تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    أخنوش: تنمية الصحراء المغربية تجسد السيادة وترسخ الإنصاف المجالي    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأطر التقنية داخل الإدارة القضائية بين الواقع والآفاق
نشر في أريفينو يوم 14 - 05 - 2019

عرفت الإدارة المغربية نوعا من الفتور في إحداث التطور الإداري، فقد مزجت بين عدة اختلالات في مناحي كثيرة (قانونية،مسطرية،مالية،بشرية،سلوكية،ثقافية)،واتسمت بطابعها التقليدي في الهيكلة، شكلت ولاتزال عائقا في عملية التنمية.
ومن هنا توالت دعوات إصلاح الإدارة، حيث شكل المغرب سنة 1981 لجنة وطنية للإصلاح أفرزت إشكاليات كبيرة في عمل الإدارة وبات من الضروري في خضم التحولات الكبرى التي تشهدها الدولة تبني منظور جديد، مما فرضت إصلاحات مهمة طالت مختلف المجالات الإدارية والاقتصادية والسياسية.
وعلى هذا الأساس أخذ المغرب باللامركزية كخيار استراتيجي يتطابق مع المعايير المعمول بها دوليا من أجل تكريس الديمقراطية وتحقيق التنمية بكل أبعادها، ولعل التطورات التي عرفها العالم على مستوى الثورة المعلوماتية حدا ببلادنا إلى الانخراط في سلسلة الإصلاحات الجذرية من أجل مواكبة متطلبات العصرنة والتحديث داخل الإدارة.وقد كان هذا الهدف من التحديات الكبرى التي رفعتها وزارة العدل، والتي تعتبرمن الوزارات التي سارت في هذا الاتجاه في السنوات الاخيرة، في سبيل أداء القضاء لمهمته على الوجه الأكمل ولكي يتسنى للإدارة القضائية أن تلعب الدور الحضاري المطلوب منها، لا بد من توفير مجموعة من الآليات والميكانيزمات التي تصب في هذا الشأن أهمها توفير عنصر بشري متخصص.
فكما هو معلوم حظيت هيئة كتابة الضبط بأهمية بالغة، حيث عرف النظام الأساسي إصلاحات مهمة ومتوالية فرضتها التحولات التي عرفها المجتمع المغربي ( قانونية –سياسية-اقتصادية )، فبعد صدور النظام الأساسي الجديد 2011 [1]وبعد الثورة التقنية التي باتت تزخر بها هاته الهيئة، ذلك اقتناعا من وزارة العدل بأهمية هذا التنوع لما تفرضه متطلبات العصرنة والتحديث ومجاراة الثورة الرقمية بالعالم ، مع التطور التكنولوجي واضطرار الأفراد إلى التعامل مع المعلوميات في أحيان كثيرة،الشيء الذي حتم على الإدارة القضائية المعاصرة الأخذ بالتوجه الحكاماتي والمتسم بالضرورة تمكين المحاكم بمختلف التخصصات والتي تعد بالنسبة للإدارة القضائية نقلة نوعية في مسلسل إصلاح جهاز القضاء بالمغرب وفق تصور جديد مبني على منهجية إصلاح منظومة العدالة.
وفي إطار تعزيز أسس الحكامة القضائية اتجهت وزارة العدل إلى استعمال المعلوميات في محيط عملها القانوني والقضائي على الخصوص، بتطبيقات ونظم مندمجة، مما يستوجب على الإدارة تمكين المحاكم من موارد بشرية متنوعة تعد مدخلا لتحديث الإدارة القضائية والعمل القضائي.
ولا تخفى أهمية هذا التنوع التي تزخر بها هيئة كتابة الضبط على مستوى تحسين جودة الخدمات القضائية وكذلك على مستوى تحسين النظرة المتوارثة لدى الوافدين عنها منذ العقود الماضية على مؤسسات العدالة؛ وهذا التنوع أضحى تدبيرا ضروريا إذا ما نظرنا إلى أبعاد ذلك على مستوى الحكامة الإدارية والقضائية، فهاته الفئات التقنية واقع يفرض على كل متعامل مع هذه الإدارة القضائية.
وعليه،فإن الواقع يفرض اليوم الاعتراف بأن الأطر التقنية قد انضمت وبقوة إلى باقي مكونات جهاز كتابة الضبط حيث أصبحت ضرورة يمليها تطور المجتمع للرفع من جودة الخدمات القضائية، ورغم أن هاته الأطر أضحت نوعية ومتنوعة ظل اسم كتابة الضبط ووصفها لصيق برجال ونساء القانون.
