أخنوش: 340 ألف أرملة بدون أطفال تستفيد لأول مرة من الدعم المباشر    حزب "زوما" الجنوب إفريقي يدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي ويعتبره ضامناً لسيادة المغرب على الصحراء    رصيف الصحافة: الموسيقى الصاخبة تكشف تحول مقهى الى مرقص ليلي    توقيف شاب مشتبه به في قضية اعتداء خطير بحي العرعر بطنجة    عيد العرش: رؤية ملكية رائدة من أجل مغرب متقدم ومزدهر    إطلاق تجربة نموذجية لصيد الأخطبوط بالغراف الطيني دعما للصيد البحري المستدام والمسؤول    وزارة: برنامج "GO سياحة" يذلل العقبات أمام المقاولين في القطاع السياحي    ميناء طنجة المتوسط يعلن عن استثمار ضخم بقيمة 5 مليارات درهم لتوسعة محطة الشاحنات    الأمم المتحدة…الضفة الغربية تشهد أكبر نزوح منذ 1967    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    وسط إشادة المؤسسات المالية الدولية.. أخنوش يعبر عن فخره بوضعية الاقتصاد الوطني وتدبير المالية العمومية        وفد من منظمة التحرير الفلسطينية يزور وكالة بيت مال القدس الشريف بالرباط    الاجتماع الوزاري الخامس الاتحاد الأوروبي- جوار جنوب .. بوريطة يؤكد على ضرورة تحويل الشراكة الأورو-متوسطية إلى تحالف استراتيجي حقيقي    صحيفة كندية: الداخلة، «ملتقى طرق» يربط بين فضاء البحر المتوسط ومنطقة جنوب الصحراء    فقدان السيطرة على حافلة يتسبب في مصرع سيدة وجرح آخرين قرب محطة باب دكالة بمراكش    الوزيرة السغروشني: الحكامة الرقمية رافعة لإدارة عمومية شفافة وفعالة في إفريقيا    "طقوس الحظ" إصدار جديد للكاتب رشيد الصويلحي"    "الشرفة الأطلسية: ذاكرة مدينة تُباد باسم التنمية": فقدان شبه تام لهوية المكان وروحه الجمالية    مورسيا تحقق في "جرائم الكراهية"    أخنوش يستعرض بالبرلمان خطة الإنعاش الاقتصادي والإصلاح في ظل "الإرث الصعب"    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    وفاة معتصم "شاطو" أولاد يوسف بعد قفزه من خزان مياه واحتجازه عنصرًا من الوقاية المدنية    إحداث "مؤسسة المغرب 2030" يوحد الأغلبية والمعارضة في مجلس النواب    تنظيم حفل بمناسبة انتهاء مدة الخدمة العسكرية للفوج ال39 من المجندات والمجندين بالقاعدة الأولى للبحرية الملكية بالدار البيضاء    إسرائيل تشن غارات في سوريا بدعوى "حماية الدروز" من القوات الحكومية    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    وزارة الفلاحة تدافع عن جمعية مربي الأغنام والماعز وتؤكد أن حساباتها تُدقَّق سنويا    تضامن واسع مع الإخوة الشبلي بعد حبسهما بسبب مطالبتهما بكشف ملابسات وفاة أخيهما    لامين جمال يثير تفاعلاً واسعاً بسبب استعانته ب"فنانين قصار القامة" في حفل عيد ميلاده    حكيمي يختتم الموسم بتدوينة مؤثرة    وفاة أكبر عداء ماراثون في العالم عن عمر يناهز 114 عاما    موجة حرّ شديدة وأجواء غير مستقرة بعدد من مناطق المملكة    تقارير أرجنتينية.. المغرب وقطر والبرازيل في سباق محتدم لتنظيم كأس العالم للأندية 2029    بورصة البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    قارئ شفاه يكشف ما قاله لاعب تشيلسي عن ترامب أثناء التتويج    "فيفا": الخسارة في نهائي مونديال الأندية لن يحول دون زيادة شعبية سان جيرمان    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    فرانكو ماستانتونو: مكالمة ألونسو حفزتني.. ولا أهتم بالكرة الذهبية    إسبانيا: توقيف عشرة أشخاص إثر اشتباكات بين متطرفين يمينيين ومهاجرين من شمال أفريقيا    كيوسك