لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين تصادق على مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    كأس إفريقيا .. صلاح يقود مصر للفوز على زيمبابوي في الوقت بدل الضائع    بلاغ مشترك توقيع اتفاقية إطار للشراكة والتعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومؤسسة أرشيف المغرب تهم حفظ الذاكرة القضائية    افتتاح كأس الأمم الإفريقية بالمغرب: حدث قاري يكشف خلفيات العداء السياسي    تراجع عن الاستقالة يُشعل الجدل داخل ليكسوس العرائش لكرة السلة... وضغوط في انتظار خرجة إعلامية حاسمة    ميسور: حملة واسعة لتوزيع المساعدات الإنسانية لفائدة الأسر بالمناطقة الأكثر هشاشة بجماعة سيدي بوطيب    ماذا تريد الدولة من اعتقال الأستاذة نزهة مجدي؟    بصعوبة.. مصر تفوز على زيمبابوي 2_1 في أول ظهور بالكان        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    نيويورك.. زهران ممداني يفاجئ مشجعي أسود الأطلس في مطعم مغربي    تحضيرات المنتخب المغربي تتواصل استعدادا لمباراة مالي    موندو ديبورتيفو تشيد بحفل افتتاح كان 2025 بالمغرب    حموشي يقرّ صرف منحة مالية استثنائية لفائدة جميع موظفي الأمن الوطني برسم سنة 2025        بركة: دراسة ترسي حماية جديدة لآسفي.. ونراجع المناطق المهددة بالفيضانات        الحسيمة.. حادثة سير خطيرة على الطريق الوطنية قرب بني عبد الله    نشرة انذارية جديدة تحذر من تساقطات ثلجية كثفة وامطار قوية    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    إقليم ميدلت.. تعبئة ميدانية للسلطات تنقذ خمس عائلات من الرحل حاصرتها الثلوج بجماعة أيت يحيى    في ندوة وطنية بأزمور لمختبر السرديات: الخطاب والمرجع في النقد المغربي    «لماذا يخطئ المثقفون» صامويل فيتوسي الانحياز الفكري والأخلاقي أمام امتحان الحقيقة    مجموعة «فوضى مورفي» للكاتبة خولة العلوي .. شغف ووعي ورغبة في كتابة نص مختلف    نبض بألوان الهوية المغربية والإفريقية: عرس كروي رفيع المستوى في افتتاح الكان        تصنيف فيفا .. المغرب يحافظ على المركز 11 عالميا    ختام السنة برياض السلطان تروبادور غيواني بادخ    يومية "آس" الرياضية الإسبانية: براهيم دياز.. قائد جديد لجيل واعد    انتقادات حقوقية لتراجع تصنيف المغرب في تنظيم الأدوية واللقاحات    تحقيق ل"رويترز": في سوريا الجديدة.. سجون الأسد تفتح من جديد بمعتقلين جدد وتعذيب وابتزاز    أزيلال .. القوات المسلحة الملكية تطلق خدمات المستشفى العسكري الميداني بجماعة آيت محمد    ريدوان يطلق أولى أغاني ألبوم كأس أمم إفريقيا "ACHKID"    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا مع توقع استمرار خفض الفائدة الأمريكية    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    رغم انخفاضها عالميا.. المحروقات بالمغرب تواصل الارتفاع والمستهلك يدفع الثمن    نهائيات كأس إفريقيا للأمم تعيد خلط أوراق العرض السينمائي بالمغرب        أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    ارتفاع أسعار النفط    انقلاب حافلة يودي بأرواح 16 شخصا في جزيرة إندونيسية    سعر الذهب يسجّل مستوى قياسيا جديدا    تفاصيل جديدة بشأن "مجزرة بونداي"    إعلام إسرائيلي أمريكي: نتنياهو يسعى لتفويض من ترامب لمهاجمة إيران    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    اغتيال جنرال روسي في انفجار قنبلة    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توفيق بوعشرين: شهيد عمره أطول من قاتله
نشر في اليوم 24 يوم 30 - 10 - 2015

50 سنة مرت على اختطاف الزعيم اليساري المهدي بنبركة.. خمسون ذكرى مرت لهذا الحدث الأليم. مر نصف قرن ولم تستطع دولتان، هما فرنسا والمغرب، توفير شهادة وفاة وقبر للزعيم. كم كان الجنرال دوغول حكيما وبعيد النظر عندما علق على اختطاف بنبركة من أمام مقهى ليب في باريس واغتياله بالقول: «هذه الجثة سيكون عمرها أطول من عمر قاتلها». ها نحن نشهد، بعد مضي نصف قرن، كيف أن عمر المهدي بنبركة كان أطول بكثير من عمر قتلته. ومن عمر كل من كان يظن أن اغتياله المادي سيعني اغتياله السياسي والرمزي والتاريخي.