فما هي أبرز المشاكل التي تعيق هذه الفئة داخل الإدارة القضائية خصوصا بين أزمة النص القانوني المؤطرة لمهامها والواقع العملي؟ وما هي السبل الكفيلة لحل هذا الإشكال؟
وحتى نعالج بشكل شمولي التجربة وتشخيص الوضع داخل قطاع العدل ارتأينا أولا أن نعرض جانبا من أزمة النص القانوني المؤطرة لمهام الموظف التقني والواقع العملي (المحور الأول) قبل التطرق للإدلاء بالارتقاء بالنظام الأساسي ودعم التكوين المستمر(كمحور ثاني).
المحور الأول: أزمة النص القانوني المؤطرة للأطر التقنية وإكراهات الواقع
إن المتتبع لمسار وزارة العدل في الآونة الأخيرة يلاحظ أنها تخطت النظرة المألوفة على تخصصات كتابة الضبط التي كانت بالأساس تخصصات قانونية، إذ لم تقتصر فقط على تحديث البنيات التحتية للمحاكم بل واكبت توظيف نخبة جديدة مختلفة كما هو الشأن بالنسبة للدول المتقدمة عن طريق التكنوقراط وفقا لمتطلبات العصرنة، حيث انضمت إلى وزارة العدل أطر تقنية حاصلة على إجازة وشواهد عليا في البرمجيات: الإعلاميات وعدد من التخصصات الأخرى بالكفاءة والاستحقاق.
أولا:أزمة النص القانوني
إن تشخيص وضعية الأطر التقنية داخل الإدارة القضائية رهين بمدى إسقاطها بين غايات التوظيف وإكراهات الممارسة فهاته الفئات حقوقها مهضومة داخل قطاع العدل الأمر الذي يستوجب تسليط الضوء على معاناتها.
فكما هو معلوم فإن الإطار التقني درس بإحدى كليات العلوم أو العلوم والتقنيات،وعرفت هذه النخبة بروزا لافتا نظرا لتحديات المحكمة الرقمية التي أخذتها وزارة العدل كهدف لتجويد العمل القضائي تمخضت عن مقتضيات المفهوم الجديد لتحديث الإدارة القضائية هو تطور كمي ونوعي للنخبة التقنية بدءا بالشواهد العلمية وصولا لولوج المهندسين في قطاع العدل حيث وصل عدد المهندسين ما يقارب 200 موظف.[2]
غير أن الملاحظ أن ولوج النخبة التقنية في الحقل القضائي لم يغير النظرة المتوارثة عن كتابة الضبط بل مازال لصيقا برجالات القانون فأصبح تواجدهم داخل الإدارة كجندي خفي لا هوية له ولا يشكل فرقا متباينا في المهام مع المهام المنوطة لهيئة كتابة الضبط،إذ لا يكتفون بتسيير المهام التقنية فتارة تجده كاتبا للجلسة وتارة أخرى إزدواجية بين العمل اليدوي في تصريف الإجراءات والمعالجة المعلوماتية والأكثر من ذلك غياب النص القانوني المؤطرة لمهامهم.
وبالتالي يجب الاعتراف أن العديد من المقتضيات القانونية المنظمة لهيئة كتابة الضبط يكتنفها الغموض، إن لم نقل الفراغ حيث يحتاج الأمر حاليا لمجهود تضامني لسد الثغرات القانونية التي أبانت عنها الممارسة العملية…
ثانيا: إكراهات الواقع العملي
إن المنظور الجديد لجهاز كتابة الضبط وبغض النظر عن خصوصيته المرتبطة بالعمل القضائي لم يعد يقتصر على رجالات القانون، فرغم المجهودات التي قامت بها وزارة العدل لجلب الكفاءات والمؤهلات بتوظيف دفعات من فئات المهندسين، المتصرفين والتقنيين داخل الإدارة القضائية ورغم هذا التطور النوعي في المستوى الدراسي إلا أن الإطار القانوني يشكل العائق أمام التدبير الفعال لها.
وإذا أمعنا النظر إلى النخبة التقنية خاصة تخصص “المعلوميات” هاته الاقلية الإستراتيجية تظل محاصرة مع المهام الموكولة لها،فسرعان ما تجد نفسها فاقدة للحس التقني وتكوينها العلمي أمام الواقع العملي وممارسة المساطر المدنية والجنائية.
وفي غياب المقتضيات القانونية التي تحدد المهام الموكولة لها، توظيف الأطر التقنية في غير أماكنهم تحت ذريعة الخصاص راجع للعقلية المتحجرة لأغلب المسيرين الإداريين وإثقال كاهل المشرفين على مشروع الرقمنة بالمحاكم بأشغال بعيدة كل البعد على تخصصاتهم.
