« اغتصبني بالقوة، لم أكن قادراً على تحمل الألم، توسلت إليه باكياً: سأعطيك أموالاً، سأعطيك أي شيء واتركني أذهب، لكن السائق واصل الاعتداء، لم أشعر بعدها سوى بتحرك السيارة، كنت عارياً من ثيابي السفلية وتمنيتُ الموت ». غمرت الدموع وجه سعيد (22 عاماً)، وهو يحكي تفاصيل تعرضه للاغتصاب خلال رحلته من السودان إلى مصر، في يناير 2024؛ هرباً من مضايقات طرفي النزاع في السودان، ولإنهاء دراسته الجامعية، والعمل من أجل مساعدة أهله. سعيد واحد من آلاف اللاجئين السودانيين، الذين سقطوا في فخ عصابات الاتجار بالبشر قرب منطقة الكسارات؛ وهي منطقة تبعد عن مدينة أسوان مسافة نصف ساعة فقط بالسيارة، حيث تنشط عصابات تستهدف السودانيين الفارين قسراً من النزاع المسلح إلى مصر. تستغل هذه العصابات دخول اللاجئين السودانيين بطرق غير نظامية، فترتكب بحق كثيرين منهم انتهاكات تبدأ بالتحرش والسرقة والتهديد والاستغلال، وقد تصل إلى الاعتداء الجسدي والجنسي، وتمتد أحياناً إلى الاحتجاز والاختطاف طلباً للفدية. يبعد مركز شرطة أسوان نحو مسافة نصف ساعة -كحدّ أقصى- عن منطقة الكسّارات، الأمر الذي يجعل اللاجئين السودانيين الذين يعبرون الحدود خارج نطاق الرصد الأمني. لا يتمكن هؤلاء من تحرير محاضر رسمية ضد مرتكبي الانتهاكات بحقهم، نظراً لدخولهم غير النظامي، وعدم تسجيلهم رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويستلزم تسجيل اللاجئين لدى المفوضية قطع مسافة تتجاوز ألف كيلومتر للوصول إلى مكتبها في القاهرة، في ظل بيئة محفوفة بالمخاطر، فضلاً عن فترات انتظار طويلة تتراوح بين ستة أشهر وعام، إضافة إلى عدم حيازتهم إقامات سارية. توصّل معدا التحقيق إلى تحديد أوجه الانتهاكات التي يتعرّض لها لاجئون سودانيون خلال رحلتهم إلى مصر، نتيجة استغلال دخولهم الأراضي المصرية بطرق غير نظامية. واستند هذا التحديد إلى مقابلات مع سبع حالات تعرّضت للاغتصاب -من بينها سعيد- وخمس حالات أخرى تعرّضت للتحرش، إضافة إلى 11 حالة نهب أو احتجاز وطلب فدية، فضلاً عن استبيان شارك فيه 324 سودانياً لاجئاً في مصر. سها وسعيد: الاغتصاب يحطم حلم الملاذ الآمن لم يكن الطالب الجامعي يتخيّل، حتى في أسوأ كوابيسه، أن مغادرته السودان عقب تعليق الدراسة في جامعته، وبعد ما واجهه من مضايقات من طرفي النزاع، ستعرّضه لما وصفه ب « المصيبة ». من منطقة سيدون بمدينة عطبرة السودانية، انطلقت السيارة التي كانت تقلّ « سعيد » وبعض الأسر متوجهة إلى أسوان عبر الصحراء، مقابل 400 ألف جنيه سوداني؛ أي ما كان يعادل حينها نحو 470 دولاراً أميركياً. يتذكر الشاب، ذو ال 22 عاماً، جيداً يوم الرابع من يناير 2024، حين قرر مغادرة بلاده متوجهاً إلى مصر بطريقة غير نظامية. يقول: « عند وصولنا إلى الحدود المصرية، استبدلنا السيارة بأخرى تناوب على قيادتها رجلان. طلب مني أحدهما دفع مبلغ إضافي قبل الصعود، لكني رفضت، فوقعت مشاجرة فضها المسافرون، ثم تحركت السيارة باتجاه منطقة الكسّارة ». لاجئون أثناء رحلة طلب اللجوء إلى مصر من منطقة الكسّارة، انطلق سعيد وبرفقته سيدة لديها طفلان مع سائق « توكتوك » (دراجة نارية بثلاث عجلات) لنقلهم إلى أسوان. يسترجع سعيد تفاصيل مأساته: « أخبرنا السائق بوجود نقطة أمنية، وانحدر إلى منخفض تحيط به الجبال، بعدها اعترضتنا سيارة نقل جماعي، اختطفوني وتركوا السيدة، ضربوني بشدة وأخذوا هاتفي وجواز سفري وجميع مقتنياتي. داخل السيارة، فوجئت بالسائق الذي تشاجرت معه يقول: سأغتصبك حتى لا تعاندني مرة أخرى ». بصوت مبحوح، يُكمل سعيد: « كنتُ أبكي متوسلاً، لكنه اغتصبني حتى أنني لم أكن قادراً على تحمل الألم، ثم تركني عارياً أتمنى الموت ». « الاغتصاب شديد الوحشية » الذي تعرض له سعيد أصابه ب « بواسير وشرخ شرجي »، وفقاً لتقرير طبي، ويتطلب التعافي من إصابته إجراء جراحة تكلفتها 25 ألف جنيه مصري (500 دولار)؛ وهو مبلغ يعجز عن توفيره. إلى جانب آلامه الجسدية، يعاني سعيد صدمة نفسية وإحساساً دائماً ب « الدونية ». يختتم كلامه قائلاً: « أفضل الموت على ما تعرّضت له ». التقرير الطبي لحالة سعيد عشرات الانتهاكات تقول متطوعة في مبادرة مجتمعية بمحافظة أسوان، إنها علمت أن ستة لاجئين تعرضوا للاغتصاب من الخلف؛ أربعة منهم ذكور تتراوح أعمارهم بين 10 و22 عاماً، أحدهم تناوب سبعة أشخاص على اغتصابه. كما تشمل الحالات فتاتين تبلغان من العمر 15 و17 عاماً، أقدمت الأخيرة على الانتحار تحت وطأة الضغوط النفسية التي لحقت بها. لا تتوفر إحصائيات بشأن أعداد السودانيين الذين تعرضوا لانتهاكات عبر الحدود خلال رحلتهم إلى مصر، عقب الصراع المسلح في بلادهم. لكنّ ناشطة في « مبادرة الأشقاء الطوعية » لدعم الأسر السودانية في أسوان (طلبت عدم الكشف عن هويتها)، أرجعت السبب إلى صعوبة التوثيق نتيجة خطورة المنطقة، إضافة إلى امتناع الضحايا عن تقديم بلاغات للشرطة خوفاً من الترحيل، نظراً لعدم امتلاكهم أوراقاً أو مستندات ثبوتية. وأظهرت نتائج استبيان -أجراه معدّا التحقيق- شمل 324 لاجئاً سودانياً في مصر، منهم 273 دخلوا مصر بشكل غير نظامي عبر الحدود الصحراوية، أن أربعاً من كل 100 لاجئة سودانية تعرّضن للاغتصاب بعد دخولهن الأراضي المصرية، فيما تعرّضت عشر من كل 100 للتحرش الجنسي. إلى جانب نتائج الاستبيان، التقى معدا التحقيق سبع ناجيات أفدن بتعرضهن للاغتصاب، إما في محيط منطقة الكسارة، أو بعد استدراجهن من هناك إلى شقق سكنية في مدينة أسوان. ستة أيام في الصحراء احتُجزت أنا فاطمة (اسم مستعار) مع أطفالي الثلاثة ووالدي المسن، وأربع أسر أخرى لمدة ستة أيام في مكان تحيط به الجبال على الحدود المصرية، على يد المهرّب ومساعده اللذين نقَلانا من منطقة الأبيار على الحدود السودانية المصرية. وخلال الرحلة، تعرّضتُ للاغتصاب مع أربع سيدات أخريات أمام أطفالنا وأزواجنا المُكبلين بأصفاد حديدية. وفي مدينة أبو حمد بولاية نهر النيل بالسودان، التقيت أربع أسر: رجلاً وزوجته وطفليهما، وفتاة ووالدتها، وأماً لأربع فتيات، إضافة إلى شاب بمفرده، جمعنا السائق الذي أكد أنه سيوصلنا حتى أسوان مقابل 300 ألف جنيه سوداني للفرد الواحد؛ أي ما يعادل حينذاك 230 دولاراً. عند وصولنا الأبيار، نقلنا المهربان إلى سيارة أخرى لتقلنا إلى أسوان. وبعد مضي نحو خمس ساعات من تحركنا، أنزلنا السائق في منطقة جبلية، وقال إن بحوزته بضاعة مهمة يريد توصيلها قبل أن يعود إلينا. جاء سائق السيارة ومساعده وشخص آخر صباح اليوم التالي، وقالوا إن المهرب السوداني لم يدفع لهم تكلفة الرحلة إلى أسوان؛ لذلك سيأخذون جميع مقتنياتنا. لم يكن أمامنا خيار آخر، وافقنا مجبرين، وبعد تفتيشنا أخبرونا أنهم لم يجدوا شيئاً ذا قيمة، وطلبوا المزيد من المبالغ المالية. ومن أجل هذا، سجلوا للجميع صوتياً، وأرسلوا التسجيلات إلى أسرنا في السودان. ولم يكتفوا بذلك، فتحرش ثلاثتهم بالفتيات ولمسوا أجسادهن وأقدموا على اغتصابهن. في اليوم التالي، أخبرونا باستلامهم تحويلات مالية من أقارب بعض الأسر، في حين لم يرسل آخرون أي تحويلات، وهددونا باغتصاب الفتيات عوضاً عن قيمة التذكرة. رفضنا، ولم تجد الأسر مفراً إلا بالتسجيل لذويهم مرة أخرى طلباً في تحويل الأموال، وإلا ستتعرض النساء للاغتصاب. كرر الرجال الثلاثة في اليوم الثالث تهديدهم باغتصاب الفتيات، وتمسكنا بالرفض، وجددنا محاولات تحويل المال لهم. عادوا في اليوم الرابع ليخبرونا بأنهم استلموا المبلغ المطلوب من الجميع، وأخذوا مقتنياتنا، ولم يتركوا سوى ما نرتديه من ثياب وذهبوا، ولم يأتوا بعدها إلا بعد يومين. بعد خروجنا سرنا مسافات طويلة بحثاً عن سيارة عابرة أو أي شخص يُمكنه إنقاذنا، لكننا لم نجد وعدنا محبطين. مرت ستة أيام، نفد خلالها الطعام والماء وتمكن منا التعب. يومها، جاء أربعة رجال لاغتصابنا، فقيدوا الرجال والأطفال بأصفاد حديدية شبيهة بتلك المستخدمة في السجون، ثم اقتادوا الفتيات واحدة تلو الأخرى، وشرعوا في اغتصابهن. حاولتُ مقاومتهم حتى أصيبت يدي وكُسِر إصبعي، لكنهم تمكنوا مني واغتصبوني بالقوة. بعد اغتصابنا قالوا لنا: « اصعدوا إلى السيارة نوصلكم »، أنزلونا في الكسارة، ومنها ركبنا سيارة حتى أسوان. لم أقدم بلاغاً لدى الشرطة لأنني لم أكن أملك أوراقاً ثبوتية عند وقوع الانتهاك، وخوفاً من ترحيلي إلى السودان. ولم نكن نملك ثمن المواصلات، فتواصل أحد الرجال مع أسرته، وبفضل مساعدتها تمكنا من دفع الأجرة واستئجار شقة لمدة يومين. كنا منهكين نفسياً وجسدياً، فاصطحبت ابني البالغ من العمر ستة أعوام، الذي أصابه المرض جراء الجوع، إلى المستشفى. وهناك أجريت عملية لعلاج كسر إصبعي، ثم توجهت بعدها إلى القاهرة. بعد يومين من وصولي القاهرة، سجلت لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عبر الهاتف، ومُنحت موعداً بعد ثلاثة أشهر، وبتاريخ يوليوز 2024 استلمت بطاقة طالب لجوء، لكنني لم أتلقَّ أي دعم مادي أو نفسي، إذ صدمني الموظف بتوقف الدعم. والآن أعمل مدرسة بمدرسة سودانية، مستعينة بشهادتي الجامعية، إضافة لبيع العطور وبعض المنتجات الأخرى، لتحسين دخلي الضئيل. الهروب من الاغتصاب إلى اغتصاب آخر
أنا هدى (اسم مستعار)، أبلغ من العمر 28 عاماً، هربتُ من مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور في السودان، رفضاً لتزويجي من ابن عمتي الذي اغتصبني داخل منزلي بعد مقتل والدي وشقيقي واعتقال شقيقي الآخر على يد قوات الدعم السريع، وفقدان والدتي المريضة وشقيقتي اللتين ذهبتا إلى العاصمة الخرطوم للعلاج، وانقطعت أخبارهما بعد اندلاع الحرب. عند وصولي الكسارة في نوفمبر 2023، بمعية عدد من الأسر السودانية، استقليت مع فتاتين سيارة صغيرة بثلاث عجلات (توكتوك) يقودها سائق ويجلس بجواره آخر؛ بغية نقلنا إلى أسوان، إلا أنهم اقتادونا إلى منطقة منخفضة تحيط بها تلال صغيرة من الأتربة وفتشوا حقائبنا. تمكنت الفتاتان من الهروب، في حين لم أستطع أنا الركض هرباً، ووقعت في يد السائق. اغتصبني السائق تحت تهديد السلاح. مكثت في مكان وقوع الاغتصاب مدة ثلاث ساعات، حتى مرت سيارة نقلتني إلى أسوان، حيث علمت أن إحدى الفتاتين -عمرها قرابة 18 عاماً- تعرضت أيضاً للاغتصاب على يد رفيق السائق الذي ركض خلفها، في المقابل، نجت الأخرى من محاولة الاغتصاب. بعد وصولي القاهرة، قابلتُ طبيباً فأخبرني بإصابتي بشرخ في المستقيم، وسقوط جزئي في القولون، وأجرى لي عملية جراحية. لم أتمكن وقتها من تقديم بلاغ لدى الشرطة، لعدم امتلاكي أوراقاً ثبوتية. بعد شهر من وصولي القاهرة، ذهبت للتسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واستلمت بطاقة طالب لجوء. أتابع الآن مع طبيبة نفسية، وقد ساعدتني هذه الطبيبة، بعد أن اطلعت على معاناتي، في ترتيب مقابلة مع اختصاصية نسائية، وصفت لي أدوية لعلاج التهابات في المنطقة الحساسة؛ وهي الالتهابات التي -إلى جانب تدهور حالتي النفسية- سلبتني القدرة على العمل. الآن ما زالت لا أستطيع العمل، وأعتمد على مبلغ قدره 500 جنيه مصري شهرياً (10 دولارات)، مقدمة من المفوضية.
