الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    مؤتمر نصرة القدس و"معا للقدس": أية قوة يتم إرسالها لغزة يجب تحديد ولايتها بواسطة مجلس الأمن بالتشاور مع الشعب الفلسطيني    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    47735 شكاية وصلت مجلس السلطة القضائية والأخير: دليل على اتساع الوعي بالحقوق    مقترح عفو عام عن معتقلي حراك "جيل Z"    الحموشي يتقلَّد أرفع وسام أمني للشخصيات الأجنبية بإسبانيا    "لارام" تدشن أول رحلة مباشرة بين الدار البيضاء والسمارة    اتفاق مغربي سعودي لتطوير "المدينة المتوسطية" بطنجة باستثمار يفوق 250 مليون درهم    تحيين مقترح الحكم الذاتي: ضرورة استراتيجية في ضوء المتغيرات الدستورية والسياسية    انتخابات العراق: ما الذي ينتظره العراقيون من مجلس النواب الجديد؟    هجوم انتحاري خارج محكمة في إسلام آباد يودي بحياة 12 شخصاً ويصيب 27 آخرين    ماكرون يؤكد رفض الضم والاستيطان وعباس يتعهد بإصلاحات وانتخابات قريبة    الوالي التازي: المشاريع يجب أن تكون ذات أثر حقيقي وليست جبرا للخواطر    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وإيران في نهائي "الفوتسال"    مونديال أقل من 17 سنة.. المغرب يتعرف على منافسه في الدور المقبل    شراكة بين "اليونسكو" ومؤسسة "المغرب 2030" لتعزيز دور الرياضة في التربية والإدماج الاجتماعي    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة ويرسل شخصا إلى المستعجلات    مديرية الأرصاد الجوية: أمطار وثلوج ورياح قوية بهذه المناطق المغربية    الرشيدي: إدماج 5 آلاف طفل في وضعية إعاقة في المدارس العمومية خلال 2025    إطلاق طلب عروض دولي لإعداد مخطط تهيئة جديد في 17 جماعة ترابية بساحل إقليم تطوان وعمالة المضيق-الفنيدق    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    التدبير‮ ‬السياسي‮ ‬للحكم الذاتي‮ ‬و‮..‬مرتكزات تحيينه‮!‬ 2/1    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    والآن سؤال الكيفية والتنفيذ .. بعد التسليم بالحكم الذاتي كحل وحيد    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحدث بالمملكة الشريفة.. مغاربة في طريق الصليب!
نشر في اليوم 24 يوم 22 - 09 - 2013

«الأمر بدأ في المرحلة الثانوية، فخلال هذه الفترة بدأتُ أطرح بعض الأسئلة عن الإسلام، مثلا قضية الإرث ولماذا الرجل أفضل من المرأة في الميراث، كنت أطرح أسئلة على جدّي الذي كان إماما ولا يجيبني، فبدأت أبحث بنفسي إلى أن وصلت إلى المسيحية»، تحكي «هدى. ن»، الحاصلة على إجازة في تسيير المقاولات، عن أولى خطواتها نحو المسيحية بعد أن بحثت عن أجوبة للأسئلة التي كانت تؤرقها عن الإسلام وتعاليمه ولم تجد لها جوابا، على حد تعبيرها. هدى كانت على عكس الأشخاص الذي قابلتهم «أخبار اليوم» والذين كانوا جد حذرين، ومترددين في الكلام، بسبب ما يتحدث عنه بعض المغاربة من الذين غيروا دينهم من «مضايقات». كان الخوف باديا عليهم، وهم يحكون الأسباب التي جعلتهم يتركون الإسلام ويختارون المسيحية والطريقة التي يمارسون بها طقوسهم والمضايقات التي يتعرضون لها. البعض منهم لم يجد مشكلة مع محيطه، والبعض الآخر فضل إخفاء اعتناقه «النصراية» عن أقرب الناس إليه، وآخرون تعرضوا للطرد والإهانة من طرف عائلاتهم، لأنهم قرروا التمرد على دين الدولة ليواجهوا هذه الأخيرة بقانونها الذي يعاقب كل «مرتد عن دينه» ومجتمعا «لا يقبل كل مخالف في الدين»، كما هو حال الشاب المغربي محمد البلدي بسبب اعتناقه الديانة المسيحية المعتقل بتهمة «زعزعة عقيدة مسلم».