الثلاثاء | توجه جديد لتقنين استعمال الهواتف داخل المؤسسات التعليمية    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يحتضن دورة تكوينية لفائدة وفد فلسطيني رفيع لتعزيز الترافع الحقوقي والدولي    اليونسكو تُدرج "مقابر شيشيا" الإمبراطورية ضمن قائمة التراث العالمي... الصين تواصل ترسيخ إرثها الحضاري    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي        الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    لأول مرة.. دراسة تكشف تسلل البلاستيك إلى مبايض النساء    وفاة مؤثرة مغربية بعد مضاعفات جراحة في تركيا تشعل جدلا حول سلامة عمليات التخسيس    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخالفات شرعية في مشروع القانون الجنائي المغربي
بقلم: محمد بولوز

مساهمة في النقاش الجاري حول مشروع القانون الجنائي المغربي، والذي وضعته وزارة العدل والحريات على موقعها الالكتروني، أحب الإشارة في هذه المقالة إلى جملة من المخالفات الشرعية، لننتبه أننا ما زلنا في حظيرة ما تركه لنا الاستعمار من القوانين بعد ستين سنة من الاستقلال، وأننا لم نتحرر بعد في هذا المجال، وأننا نعاني ازدواجية غريبة بين شعار المملكة ودستورها الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة وبين قطاعات عريضة في مؤسسات الدولة بما فيها وزارة العدل والحريات وبعض القوانين الجاري بها العمل في محاكمنا والتي تخالف صراحة الكتاب والسنة واجماع الأمة واجتهاد أئمتها كمالك رحمه الله وغيره من الأئمة الأعلام، وهذه بعض المجالات الواضحة في مخالفتها للشرع الحكيم:
عقوبة القتل:
جاء في المادة 392 من مشروع القانون الجنائي: "يعاقب بالسجن المؤبد، كل من تسبب عمدا في قتل غيره. وكذا في مادة 398 يعاقب بالسجن من عشرين الى ثلاثين سنة و غرامة من200000 الى 2000000 درهم، كل من ألقى بمواد سامة أو خطيرة على الصحة العامة أو لها تأثير خطير على سلامة الصحة العمومية في المياه المخصصة لالستهلاك أو للسقي.ترفع العقوبة الى السجن المؤبد، اذا أدت هذه الجرائم الى الوفاة أو الإصابة بعاهة مستديمة".
والحال أن الواجب هو القصاص أي الإعدام، و هناك غياب مبدأ عفو المجني عليه أو عصبته وغياب الدية، مع ضعف العقوبة المالية والتي لا يستفيد منها أصلا المجني عليه، فمثلا في المادة 402 "يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وغرامة من 10000 درهم إلى 50000 درهم إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل العنف أو الإيذاء قد نتج عنه فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى"
في حين نجد في الشريعة الإسلامية أن بعض الأعضاء المفقودة تستحق دية كاملة وهي قيمة مائة من الإبل، جاء في الموسوعة الفقهية: "تجب الدية الكاملة في إذهاب قوة السمع أو قوة البصر إذا ذهبت المنفعة بتمامها, عند جميع الفقهاء، ولو أذهب البصر من إحدى العينين أو السمع من إحدى الأذنين ففيه نصف الدية، أما لو أذهب بعض البصر أو بعض السمع من إحدى العينين أو الأذنين أو كليهما, فعليه الدية بحساب ما ذهب إن كان منضبطا, كما يقول المالكية والشافعية, وقال الحنابلة: في نقصان السمع أو البصر حكومة مطلقا". اه.
السكر العلني:
جاء بخصوص السكر العلني في المادة 1-286 :"يعاقب بالحبس من شهر واحد الى ثلاثة أشهر و غرامة من 2000 الى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص ضبط في حالة سكر علني بين، في الازقة أو الطرق أو في أماكن أخرى عمومية، وتسبب في احداث الضوضاء أو الفوضى أو مضايقة العموم."
