القنيطرة تحتفي بمغاربة العالم وشعارها: الرقمنة بوابة لتعزيز الروابط وخدمات القرب    مواقف ‬المغرب ‬الثابتة ‬التي ‬لا ‬تتزعزع ‬في ‬سياق ‬محيط ‬إقليمي ‬غير ‬مستقر    مليلية ‬المحتلة ‬تعيد ‬صياغة ‬هندستها ‬القانونية ‬وسط ‬تصاعد ‬الخطاب ‬اليميني ‬في ‬إسبانيا ‬    عائلات المعتقلين المغاربة في العراق تطالب بكشف حقيقة أنباء مقتل سجناء في سجن الحوت    ‮«‬تدارك ‬الفوارق ‬المجالية ‬والاجتماعية‮»‬ ‬أولوية ‬مشروع ‬قانون ‬مالية ‬2026    حكيمي وبونو... أيقونتان مغربيتان تقتربان من معانقة المجد الكروي العالمي    الرجاء الرياضي يعير لاعبيه أنور العلام وكريم أشقر إلى نادي رجاء بني ملال    ابتسام لشكر أمام وكيل الملك بالرباط    شركة الإذاعة والتلفزة تختتم أبوابها المفتوحة للجالية بلقاء حول إذاعة "شين آنتر"    وَقاحةُ سياسي‮ ‬جزائري‮ ‬بالدعوة للتظاهر ضد النظام المغربي‮ تجد صداها عند‮ ‬أنصار‮ «‬التطرف الاسلامي» ‬وبقايا‮ ‬«القومجية»‮ ‬وفلول «البيجيدي‮» ‬المتنطعة باسم‮ ‬غزة‮!    توقيف عدائين سابقين بعد تعنيف قائد خلال وقفة احتجاجية أمام مقر جامعة ألعاب القوى بالرباط    دعوات لتشكيل جبهة وطنية وعربية لمواجهة تغول الحركة الصهيونية في المشهد الإعلامي    غلاء الخدمات السياحية وعزوف مغاربة الخارج عن قضاء عطلتهم بالمغرب يجر الحكومة للمساءلة البرلمانية    كرة القدم.. المدافع زابارني ينتقل إلى باريس سان جيرمان    زياش قريب من العودة للدوري الهولندي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    المغرب يمد يد العون للبرتغال بطائرتي كنادير لمواجهة حرائق الغابات (فيديو)    تمديد هدنة الرسوم الجمركية يرفع أسعار النفط        "شين أنتر" تختتم احتفالية بالجالية    ارتفاع أسعار النفط بعد تمديد الولايات المتحدة والصين هدنة الرسوم الجمركية    بسبب جرائم حرب الإبادة في غزة.. فرنسا توقف تجديد تأشيرات عمل موظفي "إلعال" الإسرائيلية            انقطاع مؤقت لحركة السير على الطريق الوطنية على مستوى المقطع الرابط بين سيدي قاسم و باب تيسرا    مجلة "فوربس" تتوج رجل الأعمال المصري كامل أبو علي رائدا للاستثمار الفندقي في المغرب    الدوزي يلهب الحماس في "راب أفريكا"    الرباط تحتضن أولى نسخ "سهرة الجالية" احتفاءً بأبناء المهجر (صور)    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    الأحزاب والانتخابات: هل ستتحمل الهيآت السياسية مسؤوليتها في‮ ‬تطهير السياسة من المرشحين المشبوهين‮ ‬وتقديم الأطر النزيهة لمغرب المستقبل؟    الرئيس الكوري يزور الولايات المتحدة لبحث قضايا الأمن والشراكة الاقتصادية    وفاة السيناتور الكولومبي أوريبي.. الأمم المتحدة تجدد دعوتها لإجراء تحقيق "معمق"    اعتقال عسكريين في مالي بعد محاولة انقلابية على المجلس الحاكم    ضبط وحجز 1.8 طن من الآيس كريم غير صالح للاستهلاك بموسم مولاي عبد الله أمغار    مهرجان "راب أفريكا" يجمع بين المتعة والابتكار على ضفة أبي رقراق    حين يلتقي الحنين بالفن.. "سهرة الجالية" تجمع الوطن بأبنائه    كان يُدَّعى أنه يعاني من خلل عقلي.. فحوصات تؤكد سلامة الشخص الذي اعترض السيارات وألحق بها خسائر بطنجة ومتابعته في حالة اعتقال    مالي وبوركينا فاسو والنيجر توحد جيوشها ضد الإرهاب    بعد نشر الخبر.. التعرف على عائلة مسن صدمته دراجة نارية بطنجة والبحث جار عن السائق    سيرغي كيرينكو .. "تقنوقراطي هادئ وبارع" يحرك آلة السلطة الروسية        المغرب يشارك في معرض بنما الدولي للكتاب    "ويبنز" يتصدر تذاكر السينما بأمريكا الشمالية    دراسة: الأطعمة عالية المعالجة صديقة للسمنة    كريستال بالاس يخسر استئناف قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم باستبعاده من الدوري الأوروبي    الدولة والطفولة والمستقبل    هل يمكن أن نأمل في حدوث تغيير سياسي حقيقي بعد استحقاقات 2026؟    أشرف حكيمي يتمسك بطموح الفوز بالكرة الذهبية رغم انزعاج باريس سان جيرمان        عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموت وأشباحه
نشر في اليوم 24 يوم 29 - 08 - 2014

مات سميح القاسم في قريته وبين أهله وناسه، لم يعش أهوال الغياب الذي فرضته النكبة على أغلبية الفلسطينيين، ولم يختر أن يغادر مثلما فعل محمود درويش.