تهديد الأمهات بقتل أطفالهن
في كانون يناير 2025، خضت أنا نهى (اسم مستعار) البالغة من العمر 32 عاماً، برفقة والدتي المريضة بالسكري والتي بُترت قدمها، رحلة شاقة من مدينة عطبرة في السودان إلى محافظة أسوان في مصر. لا تزال الآثار النفسية للرحلة ترهقني حتى الآن. ففي بدايتها، تعرضت للتحرش وتحسس جسدي على يد المهرب، الذي اضطررت للجلوس بجواره لمساعدة والدتي حين تشعر بالتعب.غير أن المعاناة الحقيقية بدأت عند الكسارة، حيث مكثنا أربعة أيام بسبب وجود « كمين أمني » في الطريق، وفقاً لما قاله المهرب. توزعت سبع سيارات على حواف الجبال حيث أدخلوا فيها الرجال، وجلسنا نحن النساء داخل خيام مصنوعة من قماش. خلال الأيام الأربعة، كان المهربون يأتون ليلاً بحثاً عن الفتيات والنساء، مستخدمين كشافات للإضاءة، ثم يقتادون فتاة أو اثنتين إلى الخيمة ويغتصبونهن. كنا نسمع صراخ الفتيات منذ بدء الاعتداء عليهن، ثم يصمتن تحت التهديد بالسلاح الناري أو الأبيض، أو بقتل أطفالهن، وكنت أنا من ضمن اللواتي تعرضن للاغتصاب. يضع المهربون السلاح على رأس الفتاة، ويقتادونها إلى خيمة مخصصة لهم، ويتناوبون على اغتصابها، اغتصبني شخصان في اليوم الأول لمجيئنا. خلال الثلاثة أيام الأخرى، كنت أشعر بالخوف من اقتيادي مرة ثانية، وكذلك بقية الفتيات، كانت الأمهات تخبىء بناتها وتبكي ويطلبن من المهربين أخذهن بدلاً من الفتيات، لكنّ المهربين لم يكترثوا لبكائهن. احتجزت أنا ووالدتي، برفقة عدد من المسافرين، بعد نقلنا إلى أسوان في شقة داخل حي مهجور، وطلب المهربون منا دفع فدية تبلغ ستة آلاف جنيه مصري (نحو 120 دولاراً) للشخص الواحد لإطلاق سراحنا، إضافة لنهب مبالغ مالية ومقتنيات ذهبية من البعض. تدهورت صحة أمي، وانخفض السكر بسبب ما تعرضت له؛ فتوسلت إلى المهرب لنقلها للمستشفى، لكنّه رفض واصطحبنا إلى صيدلية قريبة من مكان الاحتجاز، حيث أخبرت الطبيب الصيدلي بما تعرضنا له. في النهاية، هربت ووالدتي من الباب الخلفي للصيدلية بعد مساعدة الطبيب لنا، ولا أعلم مصير بقية المحتجزين.
التهديد بالتسليم للشرطة
تعرضت أنا نور (اسم مستعار) -أم لأربعة أطفال- منذ بداية رحلتي غير النظامية من السودان إلى مصر في دجنبر 2023، للتحرش على يد أحد المهربين على الحدود السودانية. عرض المهرب عليّ ممارسة الجنس مقابل ذهب مربوط داخل كيس، فرفضت بحزم. معاناتي تفاقمت بعد وصولي الكسارة، حيث تعرضت للاغتصاب على يد سائق التوكتوك الذي نقلنا إلى أسوان، إضافة لطلبه 170 ألف جنيه سوداني؛ أي ما يعادل حينذاك 228 دولاراً، قيمة النقل والمبيت في شقة ليوم واحد. في الثالثة صباحاً، شعرت بأن باب الغرفة التي أنام فيها مع أطفالي يُفتح، رغم إحكام الغلق بالمفتاح. وضع السائق يده على فمي واغتصبني رغم مقاومتي، وهدّدني بتسليمي للشرطة التي سوف ترحلني إلى السودان. دخلتُ في نوبة بكاء، وشعرتُ بالخوف على أطفالي؛ لأنني كنت أعتقد أن ما يقوله صحيح، وأن الشرطة لو ألقت القبض عليّ ستعيدني إلى السودان. لم أقدم بلاغاً للشرطة لعدم امتلاكي أوراقاً ثبوتية عند وقوع الانتهاك. أنا محطمة نفسياً، أصبحت لا أثق بأحد، ولا أترك أطفالي بعيداً عني. و كلما تذكرت الحادثة، ينتابني غضب عارم.
ملثمون يعتدون على ليلى وابنها
تعرضت أنا ليلى (اسم مستعار) -البالغة من العمر 40 عاماً- لاغتصاب وحشي، كما نُهبت مقتنياتي على يد عصابة مكونة من أربعة أفراد؛ هاجموني في منطقة جبلية مظلمة تبعد ساعة بالسيارة عن أسوان، وذلك في منتصف آب/أغسطس 2024. كنتُ في طريقي من مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان في السودان، بصحبة أطفالي الأربعة، وعند وصولنا إلى الحدود المصرية، أنزلنا المهرِّب وسلّمنا لسائق « توكتوك » وطلب منه إيصالنا إلى أسوان وتأجير شقة لنا. وأثناء إنزال الحقائب، هاجمنا أربعة أشخاص ملثمون؛ اعتدوا عليّ بالضرب حتى فقدت الوعي، ثم اغتصبوني بعنف. بعدها، جرّوني من شعري بقوة، ما تسبب في ارتطام رأسي بالأرض، ثم انهالوا بالضرب على ابني البالغ من العمر 17 عاماً حتى تقيأ دماً. وبعد ذلك نهبوا مبالغ مالية، وأخذوا حقائب أطفالي قبل أن يفرّوا هاربين. ولم ينقذني من بين يديهم سوى سائق، توسّلتُ إليه أن يأخذنا إلى أقرب مركز شرطة. لكنّه أجابني: « سيحتجزونكم هناك ويرحلونكم إلى السودان ». ثم نصحني بالذهاب إلى شقة للحصول على قسط من الراحة، قبل التوجه لاحقاً إلى القاهرة. أتمنى أن يعرف الناس بما حدث، ليس من أجلي، بل حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث مرة أخرى. فلو كانت فتاة صغيرة قد تعرضت لما تعرضت له، لفقدت حياتها. سها، امرأة سودانية فقدت زوجها خلال الحرب، وقعت ضحية كمين نصبه ثمانية ملثمين يحملون بنادق خرطوش وخناجر. استهدف الكمين سيارة نقل جماعي تتسع ل 14 راكباً، كانت تقلّ سُها وطفليها وعدداً من اللاجئين السودانيين، وذلك بعد نحو نصف ساعة من انطلاقهم من منطقة الكسارة باتجاه منطقة الصداقة في محافظة أسوان، المحطة قبل الأخيرة في رحلة الفرار من الحرب نحو مصر. كانت سُها قد بدأت هذه الرحلة في 18 يوليوز 2024. تقول سها: « اقتادوا السائق ومرافقه إلى سيارة ذات كابينة واحدة مع مساحة خلفية مفتوحة، وأخبرونا أنهم سيصادرون السيارة ويتركونا، لكنّهم اقتادونا إلى منطقة معزولة تحيط بها الجبال، وصاحوا: كل حد يطلع اللي معاه من سكات، فأخرج الجميع كل ما يملكونه، أخذوا هاتفي وثمانية آلاف جنيه مصري (نحو 150 دولاراً)، بالإضافة إلى 20 ألف جنيه سوادني، ومصوغات ذهبية وزنها 48 غراماً كنت أخبئها داخل ربطة الشعر، لكنهم اكتشفوها عندما بدأ أحدهم بتفتيشي واضعاً يده على رأسي، حاولت مقاومته حتى لا يأخذ المصوغات لأنها آخر ما