يخلد المغرب، اليوم الأربعاء، الذكرى 72 لثورة الملك والشعب التي اندلعت في 20 غشت 1953، يوم أبعدت سلطات الحماية الفرنسية الملك محمد الخامس عن العرش، ونفته مع عائلته إلى جزيرة « كورسيكا »، ومنها إلى مدينة « أنتسرابي » بمدغشقر. وتعد هذه المناسبة فرصة لاسترجاع ذكريات محطة تاريخية وطنية بارزة، شكلت بداية مرحلة جديدة من الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، وأيضا لحظة للتعريف بنضال الملك محمد الخامس والشعب المغربي بمختلف فئاته في سبيل طرد المستعمر الفرنسي. وقد اضطلعت المرأة المغربية خلال هذه الفترة الدقيقة من تاريخ المملكة بأدوار طلائعية، وقدمت تضحيات لا تقل عن تلك التي بذلها الرجال، من خلال المشاركة منذ اللحظة الأولى في المظاهرات المنددة بقرار المستعمر، والمساهمة في التخطيط للعمليات الفدائية وتنفيذها، إلى جانب دورها في تنشأة الأجيال التي ستقود مرحلة « الجهاد الأكبر » التي تلت استقلال البلاد. « ذاكرة وطنية بتاء التأنيث » وفي هذا الإطار، قال مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، إن الذاكرة التاريخية الوطنية، ومسارات النضال الوطني الذي خاضته بلادنا ضد الوجود الاستعماري، « تطفح بأروع الأمثلة في البذل والعطاء والسخاء الذي جادت به المرأة المغربية في الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير ». وأضاف الكثيري، في تصريح لموقع « اليوم24″، أن « الذاكرة الوطنية عندما نتحدث عنها بتاء التأنيث تبهرنا بأروع الأمثلة عن كفاح المرأة المغربية، ودعمها لحركة المقاومة والتحرير »، مشيرا إلى أن النساء المقاومات المغربيات « هن سليلات الأميرة الأمازيغية الكاهنة داهيا، وكنزة الأوربية، وزينب النفزاوية، والسيدة الحرة، وخناتة بنت بكار ». وتابع المتحدث قائلا إن « دور المرأة المغربية تعمق واتسع نطاقه في ملحمة ثورة الملك والشعب المجيدة »، مشيرا إلى أنها « سارعت للانضمام إلى معركة التحرير بحمل السلاح وتوزيعه، والانخراط في الخلايا الفدائية، واحتضان اجتماعات أفراد المقاومة والفداء »، إلى جانب مساهمتها في إسعاف الجرحى والمعطوبين ونقل المعلومات والمناشير والبلاغات. من « انتفاضة وادي زم » إلى جيش التحرير وقال المندوب إن دور المرأة في الثورات والانتفاضات التي شهدتها المدن المغربية إبان الذكرى الثانية لنفي السلطان الشرعي محمد بن يوسف « مؤكد وموثق »، مشيرا إلى أن « أهم تلك الانتفاضات وأشهرها على الإطلاق هي تلك التي شهدتها مدينة وادي زم، وشارك فيها نساء ورجال قبائل السماعلة وبني خيران ». وأضاف المتحدث أن المصادر تؤكد على أن نساء هذه المناطق، ساهمن بشكل مباشر وفعال خلال « انتفاضة وادي زم العظيمة »، قائلا إنهن « بزغاريدهن عملن على تجميع الحشود في أهم طرق وادي زم، وشحذ عزائم المتظاهرين والثوار، بما يظهر حضور المرأة في التحفيز والدفع بالثورة إلى مزيد من التأجّج ». وأردف الكثيري أن التراث الشفهي المغنّى، مثل الأهازيج والعيطة وعبيدات الرمى، يكشف أن الخطاب الشعبي دعا صراحة إلى الاستعداد للمواجهة، « بما يعكس إدراك النساء ووعيهن بخطورة الفعل الذي أقدمت عليه سلطات الحماية بنفيها للسلطان سيدي محمد بن يوسف، في نفس اليوم من سنة 1953 ». وشكل انطلاق عمليات جيش التحرير في فاتح أكتوبر 1955، وفق المندوب « حلقة نضالية جديدة للمرأة المغربية لإثبات جدارتها وتأثيرها في مسار الكفاح الوطني »، مشيرا إلى أنها « أبلت البلاء الحسن في مواقع بورد واكنول، وتيزي وسلي، وأجدير، وسيدي بوزينب وغيرها، لتتواصل مسيرتها المظفرة عند انطلاق عمليات جيش التحرير بأقاليمنا الجنوبية سنة 1956، بمشاركتها القوية والناجعة في معارك وملاحم استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية ». اعتراف ملكي واستحضر الكثيري قول الملك الراحل الحسن الثاني مشيدا بالأدوار الطلائعية للمرأة المغربية في معركة الاستقلال والوحدة: »لا يمكن أن أتكلم عن الشعب المغربي بمناسبة ثورة الملك والشعب دون أن أنوه، بكيفية خاصة، بالمرأة المغربية، والزوجة المغربية، والأم المغربية، والبنت المغربية، لأنني أعلم ما حملته من عبء ومن مسؤولية في هذه الثورة وفي إنجاحها ». وأشار المتحدث إلى أن السلطان محمد الخامس دعا بدوره إلى « تعليم الفتاة المغربية وتحريرها من قيود الجهل والأمية وفسح المجال أمامها للانفتاح على المعرفة والعلوم واقتحام حقول التربية والثقافة »، مضيفا أن الأميرة للا عائشة، بهدف ترجمة هذا التوجه على أرض الواقع وتسريع وتيرته، أكدت في خطاب لها غداة « رحلة الوحدة » سنة 1947، على ضرورة تحقيق النهضة النسائية وتوعية المرأة بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقها. مجهودات لحفظ الذاكرة وفي سبيل التعريف بمجهودات المرأة المغربية المقاومة، قال مصطفى الكثيري إن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، تقوم بتنظيم العديد من الأنشطة بفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، بهدف تثمين الذاكرة التاريخية لهؤلاء النساء المقاومات والارتقاء بمكانتهن. وأضاف الكثيري أن المندوبية قامت أيضا بإغناء الخزانة الوطنية بثمانية إصدارات موجهة للباحثين والأكاديميين، اتخذت من موضوع المرأة المغربية المقاومة تيمة لها، إلى جانب حرصها على أن تكون المرأة المغربية المقاومة حاضرة في القصص الموجهة للأطفال، والتي بلغ الصادر منها إلى الآن 90 قصة، تتناول مختلف المحطات التاريخية للمقاومة المغربية ورموزها وأعلامها. وتابع المتحدث قائلا إن المندوبية « حرصت على تكريم النساء المقاومات معنويا من خلال إطلاق أسمائهن على حوالى 207 من الشوارع، والأزقة، والساحات العمومية، والمؤسسات التربوية، في 11 مدينة »، إلى جانب اقتراح توشيح 76 من نساء الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالوسام الملكي.