تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    أخنوش: تنمية الصحراء المغربية تجسد السيادة وترسخ الإنصاف المجالي    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصايل يكشف سر تعايشه مع الوزير الإسلامي ويقول: أنا موظف لدى الدولة
نشر في اليوم 24 يوم 10 - 11 - 2013

نور الدين الصايل من الأسماء التي ارتبطت المجال السمعي البصري وبالسينما المغربي حتى قبل أن يصير مديرا للمركز السينمائي المغربي. وفي هذا الحوار يكشف أراءه فيما يسمى ب»الفن النظيف» ودور القطاع الخاص في النهوض بالسينما المغربية، وعلاقته بوزير الاتصال.
أنت يساري علماني وناقد سينمائي فرنكفوني، تشتغل مع وزير إسلامي، ما هو سر هذا التعايش الذي دام سنتين بينكما؟
أنا لا أطرح القضية بهذه الكيفية بقدر ما أفكر في كوني موظفا لدى الدولة، وأتعامل بصفتي مديرا للمركز السينمائي مع شخص على رأس وزارة للدولة. أما قضايا الانتماء الفكري، المتعلقة بتاريخ كل شخص فلا دخل لها هنا، اللهم إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية بدائية جدا، فسنجد صراعات لا متناهية، والتي لا تشكل بأي شكل من الأشكال حلا لمشاكل المغرب. أعتقد أني أتصرف كموظف في خدمة المؤسسة التي يدير شؤونها الخلفي، والتي هي تحت وصاية وزارة يشرف عليها. بهذه الكيفية تخرج المسألة من إطار العلاقات الشخصية، ومن دائرة الصراعات الفكرية.

ارتباطا بانتماء الوزير الذي تشتغل معه، ما رأيك في فكرة الفن «النظيف» الذي يدافع عنه إخوان بنكيران وأنت على رأس أهم مؤسسة تعنى بالسينما في ظل حكومة يقودها الإسلاميون؟
لا أظن أن مفهوم «الفن النظيف» وصل مستوى يستحق معه أن يناقش كفكرة، ولا أعتقد أن هناك من يدافع عنه بكيفية جدية. وإذا هناك من يدافع عنه فهو مفهوم فارغ، لا مضمون له حتى نتصارع معه أو نقبله،
وهو متناقض داخليا بالمعنى الفلسفي العميق، ولهذا نمر عليه مرور الكرام. وعلى من يتحدث عنه أن يثبت معناه بكيفية دقيقية، إن كان له معنى.

علاقة بالسؤال نفسه، هل تعتقد أن السينما في العمق ضد التيارات المحافظة أم أنها فن تعددي يمكن أن يضم كل تيارات المجتمع؟
الإبداع الفني بكيفية عامة لا يمكن أن نحكم عليه مبدئيا لا بأنه محافظ ولا متمرد ثوري. الإبداع الفني هو تدفق داخلي للفرد، يمنح تصورا مطابقا للمجتمع كما هو أو غير مطابق، يفهم أو لا يفهم، يدان أو يصفق عليه. مثلا، بيكاسو حين كان بدأ في تصوير أشياء كانت ضد التيار السائد، الذي يصور الواقع كما هو، انقسم الناس بين مصفق له ومتهم إياه بقتل أصول فن الرسم.
وما يجعل من الفنان مع أو ضد التيار السائد هو مستوى وعي المجتمع ككل. فمستوى الوعي المعرفي والفني والمجتمعي هو ما يحدد مدى قبول أو رفض هذا المعطى الفني. والأكيد أن إرادة الفنان ليست هي ما يجعله مع أو ضد التيار السائد. فكثير من الأمور تبدو طبيعية في بلدان معينة في الوقت الذي تبدو فيه غريبة وصعبة التقبل في بلدان أخرى؛ لا نتحدث هنا عن مستوى كتابة الأفلام، افتراضا أنها جيدة، وإنما أخذا بعين الاعتبار الحدود المجتمعية التي هي في الآن نفسه حدود إديولوجية، تحدد أيضا هوية وطبيعة الفيلم، دون أن يكون الفيلم مسؤولا عنها، وإنما المجتمع هو المسؤول عن قبولها أو رفضها. وهذه أولويات على الشخص الانطلاق منها واستيعابها، قبل أن يتجه نحو فيلم أو السينما بشكل عام.
الظاهرة السينمائية، الآن، والتي لا تعتبر قديمة، حيث بدأت في القرن العشرين، حدت نفسها باعتبارها، أولا، فنا شعبيا، لا يستمتع به فرديا، فقد حكم عليه منذ البداية أن يكون جماعيا. ولم يوجد تعريف آخر للسينما.
وأعتقد أن الفيلم موجه لكل الفئات، وإن كان التحديد المكاني للقاعة السينمائية يحدد طبيعة جمهورها، هذه الفئات جميعها تتقاسم المتعة في مشاهدة الفيلم تبعا لطبيعة الخصائص الإنسانية المشتركة.