تبقى لي، وكنت أنوي استغلال قيمتها في استئجار شقة وتعليم أبنائي ». تضيف: « وضع آخر السلاح على رقبة ابنتي، وكتّف اثنان يدي إلى الخلف ثم رموني أرضاً، وشقوا ثيابي، قبل أن يغتصبوني وسط صراخ أطفالي. توسل إليهم ابني (سبع سنوات): سيبوا ماما، سيبوا ماما، لكنّهم ضربوه على وجهه ». تتابع سها: « حاولت فتاة الدفاع عني، فتناوب اثنان على اغتصابها، واغتصب ثالث أماً لثلاثة أطفال ». بعد أيام من الحادثة، قصدت سُها مستشفى أسوان الجامعي لإجراء فحوصات خشية حدوث حمل، وهناك التقت طبيبة نفسية وصفت لها أدوية مهدئة. تصف سها بحزن ما تعانيه، قائلة: « أفكر كثيراً فيما حدث، وأظل مستيقظة حتى الصباح، أشعر بالاشمئزاز من نفسي وأن الجميع ينظر لي بصورة مسيئة، كما أن ابنتي باتت لا تفارقني حتى عند الذهاب إلى دورة المياه، أصبحت تخاف من الازدحام ورؤية أي شخص ملثم ». تعمل سُها حالياً في مطعم يقدم وجبات سودانية، مقابل 100 جنيه مصري يومياً (نحو دولارين)، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية نفقات دراسة طفليها. كما التقى معدا التحقيق خمسة ضحايا آخرين تعرضوا إما للسرقة، وإما للاحتجاز وطلب الفدية. احتجاز داخل مزرعة في أسوان عشتُ أنا فاطمة (اسم مستعار) وأفراد أسرتي الأربعة رحلة شاقة، بعدما غادرنا السودان هرباً من الحرب إلى مصر، في يوليوز 2024. بعد وصولنا إلى منطقة الكسارة، استأجرنا سيارة يقودها سائق ومعه مرافق، لنقلنا إلى محطة القطار في دراو مقابل 20 ألف جنيه سوداني (نحو 15 دولاراً آنذاك). لكن ما إن تحركنا حتى لاحظنا السائق يدور بنا في الشوارع نفسها مراراً وتكراراً، ولما سألناه أجاب: « الشرطة موجودة في الطريق ». استمر في الدوران من منتصف الليل حتى الثانية صباحاً، قبل أن ينضم إليه وإلى مرافقه تسعة أشخاص مسلّحين بالسواطير، يستقلون ثلاث دراجات نارية. احتجزونا داخل مزرعة في أسوان لمدة ثلاثة أيام، وأبلغونا بوضوح: « لن تخرجوا حتى تدفعوا 20 ألف جنيه مصري (نحو 400 دولار) ». أمضيت برفقة والدتي وشقيقتي وشقيقي، وجدتي الطاعنة في السن، ثلاثة أيام تحت ظل الأشجار من دون أكل سوى ثمار الجوافة، التي كنا نحصل عليها من أشجار المزرعة، ومن دون نوم أيضاً. كنت مرهقة فذهبت للنوم داخل السيارة التي أقلتنا إلى المزرعة، وفجأة شعرت بيد تمتد لتتحسس جسدي. حاولت الصراخ، لكنه أسكتني قائلاً: « اسكتي... اسكتي ». قاومته بكل ما أملك لأتمكن من النزول من السيارة، لكنّني لم أستطع، فصرخت بأعلى صوتي حتى سمعتني أمي وجاءت مسرعة. ومنذ تلك اللحظة لم نعد قادرين على النوم؛ تجمعنا معاً في ركن واحد وبقينا مستيقظين طوال الليل. فتشوا جميع حقائبنا وأخبرتهم بأنه ليس بحوزتنا أي أموال، وأن الاتفاق معهم كان بالعملة السودانية وليست المصرية، فقالوا لنا : « اتصلوا على أقاربكم إنتو عندكم ذهب وفلوس ». بعد تواصلنا مع عدد من الأقارب في القاهرة، تمكنا من تدبير المبلغ المطلوب، الذي أُرسل عبر حوالة إلكترونية. عندها أطلقوا سراحنا. وبعد وصولنا القاهرة، اضطررت أنا وإخوتي إلى العمل فوراً حتى نتمكن من سداد الدين. الذهب مقابل إطلاق حرية الابن خمسة عشر يوماً أمضيتها أنا آمنة (اسم مستعار)، رفقة أبنائي الخمسة وأطفالي، تحت ظل الأشجار بمدينة عطبرة بالسودان، قبل توجهي إلى مصر عبر الصحراء بتاريخ 15 يونيو 2024. لم تنتهِ معاناتي ومعاناة أسرتي، التي يبلغ عدد أفرادها 22 شخصاً بمغادرة السودان، بل تجددت فور وصولنا منطقة الكسارة، حيث التف حولنا سائقو التكاتك والتروسيكل وهم يصرخون: « تعالوا بسرعة... اركبوا هنا ». صعدنا مسرعين بعد اتفاق ابني مع السائق على نقلنا بتكلفة قدرها ألف و300 جنيه مصري (26 دولاراً). اصطحبونا إلى شقة داخل أسوان من دون رغبتنا، ثم طالبوا بدفع مبلغ مليون و500 ألف جنيه سوداني؛ أي ما يعادل وقتها ألفاً ومئة دولار، قيمة نقلنا والمبيت في الشقة ليوم واحد. أخفى سائقو التكاتك الثلاثة، إضافة لعدد كبير من الرجال وجدناهم داخل الشقة، ابني. ثم قالوا لن تروه مرة أخرى ما لم تدفعوا المبلغ المطلوب، ولو أبلغتوا الشرطة لن تعرفوا مكانه، شعرت بالخوف الشديد على ابني. كنا داخل شقة مغلقة بمعية بناتي الثلاثة وزوجتي أبنائي (الاثنين)، ولم يكن معنا سوى مبلغ بسيط ادخرته لقطع تذاكر القطار إلى القاهرة؛ اضطررت إلى الذهاب وأخذ خواتم ذهبية من بناتي وتسليمها لهم. أطلقوا سراح ابني وتركونا نغادر بعد حصولهم على المصوغات الذهبية. عملية نهب مدبرة تعرضت أنا صلاح الدين التوم وأبناء إخوتي و16 شخصاً؛ بينهم نساء وأطفال، لنهب مدبر على مقربة من الكسارة. في 13 يناير 2024، انطلقت رحلتنا من مدينة عطبرة السودانية باتجاه مصر، بعد يأسي من انتهاء الحرب في السودان، ولملاقاة أطفالي. وصلنا منطقة الرتج الواقعة على الحدود السودانية المصرية؛ وهي عبارة عن منطقة صحراوية شيد عليها عدد من الخيام، وفيها نستقل سيارات أخرى، مكثنا فيها يومين بسبب وجود القوات المصرية في الطريق. ومنها انتقلنا إلى منطقة أخرى، حيث صعدنا على متن سيارة يقودها سائق ومساعده متجهين إلى أسوان. بدرت من السائق ومساعده تصرفات مثيرة للشك، شعر الجميع بها، فجأة قال إن السيارة تعطلت وأنزل جميع الرجال لدفعها، ثم طلب منا الصعود مرة أخرى وتحركنا. على مقربة من الكسارة، توقف السائق مرة أخرى وطلب منا التوجه إلى ثلاث سيارات ماركة سوزوكي (تعرف محلياً بالتمناية). لم تمضِ سوى ربع ساعة من تحركنا حتى أوقفت السيارة عصابة، مكونة من سبعة أشخاص مسلحين بالخرطوش ومسدس. توزع أفراد العصابة بين السيارات، كل منهم يحمل سلاحه في يده، في حين صعد اثنان منهم أعلى الجبال، ووقف آخر عند مدخل الطريق على متن دراجة نارية. في البداية، أنزلوا