«يا أيها الموتى بلا موتِ
تعبتُ من الحياةِ بلا حياة
وتعبتُ من صمتي
ومن صوتي
تعبتُ من الروايةِ والرواة».
بهذه الكلمات خرج صاحب «مراثي سميح القاسم» من اللعبة، وترك لنا إرث الكلمات التي جعلته أحد أصوات ثلاثة صنعت شعر المقاومة، وبنت عمارة الشعر الفلسطيني المعاصر.
مات سميح القاسم في قريته وبين أهله وناسه، لم يعش أهوال الغياب الذي فرضته النكبة على أغلبية الفلسطينيين، ولم يختر أن يغادر مثلما فعل محمود درويش.
عاش أوجاع الاضطهاد التي صنعها الحكم العسكري الإسرائيلي، وواجه هول تقسيم الفلسطينيين على أساس طائفي بموقف نبيل وشجاع.
لم يكن سميح القاسم زعيماً سياسياً كتوفيق زياد، ولم يصنع لغة الأجيال الجديدة كما فعل محمود درويش، لكنه مثلهما كان شاعراً، ومثلهما نسج حكاية الألم الفلسطيني بالكلمات.
مع موته غير المفاجئ، يرتفع سؤال موتنا في هذا الزمن العربي المليء بالالتباسات. أكاد أقول إننا صرنا نغار من أصدقائنا الموتى، فالنعاس الأبدي يجنبهم المرور في هذا «المطهر» الدموي الذي تمر به العرب. (أستخدم كلمة «مطهر» لأن أملاً ما يراودني، بأن تكون هذه اللحظة العربية لحظة عابرة، يمكن من بعدها أن ننفض عنا غبار الألم والتعاسة واليأس) (...)
في يوم مأتم سميح القاسم لبيتُ دعوة لوقفة تضامنية في ساحة الشهداء في بيروت في الذكرى السنوية الأولى لمجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، في دمشق.
ما العلاقة بين الأمرين؟ أسأل روحي.
وقفنا صامتين بالعلامة الصفراء، وفجأة ارتفع غناء حزين وعزف على القيتار. فتاة غنت للشام وشاب غنى لمخيم اليرموك، ثم نهض راهب يسوعي وغنى «يما مويل الهوى»، وأحسست أنه يغني للشام وغزة وسهل نينوى في الآن نفسه.
كنا حفنة صغيرة من الناس ينشر الحزن ظلال المساء على أروحهم.
لم أستطع أن أصدّق أن مجزرة الغوطة حصلت من سنة فقط. فاجأني الزمن، فالأهوال التي مررنا ونمرّ بها، جعلتنا نشعر أن سنوات قد مرت. المآسي أشعرتنا أن الزمن متناقض وعصي على الفهم، ينضغط الزمن ويسيل في الآن نفسه. زمن المأساة كزمن الموت يسخر من إحساسنا بالزمن، ويجعلنا نحيا خارج قوانين دورته.
قلت لأحد الأصدقاء عن سميح القاسم، أحسست أنني هنا، بعلامة الكيماوي الصفراء، أشيّع شاعر فلسطين كما يليق بالشعراء أن يُشيّعوا.
لكن التشييع كان في الجليل. كم تمنيت أن أرى الجليل وأمشي على ماء بحره، وآكل السمك الذي يصطاده من بقي هناك من سلالة الصيادين.
وحين قرأت كيف كان التشييع، أُصبت بالحزن.
من قرر أسماء خطباء حفل التشييع؟ من دعا موفق طريف إلى منصة الخطابة؟ وهل يُعقل أن يخطب في وداع شاعر المقاومة من عمِل مع الاحتلال؟
ومن قال للأسقف عطالله حنا أنه يحق له شتم ثورات الربيع العربي أمام نعش الشاعر؟ هل قرأ الأسقف المحترم كتابات القاسم؟ أم أنه اعتبرها مناسبة أخرى كي يُشهر فصاحته؟
والى آخره (…)
كما ترون، فالموت الذي بدا مهرباً من قصاص هذا «المطهر» الدموي الذي يحاصرنا، قد يتحوّل هو الآخر إلى نوع من القصاص الذي ينزله الأحياء بالموتى.
قد تجد عائلة القاسم ألف سبب وسبب لإقامة المأتم بالطريقة التي أُقيم بها، ولكني أشعر بالأسى.
نحسد الموتى ونخاف عليهم من الأحياء!
ما هذه المفارقة التي تأتي على إيقاع هذا التفكك الفكري والسياسي الذي يضرب مجتمعنا، فتصير القبيلة ملاذاً من فراغ الروح.
لكن شاعر «أحبك كما يشتهي الموت»، ينسلخ اليوم عن حفل التشييع، ولا يرى سوى العلم الفلسطيني الذي ارتفع في مأتمه.
هذا العلم الذي التف به سميح القاسم ومحمود درويش في أمسية شعرية أقيمت في لندن عام 1988، يضم إليه الشعراء الذين صنعوا من ركام الكلمات لغة فلسطينية مقاومة، هي ما سيبقى بعد أن ينجلي هذا الليل.
لغة المقاومة التي صنعها شعراء فلسطين وكُتّابها تضيء اليوم ليل غزة المشتعل بالحرائق، وتصنع أفق مقاومة شعب قرر أن لا ينحني إلا للأرض التي اصطبغت بالحرية.
سميح القاسم، محمود درويش، توفيق زياد، إميل حبيبي، إنكم تُضيئون ليلنا بكلماتكم.
لكم الحب والتحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.