّان بفرنسا    أسود الأطلس يتعرفون على منافسهم في موقعة يوم الأحد برسم ثمن نهائي الكان    الحماس يغمر تدريبات "أسود الأطلس"    دياز يتصدر العناوين في الصحف الإسبانية    السنغال تتصدر والكونغو الديمقراطية وبنين تعبران إلى ثمن نهائي "الكان"    وفاة مهاجر سري من دول إفريقيا جنوب الصحراء غرقا قرب سواحل سبتة المحتلة،        أحكام في حق متهمين من "جيل زد"        أمطار جديدة تغرق خيام النازحين في غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية        15 قتيلا و2559 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    في آخر مباريات الدور الأول .. السودان يرصد فوزه الثاني تواليا وصراع إيفواري – كاميروني على الصدارة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    كان المغرب 2025 : تشيكينيو كوندي يدعو إلى الهدوء والانضباط قبل مواجهة الكاميرون    تخفيضات في أسعار المحروقات بالمغرب قبيل دخول السنة الميلادية الجديدة    كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري تعلن افتتاح الموسم الشتوي لصيد الأخطبوط    الأطالس تجذب القر اء بتركيزها على جمالية الخرائط ومحتواها التعليمي    مدرب بوركينا فاسو: عازمون على خوض مواجهة السودان بروح جماعية عالية    الإمارات تعلن سحب "ما تبقى" من قواتها في اليمن "بمحض إرادتها"    الإمارات تنهي قوات متبقية باليمن    باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية لأوقاف أهل المغرب في القدس    21 فنانا مغربيا يعرضون مشاعرهم وذاكرتهم في «ذبذبات داخلية» بالدار البيضاء    ميتا تستحوذ على أداة الذكاء الاصطناعي مانوس المطورة في الصين    أكادير.. شكوى جامعيين تكشف ضغوطا غير قانونية لإنجاح طلبة غير مستوفين لشروط النجاح    تسجيل ما مجموعه 1770 مليون متر مكعب من الواردات المائية منذ فاتح شتنبر 2025    من أشقاء إلى خصوم.. محطات رئيسية في العلاقات السعودية الإماراتية    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية    أثمان الصناعات التحويلية تزيد في نونبر        احتفالات بفوز المغرب على زامبيا تتحول إلى عنف في مدينة "ليل" الفرنسية    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    تقرير للبنك الدولي: المغرب يتفوق على المعدلات العالمية في مناخ الأعمال    إحداث أزيد من 35 ألف مقاولة بشكل رقمي    تأسيس المكتب المحلي للأطر المساعدة بمدينة سلا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ثلاث نقابات بوزارة التجهيز ترفض "تجميد" النظام الأساسي بدعوى الأولويات    المعاملات الآسيوية تقلص خسائر الفضة    لجنة العدل تشرع في مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات    رسالة تهنئة من السفيرة الصينية يو جينسونغ إلى المغاربة بمناسبة عام 2026    دفاع مستشار عمدة طنجة يطلب مهلة    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسماعيل حمودي يكتب: من أجل نقاش حول فعلية الحقوق
نشر في اليوم 24 يوم 14 - 08 - 2020

قدّم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة مهمة تتضمن تصوره للنموذج التنموي البديل، انطلاقا من مقاربة «فعلية الحقوق»، التي اعتمدها عنوانا لاستراتيجية عمله في شتنبر 2019. وهي مذكرة تستحق الوقوف عندها بالتحليل والنقد، كونها مدخلا مهما في السياق الحالي لإثارة النقاش الهادئ حول الارتباك الحاصل، ليس في الجانب الحقوقي فقط، بل كذلك في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي كذلك.
تنطلق المذكرة من فكرة مركزية لا يمكن إلا الاتفاق معها، تدعي أن المغرب راكم مكتسبات قانونية مُعتبرة خلال العقدين الماضيين، ابتداء بالدستور ومرورا بالاتفاقيات الدولية التي انضم إليها، لكن الإشكال يكمن في محدودية تفعيل تلك القوانين في الواقع المعيش للمغاربة. بعبارة أخرى، يؤكد المجلس، وهو مؤسسة دستورية، أن القانون في بلادنا ليس كافيا، وحده، لحماية الحقوق والحريات، وهو نقد قوي لا يختلف كثيرا في عمقه عن أقوى الانتقادات التي توجه إلى واقع الحقوق والحريات في بلادنا.
لكن السؤال الملح هو: لماذا لا تستطيع القوانين تغيير واقع الناس؟ أوردت المذكرة عدة إجابات؛ منها اختزال الفعل الحقوقي في البعد القانوني المعياري، مع إهمال أهمية الأبعاد غير القانونية، خصوصا العوامل الاقتصادية والاجتماعية، والعوامل الثقافية والبيئية التي تجعل ثمار التنمية، مثلا، لا تعود بالنفع على جميع المواطنين على قدم المساواة والعدالة. يريد المجلس القول إن العطب أكبر من القانون نفسه، إذ يكمن في النموذج التنموي القائم الذي يحول دون التمكين للحقوق والحريات، وعليه، فالتحدي الأكبر الذي ينبغي مواجهته هو: كيف يمكن صياغة نموذج تنموي بديل قادر على تكريس فعلية حقوق الإنسان، حتى لا تكون التنمية وحقوق الإنسان قضيتين متجاورتين بل ملتحمتين في جواب واحد عن التحديات القائمة.