وإذا كانت متطلبات التدبير الحديث تدفع إلى البحث عن آليات فعالة لتأهيل مواردها البشرية فان وزارة العدل أبانت عن قصورها في تأهيل الأطر التقنية و بالتالي لم ترق إلى المستوى المطلوب في تدبيرها لمسايرة التطور الحاصل الذي يشمل هذا المجال المعلوماتي من مستجدات معلوماتية أو فيما يتعلق مواكبة التطور التكنولوجي ،مما فرضت على النخبة الجديدة التوجه القانوني والحصول على شهادات جامعية سواء في تخصص “القانون الخاص” أو” القانون العام” ،هذه نتيجة حتمية لعدم قبول الشهادات العلمية والتقنية في مبارات الإدماج لسنوات عدة قبل تدارك الأمر بعد صدور المرسوم…[3]
ظل هذا الإقصاء غير مشروع وغير منطقي مادام أن اختصاص هذه الفئة مرتبط بالهدف الأسمى والمشترك بين كافة مكونات أسرة العدالة أي تحديث وتجويد الممارسة القضائية. ويبقى التساؤل المطروح: ما الجدوى من توظيفهم بهذا القطاع وأين مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع مكونات هيئة كتابة الضبط؟
في المقابل،نجد فئة المهندسين رغم أن القانون الداخلي الخاص بهم يتميز بنظام سريع في الترقية مقارنة مع نظيره لدى كتابة الضبط إلا أن الفارق على مستوى الأجور يجعل هاته الفئة تميل للقطاع الخاص لما يتوفر هذا الأخير من إغراءات مالية ومعنوية ومتميزة.
المحور الثاني:الارتقاء بالنظام الأساسي ودعم التكوين المستمر
إن عمل المحاكم يتطلب تنظيما إداريا محكما تحدد فيها الأدوار والصلاحيات التنظيمية بشكل يمكنها من تعزيز نجاعة وفعالية الإدارة القضائية، ولا شك أن اعتماد التكنولوجيا الحديثة للارتقاء بالعمل القضائي، والتوجه نحو تعميم الإدارة الرقمية، وتوفير الخدمات يلزم توفير الموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال.
ولا بد من الإشارة أن كفاءة هذه الفئة مرتبطة بمجاله ونطاقه في حدود تخصصه، وعلى المسؤول القضائي أن يستعمل سلطاته على المسار الصحيح ونحو الأهداف المخطط لها من قبل الوزارة الوصية.
أولا: إصلاح النظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط
أضحى تعديل النظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط مسألة ضرورية إذا ما نظرنا إلى التطور الحاصل في الإدارة القضائية، فأطر هذه الإدارة الآن سارت نوعية من فئات ومشارب مختلفة: أطر علمية، تقنية، دكاترة… مما يجعلنا نتساءل هنا: هل بمقدور نظام أساسي واحد استيعاب كل هؤلاء الأصناف من موظفي الإدارة القضائية باختلاف مهامهم؟ فالبقاء على نظام شكلي ومحدود يكتفي بالأرقام والنقط الاستدلالية[4] يعد من العبث ولا يرقى بمكانة هيئة كتابة الضبط بالموازاة مع باقي مكونات الجسم القضائي والمهن المساعدة للقضاء.
وإذا كانت هيئة كتابة الضبط قد أفلحت في كسب مجموعة من الرهانات بقبول الشواهد العلمية[5]، ما جعل منه مكسبا لهاته الفئات التقنية بالدرجة الأولى ، فإنه قد أصبح الارتقاء بالنظام الأساسي مطلبا استعجاليا تقتضيه مستجدات السياق الراهن وتفرضه تحديات المرحلة المقبلة من توصيف المهام المرتبطة بالقضاء من جهة ، وتوصيف المهام غير القضائية من جهة أخرى ، وهذا لا نعني به تقسيم الإدارة القضائية إلى قسمين…فكما توج المسار الإصلاحي للقضاء بصدور القانونين التنظيميين : المجلس الأعلى للسلطة القضائية رقم100.13 والنظام الأساسي للقضاة رقم 106.13 ،وأفرد للقضاء مكانة هامة ومحورية وذلك بوجود سلطة قضائية مستقلة بموجب دستور 2011،ومادام الدستورالجديد آثار نقطة استقلالية السلطة القضائية فلماذا لا ينبغي السير على هذا النهج بالنسبة لهيئة كتابة الضبط؟ فاستقلالية كتابة الضبط والرقي بها رهين بمدى تجسيدها وضمانها في نظامها الأساسي مع وجوب تحديد الحقوق والواجبات لهذه الهيئة. وقد جاء في قرار المحكمة الدستورية رقم 19/89 بتاريخ 8 فبراير 2019ما يلي:” وحيث إنه إلى جانب الأعمال الإدارية والمالية للإدارة القضائية، فإن هذه الأخيرة تتميز عن باقي الإدارات العمومية، في أدائها لعمل موسوم بالطبيعة القضائية، ما يضفي خصوصية على نشاط مرفق العدالة قياسا بباقي المرافق الإدارية الأخرى..”وبعد قرار المحكمة الدستورية أصبح لزاما على المؤسسة التشريعية أن تجعل من ورش إصلاح الإدارة القضائية في صدارة الأوراش الإصلاحية الكبرى بإصدار قانون الإدارة القضائية يحدد الفرق بين العمل القضائي من جهة والعمل الإداري والمالي من جهة أخرى .