لكن هذه الفئات على اختلاف مشاربها لا يمكنها أن تستوعب الفيلم على نفس النحو.
مستويات فهم وقراءة الفيلم شيء آخر، فهناك من يتعمق في كل مستويات الفيلم، بينما هناك من يتوقف عند المستوى السطحي. ويبقى الفيلم الناجح جماهيريا هو الفيلم الذي يتعامل مع الجميع.

وما هي برؤيتك معايير نجاح هذا الفيلم؟
لو كان هناك من يتحكم في معرفة معايير نجاح فيلم ما، لاتجه إليها كل المنتجين. فالمعايير لا تتحدد إلا بعد إنتاج العمل، ونجاحه، إذ يبدأ تحليل وتفكيك أسباب نجاح هذا الفيلم. وهي من الأمور الجميلة في السينما. هناك بعض الأفلام التي فور خروجها تبهر الجمهور، ولا يستطيع أحد أن يكررها، مثال فيلم تيتانيك. لأن كتابته متحكم في سبكها بشكل جيد رغم كونها تقليدية. وذلك تبعا لتفرد العمل، الذي لا تدخل في نجاحه فقط، القصة والإخراج، فهناك أيضا بصمة الممثلة أو الممثل المميز ببراعة، وكيفية التصوير والإنارة، والموسيقى الداخلية لتصويره، ثم الأجساد التي تمثل هذه الأدوار، واجتماع هذه الوسائل كلها في فيلم فرد ناجح، تصعب إمكانية إعادة إخراج مثيل له.

السينما فن لا يمكنه التأليف بين فئات المجتمع، هذه هي الخلاصة باعتقادك؟
السوق مفتوحة ولا أحد يجبر أحدا على مشاهدته، ويبقى المراقب الأول للفيلم هو المتفرج نفسه، والفيلم بضاعة معروضة في القاعات، موجهة مبدئيا للجميع. هناك من يعرف مسبقا إلى أين يتجه، وطبيعة ما سيشاهد، وهناك من لا يعرف. وهناك أيضا شيء محدد آخر للمشاهدة، وهو مستوى متابعة الفيلم، تبعا لكونه أقرب إلى لغته وثقافته وإحساسه.
الفيلم مفتوح للجميع، لكن هذا الجميع يخضع لطقوسه التكوينية وانتماءاته المجتمعية المتحكمة في اختياراته السينمائية التي يراها الأقرب إلى إحساسه. وما أحب التأكيد عليه هو أن الجمهور المغربي أذكى مما يمكننا أن نحكم به عليه، إذ له القدرة على التأقلم مع كل الروايات والأنماط بطريقة ذكية.

