بنعليلو يدعو من أبوظبي إلى اعتماد "هندسة النزاهة" في القطاع الخاص    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    تصفيات مونديال 2026.. مدرب إيرلندا بعد طرد رونالدو "لا علاقة لي بالبطاقة الحمراء"    منتشين بفوزهم الساحق على كاليدونيا.. أشبال الأطلس يتحدون أمريكا لمواصلة الحلم    نقابات مركز التوجيه والتخطيط تتهم الإدارة بالتضليل وتطالب بالتحقيق في اختلالات التسيير    ملكية واحدة سيادة واحدة ونظامان!    بأغلبية 165 صوتا.. مجلس النواب يقر الجزء الأول من مشروع قانون المالية    بوعلام صنصال بعد الإفراج: "أنا قوي"    سعيد بعزيز: لوبي الفساد تحرك داخل البرلمان وانتصر في إدخال تعديلات لفائدة مقاولات التأمين    استغلال إصلاحات الإنارة يثير جدلا سياسيا بمكناس وحزب فدرالية اليسار يطالب بفتح تحقيق    رشق الرئيس السابق لاتحاد الكرة الإسباني بالبيض في حفل إطلاق كتابه    استطلاع: 15% من الأسر المغربية تفضل تعليم الأولاد على الفتيات.. و30% من الأزواج يمنعون النساء من العمل    إدارة مستشفى محمد الخامس بالجديدة توضح: جهاز السكانير متوفر والخدمات الطبية مفتوحة للجميع    جلالة الملك يهنئ خالد العناني إثر انتخابه مديرا عاما لمنظمة اليونيسكو    مدير المخابرات الفرنسية: المغرب شريك لا غنى عنه في مواجهة الإرهاب    منح 10 تراخيص لمشاريع الصناعة الدفاعية بقيمة 260 مليون دولار.. و5 أخرى قيد الدراسة (لوديي)    مجلس النواب يمرر الجزء الأول من قانون المالية    استمرار نزول الأمطار في توقعات طقس الجمعة    المركز الثقافي الصيني بالرباط يُنظّم حفل "TEA FOR HARMONY – Yaji Cultural Salon"...    شركة الطرق السيارة تعلن عن افتتاح مفترق سيدي معروف في وجه مستعملي الطريق السيار القادمين من الرباط والمحمدية    "كاف" تطرح المزيد من تذاكر "الكان"    جنوب إفريقيا تتشدد ضد فلسطينيين    تحطم مقاتلة يصرع طيارين في روسيا    وزارة الصحة ترد على انتقادات بووانو وتوضح موقفها من "صفقات الأدوية" والممارسات داخل المصحات الخاصة    باها: "منتخب U17" جاهز للقاء أمريكا    "أنفاس شعرية" في بيت الشعر في المغرب    580 ألف مستفيد من الدعم المباشر لمربي الماشية توصلوا بأزيد من 2 مليار درهم وفقا للوزير بايتاس    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال 24 ساعة الماضية    أموال ومخدرات.. النيابة تكشف "العلاقة الوطيدة" بين الناصري و"إسكوبار الصحراء"    النيابة العامة بطنجة تضع «التيكتوكر آدم ووالدته» تحت الحراسة النظرية    علم الوراثة الطبية.. توقيع اتفاقية شراكة بين مركز محمد السادس للبحث والابتكار والجمعية المغربية لعلم الوراثة الطبية    "أرسل صوراً لك ولطفلك، اجعلني أبتسم".. رسائل تكشف علاقة ودية جمعت توم براك وإبستين    تداولات بورصة البيضاء تنتهي خضراء    إطلاق بوابة «ولوج الملعب» لتقديم معلومات آنية بشأن ملعب طنجة الكبير    بنك المغرب: تحسن في النشاط الصناعي خلال شتنبر الماضي    الاتحاد الأوروبي يستعد لإعادة التفاوض حول اتفاق الصيد البحري مع المغرب بعد قرار مجلس الأمن الداعم للحكم الذاتي    بوعلام صنصال.. انتصار الكلمة على استبداد النظام الجزائري    قصيدتان    سِيرَة الْعُبُور    على هامش تتويجه بجائزة سلطان العويس الثقافية 2025 الشاعر العراقي حميد سعيد ل «الملحق الثقافي»: التجريب في قصيدتي لم يكن طارئاً أو على هامشها    المسلم والإسلامي..    