جميع السائقين ومساعديهم من دون تفتيش وأوقفوهم جانباً، وبعدها أنزلونا نحن الرجال، وأمروا الجميع بالانبطاح أرضاً، ومن يرفض ضربوه بمؤخرة السلاح، صاحوا: « كل حد يسلم هاتفه وكل اللي في جيبه »، ثم بعثروا الحقائب وأخذوا ما يريدونه، كانت معهم حقائب كبيرة وضعوا داخلها كل المنهوبات. أخذوا هواتفنا ومستندات رسمية مهمة. ثم توجّهوا إلى النساء، أخذوا من سيدة مصوغات ذهبية، وضربوا أخرى بشدة في رأسها؛ لأنها خبأت عنهم الهاتف. ثمّ فروا مسرعين. في الطريق إلى أسوان، تشاجرنا مع سائقي السيارات الذين لم يظهروا أي مقاومة، ولم يتعرضوا لأي نهب أو تفتيش من قبل العصابة. قال لنا أحدهم إنه يعرف أفراد العصابة، وأخبرنا أن ما حدث معنا قد تكرر مع آخرين، وأننا كنا محظوظين؛ لأنه لم يتم اقتيادنا واحتجازنا داخل منطقة تُسمّى 'العزبة' للمطالبة بدفع فدية من أسرنا. لم نستطع تقديم أي بلاغ لدى الشرطة، نظراً لدخولنا مصر بطريقة غير نظامية، ولعدم امتلاكنا أي أوراق رسمية أو إقامة. احتجاز داخل شقة مهجورة في دجنبر 2024، احتجزت أنا زينب وأسرتي المكونة من أربعة أشخاص، وآخرون، داخل شقة في أسوان، وطالبنا المهربون بدفع فدية لإطلاق سراحنا. عند وصولنا منطقة الكسارة، اقتادنا ثلاثة سائقين -بعد وصولنا من أمدرمان بالسودان- إلى أسوان، حيث مكثنا في شقة مهجورة ومتسخة. طلب السائقون منا دفع مبلغ قدره 500 ألف جنيه سوداني؛ أي ما يعادل وقتها 263 دولاراً، لإطلاق سراحنا. رفضنا البقاء لكنهم هدّدونا بالسلاح، وأصروا على دفع المبلغ المحدد بالجنيه سوداني، رغم اتفاقنا معهم على الدفع بالعملة المصرية. سلمت الأسرة مبلغ 600 ألف جنيه سوداني؛ أي ما يعادل آنذاك 324 دولاراً للمحتجزين، لكنهم رفضوا إطلاق سراحنا بعد حصولهم على المال، وطالبونا بدفع ألف و500 جنيه مصري إضافية (30 دولاراً). شعرنا بالرعب الشديد، وقلنا لهم سلمونا للشرطة لترحلنا أفضل مما نتعرض له. ساومت العصابة الأسر، وعرضت استمرار احتجاز الرجال مقابل إطلاق سراح النساء والأطفال، وهو ما وافق الرجال عليه، ومن ثم تمكنت من الوصول إلى القاهرة. ورغم مرور ثمانية أشهر على الحادثة، فإن آثارها النفسية لاتزال ترهقني أنا وبناتي، خاصة ابنتي ذات ال12 عاماً؛ فقد تدهور تحصيلها الدراسي رغم تفوّقها سابقاً. لم أتمكن من تحرير بلاغ لدى الشرطة؛ بسبب عدم امتلاكي أوراقاً رسمية حينها، وهو ما دفعني إلى الإصرار على توثيق وجودي بعد مرور أيام فقط من وصولي القاهرة؛ فتوجهت إلى مفوضية اللاجئين، وبتاريخ 23 يونيو 2025 استلمت وثيقة تسجيل طالب لجوء؛ أي بعد مرور سبعة أشهر من التقديم، وظللت طيلة هذه المدة أخشى الخروج من المنزل؛ خوفاً من القبض عليّ وترحيلي إلى السودان. هجوم بكلاشنكوف 10 فبراير 2024، يوماً لن أنساه ما حييت؛ كنت أتوسل إليهم أن يعيدوا هاتفي، فإذا بأحدهم يصرخ مهدداً: « سأطعنك، والله لأطعنك ». أنا نهلة (اسم مستعار) تعرضت لواقعة نهب على حدود منطقة الكسارة. تحرّكنا برفقة عدد من الأسر من السودان مع مهرب أوصلنا حتى الحدود المصرية، ثم سلّمنا لمهربين اثنين، وطلب منهما توصيلنا حتى الكسارة، وبعد وصولنا سلمونا لسائقي سيارات نقل جماعي لتقلنا إلى أسوان. انحرف السائقون عن المسار، وعندما سألناهم، قالوا: « هذه طريق مختصرة ». وجدنا أنفسنا بين الجبال، على مسافة من السيارات التي تحركت معنا، وفجأة اعترضت طريقنا سيارة تقل ستة أشخاص مسلحين بالكلاشنكوف وأسلحة بيضاء، وبدأوا بإنزالنا واحداً تلو الآخر، وتفتيشنا ومصادرة هواتفنا. وتعرضنا نحن النساء لتفتيش كامل، حتى داخل حمالة الصدر، ونزعوا عنا الحجاب. صادروا مني هاتفين ومبالغ مالية بالعملة المصرية، وأخذوا من أم لخمسة أبناء خمسة هواتف، وجهاز لاب توب، وأوراقاً ثبوتية. تحرش أفراد العصابة بالفتيات أثناء تفتيشهن، كانت واحدة منهن في فترة الطمث، أدخلوا أيديهم وأخرجوا الفوطة الصحية. ونزعوا عن الرجال بناطيلهم، وضربوا شاباً لأنه لم يكن بحوزته هاتف. توسلت إليهم أن يعيدوا هاتفي لإجراء اتصالات عند الوصول للقاهرة، فقال لي أحدهم: « سأطعنك والله لأطعنك ». كما بيّن الاستبيان أن 33 من كل 100 لاجئ سوداني تعرّضوا للسرقة، مقابل خمسة من كل 200 تعرّضوا لاعتداء جسدي، وثمانية من كل 100 تعرّضوا للاختطاف وطلب الفدية. كذلك، أظهرت النتائج أن ثلاثة من كل عشرة لاجئين تعرّضوا للاستغلال المادي، وخمسة من كل 20 لاجئاً سودانياً واجهوا التهديد أو الترهيب. وفقاً لمفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، تُصنّف الانتهاكات التي يتعرض لها الفارون من النزاعات أو العنف أو الاضطهاد « اتجاراً بالبشر »، وهي جريمة غير طوعية يُستغل فيها الضحايا. في حين يُصنّف التهريب « جريمة طوعية ». ويتحول التهريب إلى اتجار بالبشر حال تعرض الضحايا للاستغلال، عبر احتجازهم مقابل دفع فدية، أو لسداد دين يتعلق بالتهريب. تزامنت الانتهاكات التي تعرض لها بعض اللاجئين السودانيين مع بدء توافدهم إلى مصر، عقب اندلاع الصراع المسلح في السودان في 15 أبريل 2023، وازدادت وتيرتها بعد أن فرضت السلطات المصرية، بعد مرور أكثر من 50 يوماً فقط على اندلاع النزاع، حظراً على دخول جميع السودانيين -بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن، الذين كان يُسمح لهم بالدخول سابقاً- إلى الأراضي المصرية من دون الحصول على تأشيرة مسبقة. دفعت صعوبة الحصول على التأشيرة المجانية من القنصلية المصرية في حلفا أو بورتسودان -التي تستغرق إجراءاتها نحو ثلاثة أشهر- إضافة إلى التكلفة الباهظة لإصدار الموافقة الأمنية (تتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف دولار)، (دفعت) مئات الآلاف من السودانيين إلى دخول