بعض المخرجين المحافظين يتهمونك بالتشجيع على سينما لا تتوافق والخصوصية المغربية، وأنك مع الجرأة الزائدة التي انتشرت في الأفلام المغربية للسنوات الأخيرة، ما ردك؟
أنا لا أشجع على أي نوع من الأفلام، وإنما أضع نفسي في خدمة الإنتاج السينمائي المغربي بكل تلوناته واختلافاته وانتماءاته. لا أحكم على الأفلام انطلاقا من كونها لا تتفق مع المبادىء التي لا أومن بها. طبعا هناك ضغوط نوعية للمجتمع باعتبار خصوصيته التي وجب احترامها، ولا يمكن تجاوزها بلا مبالاة. وهذه قضية واضحة. أما الانتقال إلى «المنع والذبح» فهذا كلام غير مسؤول.
ويجب ألا نغفل أن العمل قبل أن يقدم يكون قد مر من عشرات التعديلات، من خلال مراقبة صاحبه له، فالمراقبة الذاتية في التشكيل الإنساني بشكل عام دائمة. غير هذا، فلا دخل لي في تحديد الأعمال التي تطلب دعما من الدولة، لأن هناك لجنة، منذ عشر سنوات، هي من تمنح تلك المساعدات، إذ تشتغل بمنطق فهم ماذا يريد أن يقول هذا المخرج.
وفي هذا السياق هناك العديد من الأفلام التي تبدو في بداية تقديمها حماسية وجميلة على مستوى كتابة السيناريو، لكن ما إن تخرج إلى الوجود حتى تكتشف أنها ضعيفة، تبعا لإخراجها الذي كان دون المستوى. وبالمقابل هناك أخرى تبدو للوهلة الأولى متوسطة على مستوى الكتابة، لكن ما إن تخرج حتى تكتشف أن الفيلم أكثر قوة وجودة تبعا لقوة الإخراج، فالأمر هنا يتعلق ببصمة المخرج. صحيح أن العمل جماعي، لكن تبقى مسؤولية المخرج أكبر.

كان لديك مشكلة «بريمات» أوقفها الخلفي عنك، هل حلت المشكلة؟
هذه قضايا داخلية بين الوزارة والمؤسسات الوصية عليها، ووجود بريمات من عدمه أمر لا يخص غير الوزارة الوصية، حلت المشكلة أو لم تحل، هذه قضية لا تعني أي فرد، وتبقى مسألة إدارية محضة، وإن كانت خلقت جدلا في فترة سابقة.

المهرجان المتوسطي، هل حان الوقت لتبتعد عنه، حتى لا تسقط في التعارض بين مهمتك على رأس المركز السينمائي المغربي ورئاسة مهرجان؟
هذه أمور يمكن التفكير فيها مستقبلا. لكن هذا المهرجان كان فكرة جميلة جدا لمحمد الأشعري حين كان على رأس وزارة الثقافة، وأعتقد أنه يستحق كل التنويه، نظرا لأهميته على مستوى البحر الأبيض المتوسط. فلا يمكن بين عشية وضحاها التفكير في توقيفه، والمركز السينمائي أخذ على عاتقه دعم هذا المهرجان بكل ما يستطيع، باعتباره مهرجانا لإبداعات الشباب المتوسطي، التي تشكل حياة المتوسط. ومستقبلا سنبحث في إمكانية أن تسهر هذه الهيئة (المركز السينمائي) عليه والمسألة هنا لا تتعلق بأنانية، وإنما بكون المهرجان يمنح المغرب إضافات هائلة جدا، ومن لا يستوعبها فإنه لا يفهم شيئا في محيط المغرب.
كما أن هناك لجنة حالية خاصة بالمهرجان تسهر على التفكير في الوسائل التي تمكنه من استقلالية حقيقية، بالإضافة إلى وسيلة دعمه من الدولة.

وكيف هي علاقة المركز السينمائي بجمعية نقاد السينما وجامعة الأندية السينمائية، أليست هناك خلافات؟
لا، ليست هناك خلافات والعلاقة بيننا علاقة عادية جدا. الجامعة لها تاريخها وتشتغل، وكلما احتاجتنا نكون إلى جانبها. وجمعية نقاد السينما لها أيضا تاريخها، وكنا نتعامل معها في إطار تمويل مجلة لها، وتوقف التمويل بعد ذلك لأن المنتوج بعد صدور أربعة أو خمسة أعداد منه لم يكن في المستوى المطلوب. واستمرت العلاقة عادية، ومؤخرا عقدت الجمعية جمعها العام والمركز السينمائي كان ممثلا هناك بعضو مهم.