وأما في الشريعة الإسلامية فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل قد شرب الخمر فضربه أربعين، ولم تقرن عقوبة الشارب بإحداث فوضى أو مضايقة الناس، وإنما مجرد ثبوت السكر، ففي صحيح مسلم أن علياً رضي الله عنه أمر عبد الله بن جعفر أن يجلد الوليد بن عقبة فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك ثم قال جلد، النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانيين، وكل سنة وهذا أحب إلي". وفي مسلم أيضاً عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين.‏ واتفق الفقهاء بمن فيهم المالكية على وجوب حد شارب الخمر، وليس السجن أو الغرامة المالية، والشريعة هنا أرحم لأنها تكتفي بمعاقبة الجاني فقط بينما عقوبة السجن والمال تمس الأسرة أيضا وهي لم يرتكب أعضاؤها ذنبا و مع ذلك يعاقبون، وتمس عقوبة السجن المال العام بما ينفق على السجن والسجناء.
عقوبة الزنا:
جاء في المادة 484 :"يعاقب بالسجن من خمس الى عشر سنوات و غرامة من20000 الى 200000 درهم، من هتك بدون عنف أو حاول هتك عرض قاصر أو عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية.اذا ارتكبت هذه الجرائم باستعمال العنف، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر الى عشرين سنة و غرامة من 50.000 الى500.000 درهم."
وحكم الشرع واضح: جلد مائة وتغريب عام لغير المحصن سواء كان لقاصر في حكم القانون(بالغ في عرف الشرع) أو غيره ممن هم فوق الثمانية عشر سنة، لقوله تعالى في سورة النور:"الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)"والآية واضحة بينة لا مجال لتأويلها، ومائة هي مائة وليست خمسين أو تسعة وتسعين، أو خمس سنوات أو عشر.
وحكم المحصن: الإعدام، فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر: إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف."
وأما مع استخدام الزاني العنف على ضحيته فحكمه من باب أولى الإعدام أيضا، وقد بوَّب عبد الرزاق في مصنفه بابا في المستكرهة، أسند فيه عن حجاج أن حبشيا استكره امرأة منهم, فأقام عليه عمر بن عبد العزيز الحد، وأمكنها من رقبته.
وهذا كله إن وقعت الجريمة على وجه المخادعة والإسرار، وأما إن كانت على سبيل المكابرة والمجاهرة والمغالبة، فهذا يقام عليه حد الحرابة المذكور في قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 33].
قال ابن العربي المالكي يحكي عن وقت قضائه: رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج! فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج. اه.
وأما بخصوص الراشدين ممن يزنون بإرادتهم فالعقوبة في مشروع قانوننا الجنائي مخففة جدا، وهم في الشرع يستحقون الإعدام إذا كانوا محصنين أو جلد مائة وتغريب عام إذا كانوا غير ذلك، كما سبق بيانه، فقد جاء في المادة 490 :"كل اتصال جنسي غير شرعي بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية، تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد الى ثلاثة أشهر و غرامة من 2000 الى 20000 درهم أو احدى هاتين العقوبتين. يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى سنتين و غرامة من 2000 الى 20000 در هم اذا ارتكبت هذه الجريمة بمقابل كيفما كان نوعه.
اذا كان أحد مرتكبي الجريمة قاصرا دون الثامنة عشر من عمره تطبق على الراشد مقتضيات المادة 724 من هذا القانون."