مصر بطرق غير نظامية. لجأ هؤلاء إلى عبور الصحراء الجنوبية الممتدة لنحو ألف و280 كيلومتراً بين البلدين، هرباً من الصراع المسلح في بلادهم. تبديل السيارات المصرية بالسودانية خلال رحلة التهريب ووصفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان منع مصر دخول السودانيين من دون تأشيرة مسبقة، بأنه يتعارض مع الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين والفارين لدول الجوار وقت الحروب والكوارث، كما ينتهك اتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين مصر والسودان عام 2004، التي تكفل لمواطني البلدين حرية التنقل المتبادل من دون تأشيرة، والعمل، والإقامة من دون قيود. وصل إلى مصر منذ بدء الصراع المسلح في السودان قرابة 1.5 مليون شخص، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. فيما لم يُسجَّل لدى مفوضية شؤون اللاجئين سوى أقل من نصف هذا العدد. جرائم بلا عقاب تراجعت سُها عن تحرير محضر لدى الشرطة، بعد أن بثت طبيبة نفسية في أحد المستشفيات الحكومية بأسوان الخوف في نفسها: « هتودي نفسك في 60 داهية »، مبررة ذلك بأنها دخلت البلاد بطريقة غير نظامية، ولا تملك أوراقاً ثبوتية. تقول المحامية المتخصصة في شؤون الأجانب في مصر، فادية خضراوي، إن اللاجئين الذين وصلوا حديثاً لا يمكنهم تحرير محاضر لدى الشرطة، نظراً لعدم امتلاكهم إقامة سارية أو مكان سكن معلوم، وهو شرط أساسي لتقديم البلاغات، إلى جانب خوفهم من الترحيل بسبب دخولهم غير النظامي، وعدم تسجيلهم لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. تُحمّل خضراوي، مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين مسؤولية إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب، نظراً لعدم وجود مقار للمفوضية أو موظفين تابعين لها في محافظة أسوان لتسجيل الواصلين حديثاً. وتشير إلى أن المقر الوحيد للمفوضية يقع في القاهرة، على بُعد أكثر من 900 كيلومتر من الحدود، ما يعرض اللاجئ لخطر الضبط أثناء رحلته الطويلة، ومن ثم إعادته إلى بلده. تضيف خضراوي: « ينبغي على طالب اللجوء الذي يتعرض لأي مشكلة على الحدود أن يتوجه للمفوضية للتسجيل، ويطلب صفة اللجوء الرسمية من أجل التقدم ببلاغ، وعلى المفوضية أن تتعامل سريعاً مع هذه الحالات وتعطيهم الصفة الرسمية ». لاجئون أثناء رحلة طلب اللجوء إلى مصر في المقابل، أنشأت الأممالمتحدة « مراكز النقطة الزرقاء » على حدود بعض الدول الأوروبية؛ لتمكين اللاجئين الأوكرانيين من التسجيل، وهو ما لم يحدث لطالبي اللجوء السودانيين على الحدود المصرية. ما حقوق طالبي اللجوء السودانيين؟ حماية قانونية غائبة وفقاً لاتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، يُعَرَّف اللاجئ أنه: « كل شخص يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك ». ويُمنح اللاجئ الحماية الدولية وفقاً لاتفاقية جنيف الموقعة عام 1951، والبروتوكول الملحق بها عام 1967. صدّقت مصر على اتفاقية جنيف والبروتوكول الملحق بها، واتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية 1969، وتمنح هذه الاتفاقيات اللاجئين مجموعة من الحقوق، بينها عدم فرض عقوبات على اللاجئين بسبب دخولهم غير النظامي أو إقامتهم، شريطة أن يقدموا أنفسهم مباشرة إلى السلطات من دون تأخير، وحمايتهم من الترحيل أو الإعادة القسرية، والحق في التقاضي أمام المحاكم والاستفادة من نظام العدالة. وتحظر المادة (31) من اتفاقية جنيف، معاقبة اللاجئ على دخوله أو وجوده بصورة غير مشروعة طالما قدّم نفسه فوراً للسلطات، وله سبب مقبول للدخول أو الوجود غير الشرعي. وسنّت مصر القانون رقم (164) لسنة 2024، بشأن لجوء الأجانب في مصر، والذي يعد المرجع الوطني الأحدث في تنظيم أوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء على أراضيها. واشترط هذا القانون تسجيل اللاجئين للحصول على صفة « اللاجئ » قانونياً. وقد أدانت منظمة هيومان رايتس ووتش، القانون قائلة إنه يُجرّم الدخول غير النظامي للاجئين، وكذلك المساعدات غير الرسمية لطالبي اللجوء، ولن يحمي حقوقهم، ويمكن السلطات من سحب حق اللجوء تعسفياً. يشير مدير منصة اللاجئين الحقوقية، نور خليل، إلى أن المُشرِّع (في قانوني اللجوء رقم 164 لسنة 2024 وقانون مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين رقم 82 لسنة 2016)، جرم اللاجئ بسبب دخوله بشكل غير نظامي، ولم يكفل الحماية الكافية للمهاجرين غير النظاميين بوصفهم ضحايا، وفقاً لاتفاقية جنيف 1951. ويوضح خليل أن تسجيل اللاجئين في المفوضية بالقاهرة يستغرق فترة تتراوح بين ثمانية أشهر و12 شهراً، وطوال هذه المدة وحتى تسجيله رسمياً وحصوله على إقامة سارية، فإن طالب اللجوء محروم من الخدمات، وترفع عنه الحماية القانونية ويكون معرضاً للضبط والترحيل لأنه « يقيم بشكل غير نظامي »، بمنظور القانون المصري، وفق قوله. ويشدد على أهمية استخدام وصف « اللاجئين » للفارين من الصراع في السودان، لأنه يمنحهم مركزاً قانونياً يُسهل عليهم الحصول على حق الحماية والوصول لخدمات التسجيل، وجملة من الحقوق التي تكفلها الاتفاقيات الدولية. كما نصت اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة « باليرمو »، على وجوب مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، وألزم بروتوكول الاتفاقية الدول باتخاذ تدابير تشريعية وإجرائية للوقاية، والحماية، ومعاونة الضحايا. ويجرّم البروتوكول تهريب المهاجرين عبر البر والبحر والجو، ويضمن عدم تضرر حقوق المهاجرين واللاجئين خلال عمليات التهريب. وقد سن القانون المصري رقم (64) لسنة 2010 عقوبات مشددة على مرتكبي جريمة