وما هي الأوراش الكبرى للمركز السينمائي المغربي في الشهور المقبلة، هل سيتم الاكتفاء بالانخراط في مشاريع الحكومة للنهوض بالسينما؟
قبل ذلك أريد لفت الانتباه إلى أنه لو لم تكن هناك إرادة حقيقية للدولة، والإرادة هنا هي كل ما يمكن أن يخالف التخطيط المنطقي المحكم، تقول بأن الصورة السينمائية التي يقدمها المغاربة لديها قيمة مهمة داخليا وخارجيا، لما وصلنا إلى ما حققناه. إذن يبقى المنطق الإرادي طاغيا على المنطق التخطيطي المحض. ولهذا فالقرارات التي اتخذتها الدولة منذ أكثر من 10 سنوات كانت صائبة لأنها منحت المغرب مكانة على المستوى الإفريقي والعربي والدولي، وجعلت منه بلدا معترفا به سينمائيا على المستوى العالمي.
ومن الأهداف التي يطمح إليها المركز السينمائي أيضا، بعد حله تقريبا معادلة الانتاج بكيفية مقبولة، هي حل مشكل السوق السينمائية وهي المعادلة الأصعب، وأعني هنا الشاشات السينمائية المغربية التي لم يكن، مع الأسف، الاشتغال عليها من قبل القطاع الخاص في مستوى طموحات الدولة.

كيف ذلك؟
القطاع الخاص تنازل عن كثير من استثماراته، وابتعد عن مبدأ الاستثمار مقابل المبدأ الذي كان سائدا والمتعلق بالريع. الآن، القطاع الخاص إن لم يأخذ بجدية أن قطاع السينما صار مثمرا ومربحا، وإن لم يخض معركة تشييد إنشاء المركبات السينمائية باعتبارها الحل الوحيد لتكون لدينا سوقا سينمائية داخلية، فلن يستطيع المغرب الاستمرار في هذا الإنتاج وإن صار معروفا عالميا بكونه بلدا منتجا. فالسوق الداخلية هي المتنفس والملجأ الأول لاستمرار الفيلم المغربي.

برأيك كيف يمكن تحفيز القطاع الخاص للانخراط في الاستثمارات التي ذكرت؟
استثمار القطاع الخاص في المغرب ارتبط منذ زمن بالاستثمار سريع الربح، بينما كبريات الدول التي تقدم دروسا مهمة في الليبرالية والرأسمالية، استثمارها يمتد على مدى سنوات وقد يمتد إلى عقود في أحايين أخرى. تمشي بشكل تصاعدي في طريق النجاح، بخلاف الرأسمالية المغربية، التي تبحث عن ربح في اليوم الموالي للاستثمار، والتي يتجه جلها نحو العقار.

الأمر يتعلق إذن بثقافة مجتمع؟
صحيح أن الأمر يتعلق بثقافة مجتمعية، لكن أيضا بفهم مقلوب لأسس الرأسمالية واللليبرالية، لأنها غير مستوعبة من قبل هؤلاء الرأسماليين المغاربة التقليديين، المستمرين إلى حد الآن، بالشكل الذي من شأنه أن يخدم مصالح المغرب.
الآن، هناك جيل للمستثمرين يبحث في القطاعات الجديدة التي يمكن أن تكون مربحة، والسينما من بينها، هذا الجيل الذي نحن معه في اتصال منذ حوالي 3 أو أربع سنوات بدأ يقتنع بأن قطاع السينما يستحق الاستثمار، خصوصا على مستوى المركبات السينمائية.

