العرائش… تدشين فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير    1.6 مليون عاطل و108 آلاف منصب مفقود في الفلاحة.. البطالة تكشف زيف الوعود الحكومية    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    شخصيات فلسطينية تشيد بالمبادرة الإنسانية التي أطلقها الملك محمد السادس    الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا تشيد بالتزام المغرب وتعرب عن تقديرها العميق للمملكة لتيسير الحوار الليبي-الليبي    النقص الحاد في المياه يفاقم مآسي الجوع والنزوح في قطاع غزة    أولمبيك آسفي يتعاقد رسميا مع الإيفواري "أبو بكر سيلا"    رابطة الكتبيين بالمغرب تحذر من أساليب تجارية «مضلّلة» وتدعو لحوار وطني حول مستقبل الكتاب المدرسي    توقيف مروجين للمخدرات والقرقوبي بأكادير    اختتام الدورة الثالثة لمهرجان "ولاد المدينة" بالعرائش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ارتفاع عدد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى سبتة بنسبة 7,2% خلال 2025    موجة حرّ قياسية تصل إلى 47 درجة وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة هذا الأسبوع    بنكيران يدخل على خط مهاجمة الريسوني للتوفيق ويعتبر أنه من غير "اللائق أن ينعت وزارة الأوقاف بتشويه الإسلام"    كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    "فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة    رد واضح لا غبار عليه من مستشار ترامب مسعد بولوس خاصة أنه موجّه لوسيلة إعلام جزائرية: الصحراء مغربية والحل أساسه الوحيد مبادرة المغرب للحكم الذاتي        الصحراء المغربية دعم أمريكي متجدد وكشف إسباني وشيك    كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    غامبيا تبحث تعزيز التعاون القضائي مع المغرب    إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    حملة "التعمير والإسكان" تخدم الجالية    البحرية الملكية تتدخل لإنقاذ مهاجرين    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً        دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    ضربات إسرائيلية تخلف قتلى في غزة    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    مصرع سيدة في حادثة سير مروعة بطنجة    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    وزير ‬الداخلية ‬يفتح ‬ورش ‬الانتخابات ‬التشريعية ‬بالمشاورات ‬مع ‬الأمناء ‬العامين ‬للأحزاب ‬السياسية ‬الوطنية ‬    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    مسؤولون أمنيون إسرائيليون سابقون يطلبون مساعدة ترامب لوقف الحرب في غزة    ريال مدريد يحصن نجمه المغربي إبراهيم دياز بعقد جديد    وليد الركراكي يحضر لمفاجآت جديدة في معسكر شتنبر بضم لاعبين من أوتريخت وروما    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين        بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    فرنسا ترحل طالبة فلسطينية إلى قطر بعد اتهامها بكتابة منشورات "معادية للسامية"    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واقع الطفولة بالناظور : إبحار في قلب المعاناة..!!
نشر في أريفينو يوم 08 - 04 - 2008

في الناظور لم تعد للقيم والشهامة التي كان يضرب بها المثل مكانا وسط زخم تدني المستوى الأخلاقي في الشارع عموما، وتدني مردودية الأسرة بصفة خاصة... مجموعة من الظواهر اختفت وأخرى ظهرت، فلم يعد التاجر صادقاً في تجارته، ولا المربي في رسالته... أصبحت الرذائل والمخدرات تنتشر بشكل كبير، وانتعشت دور الفساد بشكل لم تشهد له المدينة مثيل من قبل...
لم يعد لمفهوم “ثويزا” مجالا للتداول، ولا للحشمة و الوقار. فالاحتكاك مع العامة بركوب تاكسي أو جولة في الأسواق، إنما يوحي بشيء واحد هو أن الوضع قد تغير تماماً، لكن للأسوأ. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، الناظور إلى أين؟!
في بعض الأحيان ترى العجيب والغريب من المتناقضات التي تظن أنها من المستحيل أن تجتمع في مكان واحد. من خلال هذا التحقيق، سنحاول تسليط “الشموع” على فئة من المجتمع ربما تناسينا وجودها لما شغل وجودنا نحن..!
