إن المغرب يحتاج إلى حكومة جادة ومسؤولة، غير أن الحكومة المقبلة لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية وتكوين أغلبية عددية. تحية وطنية صادقة وبعد
يشرفني أنا المواطن المغربي البسيط، الذي يتابع باهتمام نوعي ومسترسل مجريات المشهد السياسي الوطني والإقليمي، ويساهم كتابة قدر الإمكان في تنوير الرأي العام المغربي، وتوعيته بالمعنى الإيجابي والبناء للعمل السياسي، أن أرفع إليكم هذه الرسالة المتواضعة، على أمل أن يتسع صدركم ووقتكم للنظر إليها وربما لقراءتها! لقد عاش العالم العربي منذ 2011 انتفاضات شعبية عاصفة، واهتزت ساحات التحرير والتغيير، مطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد، وإقامة بدلا عن ذلك أنساق سياسية ديمقراطية بحصر المعنى، تضمن العدل والحرية والمساواة والعيش الكريم للشعوب العربية المغلوبة على أمرها، وتمكن شباب الأمة العربية في بلدان ما سمي بالربيع الديمقراطي من الإطاحة بزعماء، وإدراج قدر بالغ الأهمية من الفاعلية السياسية في البركة العربية الآسنة. *** لقد عرف المغرب بدوره انتفاضة شبابية سلمية تمثلت في حركة 20 فبراير، أعادت التذكير بأولوية العناية بمطالب الشعب بإقامة دولة مدنية ديمقراطية، تقطع مع مسلكيات سياسية متقادمة، وقد تفاعل العاهل المغربي الملك محمد السادس مع نبض الشارع بسرعة ومهنية غير مسبوقتين، عبر خطاب مفصلي (9 / 3 / 2011)، سطر فيه برنامجا متكاملا، تضمن أجندات محورية، أقلها الدعوة إلى تغيير الدستور، وإنشاء مؤسسات سياسية وحقوقية واقتصادية عالية الجودة، ونظمت انتخابات برلمانية ومحلية في جو حظي بقدر كبير من الشفافية والمصداقية والإحساس بالمسؤولية، مما أدى بغير قليل من الباحثين والمراقبين المغاربة والأجانب، منهم صاحب هذه السطور، إلى اعتبار التجربة المغربية استثناء عربيا في الوطن العربي الجريح، وبقية تفاصيل القصة معروفة! *** والآن، وبعد أن نال حزب العدالة والتنمية ثقة المواطنين المغاربة مرة أخرى، في الاستحقاقات التشريعية (7 / 10 / 2016)، وبعد أن كلف جلالة الملك عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة طبقا لمنطوق الدستور، اعتقدنا خطأ أن المهمة ستكون هينة، وأننا مقبلون على مرحلة مواصلة الإصلاح وأجرأة الأهداف العليا للوطن، بيد أننا مازلنا لحد الآن نتواصل بالبلاغات، ونحتكم إلى التصريحات غير المجدية والرامية إلى "إرضاء رغبات أحزاب سياسية"، في تناقض صارخ مع مضمون الخطاب الملكي بداكار! *** السيد عزيز كنت أمني النفس أنا المواطن المغربي السابح في دنيا الخيال، أن الحكومة المقبلة سوف "تخدم المصالح العليا للوطن على أساس أغلبية قوية ومتماسكة"، وتجتمع على "برنامج واضح وأولويات محددة للقضايا الداخلية والخارجية"، لا بل إنني اعتقدت اعتقادا أن مثل هذه المرامي النبيلة يمكن أن ترى النور بإشراف الرباعية الحزبية المتمثلة في العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والتجمع الوطني للأحرار، وكفى الله المسلمين القتال! على أن يشكل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاشتراكي الموحد معارضة يسارية بناءة وهادفة، فمازال في الأرض متسع لمبادئ يسارية نبيلة، ويبقى المجال مشرعا لتحالف "اليمين"، ممثلا في الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري. *** كفى من هذه الانتظارية المخيفة، والمناكفات غير المقبولة والدوران في الحلقة المفرغة، فالشعب المغربي سئم من السياسة والسياسيين، ويقيننا أن يوما واحدا نضيعه في الثرثرة حول تشكيل الحكومة، هو عمر من حياة الأمة المغربية، التي تنتظرها تحديات سياسية واقتصادية بالغة الأهمية.
وختاما، لك مني السيد عزيز أزكى التحيات وأطيب الأمنيات!