الغربيون يقولون: «صوت الدم هو الأقوى دائما»، والمغاربة يقولون شيئا قريبا من هذه الحكمة: «الروح عزيزة عند الله». ملف المهدي بنبركة ظل مفتوحا لمدة 50 سنة لأن وراءه عائلة صغيرة وكبيرة آلت على نفسها أن تقاوم أعراض النسيان، وأن تتصدى للمجرمين، حتى وأن كانوا من عيار مجرمي دولة، وملف المهدي بنبركة بقي مفتوحا طوال هذا الزمن لأن الضمير الحقوقي العالمي في فرنسا والمغرب والعالم كله قاوم تقادم الجريمة بالكتاب والمقالة الصحافية والصور الفوتوغرافية والأفلام السينمائية والروايات والمذكرات والمرافعات في المحاكم… كل هذا الجهد السياسي والحقوقي والإبداعي ساهم في عدم تقييد الجريمة ضد مجهول، وساهم في مقاومة حكاية «سر الدولة» الذي يضحي بالبشر من أجل الحفاظ على مظاهر كاذبة لهيبة الدولة والمصالح المشتركة والجرائم المشتركة أيضا… المعجزة التي أدت إلى أن يظل هذا الملف مفتوحا طوال نصف قرن تستحق أن تروى للأجيال، وأن تسجل في كتب تاريخ النضال من أجل حقوق الإنسان ومكافحة الجريمة السياسية… لقد ضيع المغرب فرصة تاريخية لحل هذا الملف إبان تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة، وفي لحظة أخذ الملك الشاب قرارا بفك الارتباط مع الجزء الأسود من تركة والده، لكن، للأسف، لم تساعد أجهزة الدولة، ولم تسعف الجرأة الراحل بنزكري، ولم تنبعث روح الوفاء في نفوس اتحاديي الحكومة آنذاك، وها نحن مازلنا عالقين في جثة الشهيد.
هذه السنة الذكرى لها طعم خاص، ورقم ال50 يحرض الذاكرة على استرجاع شريط الأحداث، وكيف استُدرج الزعيم إلى باريس من قبل مخرج سينمائي مزور لكي يُختطف في واضحة النهار من قبل شرطييْن فرنسيين قادا مدرس الرياضيات إلى معتقل سري، حيث عُذب إلى أن مات على يد خليط غير متجانس من مخبرين ومجرمين من جنسيات كثيرة لحسابات مغربية بالتأكيد. يجب ألا ننسى أن المهدي قبل أن يُغتال في باريس تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة في المغرب، وبالضبط في بوزنيقة، ويجب ألا ننسى أن المهدي، وقبل تغييبه في باريس عاصمة الأنوار التي انطفأت تلك الليلة، كان قد حُكم عليه بالإعدام في المحاكم المغربية، ولا ننسى أن وزير الداخلية الدموي أوفقير أدين سنة 1966 من قبل القضاء الفرنسي في قضية المهدي، وأن الدولة في المغرب حمت الجنرال آنذاك ورفضت تسليمه إلى القضاء الفرنسي، بل وأدانت الحكم عليه علانية، وتركته على رأس أهم وزارة في المغرب، إلى أن نزل عليه العقاب الإلهي سنة 1972، بعد أن كان ضالعا في انقلاب الصخيرات ثم في انقلاب الطائرة.
المطالبة اليوم بقبر وشهادة وفاة واعتراف بالجريمة واعتذار للضحية وعائلته ليس من باب العناد الحقوقي، وليس من باب إحراج النظام في المغرب، وليس من باب تحميل المسؤولين الحاليين جرائم الآباء. أبدا، المطالبة بقبر وشهادة وفاة هو من باب إعلاء قيمة الحقيقة والإنصاف، ومن باب أن لكل جريمة عقابا، وأن لكل خطأ ثمنا، ولكل جثة قبرا، ولكل إنسان حقوقا وكرامة، وأن المعارضة السياسية ليست جريمة، وأن الاختلاف في الرأي لا يقود إلى القتل، وأن الصراع السياسي له قواعد وأخلاق وضوابط، وأن الدولة ليست غابة، والمسؤولين ليسوا كواسر…
الذين مازالوا يقبضون على ملف المهدي من عائلته ومن حزبه يفعلون ذلك من أجل مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا على هذه الأرض، والغرض هو إدانة الجريمة في العقول أولا، ثم من أجل تكبيل يد السلطة في بلاد لا تحد فيها سلطة من أخرى، وفي بلاد القضاء فيها قطة أليفة لا تتحرك إلا بإذن، ولا تنصرف إلا بإذن.. هل نسيتم كيف عرقل وزير العدل الاتحادي، محمد بوزوبع، مسطرة الإنابة القضائية، ورفض مساعدة القاضي، باتريك رامييل، في الاستماع إلى شهادة من بقي حيّا من شهود يعرفون شيئا عن جريمة اغتيال الزعيم الوطني.
هذا العام قرر الزعيم الاتحادي وشيخ الاشتراكيين المغاربة، عبد الرحمان اليوسفي، تخليد ذكرى رفيقه في الدرب، وأوقف صيامه عن السياسة والخوض فيها، وقرر أن يحيي ذكرى المهدي في الرباط تعبيرا عن الحاجة إلى إغلاق هذا الملف الذي طال، وتعبيرا عن الألم الذي يعتصر الاتحاديين في هذه اللحظة على مآل الفكرة والمشروع والذاكرة الاتحادية.. مآل حزين تجمع كله، بتفاصيله القديمة والجديدة، في تصريح ولد العروسية الذي وضعه إدريس لشكر على رأس لائحة الوردة في الانتخابات الأخيرة في مراكش، حيث قال: «لقد قدمت استقالتي من الاتحاد لأنه ماكاينش مع من». دون تعليق على هذه الحكمة «العروسية»، ومعذرة إلى اسم المهدي وتاريخه إذا جاء مقرونا هنا بأسماء دفع بها الزمن الرديء إلى الواجهة.. معذرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.