يعتقد المجلس أن ذلك ممكن من خلال بناء عقد اجتماعي جديد، يجري الاعتراف فيه بالمواطن ذاتا حقوقية أمام الدولة، كونه محور التنمية وهدفا مركزيا لها، ما يقتضي تخليص مفهوم التنمية من النزعة الاقتصادوية، وتخليص حقوق الإنسان من النزعة المعيارية، لصالح اعتماد مقاربة حقوقية وطنية للتنمية، تُصَرَّف على مستويين؛ مستوى الاختيارات الاستراتيجية التي وجب أن تكون قيم الحرية والمساواة والعدالة والتضامن من ثوابتها؛ ومستوى السياسات العمومية القائمة على قيم المشاركة والمحاسبة التمكين والشرعية وعدم التمييز، على أن تكون ذات طابع إجرائي ملموس، وذات أثر قابل للقياس.
ويرى المجلس أن جائحة كورونا تدعو إلى التوجه نحو تعزيز مقاربة التنمية المبنية على حقوق الإنسان، لأنها جائحة أعادت تأكيد محورية الإنسان في أية عملية تنموية، وكشفت أن كل إنجاز اقتصادي يبقى قاصرا ما لم يحرر الناس من الفقر والخوف، كما أبانت عن تفاوتات عميقة فئوية ومجالية، وقفت عائقا حقيقيا أمام جهود الدولة في مواجهة الجائحة، لذلك، يلح المجلس على الاستمرار في إصلاح الدولة بنفس استراتيجي، حيث تكون حامية وراعية للحقوق، ومنها الحق في التنمية.
هكذا، يبدو تصور المجلس متماسكا، فهو إذ يقر بالنقائص والاختلالات التي تحول دون فعلية الحقوق، حاول تقديم أفكار بديلة لما هو قائم، بيد أن الإشكال، مرة أخرى، ليس في التصورات المكتوبة التي باتت تبرع فيها مؤسسات دستورية مثل المجلس، أو في القوانين نفسها التي تعكس بدورها تصورات، بعضها جيد دون خلاف، لكنها لا تغيّر من واقع الناس الكثير. فضلا عن ذلك، صار انتقاد الممارسات جزءا من الخطاب الرسمي للدولة منذ سنوات، ما يعني أن الدولة طبّعت مع النقد، مهما كانت حدّته، إلا أن النقد لا يُغير شيئا كذلك، ما يستدعي البحث في جوانب أخرى، أزعم أنها تكمن في حالة اللاتوازن في دور الفاعلين في ما يخص الممارسة، بل وفي انصياع الفاعل السياسي والحقوقي للحالة المذكورة، باستثناء بعض المقاومات هنا أو هناك.
ذلك أن القوانين تعكس، في النهاية، موازين القوى القائمة، وهي الموازين التي تتميز في الظرفية الحالية بتراجع دور وتأثير الفاعل الحقوقي والسياسي، سواء الموجود داخل المؤسسات أو الموجود في المعارضة، ولا حاجة إلى التذكير بالطريقة التي جرى التعامل بها مع الفريق السابق على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على خلفية ادعاءات التعذيب في حراك الريف، وكيف أن ما وقع حينها لم يثر أي رد فعل لدى جل الطبقة السياسية والحقوقية، لأنها منصاعة لحالة اللاتوازن، كما أشرت إليها آنفا.
أريد القول إنه مهما كانت قوة الخطابات وجذريتها، فقد أصبحت مقبولة من لدن الدولة، مادامت خالية من الشخصنة، لكن الإشكال أن استراتيجية الخطاب تبدو منفصلة عن استراتيجية الحركة لدى عدد من الفاعلين. ولكي أكون واضحا أقول إن إنتاج مؤسسة دستورية تقريرا أو دراسة أو مذكرة أو قانونا بات هو المفضل لديها، على حساب تفعيل اختصاص جوهري آخر، مثل تشكيل لجان للرصد والتقصي في وقائع مادية ملموسة، وتسبب عنتا وظلما للمواطنين، ذلك لأن التقرير قد يزعج يوما أو يومين قبل أن تتصدى له وسائل إعلام معينة بالتسفيه، فيما يعد تشكيل لجنة للرصد والتحري خطوة فعلية للبحث عن التوازن بين القوى في الميدان، وهو ما يزعج أكثر ذوي النفوذ والسلطة، ما يجعلهم يرفضونه، وقد يتصدون له بشتى الطرق، وذلك هو ما يفسر الهوة الشاسعة بين النصوص والواقع، والله أعلم..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.