الاتجار بالبشر، تتراوح بين السجن والغرامة وكليهما. تؤكد خضراوي أن السودانيين الذين طلبوا اللجوء في مصر يجب أن يتمتعوا بالحق في الحماية، طالما أن مصر طرف في الاتفاقية. وسواء حصل طالب اللجوء على بطاقة تسجيل من المفوضية (الكارت الأصفر) أم لم يحصل، فإن تصديق مصر على الاتفاقية يمنحه الحق في حماية حياته وسلامته وممتلكاته، وكل الضمانات التي تكفل الحفاظ على كرامته. وتضيف أنه يحق للاجئ، التقدم ببلاغ إلى السلطات المصرية ضد أي شخص أو جهة ارتكبت انتهاكاً بحقه، بعد التسجيل في المفوضية. فيما يقول المحامي المتخصص في شؤون الأجانب في مصر أشرف روكسي: « ما دام أي نازح لم يسجل داخل مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين؛ فهو لا يتمتع بأي نوع من أنواع الحماية، كما أنه عرضة للترحيل والسجن »، موضحاً أن « مصر تُعلي القانون الوطني فوق الاتفاقات الدولية؛ فقانون الأجانب رقم (89) لسنة 1960 المعدل بقانون (88) لسنة 2005 يشدّد على تغليظ العقوبة على من يدخل البلاد من غير المناطق التي حدّدها وزير الداخلية، والدخول عبر التسلل أو التهريب جريمة يعاقب عليها القانون ». في المقابل، هناك رأي قانوني آخر يرى أن الاتفاقيات الدولية المُصدق عليها تكتسب قوة القانون الوطني وتساويه، ويُطبق بشأنها مبدأ « اللاحق ينسخ السابق »، أي أن النص الأحدث يلغي ما قبله. وتذهب بعض الآراء إلى أن أحكام الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريع الوطني. لاجئون سودانيون أثناء رحلة طلب اللجوء إلى مصر مسارات التهريب .. ومرتكبو الانتهاكات تتبع معدا التحقيق أربع رحلات غير نظامية للاجئين سودانيين، وتحدثا مع ثلاثة مهربين بين السودان ومصر، وحدّدا أربعة مسارات للتهريب بين البلدين. يمتد المسار الأول من عطبرة بالسودان مررواً بأبو حمد والأبيار، وصولاً إلى الكسارة ثم أسوان في مصر. وتشير نتائج الاستبيان والمقابلات، إلى وقوع 21 حالة انتهاك متنوعة في منطقة الأبيار. أما المسار الثاني، يبدأ من حلفا ثم الرتج مروراً بالكسارة وصولاً إلى أسوان. وتنطلق الرحلات في المسار الثالث من بورسودان وبعدها الأنصاري ثم الكسارة وأسوان. المسار الأول https://arij.net/investigations/sudanese-refugees-trapped-gangs-border/assets/video/path1.mp4 تبديل السيارات في منطقة الأبيار – الحدود السودانية واستُحدثت أخيراً نقطة مرور عبر وادي اللاوي (60 كيلومتراً من أسوان)؛ وهو مسار بديل للكسارات التي تقع على طريقها غالبية الانتهاكات، رغم أنه أبعد وأعلى في التكلفة المالية؛ إذ تبلغ نحو ثلاثة آلاف جنيه مصري (61 دولاراً) مقابل 2000 جنيه (40 دولاراً) للمرور عبر الكسارات. أما بشأن التغطية الأمنية لمسارات التهريب، فقد كشف مهرّبون وسودانيون التقيناهم عقب خوضهم رحلة اللجوء إلى مصر، أن المهربين يتجنبون نقاط التفتيش والمسارات التي تنتشر فيها قوات الأمن في الأماكن الحدودية. وتبقى تمركزات الشرطة بعيدة عن مواقع حدوث الانتهاكات، ولا يوجد في محيطها سوى مركز شرطة نصر النوبة، ونقطتي شرطة بلانة وكلابشة. وقد كشف مهرب ينقل البشر إلى داخل مدينة أسوان لمعدي التحقيق، أنهم يتحركون في ثلاث سيارات تسبقهم سيارة استكشافية لإبلاغهم حال وجود لجان شرطية، وفي هذه الحالة يتوقفون في « تخزينة » لحين مغادرة اللجان؛ وهي منطقة جبلية بعيدة عن مرأى رجال الأمن، قائلاً إنهم تعلموا مهارات التخفي، وتجنب تتبع الأثر في الصحراء، والسير في مسارات بعيدة بضعة كيلومترات عن تحركات الشرطة. سلك سعيد المسار الأول، في حين سلكت سها الثاني. وفي الطريقين لم تكن هناك تغطية أمنية كافية تمنع وقوع الانتهاكات التي تعرضا لها. المسار الثاني https://arij.net/investigations/sudanese-refugees-trapped-gangs-border/assets/video/path2.mp4 المسار الثالث https://arij.net/investigations/sudanese-refugees-trapped-gangs-border/assets/video/path3.mp4 وأظهر تحليل مقابلات مع 23 لاجئاً سودانياً تعرّضوا لانتهاكات على الحدود خلال رحلتهم إلى مصر، إلى جانب ناشطين محليين ومهربين، أن مرتكبي هذه الانتهاكات ينقسمون إلى ثلاث فئات: الأولى عصابات مسلحة تتمركز بشكل شبه دائم في الصحراء، وتقيم في خيم واستراحات. أما الفئة الثانية فتتكوّن من عصابات متحركة تنصب كمائن للاجئين وتنسق أحياناً مع المهربين. في حين تتمثل الفئة الثالثة في سائقين يستغلون اللاجئين بمختلف الطرق. ووقع سعيد وسها ضحية لعصابات الفئة الثانية، إذ تم اعتراضهما من قبل عصابات مسلحة، في طريقهما إلى أسوان. وحول إمكانية لجوء الضحايا -ومن بينهم سعيد وسُها- إلى تحرير محاضر لدى الشرطة في وقت لاحق، يرى الحقوقي نور خليل أن التأخر في التقاضي يُفقد الضحايا حقوقهم، ويسهم في إفلات الجناة من العقاب؛ إذ إن مرور الوقت يُضعف قدرة الضحية على إثبات ما تعرضت له، ويؤدي إلى نسيان بعض التفاصيل الجوهرية في الشهادة، ما يُعقد مهمة أجهزة الشرطة في ملاحقة الجناة وضبطهم. معوقات أمام مفوضية اللاجئين طرق سعيد وسُها أبواب المفوضية طلباً للمساعدة، لكنّ النتيجة كانت مخيبة للآمال. فبعد أن سرد سعيد لموظف المفوضية تفاصيل ما تعرض له، وحاجته إلى عملية جراحية عاجلة ودعم نفسي، لم يتلقَ سوى ورقة تحمل أرقام بعض المنظمات الشريكة، من دون أي تعليق إضافي. أما سُها، فلم تحصل على أي نوع من الدعم، سواء المادي أو الغذائي، باستثناء جلسة دعم نفسي واحدة تلقتها في مستشفى أسوان الجامعي، حيث وصف لها الطبيب دواء تتناوله من وقت لآخر. وعلقت المفوضية في مارس 2025، كل أشكال العلاج الطبي للاجئين، باستثناء الحالات الطارئة المُنقذة للحياة. وبعد شهرين، قلصت المفوضية عدد المستفيدين من برنامج