عقيدة «واهية»
«عشت فترات صعبة من الضياع، لا أعرف ماذا أفعل ولا من أسأل، فقررت أن أبحث في جميع الديانات وبدأت بالمسيحية وقرأت الكتاب المقدس وصليت لله أن يرشدني إلى طريق الحق وحينها اعتنقت المسيحية!»، تقول «هدى» التي «ارتدّت» عن الإسلام، دون أن تتكلف عناء التعمق في الدين الإسلامي والبحث فيه، فوجدت نفسها فريسة حالة من الضياع الذي أرادت التخلص منه، فكان الحل هو اعتناق المسيحية. «في البداية قررتُ أن أبحث في الديانات التي سبقت الإسلام، وبدأت بالمسيحية وارتضيتها كدين جديد»، تضيف هدى التي اختارت أسهل الطرق للوصول إلى «السلام الداخلي»، كما تسميه.
وإذا كانت «هدى» قد اتخذت هذا القرار لوحدها، فإن رضى المنحدر من مدينة الدار البيضاء والذي يعمل مصمما للمواقع الإلكترونية له قصة أخرى مع المسيحية؛ «في البداية كنت مسلما عاديا لا يبحث كثيرا في أمور الدين إلى أن التقيت بشخص أجنبي طلب مني تصميم موقع وكان التواصل بيننا دائما إلى أن فاتحني في موضوع المسيحية بعد أن طرح علي أسئلة عن الإسلام وعن حياة النبي وبعض الآيات القرآنية لكنني لم أجد الجواب عنها جميعا»، يقر رضى.
رضى يعكس حال الكثير من المغاربة الذين يتبنون الإسلام على الطريقة الشعبية، والذين وجدوا أنفسهم مسلمين ب»الاسم»، وفي وضعية هشاشة تنتظر أول من يستغلها، كحال هذا الأجنبي. «كنت محرجا لأنني لم أجد بماذا أجيب، وبعدها حدثني هذا الشخص عن المسيحية، وبأنها دين للسلام الداخلي والتسامح وأعطاني كتبا وشرائط تتحدث عن المسيحية وبعد أشهر أصبحت مسيحيا»، يقول رضى بنبرة ارتياح، كأنه تخلص من عبء كان يجثم على صدره، «صراحة أنا ممتن لصديقي الذي دلّني على المسيحية فأنا الآن مرتاح أكثر أحس بصفاء ذهني» يضيف رضى. هذه الراحة الشخصية ل»رضى» تكشف عن واقع مقلق بالفعل، يؤشر لعمق قضية المبشرين الذين ينشرون المسيحية في المغرب، مستغلين جهل بعض المواطنين أو رغبة البعض الآخر في وجود أجوبة جاهزة.
وبالرغم من الرقابة الصارمة التي تفرضها الدولة على نشاط هؤلاء «المبشرين»، فإنهم استطاعوا إقناع الكثير من المغاربة باعتناق الديانة المسيحية، بطرق تختلف بين الإغراءات المالية أو الوعود بالهجرة إلى الخارج.
بين الاقتناع الشخصي ل»هدى» والتبشير الذي تعرض له «رضى»، فإن حكاية الزوجين «عادل ك» و»فاطمة ك» لا تخلو من غرابة، لأن قصة هذين الزوجين المسيحيين تشي بأن هذا الارتماء في أحضاء دين عيسى لم يكن مبنيا على قناعة متأصلة لدى الزوجين في صحة الدين المسيحي، ولكن الأهم كان الحفاظ على العلاقة بين الزوجين. فقد تعرف الزوجان على بعضيهما منذ أكثر من 5 سنوات، وبعد أن توطدت العلاقة بينها لاحظت «فاطمة» أن بيت عائلته يحتوي على صلبان وتماثيل لمريم العذراء فصارحها زوجها بأنه وأسرته يعتنقون المسيحية. «لم يكن لديه مشكل في أن أبقى مسلمة، لكن عندما تعرفت على المسيحية وتعاليمها، ولاحظت أن أسرته كان لديها مشكل في أن أبقى مسلمة، قررت أن أصبح، أنا أيضا، مسيحية»، تروي «فاطمة»، قبل أن تتوقف عن الحديث، لتلتقط أنفاسها أو تستجمع أفكارها، ثم تضيف «مع الأسف اضطررنا لإتمام الزواج على الطريقة الإسلامية حتى نتجنب المشاكل، لكن نحن الآن أسرة مسيحية مغربية».

