الهندسة الجديدة لحزب التجمع الوطني للأحرار لم تأت بشيء مهم. فبالرغم من تعهدات رئيسه، عزيز أخنوش، بإجراء هيكلة حديثة للحزب، إلا أن الخطة التي عرضها أول أمس، لم تكن تختلف عن تلك التي حاول سلفه، صلاح الدين مزوار تطبيقها وفشل في فعل ذلك. ويرى بعض التجمعيين بأن الهندسة الجديدة قد تبقى فقط، "حبرا على ورق" بسبب المقاومة الشديدة لكبار الحزب الذين لديهم سلطة كبيرة في فروعهم. ولم يجر أخنوش أي تعديل على الصلاحيات المركزية الواسعة التي يمنحها القانون الأساسي لرئيس الحزب والهيئات المركزية، بل وزاد في تعزيزها. تاركا هامشا محدودا للفروع في التسيير تحت الإشراف المباشر للمسؤولين الذين سيعينهم بنفسه، والذين بدورهم سيشرف على أعمالهم طاقم من الإدارة المركزية. وسيصبح للإدارة المركزية أدوار أكبر في الهندسة الجديدة، وهذه كانت خطة مزوار عام 2010، عندما عين جعفر هيكل في منصب المدير العام للحزب، لكن سرعان ما استقال من منصبه بسبب "ضغوط كبار التجمعيين الذين يرون في ذلك هجوما على مصالحهم". الهيكلة التي يطرحها عزز أخنوش، رئيس الحزب، على جميع الهياكل، إذ هو من يُعين المنسقين الجهويين والمنسقين الإقليميين، هي "خاصية للحزب على الدوام"، كما يقول قيادي بالحزب، ومزوار نفسه حاول التخفيف من قيود التعيين هذه، واقترح أن يندرج التعيين ضمن "عقد برنامج"، لكنه لم يستطع فرضه كما كان يأمل، وبقيت النتائج محدودة. وعاد أخنوش في مشروع الهندسة الجديد، ليطرح صيغة "العقد البرنامج" في تعيين المنسقين الإقليميين والجهويين كما فعل مزوار. وكان طموح هذا الأخير منذ عام 2012 أن يصل إلى تعبئة 200 ألف من المنخرطين، بواسطة هذه العقود البرنامجية، وفي نهاية المطاف لم يتجاوز العدد الإجمالي للمنخرطين أكثر من 30 ألف منخرط بحسب مصدر في الإدارة المركزية للحزب. الهندسة الجديدة التي يسعى أخنوش إلى إقرارها تتضمن، أيضا، نقطة مثيرة للجدل داخل الحزب، إذ تتعلق بتقليص عدد أعضاء المجلس الوطني إلى 200 عضو بدل ال800 في الوقت الحالي. وهذه النقطة كان مزوار قد تعهد بإقرارها عام 2010 عندما أعلن عن تقليص عدد أعضاء المجلس الوطني إلى 400 عضو، لكنه لقي مقاومة شديدة، وتراجع عن فعل ذلك بدعوى أن "الكثير من التجمعيين سيجدون أنفسهم خارج هيئات التقرير المركزية". أخنوش يريد، كذلك، من المجلس الوطني أن ينتخب "جزءا" فقط، من أعضاء المكتب السياسي للحزب، بعدما كان ينتخب جميع أعضائه، ثم ينضاف إليهم أعضاء بالصفة مثل الوزراء ورؤساء التنظيمات الموازية. ولم تحدد الصيغة الجديدة لهندسة هياكل الحزب من سينتخب الجزء الآخر، وما إن كان الأعضاء المضافون سيقترحهم رئيس الحزب نفسه لتشكيل طاقمه خارج سلطة المجلس الوطني. بيد أن مصدرا قريبا من أخنوش قال: "إن تفاصيل تشكيل المكتب السياسي ستُدقق لاحقا". لكن أكبر المخاوف لدى قادة الحزب تبرز في سعي أخنوش إلى تفعيل مجلس الحكماء، فقد أعلن عن أن هذا المجلس سيحقق هدف استثمار الرصيد الذي لدى أعمدة الحزب والأشخاص ذوي التجربة والتمرس الميداني الذين راكموا خبرة مهمة على امتداد سنوات من العمل". وكانت هيئة مجلس الحكماء ضمن القانون الأساسي للحزب طيلة تاريخه، لكن لم يجر تفعيلها أبدا، لأن قادة الحزب عارضوها باستمرار مخافة جعلها وسيلة لإحالتهم على التقاعد السياسي. ويقول قيادي بالحزب: "إن أخنوش يريد طاقما يشبهه في المكتب السياسي، ويرغب بالتالي في التخلص من بعض الوجوه في القيادة عبر إحالتها على مجلس الحكماء الذين لن يكون لديهم سوى دور ثانوي وشكلي". لكن القليلين فقط، من يتوقعون أن ينجح أخنوش في فرض مجلس للحكماء بالصيغة التي يريدها. "مجلس الحكماء سيتحول إلى مجمع للذين سيفشلون في الحصول على مقعد في المكتب السياسي، وسيكون نوعا من الترضية فقط، لأن القادة التاريخيين للحزب دأبوا على الانكماش على أنفسهم بعد مغادرة مناصبهم السياسية". وكان مزوار لمح مرارا في بعض دورات المجلس الوطني، بتفعيل مجلس الحكماء، لكنه لم ير النور بتاتا. ويقول عضو بالمكتب السياسي للحزب ل"أخبار اليوم" إن أخنوش لم يغير المحددات الأساسية في الهندسة التي كان ينوي مزوار تطبيقها وفشل في ذلك. وستكون معركة أخنوش هي إقناع المؤتمر الوطني باعتماد التعديلات الجديدة، لكن "من المؤكد أن المتضررين سيكونون كثرا"، بالرغم من صعوبة "تحديد حجم المقاومة التي ستعترضه في إقرار هذه الهندسة".