وهي كما ترى أخف بكثير من عقوبة التحرش الجنسي والتي قد تصل إلى ثلاث سنوات و50000 غرامة مالية(انظر مادة 1-503) والعجيب الغريب أن لا تعتبر العفة من الحق العام، وأن الخيانة الزوجية تسقط فيها المتابعة إلا إذا كانت هناك شكاية من أحد الزوجين أو كان أحد الزوجين خارج تراب المملكة، وبمجرد تنازل المشتكي تسقط المتابعة للزوج (انظر المادة492)
والأعجب والأغرب أن يعاقب من يعرقل مساعدة أهل البغاء فقد جاء في مادة 498 "يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 50000 إلى 1000000درهم، كل من ارتكب عمدا أحد الأفعال الآتية:وذكر منها:"عرقل أعمال الوقاية أو المراقبة أو المساعدة أو إعادة التربية التي تقوم بها القطاعات أو الهيات أو المنظمات المؤهلة لذلك ،تجاه أشخاص يمارسون البغاء أو الدعارة أو معرضين لتلك الممارسة."
وجاء في مشروع القانون الجنائي حكم المختطف المعتدي جنسيا، وهو بحسب المادة 438 يعاقب بالسجن المؤبد، وفي الشريعة حكمه الإعدام وخصوصا إذا كان
محصنا.
الاغتصابا جاء عاما بحيث يشمل في منطوقه حتى الأزواج:
جاء في المادة 486 :"الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون ر ضاها، ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وغرامة من 10.000 الى100000 درهم." ولم يقع أي استثناء لحال الزوجين إذا حدث ووقع أن تحركت شهوة الزوج فواقع زوجته بغير رضاها، فهل مصيره هذه العقوبات؟
عقوبة القذف:
بخصوص القذف جاء في المادة 444 :"يعاقب على القذف أو السب العلني المرتكب في حق الأشخاص، بالحبس من شهر واحد الى ستة أشهر و غرامة من 2000 الى200000 در هم أو بإحدى هاتين العقوبتين. اذا ارتكب القذف أو السب العلني ضد امرأة بسبب جنسها، تكون العقوبة الحبس من شهر واحد الى سنتين والغرامة من2.000 الى 200000 درهم."
فيتناول القذف مختلف أشكاله بما فيها الاتهام بالزنا، ويلاحظ بشكل جلي مخالفة الحكم للنص الشرعي الواضح في الموضوع وهو قول الله تعالى:"وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) سورة النور.قال القرطبي المالكي في تفسيره"قوله تعالى: { فَ0جْلِدُوهُمْ } الجلد الضرب" وقال الزمخشري في تفسير الآية:"وأشدّ الضرب ضرب التعزير، ثم ضرب الزنا، ثم ضرب شرب الخمر، ثم ضرب القاذف. قالوا: لأنّ سبب عقوبته محتمل للصدق والكذب، إلاّ أنه عوقب صيانة للأعراض وردعاً عن هتكها. "
عقوبة ضرب الزوجة:
ففي المادة 404: "يعاقب كل من ارتكب عمدا ضربا أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء ضد زوج بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين سواء لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية أو نتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته واحد وعشرون يوما" فهذا يشمل حتى الضرب الخفيف غير المبرح والذي لا يترك جرحا ولا أثرا والذي قد يضطر إليه بعض الأزواج في حال النشوز دفعا لما هو أشد منه كالطلاق، فإن كان لا يضرب خيار الناس ولكن التأديب في حدود معقولة مأذون به في الشرع كما قال تعالى:"وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)النساء.
وما يقال في الزوجة، يقال أيضا فيما ورد في نفس المادة يهم كل "شخص له ولاية أو سلطة عليه أو مكلف برعايته"من الإبن والتيم يرعاه ونحو ذلك، وقد يضرب الأب أو الأم ولديهما ضربا غير مبرح تربية وتأديبا وإن كان ينصح بتجنب الضرب ولكنه واقع عند الكثيرين لا محالة.
عقوبة السرقة:
بخصوص السرقة، جاء في المادة 505 :من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير يعد سارقا، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 2000 إلى 200000 درهم." وفيه مخالفة صريحة لقوله تعالى:"وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)سورة المائدة. قال القرطبي في أحكامه:"قال مالك: تُقطَع اليد في ربع دينار أو في ثلاثة دراهم، فإن سرق درهمين وهو ربع دينار لانحطاط الصرف لم تقطع يده فيهما. والعُروضُ لا تقطع فيها إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم قَلّ الصرفُ أو كَثُر"
فإذا كان السارق مكلفا وأخذ مال غيره خفية بالغا نصاب السرقة (ثلاث دراهم زمن النبوة) من حرز وثبت عليه ذلك ببينة أو اعتراف وجب فيه القطع، وأما إذا كانت سرقة تحت تهديد السلاح فحكمها في الشرع حد الحرابة، وليس السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة وغرامة من 5000 إلى 50000 كما في المادة 507، قال تعالى:"إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)المائدة.