سقطة طبّوخ المدوّية    الترجمة الفلسفية وفلسفة الترجمة - مقاربة استراتيجية    اختبار مزدوج يحسم جاهزية "أسود الأطلس" لنهائيات كأس إفريقيا على أرض الوطن    امطار متفرقة مرتقبة بمنطقة الريف    نجاح واسع لحملة الكشف المبكر عن داء السكري بالعرائش    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    تقرير رسمي يسجل تنامي الجريمة في المغرب على مرّ السنوات وجرائم الرشوة تضاعفت 9 مرات    المغرب يستأنف الرحلات الجوية مع إسرائيل اليوم الخميس    المنتخب الوطني يجري آخر حصة تدريبية بمركب محمد السادس قبل التوجه إلى طنجة    موريتانيا تُحرج البوليساريو وترفض الانجرار وراء أوهام الانفصال    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثر النكبة في الشعر الفلسطيني
نشر في طنجة الأدبية يوم 25 - 05 - 2011

في العام 1948 حاقت النكبة بالوطن الفلسطيني، وأدت الى تهجير وتشريد الآلاف من أبناء شعبنا العربي الفلسطيني، الذين تحولوا الى لاجئين منفيين في الخيام السود. وهنالك من واجه البنادق، وتحدى الخوف والاقتلاع، وأبى التشريد والتهجير، وبقي صامداً وراسخاً ومتشبثاً بارضه ووطنه وجذوره.
ولا شك ان زلزال النكبة والمأساة، التي حلت بالشعب الفلسطيني قد هزت وجدان عشاق الكلمة والحرف، واشعلت فيهم الحماس والعواطف واججتها، وفجرّت فيهم ينابيع الشعر وامدتهم بطاقة الابداع. وانطلق الشعر الحماسي الخطابي الصاخب والغاضب المتجاوب مع الضمير والنبض الشعبي، وبدأ يتأسس في الخارج أدب عربي فلسطيني هو أدب المنافي واللجوء والشتات، ظهرت من خلاله الخيمة كرمز للهزيمة التي يجب تجاوزها. وتميز هذا الأدب بالشجن والأسى، وامتلأ بأمل وحلم العودة الى الديار. ونلمس ذلك في قصيدة الشاعر هارون هاشم رشيد، التي تغنيها سفيرتنا الى الكواكب والنجوم المطربة الرائعة فيروز:
سنرجع يوماً الى حينا ونغرق في دافئات المنى
سنرجع اخبرني العندليب غداة التقينا على منحنى
أما زيتزنة فلسطين، الشاعر الفلسطيني الخالد عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، الذي شرد من وطنه وحمل فلسطين في قلبه وروحه ، وظلت مفاتيح بيته في حيفا في جيبه، وعاش شريداً طريداً يسائل:
يا فلسطين! وكيف الملتقى
هل أرى بعد النوى أقدس ترب
وهذا الشاعر نشأ مع النكبة وعاشها بكل جوارحه ، وذاق طعم الغربة والتشرد والحرمان وقاسى الآلام والجراح الفلسطينية، وكتب بالدم والدمع وخلجات القلب قصائد ديوانه "المشرد " المكرسة للنكبة، والمشحونة بالغضب والثورة والحنين لتراب الوطن الغالي والمقدس. وبقي مؤمناً بالعودة وبحتمية انتصار قضية شعبه، الذي قدم التضحيات الجسام وسجل ملاحم الصمود والبطولة، وهو يعلنها صرخة عالية ومدوية في وجه الغازي المغتصب:
قل للذين جنوا على وطني
ما بيننا الأيام والحقب
من قبلكم مرّ الطغاة بنا
هل تعثرت بهم؟ لقد ذهبوا
عصفت بهم نار مقدسة
فاذا بهم لجهنم حطب
