مارس من سنة 2003، اختار مراد الدرقاوي، وهو شاب من مواليد سنة 1975 بمدينة زايواقليمالناظور، مصاحبة صديقه جمال الجزائري نحو الجارة الشرقية، بطريقة غير شرعية، لكنها كانت رائجة بشكل واسع آنذاك. حَلَّ الظلام فاخترق الاثنان الأسلاك الفاصلة، باتفاق مع عسكر الحدود الجزائريين، فتوجها صوب مدينة بني صاف، ليبيتا هناك ليلة واحدة، قبل أن يشدا الرحال نحو عاصمة الغرب الجزائريوهران. أقام مراد وصديقه جمال لدى صديق آخر بوهران، وخلال الأسبوع الأول من مقامهما هناك، ركب سيارة الصديق الجزائري قصد التوجه نحو منطقة سيدي بونيف، حيث يقطن أحد التجار المعروفين ببيع الخيط الطبي. كان ابن الناظور ينوي اقتناء كمية من الخيط الطبي قصد استقدامها إلى المغرب، لكن حصل ما لم يكن في الحسبان، ليتحول مقام مراد في الجزائر إلى جحيم. في الطريق إلى سيدي بونيف استوقف الدرك الوطني الجزائري مراد وصديقه اللذان كانا على متن سيارة الثاني، فطلبا منهما بطاقة التعريف. طبعا ليس لدى مراد ما يدلي به، ولسوء حظه اِلتقى بدركي لا يجيد لغة التفاهم، ليتم اعتقال ابن زايو، وبعد يومين داخل مخفر درك وهران، تمت إحالته على السجن، حيث يتابع في حال اعتقال. خلال أولى الجلسات تفاجأ مراد أن تقديمه جرى بمعية كمية من الحشيش، حيث تم تلفيق تهمة جلب المخدرات إلى الجزائر. حاول مراد الدفاع عن نفسه لكن دون جدوى، وحتى شهادة صديقه جمال وشخصين جزائريين آخرين لم تنفع، ليتم تأكيد المنسوب لمراد. نطق القاضي بالحكم بعد أربعة أشهر من الاعتقال، فقرر معاقبة مراد ب14 سنة سجنا نافذة، ليدرك مراد أنه سقط ضحية عداء جزائري لكل ما هو مغربي. مرض مراد داخل السجن وتضاعف حجم الألم حين رأى نفسه مظلوما، لكن ليس لديه ما يقوم به، فاستسلم منتظرا انقضاء 14 سنة. بعد مدة اندمج مراد في حياة سجناء سجن وهران، وصار معروفا بينهم ب"المروكي"، وَكَوَّنَ هناك صداقات، سواء مع السجناء أو مع أطر وحراس السجن. خلال فبراير من سنة 2004، زارت لجنة تقنية سجن وهران، ووضعت تقريرا توصي فيه بضرورة إخراج السجناء من إحدى القاعات، والتي كن يتواجد بها ابن زايو، بدعوى أنها آيلة للسقوط. خرج مراد إلى قاعة مجاورة، لكن قبل ذلك تم وضعهم في ساحة كبيرة داخل السجن، تحت مراقبة الحراس، قبل أن يتم تجهيز القاعة لاستقبال أكبر عدد ممكن من السجناء. فَطِنَ مراد إلى وجود منفذ صغير في إحدى زوايا السجن، فرأى فيه خيط الأمل الذي سوف يتشبث به للهروب من ظلم الأشقاء الجزائريين. تمعن مراد جيدا في المنفد، ورأى فيه إمكانية الهروب، حتى ولو كلفه الأمر إصابة نفسه، بل حتى وإن لم يكن متأكدا من نجاح خطته. المهم المحاولة. جاوزت الساعة وقت المغرب، وحل الظلام، ولا زال القيمون على السجن يجهزون القاعة، فانسَلَّ مراد نحو الثقب الذي لا يتعدى قطره 30 سنتيمترا، وفي لحظة قَدَّمَ رجليْه لفدخل الثقب. استطاع مراد النفاد نحو الخارج، وقد كلفه ذلك جروحا على مستوى الرجلين واليدين. لكن الهدف أسمى من كل عذاب ومشقة. هرب مراد محاولا عدم إثارة انتباه أي أحد، ليتوجه صوب مخدع هاتفي، فربط الاتصال بصديقه جمال، ولحسن حظه كان حافظا لرقم الصديق الجزائري. تفاجأ جمال حتى أنه لم يصدق، لكنه في لحظة خرج بسيارته مسرعا صوب مراد، ليركب الأخير السيارة، والخوف يتملك الاثنين من أن يتم افتضاح أمرهما. لم يجد جمال أفضل من أخذ مراد نحو الحدود المغربية، حتى يفر إلى بلده، ولا يكون عرضة لأي انتقام جزائري شديد. اختار جمال شق طرق غير رئيسية صوب الحدود، ليجد نفسه بمنطقة "باب العسة" القريبة من أحفير، وقد كان الوقت قريبا من الضحى. واصل الصديقان المسار ليعبر مراد بسهولة صوب أحفير، ليتم إلقاء القبض عليه من طرف شرطة أحفير، لكن بالنسبة لمراد فالأمر لا يدعو للقلق، لأنه اجتاز الامتحان العسير وهو الفرار من السجن ومن الجزائر. تم التأكد من هوية مراد ليجري إطلاق سراحه في الصباح بعد عرضه على وكيل الملك، ليعود إلى أسرته في زايو، حيث أُغمي على والدته بعدما رأته، قبل أن تستفيق لتعانقه وتحمد الله أن أعاد إليها فلذة كبدها. هاجر مراد بعد ذلك بسنتين نحو ألمانيا، حيث تزوج هناك، ولا زال يُقيم بهذا البلد الأوروبي إلى اليوم. ومن حسن الصدف أن هاجر الجزائري جمال بدوره صوب أوروبا، حيث لا زالا يلتقيان إلى يومنا هذا، وكلما اجتمعا إلا وتذكرا مغامرة سجن وهران.