قال القرطبي في أحكامه حكاية عن طائفة من العلماء:"يقام عليه بقدر فعله؛ فمن أخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خِلاف، وإن أَخَذ المال وقَتَل قُطعت يده ورجله ثم صُلب، فإذا قَتَل ولم يأخذ المال قُتِل، وإن هو لم يأخذ المال ولم يَقتل نُفِي" والسرقة في شريعتنا من الحق العام الذي لا تسقط فيه المتابعة ولو تنازل المعني بالمسروق، عكس ما جاء في المادة 523 والتي تضع حدا للمتابعة بمجرد تنازل المتضرر،
وأما في الشرع، فقد روى النسائي وغيره أن صفوان بن أمية نام في المسجد فوضع رداء له تحت رأسه فأتاه لص فاستله من تحت رأسه فأخذه فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذا سرق ردائي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسرقت رداء هذا؟ قال: نعم، قال اذهبوا به فاقطعوا يده، قال صفوان: ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي، فقال له- صلى الله عليه وسلم- فلو ما قبل هذا."صححه الألباني،فلم ينفع صفوان تنازله عن المطالبة بتنفيذ حد السرقة بعد أن رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ممثل السلطة يومها.
فهذا شرع الله في حفظ النفوس والعقول والأعراض والأموال، فأين أنتم يا من نصصتم في الدستور في الفصل الثالث وغيره:"الإسلام دين الدولة" أما يجب لقانوننا الجنائي أن يخضع لدين الدولة؟ ويا من يزعمون أن مذهب مالك هو مذهبنا، أما يجب لقوانيننا الجنائية وغيرها أن تحترم مذهبنا وتسير في ركاب اجتهاد علمائنا؟
ثم بقيت تساؤلات كثيرة على هذا المشروع بخصوص مخالفات في نظر الشرع لم يتم اعتبارها كذلك في القانون:حيث لم يجرم شرب الخمر في ذاته ولا المتاجرة فيه ولا تصنيعه ووقع تراجع واضح عن القانون الحالي الذي يتحدث على الأقل على منع بيعه للمسلمين، فلم تخصص للخمر بنود كما هو الحال في المخدرات، إلا ما كان من حديث عن السكر العلني مقرونا بالفوضى ومضايقة الآخرين والحال أن الخمر هو الأصل المنصوص في الشرع وهو أم الخبائث والمصائب الكثيرة، وما المخدرات التي احتفى بها القانون سوى فرع يقاس على ذلك الأصل.
كما لم يتم الحديث عن تجريم الربا، ونصه واضح بين في الشرع، بل لم تعلن الحرب من الله ورسوله على آفة من الآفات كما فعل مع الربا؟ إنها أسئلة للتأمل، وليس للإحراج، لندرك أننا لا زلنا بعيدين عن الاستقلال الحقيقي عما ورثناه من فرنسا، وأننا بحاجة إلى قوانين تشبهنا ونابعة من ديننا وهويتنا وأصالتنا وقيم حضارتنا، فالأمر دين ومن كان متدينا على الحقيقة تهزه آيات ربه من مثل: قوله تعالى في سورة المائدة: "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وقوله: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وقوله: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)
أو قوله تعالى في سورة الأحزاب:"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا (36)"ويتمنى المومن حقا بدينه أن يكون ممن قال فيهم ربهم:"إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " وإنا منتظرون صحوة أهل التشريع فينا بمختلف مستوياتهم أن يتقوا الله فيما يفعلون فإنهم على خطر عظيم بينهم وبين خالقهم قبل أن يكون بينهم وبين وطنهم وأمتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.