المساعدات النقدية لتقتصر على الأسر الأكثر احتياجاً فقط، متأثرة بنقص التمويل. وحذرت المفوضية من تهديد صحة ملايين اللاجئين حول العالم، جراء توقف برامج الرعاية الصحية الأساسية، وزيادة مخاطر تفشي الأمراض المعدية، وتراجع خدمات الصحة النفسية والدعم الغذائي. يتزامن تراجع الدعم وانخفاض معدلات الاستجابة في مصر مع تضاعف أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء، ليقترب عددهم من مليون شخص، مرتفعاً من 271 ألفاً سجلتهم المفوضية في يناير 2022، علماً بأن سبعة من كل عشرة لاجئين يحملون الجنسية السودانية. وقدّرت المفوضية الفجوة في تمويل برامج دعم اللاجئين في مصر خلال عام 2025 بنحو 98 مليون دولار، إذ لم تتمكن سوى من جمع 40 مليوناً من أصل 138 مليون دولار تحتاج إليها. تواصل كل من سعيد وسها مع مفوضية اللاجئين للتسجيل، بحثاً عن مظلة حماية المفوضية وخدماتها. ورغم توجه سها للمفوضية في يوليوز 2024، حُدّد لها موعد للحصول على « كارت اللجوء » في أبريل 2025. في حين يستكمل سعيد إجراءات الإقامة في غشت 2025. منذ تعرضه للاغتصاب في يناير 2024، يلازم سعيد منزل أقاربه في القاهرة، ولا يغادره إلا نادراً؛ إذ تمنعه حالته الصحية من العمل بسبب التهاب البواسير والنزيف المستمر الناتج عن تأخر إجراء العملية الجراحية التي يحتاج إليها، نظراً لتكلفتها التي تفوق قدرته المالية. وحتى اليوم، لا يزال عاجزاً عن اتخاذ أي إجراء بحق من اعتدوا عليه على الحدود. في الوقت نفسه، تعاني المفوضية أزمة تمويل دولية، أجبرتها على خفض ثلث موظفيها، ووقف بعثاتها الميدانية المنتظمة إلى المنطقة الحدودية. وتلقينا من مفوضية اللاجئين بمصر رداً على نتائج التحقيق تفسر فيه أوضاع اللاجئين السودانيين في مصر، والانتهاكات التي يتعرضون لها، ومدى قدرتها على معالجة ملفات اللجوء في ظل الصعوبات التي تواجهها. تُدرك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التحديات الهائلة، التي يواجهها الأفراد الذين أُجبروا على الفرار من النزاع في السودان، بحثاً عن الأمان. وقد أدى النزاع، الذي يشهد عامه الثالث الآن (2025)، إلى أكبر أزمة نزوح في العالم: فقد نزح أكثر من 12 مليون سوداني، ويُقدر أن 1.5 مليون منهم عبروا إلى مصر، من بينهم أكثر من 700 ألف مسجلين لدى المفوضية. وقد استقبلت مصر أكبر عدد من اللاجئين السودانيين مقارنة بجميع الدول المجاورة، بالإضافة إلى وجود نحو 263,619 لاجئاً من جنسيات أخرى، ما زاد من الضغط على خدماتها العامة. يواجه اللاجئون صعوبات هائلة، ويتعرضون لمخاطر حماية متعددة أثناء عبورهم الحدود بحثاً عن الأمان. وتواصل المفوضية وشركاؤها مناصرة اللاجئين لضمان حصول الفارين من النزاع على الحماية الدولية، وحصولهم على الخدمات الأساسية؛ مثل الرعاية الصحية والتعليم، بما يتماشى مع القانون الدولي والوطني. تأثرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى جانب جهات إنسانية أخرى، بشدة من أزمة التمويل العالمية. ونتيجة لذلك، اضطرت المفوضية إلى خفض ما يقرب من ثلث موظفيها. وبينما لا تملك المفوضية إذناً من الحكومة بوجودها الدائم على الحدود مع السودان، فقد أجبرها خفض التمويل على وقف بعثاتها الميدانية المنتظمة إلى المنطقة الحدودية. إضافة إلى ذلك، هذه التخفيضات أجبرت المفوضية على إغلاق مركزين من مراكز التسجيل الثلاثة التابعة لها، ليصبح التسجيل الآن مركزياً في القاهرة. ويؤدي العدد الهائل من الوافدين، إلى جانب انخفاض القدرة الاستيعابية، إلى فترات انتظار أطول للتسجيل. هذه حقائق خارجة عن سيطرة المفوضية، وتأسف لها بشدة. وقد دعت المفوضية، إلى جانب شركائها، إلى زيادة الدعم الدولي للمساعدة في التخفيف من حدة هذا الوضع. كما أطلقت المفوضية أداة للتسجيل عبر الإنترنت للوافدين الجدد، وتطبق نظام المسار السريع لإعطاء الأولوية للأفراد الأكثر عرضة لمخاطر الحماية ولذوي الاحتياجات الخاصة. ويشمل ذلك الأفراد المعرضين لخطر الاتجار بالبشر والناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي. تُشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن حماية اللاجئين مسؤولية الدولة في المقام الأول. في مصر، تدعم المفوضية الحكومة استناداً إلى مذكرة تفاهم وُقِّعت عام 1954، في تنفيذ المسؤوليات المفوضة لها؛ مثل التسجيل وإصدار الوثائق وتحديد وضع اللاجئ. وفي الوقت نفسه، تدعم المفوضية الحكومة المصرية في الانتقال تدريجياً إلى نظام وطني للجوء، استناداً إلى قانون اللجوء الوطني الذي تم اعتماده في دجنبر 2024. في أبريل 2025، أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مذكرة إرشادية بشأن احتياجات الحماية الدولية للأشخاص الفارين من السودان، والتي جددت فيها دعوتها السابقة للدول للسماح للمدنيين من جميع الجنسيات الفارين من السودان بالوصول إلى أراضيها في الوقت المناسب، ومن دون تمييز، واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية في جميع الأوقات. لا تملك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والجهات الإنسانية الأخرى، إمكانية الوصول إلى مراكز الاحتجاز في مصر. ومع ذلك، تُبلغ المفوضية السلطات المختصة بأي بلاغات عن حالات اعتقال واحتجاز تتعلق باللاجئين وطالبي اللجوء، ما يؤدي في الغالبية العظمى من الحالات إلى إطلاق سراحهم. في المقابل، لم ترد الحكومة المصرية، متمثلة في مجلس الوزراء، على أسئلة فريق التحقيق بشأن الجهود المبذولة لحماية اللاجئين السودانيين، أثناء رحلتهم غير النظامية إلى مصر. استخدمنا أسماء مستعارة للحالات الواردة في التحقيق، حرصاً على سلامتهم. أنتج هذا التحقيق بالشراكة بين أريج والمهاجر