أشواك الصليب
الإقدام على قرار تغيير الديانة في بلد كالمغرب صدرت فيه فتوى عن المجلس العلمي الأعلى تبيح قتل «المرتد عن دينه» أمرٌ لا يخلو من خطورة، هذا ما أكدت عليه «هدى» بقولها «ليس بالأمر السهل أن تكون مسيحيا في المغرب. فأنا أتلقى دائما اتصالات تهددني، كما أن جهات بعثت لي رسالة عن طريق شخص أعرفه بأن أقلل من نشاطي لأن حياتي مهددة». ليس التهديد وحده ما يقلق «هدى»، ولكن هناك العقوبة القانونية التي تطال كل من قرر التخلي عن دينه والمجاهرة بالأمر والتهمة «زعزعة عقيدة مسلم»، ولهذا «الجميع أصبح خائفا ويفضل عدم المجاهرة بقناعته لأنه متأكد من أن السجن سيكون مصيره»، تقول «هدى» بامتعاض.
هاجس العقاب القانوني يهون أمام عقاب الأسرة كما حدث مع «خالد»، الحامل لشهادة تقني متخصص في التسيير من مدينة إيموزار. فهذا الشاب ينحدر من أسرة غنية في المنطقة، والتي ما إن علمت بخبر «تمسُّح» ابنها حتى قررت طرده من البيت وقامت بحرق كل وثائقه الثبوتية! «قامت أسرتي بحرق بطاقتي الوطنية وجواز سفري وحتى شواهدي المدرسية وطردتني من المدينة وبعدها أصبحت مشردا، حتى اتصل بي شخص من القنيطرة هو الذي قدم لي مبلغا من المال استطعت به تدبر أموري»، يعترف «خالد» بأسى واضح على تعابير وجهه. «خالد» يعترف أيضا بأنه ليس الوحيد الذي تعرض للمشاكل، بل هناك أصدقاء له تعرضوا للإهانة من طرف السلطة؛ «أتذكر واقعة لصديق قام رجال الدرك بإلقاء القبض عليه، ثم انهالوا عليه بالضرب وتركوه في الطريق، والمشكل أن الأمر تكرر أكثر من مرة والمعاناة لا تزال مستمرة»، يقول «خالد» وغصة تعتصر حلقه من «الظلم» الذي طاله هو «والمؤمنين» معه، لكنه يقول بلغة واثقة «كل هذه المضايقات لن تمنعني من المضي قدما في طريق الخلاص»! طريق أصبحت معبدة، أكثر من ذي قبل، بفضل المساعدات التي تلقاها «خالد» من بعض الأجانب المقيمين بالمغرب وهو لا يخفي هذا الأمر ويبرره بأنه لم يجد من يساعده في «محنته»، حيث وجد نفسه «في الشارع بلا عمل».

بعيدا عن الأعين
«هدى» و»خالد» وأمثالهما لا يستطيعون عقد لقاءات كبيرة لانعدام الثقة والخوف الذي يسود في أوساطهم، لذلك يفضلون الاجتماع في أعداد صغيرة وفي منازل أو ضيعات خارج المدن، حتى لا يثيروا انتباه الناس. «الاتفاق يكون عبر غرف الدردشة على شبكة الأنترنيت ونحدد المكان والساعة التي نلتقي فيها وغالبا لا يتجاوز عددنا عشرة أشخاص»، تقول «هدى» واصفة الطريقة التي يعقدون بها اجتماعاتهم التي غالبا ما تتم في بيوت أحد أفراد المجموعة في أيام الآحاد؛ «الاجتماع يكون من أجل الصلاة فقط، نسأل كل واحد عن المشاكل التي يعاني منها ونصلي لأجل بعضنا ولأجل هذا الوطن»!
وحول ما يروج من كون هذه الجماعات تجتمع من أجل الدعوة للمسيحية وإقناع الناس بالخروج من الإسلام، فإن «هدى» تفند كل هذه «الادعاءات» وتقول «نحن لا نتحدث أبدا في السياسة! نلتقي أسبوعيا فقط من أجل الصلاة والعبادة لا غير، والحديث عن مشاكلنا اليومية، كما أننا لا يمكن أن نقوم بالتبشير أو الحديث مع الناس لأن هذا يشكل خطرا علينا وعلى سلامتنا الشخصية».