ولم يعرف الأدب العربي الحديث شعراً حنينياً مثل شعر الحنين ، الذي تفتقت به موهبة وقريحة "أبو سلمى". انه حنين ممزوج بالأمل الثوري وتجاوز الواقع وانتصار الحلم الفلسطيني .. لنسمعه هاتفاً:
اختاه لا تبكي على ديارنا
فالتربة السمراء في انتظارنا
نلثمها بالحلم حتى نلتقي
شفاهنا على سنى تذكارنا
لا تسألي أين الهوى ولم يزل يمشي المجون على آثارنا
تحملنا الأشواق كل ليلة الى ربانا والى انهارنا
وهنالك العديد من الشعراء الفلسطينيين، الذين صوروا المأساة الفلسطينية ، وكتبوا عن اللاجئين وحياتهم القاسية في المخيمات. وعكسوا في أشعارهم آلام النكبة والتشرد والضياع والعذاب النفسي والشعور بالغربة والاغتراب، منهم خليل زقطان وهارون هاشم رشيد ويوسف الخطيب وحسن البحيري ومعين بسيسو وتوفيق الصايغ وجبرا ابراهيم جبرا. بالاضافة الى شاعرتنا الكبيرة خنساء فلسطين الراحلة فدوى طوقان، التي تناولت التراجيديا الفلسطينية بقولها:
يا وطني مالك يحنى على روحك معنى الموت معنى العدم
جرحك ما اعمق اغواره كم يتنزى تحت ناب الألم
أين الألى استصرختم ضارعاً تحسبهم ذراك والمعتصم
أما في الداخل الفلسطيني، ففي ظل الحصار الفلسطيني والحكم العسكري البغيض، الذي فرضته المؤسسة الصهيونية الحاكمة عل الجماهير العربية الفلسطينية،التي تمسكت بالارض والهوية والزيتونة والحقل والبيارة والبيدر، كان الشعر الشعبي هو السباق في نشر وتوجيه نداء المقاومة والكفاح، والتجاوب مع الحدث والواقع القهري الاضطهادي المرير، والتفاعل مع الأوضاع الجديدة والحركات العربية. وقد تحولت الأعراس في الجليل الفلسطيني الى مظاهرات احتجاج وغضب ساطع ضد سياسة النهب والمصادرة والاقتلاع من الوطن. ولا يزال الشيوخ وكبار، ممن عاصروا تلك المرحلة، يتذكرون الأهازيج الشعبية، التي كان يرددها الزجالون الشعبيون الفلسطينيون، وابرزها اهزوجة "نادى المنادي" التي تقول:
نادى المنادي في الجليل ارض العروبة للعرب
شاغورنا مالك مثيل وترابك اغلى من الذهب
وبوحدة رجال الشاغور أمر المصادرةانشطب
ديان امرك مستحيل بالوحدة راحينشطب
وكان الحادي ينشد أثناء السحجة التقليدية المعروفة لدى أهل الجليل والمثلث:
هبت النار والبارود غنى
تسلم لينا يا أبو خالد
يا حامي ظعنا
هبت النار من عكا للطيرة
تسلم يينا يا أبو خالد
يا حامي هالديرة.
ولعبت الطلائع المثقفة الفلسطينية المتبصرة بالفكر التقدمي الثوري الانساني دوراً بارزاً في ولادة أدب المقاومة والاحتجاج. وفي خضم الواقع، الذي أفرزته النكبة، ولدت القصائد والأشعار الحماسية ذات النبرة النارية، التي استلهمت المأساة وعكست الوجع الفلسطيني والأوضاع الجديدة. ويبدو أثر النكبة واضحاً في عشرات النصوص الشعرية والأعمال الابداعية لشعرائنا الفلسطينيين الأوائل، من أمثال حنا أبو حنا وتوفيق زياد وحبيب قهوجي وعصام العباسي ومحمود الدسوقي وراشد حسين ومحمود درويش وسميح القاسم وشكيب جهشان وحنا ابراهيم وسالم جبران وسواهم. وكان هؤلاء الشعراء يشاركون في المهرجانات الشعرية والنشاطات والفعاليات الثقافية في مدن وقرى الجليل في اواسط الخمسينات،بهدف التفاعل مع الشعب وتعبئة الجماهير وتحريضها، وحثها على المشاركة في النضال ومقاومة مشاريع التهجير والاقتلاع وتذويب الشخصية الوطنية وتزوير الهوية الفلسطينية.