وعليه، لا يمكن المراهنة على النهوض بالإدارة القضائية وتحديثها دون الاستناد أساسا على تعديل النظام الأساسي، تفرق بين التخصصات مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية القطاع وانفتاحه على التخصصات التقنية-المعلوماتية رغم إعطائها الأولوية لتخصص العلوم القانونية والتشريعية نظرا لحاجيات المحاكم منها لطبيعة المهام القانونية التي تناط بها داخل المحاكم، وضرورة تبادل التجارب والخبرات في مجال الإدارة القضائية الحديثة والإقتداء بالتجارب الدولية الناجحة في مجال العدالة الرقمية.
ثانيا: تقنيو التكوين المستمر
إن وزارة العدل حرصا منها على تأهيل الموارد البشرية العاملة به، من إعداد سياسة التكوين الأساسي والمستمر والتأهيلي للموارد البشرية، قد جعلت من هذا الأخير محورا أساسيا في ورش إصلاح منظومة العدالة، كونها تتوفر على رأسمال بشري مهم، من حيث أعداد الموظفين، ومتنوع من حيث الكفاءات، يغطي حاجيات المحاكم ب 21 دائرة قضائية بالمملكة.
إلا أن الممارسة العملية والتطبيق الإجرائي أظهر اختلالا وتخبطا في النمط المعتمد في التكوين، فقد أثبتت هذه الممارسة عدم نجاعتها عبر وحدة البرامج المعتمدة، كونها لا تفرق بين التخصصات القضائية والتقنية وبالتالي ساهم في الفهم الخاطئ لمقاصد استقطاب هذه النخبة، فضلا عن كون اغلب هذه التكوينات محدودة جدا، مما مست باستقرار الكثير منها للبحث عن بديل آخر..
والحاجة الآن إلى إرساء تكوين واضح المعالم، عبر توسيع مجال التكوين المتخصص والسعي إلى تقنين التكوين المستمر ليصبح ملزما على هيئة كتابة الضبط مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة التخصص المعلوماتي، وهذا يتطلب إعداد الأطر وتأهيلها بكيفية تجعلها قادرة على مواكبة المستجدات إذا كنا نسعى لتطوير هذه الإدارة.
خاتمة:
صفوة القول، لقد أوضحت التجربة وبينت جليا أن الوضع المتردي الذي آلت إليه الأطر التقنية كأطر نوعية بمحاكم المملكة لا تعكس توجهات وزارة العدل بالمضي قدما في رفع تحدي المحكمة الرقمية المنشود.
وعلى الوزارة أن تعمل بشكل مستمر على تطوير وتثمين هذه الفئة من خلال عدة إجراءات تروم استثماره بالشكل الأمثل وذلك بوضع مكانة له داخل منظومة العدالة لتكريس إدارة ناجعة وعصرية وحديثة موضوعة لخدمة المتقاضين، فقد أصبحنا في مرحلة مفصلية سترهن كتابة الضبط لعقود وسنوات هو ما يقتضي توحيد الجهود لتحصين المكتسبات السابقة والرقي بالوضع القانوني للهيئة كجسد واحد.
المراجع :
[1] مرسوم رقم 2.11.473 صادر في 15 من شوال 1432 الموافق ل 14 سبتمبر 2011 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة كتابة الضبط.
[2]مرسومرقم 2.11.471 صادرفي 15 منشوال 1432 (14سبتمبر2011) بشأنالنظامالأساسيالخاصبهيئةالمهندسينوالمهندسين المعماريينالمشتركةبين الوزارات.
[3] قرار لوزير العدل رقم 662.19 صادر في 5 شعبان 1440 (11 أبريل 2019) بتتميم قائمة التخصصات المطلوبة للتوظيف في بعض درجات أطر هيئة كتابة الضبط، بناء على المرسوم رقم 2.11.473 الصادر في 15 من شوال 1432 (14 سبتمبر 2011).
[4] يراجع من المادة 6 إلى المادة 22
[5] قرار وزير العدل بتتميم قائمة التخصصات بناء على المرسوم المشار سلفا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.