ارتباطا دائما بالسينما المغربية، هل يمكن لها أن تعيش وتنمو بدون دعم من الدولة؟
لا، بدون دعم من الدولة بدل أن ننجز 25 فيلما سيكون لدينا فقط، 3 أو 4 أفلام. وغير مضمونة. ودعم الدولة له فلسفة جميلة، لأنه يعتبر أننا كدولة تريد أن تكون لها صورة خاصة ينجزها أبناؤها المغاربة. وهي فكرة قوية جدا، ولكي تنمو هذه الفكرة وتتطور وتكون لها مردودية حقيقية فلا بد من أنه بعد إرادة الإنتاج التي لدى الدولة، أن تتوفر بالموازاة معها إرادة خلق سوق داخلية، وهذه الأخيرة لا يمكن أن تكون ضمن واجبات الدولة الدولة، فلا أحد يستطيع منع الدولة من أن تتخذ قرار تشييد مائتي أو ثلاثمائة من الشاشات السينمائية عبر المغرب، لكنها ستصير حينذاك من يسير القاعات، ومن يتحكم في سيرورة الأفلام، وسيصبح المغرب حينها شبيها بالاتحاد السوفياتي سنوات الستينات، أن تتكلف الدولة بكل شيء، سيؤدي حتما إلى منع الكثير من الأفلام من العرض على الشاشات إذا جاءت بما لا يتماشى وخطوطها الرسمية، وهو ما لن يقع فيه القطاع الخاص الذي سيفكر في الاستفادة من كل الأفلام لتحقيق الربح.

أ لا ترى أن الدعم أصبح عاملا من عوامل فشل الصناعة السينمائية في المغرب، خاصة وأن جل المستفيدين من الدعم يشتغلون على الفيلم في حدود الميزانية الممنوحة له من الدولة، ما يحذو بهم إلى التخلي عن مبدعين سواء على المستوى الفني أو التقني؟
كما ذكرت سابقا، فإن السوق الداخلية إذا لم تتقو على المدى المتوسط، فسيكون لدينا بنية سينمائية عرجاء، السوي فيها هي قدم الانتاج، في ظل غياب القدم التي يمكن أن يستند عليها للمشي في السوق الداخلية. لكن هذا لا ينفي وجوب استمرار هذا الانتاج لأن قيمته الدولية أقوى بكثير من القيمة التي يمكن أن يجدها داخليا.
وكون المغرب حاضر في جميع المهرجانات العالمية وفي كل القارات، ودائما بأفلام جديدة منذ حوالي سبع سنوات، فهذا أمر ليس له ثمن. ذلك أن حضور التعبير الفني السينمائي المغربي في كل أقطار العالم مهم للمغرب كدولة. وإذا كانت الدولة تقدم ما تقدمه للسينما المغربية من دعم، فإن هذه الأخيرة ترد المقابل على المستوى العالمي، لذك يمكن اعتبار استثمار الدولة مقبول ورابح.
ولكن من جهة أخرى لا يمكننا الاكتفاء بوجود الفيلم المغربي خارجا، لهذا كما قلت سابقا انتقلنا إلى التفكير في السوق الداخلية. والمطلوب الآن، بعد أن ساهمت الدولة في الإنتاج، وبعد أن فتحت باب تشييد القاعات، أن تضمن للاستثمار الخاص في هذا المجال كل الحظوظ في أن يصير مربحا. حتى لا يخسر القطاع الخاص في حالة ما إذا لم تسر الأمور كما خطط له. وهذا ما تسير الدور الدولة في طريق لعبه، وما يؤكد ذلك الحوارات الجارية الآن ما بين المركز السينمائي والقطاع الخاص والوزارة الوصية التي تتبنى مشروع الدفع بالقطاع الخاص للاستثمار في تشييد المركبات السينمائية والشاشات.
ويجب أن نلفت الانتباه إلى أن تاريخ الانتاج في المغرب حديث العهد جدا، ولا يمكننا التعامل معه بالكيفية التي نتعامل بها مع الإنتاج في أمريكا أو أوربا مثلا، يعني أن شركات الإنتاج التي تحترم القواعد الحقيقية للانتاج قليلة جدا، والآن تتوسع شيئا فشيئا، لكن لم نصل بعد إلى الكثرة التي تضمن لنا بأن كل تسبيق يعطى لشركة معينة تضيف له هذه الشركة ما من شأنه أن يرتقي بالإنتاج ليكون أفضل.
وهنا أريد أن أشير إلى أن هذا الدعم الذي تحظى به هذه الأفلام، هو مصدر عيش عدد من الممثلين، والتقنيين، وغيرهم، ما يعني أن هذا الدعم يخدم النسيج الاقتصادي للبلاد. هذه الحركية مهمة جدا وإن لم تظهر في أول وهلة.