للإمام حسن البصري رحمه الله قصة شهيرة تتناقل في سيرته التي خلدها وراءه، فيحكى أن جاءه يوما عبيد البصرة يشتكون سوء معاملة أسيادهم لهم ويطلبون منه أن يحررهم من بطش هؤلاء، الإمام طبعا كان بفضل الله حكيما في تعامله مع الأشياء فهو بعد هذا الطلب يتوقف عن إلقاء الخطبة لتلك الجمعة ويتغيب عنها ويشغل وراءه بال الجميع ولاسيما هؤلاء العبيد ،الذين كان رجاءهم فيه كبيرا حتى ظهر في الجمعة التي تليها ليلقي خطبة اهتز لها فؤاد آخر محل في المسجد، وصل صداها إلى أن تحرر جميع عبيد البصرة من أسيادهم ليأتوه بعد ذلك يستعتبونه ويلومونه عن تأخره وتغيبه وما كان لذالك من التأخر من مزيد من العذاب وسوء المعاملة والبطش... بيت القصيد يبدأ من هنا ، أو منذ أن توقف واختفى الإمام كان يعمل جاد على إيجاد مبلغ من المال لم يستطع إلقاء الخطبة حتى جمعه وذهب به كله ليشتري به عبدا ويحرره ثم يذهب بعد ذلك إلى المسجد يبكي، يلقي خطبة في الناس من قلبه تصل إلى قلبهم وتعطي ما أعطته من نتيجة. الإمام يعطي نموذجا حيا وقدوة رائدة ومنهجا واضحا في مفهوم واحد هو أن كل شيء يبدأ “بي” أنا أولا. فكل من تقلد منصبا وأراد أن يحرك من خلال منصبه يجب أن يكون رمزا أولا.
فبعيدا عن التفسيرات والتأويلات لهذا الاتجاه، أريد أن أقول بكل بساطة أن هناك في الناظور أطفال يصرخون ولا أحد يسمع صراخهم. ولكي ندرك إن في الناظور أطفال يتألمون ولا احد يحس بالمهم يجب بكل بساطة أن تذهب إلى الجمعية الخيرية الإسلامية.
أعتقد أننا هنا لا تنقصنا جمعيات أو فضاءات، وقنوات للتواصل أو فاعلين جمعويين أو غيوريين... لأنه بالفعل لدينا جمعيات تعمل وتنشط في كل المجالات إلا انه وللأسف الشديد، ومن خلال بحث ميداني لم نجد جمعية تخصص يوما من أيامها للقيام بزيارة أو نشاط للأطفال هم بأمس الحاجة لإطلالة صادقة بعيدا عن أضواء الكاميرات واستغلال صورهم للتغطية عن أنشطة معينة!
حينما دخلت أول مرة في زيارة أسبوعية تنظمها “جمعية شباب الريف” لهذا المقر بعد صلاة العشاء، وبدون اصطحاب كاميرات التصوير ولا الميكروفونات ولا احد منهم كان يعلم أن هذا الذي يكتب الآن هذا المقال، سيكون مراسلا صحفيا أو سينشر شيئا مما يفعلون. فمن بين التساؤلات التي كنت أطرحها دائما هو فالموضوع بكل بساطة هو أنهم يلتقون كل سبت مباشرة بعد صلاة العشاء يسيرون خطوات إلى هناك يحملون معهم أوراقا للرسم تارة، وخيوطا للسبك تارة أخرى، وأقلاما للكتابة أو خلق أية ورشة من ورشات الأعمال اليدوية. الأطفال كما لاحظت ينتظرون ذالك اليوم بفارغ الصبر إلى درجة أصبحوا يستغلوا ذلك اللقاء للاستفادة من أشياء أكبر من الرسم والأعمال اليدوية. بل أصبحوا يمتصون لحظات الحنان والعطف والأخوة من طرف أعضاء الجمعية، حيث أصبح ولله الحمد الجو حميميا في ظرف وجيز بعدما كان هؤلاء الأطفال يجدون صعوبة كبيرة في التأقلم وتقبل الأخر. أعرف تماما أن الوصول إلى كبرى النتائج في هذا المجال لا زال يتطلب الكثير ولكني على يقين أنه وضع أحسن بكثير مما كان عليه، فمالا يدرك كله لا يترك جله.