اللقاء الأسبوعي الذي تعقده بعض المجموعات المسيحية والذي يمر دون أن يلفت انتباه أحد، يصبح أمرا صعبا عندما يتعلق الأمر بالأعياد الدينية المسيحية كعيد ميلاد المسيح؛ هنا «نبحث عن إحدى الضيعات أو الفيلات الموجودة خارج المدن حتى نقيم احتفالاتنا من دون إثارة الانتباه وغالبا ما يصل عددنا إلى خمسين شخصا أو يزيد، فمثلا في السنة الماضية احتفلنا في فيلا يمتلكها مواطن فرنسي مقيم في المغرب»، يكشف «عادل»، الشاب الذي أصبحت له علاقات وطيدة مع مسيحيين أجانب مقيمين في المغرب والذين يعرضون عليه المساعدة وهو «يرفض» ذلك، حسب زعمه، ويبرر ذلك بقوله «أنا اعتنقت المسيحية عن قناعة وليس من أجل المال»!
موقف «عادل» لا يتبناه كل المسيحيين المغاربة الذين استغلوا قضية تغيير الدين لقضاء مصالحهم الشخصية أو من أجل الحصول على الدعم المالي من المنظمات الأجنبية، الأمر الذي يعد نقطة أساسية ضمن الأسباب التي جعلت البعض «يتنصر» وهذا ما كشفه ل»أخبار اليوم» بعض «المؤمنين المسيحيين».

جنة الأرض
«ليس كل من اعتنق المسيحية فعل هذا الأمر عن قناعة شخصية ورغبة صادقة، وإنما هناك الكثير من الذين استغلوا هذا الأمر من أجل مصالحهم الشخصية»، يقول «محسن.ر»، وهو من أبناء مدينة الرباط وطالب في كلية الحقوق ويفضل لحد الآن عدم كشف أمر تغيير دينه حتى لأقرب الناس إليه. «محسن» الذي أصبح مسيحيا منذ أكثر من أربع سنوات «عن قناعة شخصية وبسبب تطرف الخطاب الإسلامي»، كما يقول، تحسر على أن البعض «يتعامل مع قضية تدينه بشكل انتهازي، إما من أجل الحصول على اللجوء في دولة أجنبية بدعوى أن حياته مهددة في المغرب، أو من أجل الحصول على الدعم المادي من الجماعات التبشيرية هنا في المغرب أو في الخارج».
ذلك أن العديد من الكنائس والجمعيات المسيحية تصرف بسخاء على كل «مؤمن جديد»، بل يصل الأمر إلى تأسيس مشاريع تجارية على حساب هذه الجمعيات. مغريات قد تسيل لعاب الكثير من الشباب المغربي العاطل والذي فقد الأمل في مجتمعه وأصبح مستعدا للتضحية بكل شيء من أجل حياة كريمة.
«مع الأسف بعض الجمعيات التبشيرية في الغالب تلعب على وتر الفقر والحاجة لدى الشباب المغربي وهذا أمر يسيء إلى ديننا المسيحي، وأنا أعرف العديد من الشباب الذين هاجروا إلى فرنسا بدعوى أنهم في خطر»، يقول «محسن» دون أن يخفي استياءه من هذه التصرفات التي تستغل الدين من أجل تحقيق أغراض شخصية، الأمر الذي يظهر بأن هناك من اعتنق الدين المسيحي لغاية في نفسه هي بعيدة كل البعد عن الاقتناع الديني.
«محسن» يحكي واقعة معبرة وهي حالة مجموعة من الشباب المغربي الذين حصلوا على تمويل كبير من كنيسة أمريكية؛ «وبعد أشهر قاموا بتوزيع المال بينهم لينصرف كل واحد إلى حال سبيله، لكن هذا يجب ألا يغطي على أن السواد الأعظم من معتنقي الدين المسيحي وجدوا في هذا الدين السلام النفسي والإحساس بالأمان»!

بين الدستور والقانون
إذا كان الدستور المغربي قد أقر في ديباجته باحترام حرية المعتقد وبسمو المواثيق الدولية، فالقانون الجنائي يمنع التحول من الديانة الإسلامية إلى غيرها والتي سماها ب»زعزعة عقيدة مسلم».