بخصوص الكتاب الأبيض، ألا ترى أن توصياته شملت نقدا ضمنيا لحصيلة عملك الطويل في المركز السينمائي، بانتقاده التوجه الكمي في الدعم السينمائي الذي كنت تراهن عليه للوصول إلى الجودة؟
أبدا، لست من ذلك النوع الذي لديه حساسية خاصة من كل ملاحظة توجه له ويعتبرها نقدا سلبيا. كل الملاحظات بالنسبة إلي مقبولة الإيجابي منها والسلبي، وآخذها كتكميل لعملي لا انتقاصا منها. لأن الخطة التي تبنيتها منذ البداية خطة سليمة أعطت نتائجها وستعطي نتائج أفضل مستقبلا.

ماذا بقي في نفسك من الطريقة التي غادرت بها القناة الثانية، وهل خلافاتك مع بنعبد الله أصبحت جزءا من الماضي؟
دوزيم كانت من المراحل المهمة في مساري المهني، وتربطني بها ذكريات جميلة جدا، وما حققناه في تلك الفترة كان جيدا، ومازالت القناة تستفيد منه. ولا تعليق لدي على ما حدث بعد رحيلي عن القناة الثانية، وأنا بطبعي أنظر أمامي وأحتفظ بالماضي في ذاكرتي، وهو حافزي للتطور نحو ما هو أقوى وأرفع.

نمر إلى الحدث، مهرجان مراكش الدولي الذي ينعقد نهاية هذا الشهر، ماذا يميزه هذه السنة؟
كون المهرجان يستمر بنفس المستوى، فهو أمر في حد ذاته جديد، لأن كثيرا من المهرجانات انطلقت مع مهرجان مراكش أو قبله أو بعده، بمستوى عال، لكنها تراجعت، بخلاف مهرجان مراكش الذي يحافظ على المستوى العالي الذي وصل إليه، بتقديمه الجديد، وذلك بمحفاظته على توازن ثلاثة أبعاد هي البعد التلقيني التنويري في السينما والبعد التشجيعي بالإضافة إلى بعد التباري.
وجديد المهرجان هذه السنة، الذي أوليناه أهمية كبرى هو دروس «الماستر كلاس»، والذي يتفرد به مهرجان مراكش، حيث استطاع تجميع خمسة أسماء عالمية وازنة ستلقي هذه الدروس تتمثل في كل من برونو ديم، مخرج وسيناريست من فرنسا، ودجيمس غراي، مخرج وسيناريست ومنتج أمريكي، وعباس كايروستامي، مخرج وسيناريست من إيران، ونيكولا ويندين ريفن، مخرج وسيناريست ومنتج من الدنمارك، والمفكر الفرنسي ريجيس دوبري.
كما أن مستوى أفلام هذه السنة غني جدا من حيث تنوعها وإخراحها، وإعادتها النظر في الكتابة السينمائية، فيها ما هو تقليدي محض.
ومستوى لجنة تحكيم أفلام المسابقة الرسمية جيد جدا، إذ يترأسها المخرج العالمي سكورسيزي. بالإضافة إلى لجنة أفلام المدارس التي يرأسها نور الدين لخماري وتضم عناصر مهمة جدا. ثم هناك لأول مرة تقديم المدشنين للسينما السكندنافية، وبينهم بركمان أكبر السينمائيين.

على ذكر سكورسيزي، ألا يمثل طابعا متكررا في المهرجان؟
هناك مهرجانات عالمية حلمها أن يكون سكورسيزي متكررا فيها، فهذه ميزة للمهرجان، كما كان الشأن مع الراحل يوسف شاهين، الذي كان يسألنا عن موعد المهرجان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.