أن تولد يتيما، أو يتخلى عنك أبويك، أو تكون ضحية أزمة أخلاقية... إنما هو “مفعول به” لا يمكن من تصريف الفعل شيئا. يمكن أن ينطبق على جميع الأسماء، فكيف أن يحصل لفلان أن يكون كذلك. كان من الممكن أن يكون “الفلان” أنت أو أنا. إلا أن الفرق حينئذ، سيكون من أي منطلق ستنظر إلى المرآة التي أرتك نفسك الآن في بيتك وليس في بيت الخيرية!
نعرف جيدا أن في المغرب تراكمات ومخلفات وإرث ثقيل في التعامل مع مجموعة من الظواهر الاجتماعية، ولعل أبسطها كيف ننظر إلى زواج ريفية من شاب مغربي ليس ريفياً رغم أنهما تجمعهما راية واحدة ودين واحد. وحينما نفك لغز الإجابة يمكننا آنذاك أن نتحدث عن نظرة الغرب العنصرية للعرب، ويمكننا كذلك أن نحلل مسألة اندماج الأطفال اليتامى والمتخلى عنهم في مجتمعنا الذي هو من المفروض أن يكون مجتمعا إسلاميا يضرب به المثل ويُحتذى به في القيم والمبادىء والأخلاق. حيث أراهن على أن مجتمعنا بإمكانه التعامل بطلاقة وتلقائية مع أفراد هذه الشريحة من المجتمع، والذي إن تعامل معه فإنه يقتصر في غالب الأحيان عن صداقات (..) ترمى من أعلى عليين حتى تستقر في المطبخ أو في خزانة ملابس الجمعية. حيث إنني قد تناقشت في هذه المسألة مع السيد “سعيد المنصوري” رئيس جمعية الشباب، وأكد أن المشكلة لا تكمن في أكل وشرب ولباس... وقال إن الأطفال يحتاجون إلى مؤطرين، إلى كفاءات بشرية بإمكانها أن تقف بجانب هؤلاء. إلى موارد بشرية لديها رغبة حقيقية للعمل معهم. لأن، وإن وجد البعض منهم بصفة رسمية هناك إلا أنه يلزمهم الكثير، أو كما تقول إحدى المقيمات بدار الخيرية إنها تريد من ينصت إليها حقيقة، من يتفهم انشغالاتها واهتماماتها. لأن الذين يعملون هناك إنما قد تعودوا علينا أو “توالفو” معنا، فلم نعد نشكل لهم أي هم.
هناك شيء لا يجب أن ننكره، وهو أنني قد لمست في هؤلاء البراعم، أشياء عجيبة جداً، تتجلى في مهارات مختلفة وذكاء ومودة متبادلة وابتسامة صادقة ورغبة ملحة في التعبير عن المعارف والمواهب والكفاءة... أشياء في الحقيقة يقف أمامها المرء متحسراً على ما بإمكان هاته الفئة أن تقدم من عطاءات حقيقية يجهلها الكثيرون، وإن علموا بها فإنها في غالب الأحيان تُستبعد لأنها بعيدة عن الجو العام للأسر والمجتمع ككل. حيث إن الإحتكاك بين هؤلاء كل على حدة، إنما يطبع عليه شيء من الحدة لاعتقادات مختلفة طبعا لان المنفتح المؤمن بدعوة نبي الرحمة اليتيم إلى صراط الله المستقيم لا يجد بُدًا من الترابط والتضامن وتوحيد القلوب والعقول والصفوف، لاسيما بين أطفال اليوم-رجال الغد. إن مسؤولية هؤلاء في رقبة الجميع شهداء لنا أم شهداء علينا.
وإنها لخير فرصة هاته التي يمكن لي أن أستغلها كي أثني على الذين يسهرون من أجل أن يهدأ بال هؤلاء الأطفال. تحية إلى الذين لم تنسهم همومهم هموم الآخرين، طوبى لمن مس شعرة من شعر رأس اليتيم أو رسم ابتسامة على شفاه محروم أو فتح قلبه لشاب أو شابة تناسى المجتمع وجودهم.
إن الحقائق والمعطيات التي تفرض نفسها بحدة في مجال الطفولة المغربية المهمشة إنما تشير إلى الحاجة الأكيدة لتظافر الجهود وبذلها في سبيل مستقبل أفضل لعالم الطفل والطفولة حتى لا نتجاهل. وفقط كي نذكر ونتذكر ونعمل بقول الله سبحانه وتعالى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.