وقد نص الفصل 200 من القانون الجنائي على أنه «من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها أو لمنعهم من ذلك، يُعاقَب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائة إلى خمسمائة درهم». كما «يعاقب بنفس العقوبة من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم، ويجوز في حالة الحكم بالمؤاخذة، أن يحكم بإغلاق المؤسسة التي استعملت لهذا الغرض، إما بصفة نهائية أو لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات». ويبدو، من خلال هذا التنصيص، أن هدف المشرع كان هو الحد من نشاط الجمعيات التبشيرية وحماية الأطفال باعتبارهم الفئة الأكثر استهدافا من طرف الجماعات التبشيرية.
المحامي أحمد أرحموش يعلق على هذا التناقض الحاصل بين الدستور والقانون الجنائي بقوله «هذه مفارقة غريبة بين ما تروجه الدولة على أنها تحترم حقوق الإنسان بمفهومها الكوني وبين ممارستها على أرض الواقع التي تمنع الناس من التعبير عن معتقدهم».
أرحموش والذي سيكون ضمن هيئة الدفاع التي ستترافع لصالح الشاب محمد البلدي الذي يتابع بتهمة تغيير دينه والدعوة للمسيحية اعتبر أن «هذا الفصل من القانون الجنائي يجب إلغاؤه إذا أرادت الدولة حقا أن تكون صادقة في التزاماتها الدستورية، كما أنه من أهم توصيات ميثاق إصلاح منظومة القضاء هو مواءمة القانون الجنائي مع ما جاء به الدستور وإزالة كل مادة تفرض تمييزا ضد الناس بسبب لغتهم أو دينهم أو عرقهم».
هذه المناشدات التي لم تقتصر فقط على رجال القانون بل حتى بعض العلماء دعوا إلى السماح للناس بالتعبير عن عقيدتهم، ولكن دون أن يتم استغلال فقر الناس أو جهلهم بدينهم، وعلى رأسهم الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني الذي طالب في الكثير من مقالاته الدولة المغربية عدم فرض رقابة على معتقدات الناس معتبرا هذا الأمر «مدخلا للاستقرار في المغرب، لكن دون أن تفتح الدولة الباب على مصراعيه للجماعات التبشيرية»، وأيضا لحل معضلة الازدواجية التي تعرفها الدولة لحد الآن بين حرية المعتقد في الدستور، والتي تتحول إلى تهمة زعزعة عقيدة المسلم في القانون.

«حل» العلمانية
لعل النقطة التي استفزت جميع الذين تحدثوا ل»أخبار اليوم» هي مسألة «الوطنية» ارتباطا بالتحول إلى المسيحية، والاتهامات التي توجه إليهم بأنهم يخدمون أجندات أجنبية، فهذا «محسن.ر» يرد بغضب على هذه الاتهامات ويقول «لو كنا فعلا لا نحب وطننا لوافقنا على السفر إلى الخارج كما فعل البعض أو لقبلنا بالتمويل الأجنبي. نحن مواطنون مغاربة ودائما في صلواتنا نتمنى الخير لهذا البلد». الجواب نفسه ورد على لسان «هدى» التي شددت على أن «تغيير الدين لا يعني بالضرورة أننا لا نحب وطننا لأن العقيدة هي شأن شخصي ولن تضير المغرب في شيء، ونحن مستعدون دائما لخدمة هذا الوطن والتضحية في سبيله، أنا أرفض أن أغادر المغرب وإن كان الأمر جد سهل بالنسبة إلي، لكنني لن أتخلى أبدا عن وطني». الوطن الذي تتحدث عنه «هدى» بهذه «الحماسة» مازال يمشي بسرعتين؛ سرعة يمثلها الدستور الجديد وما أقره من حرية المعتقد ويعطي صورة منفتحة عن الدولة المغربية من جهة، وسرعة القانون الجنائي الذي يقيد كل حرية في اختيار العقيدة. لذلك يرى بعض هؤلاء الشباب الذين يحلمون بأن يمارسوا عقيدتهم بكل حرية بأن الحل هو «أن تترفع الدولة عن التفتيش في نوايا وأفكار الناس وأن تترك الاختيار الديني مسألة شخصية، وهذا هو مفهوم العلمانية الذي نطالب فيه أن يكون الدين مجالا شخصيا وليس من اختصاص الدولة»، يقول «رضى»، الذي يصر على أنه «لا بديل عن العلمانية في المغرب، إذا أردنا تحقيق المفهوم الحقيقي لحرية المعتقد».

أيوب الريمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.