وقد تفرد الشاعر الشهيد راشد حسين، الذي مات احتراقاً واختناقاً في غرفته بنيويورك، بين شعراء جيله بمجموعة من القصائد، التي يتحدث فيها بشمولية ودقة، عن حياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والمنافي القسرية. وهو في هذه القصائد يكثر من استخدام التعابير والمفردات، التي تدل على هول السبي الفلسطيني الذي ولدته النكبة. ويظهر ذلك بجلاء ووضوح في قصائده "الخيمة الصفراء" وأزهار من جهنم" و"أنة لاجىء" و"الى ابن عمي في الاردن".. لنسمعه يقول:
في الخيام السود في الأغلال في ظل جهنم
سجنوا شعبي واوصوه بألا يتكلم
هددوه بسياطه الجند بالموت المحتم
أو بقطع القمة النتنة، ان يوماً تألم
ومضوا عنه وقالوا عش سعيداً في جهنم
أما في قصيدته "لاجئون" فنستشف الحزن النابع من اعماق، والاحساس العارم بالقهر نتيجة الاذلال والبطش والظلم الانساني الذي لحق بشعبه، جراء طرده من وطنه ووقوعه تحت وكالة غوث اللاجئين، التي توزع المواد التموينية على اللاجئين الفلسطينيين:
وترى نجوم الليل مثل معسكرات اللاجئين
وكهيئة الغوث الحزينة يخطرالقمر الحزين
بحولة من جبنة صفراء أو بعض الطحين
ويقول الشاعر المكافح والمقاتل، شاعر الجماهير الراحل توفيق زياد في قصيدته الشهيرة "هنا باقون" المليئة بالكدح والرفض والتشبث والالتحام بالتراب والثرى الفلسطيني:
هنا على صدوركم باقون
ننظف الصحون في الحانات
ونملأ الكؤوس للسادات
نجوع نتحدى ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال جيلاً ناقماً وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
وغربة الانسان الفلسطيني وبعده عن وطنه، كانت أحد الموضوعات الرئيسية، التي طرق أبوابها الشعراء والمبدعون الفلسطينيون في الداخل ومناطق الشتات القسرية. وقد تغنوا بها وصاغوا اشعاراً تتراوح بين رنة الحزن والأسى والحنين والشوق المستعر في أفئدة المغتربين والمشردين، ظمأً للعودة ولوعة وتوقاً للقاء الأحبة،واستحضاراً للذكريات الجميلة في الوطن تحت افياء وظلال الزيتون والكروم الجليلية.
في الاجمال يمكن القول، ان النكبة أو التراجيديا الفلسطينية كانت وستظل نبعاً لا يجف، ومعيناً لا ينضب في الشعر الفلسطيني الثوري الملتزم. وجعلت من هذا الشعر شعراً عروبياً وقومياً وطبقياً ووطنياً وثورياً ومقاوماً ومنحازاً للفقراء وأبناء الشوارع والارصفة والمخيم، ورافضاً لواقع التشرد والبؤس والشقاء والعذاب الانساني الفلسطيني. ورغم التفجع والشعور باليأس والهزيمة، الذي خيم على هذا الشعر في بداياته الا انه أدى بالتالي الى خلق وتهيئة جو اعتملت فيه الثورة والمقاومة والاحتجاج والرفض في النفوس المعذبة. كما اشتد نبض شعرائنا وايمانهم بالوعد الذي اعطته المقاومة، وأضاءت كلماتهم المقاتلة ليل واقعنا المرير، وزرعوا الاماني بلسماً على جرحنا ونكبتنا، ونشر الأمل على جهات الروح، ونثر العبير على الجرح الفلسطيني الذي لم يندمل حتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.