1. الرئيسية 2. تقارير لندن تتخلى عن "ضبابها السياسي" وتنظم إلى واشنطن وباريس ومدريد في دعم الحكم الذاتي بالصحراء الصحيفة - خولة اجعيفري الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 9:00 في خطوة وُصفت بالتحول النوعي في موقف إحدى الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، أعلنت المملكة المتحدة، أمس الأحد، اعترافها الصريح بمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب ك"الأساس الأكثر واقعية ومصداقية وقابلية للتطبيق" من أجل تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء، وهو التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية البريطاني الجديد، ديفيد لامي، عقب لقائه بنظيره المغربي ناصر بوريطة، ومثل لحظة فاصلة في مسار قضية إقليمية عمرها خمسون عاما. ومثل إعلان المملكة المتحدة – بصيغة غير مسبوقة – اعتبار مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 "الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل دائم" لهذا الصراع الذي طال أمده، لحظة دبلوماسية فارقة قد تُعيد ضبط معادلة النزاع الإقليمي حول الصحراء، إذ لا يمكن قراءته بمعزل عن التحولات التي طرأت على مواقف القوى الكبرى خلال السنوات الأخيرة، ولاسيما داخل مجلس الأمن، كما لا يمكن فصله عن إعادة التموضع البريطاني في خارطة النفوذ العالمي بعد "بريكست"، وتزايد حاجة لندن إلى شراكات استراتيجية في فضاءات واعدة مثل شمال إفريقيا. من الحياد الرمادي إلى التموقع البراغماتي يُمثل هذا الموقف الجديد، قطيعة واضحة مع الخطاب البريطاني التقليدي الذي كان يكتفي في أحسن الأحوال، بتأكيد دعم جهود الأممالمتحدة، والتمسك ب"تسوية تضمن تقرير المصير"، دون أي انخراط نوعي في بلورة تصور للحل، بيد أن ما تغير اليوم هو أن بريطانيا، وهي عضو دائم في مجلس الأمن وفاعل مرجعي في القانون الدولي، خرجت عن هذا الحياد الرمادي لتتخذ موقفا أقرب إلى "البراغماتية الواقعية"، يتماشى مع موازين القوى الجيوسياسية والحقائق الميدانية. فالاعتراف بأن الحكم الذاتي المغربي يُمثل "الحل الأكثر قابلية للتطبيق" ليس مجرد توصيف سياسي، بل هو إعادة توجيه دبلوماسي يحمل دلالات متعددة، أولها، أن الطرح الانفصالي الذي تتبناه جبهة البوليساريو والمدعوم جزائريا لم يعد يُنظر إليه في العواصم الغربية كخيار قابل للجدية أو التطبيق، وثانيها أن المغرب نجح، بفضل تراكم الجهود الدبلوماسية والتنموية، في إعادة تشكيل بيئة القرار الدولي حول الملف. وفي تعليقه على الموقف البريطاني الجديد، اعتبر الخبير في العلاقات الدولية سفيان بنعبد الله، أن "انتقال لندن من موقع الحياد التقليدي إلى دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية يُمثل تحولا نوعيا، ويعكس إدراكًا متناميًا لدى صناع القرار في الغرب بأن منطق الواقعية السياسية بات يتطلب حلا قابلا للتطبيق وليس تكرار شعارات غير منتجة من قبيل تقرير المصير بالصيغة الكلاسيكية". وأضاف بنعبد الله في تصريح ل "الصحيفة": "ما يميز الموقف البريطاني هو براغماتيته فهو لا يمنح اعترافا مباشرا بالسيادة، لكنه في المقابل يزيح خيار الاستفتاء من على طاولة الحلول الممكنة، ويُضفي شرعية دولية على المبادرة المغربية باعتبارها المرجعية الوحيدة الواقعية في نظر عدد متزايد من العواصم الكبرى". ويرى بنعبد الله أن "لندن باتت تُدرك أن استمرار النزاع يخدم حالة السيولة الأمنية في شمال إفريقيا، ويُهدد الاستقرار في الساحل، كما أن مصالحها بعد البريكست تدفعها لبناء شراكات متينة في جنوب المتوسط، والمغرب يُمثل اليوم فاعلا محوريا في مجالات الطاقة واللوجستيك والأمن". ضبابية بريطانية أم أزمة تأويل جزائرية؟ من جهة ثانية، رغم هذا الانزياح النوعي، تميز الموقف البريطاني عن سابقه الأميركي (اعتراف ترامب بالسيادة المغربية عام 2020) أو الفرنسي أيضا صيف 2024، بقدر من الحذر والتوازن، إذ لم تتضمن تصريحات لامي أي إشارة إلى "السيادة المغربية على الصحراء"، وهو تفصيل استندت إليه الجزائر في محاولة للتقليل من الخطوة وأثرها السياسي. بل إن الخارجية الجزائرية استغلت هذا التمايز لتأكيد أن لندن لا تزال – من وجهة نظرها – تُحجم عن الاعتراف الكامل بمغربية الإقليم، وأنها لا تزكي ما تسميه "الاحتلال غير الشرعي"، مؤكدة أن وزير الخارجية البريطاني أعاد، في الندوة الصحافية، التأكيد على التزام بلاده ب"حق تقرير المصير". بالمقابل، فإن هذا التفسير يعكس، في العمق، محاولة لاحتواء الضرر الاستراتيجي الذي تسببت فيه هذه الخطوة، إذ إن جوهر الاعتراف البريطاني ليس في لفظ "السيادة"، بل في إسقاط الفرضية التي طالما تمسك بها خصوم المغرب، وهي أن الحكم الذاتي غير قابل للتفاوض أو غير كافٍ كأساس للحل، وهو ما يجعل من الموقف البريطاني رافعة مهمة لدينامية جديدة داخل مجلس الأمن. وبهذا الخصوص يرى الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية سفيان بنعبد الله، أن "ردّ فعل الجزائر على الموقف البريطاني الأخير يعكس أزمة تأويل أكثر مما يعكس قراءة دقيقة للتحول السياسي الذي طرأ على مواقف عدد من القوى الكبرى إزاء ملف الصحراء". ويفسر الخبير هذا بقوله: "الجزائر تركز في خطابها على غياب لفظ 'السيادة' في التصريح البريطاني، لكنها تغفل عن قصد أن أهم تحول دبلوماسي حصل هو تخلي لندن عن صيغ 'الاستفتاء' و'تقرير المصير' كأطر مرجعية للحل، وتبنيها لصيغة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها الحل العملي الوحيد القابل للتطبيق، هذا في حد ذاته إقرار ضمني بمشروعية الطرح المغربي واستبعاد نهائي للخيارات التي تتبناها البوليساريو والجزائر". وأضاف أن "الجزائر تحاول افتعال فوارق شكلية للتقليل من أثر الخطوة، بينما الواقع أن لندن انضمت لواشنطن وباريس ومدريد وبرلين في بلورة كتلة دبلوماسية دولية جديدة باتت ترى في الحكم الذاتي إطارًا نهائيًا للحل، وهذا ما يقلق الجزائر أكثر من أي تصريح مباشر عن السيادة"، مؤكدا أن "المغرب لا يراكم فقط الاعترافات، بل يُعيد هيكلة المرجعية القانونية والسياسية التي يُبنى عليها الحل، فيما الجزائر لا تزال أسيرة مقولات متجاوزة، وتُواجه عزلة متنامية حتى داخل المؤسسات الأممية". الدينامية المغربية: استثمار في الشرعية وتحول في هندسة القرار داخل مجلس الأمن الرباط، من جهتها، قرأت جيدا الفوارق بين المواقف، لكنها تعاملت مع الخطوة البريطانية باعتبارها "تطورا نوعيا" يدعم دينامية المسار الأممي، ويعزز المبادرة المغربية كأرضية واقعية للحل، والواقع أن هذا التحول ليس معزولا، بل يأتي امتدادا لسلسلة مواقف داعمة: من واشنطن وبرلين ومدريد وباريس، وصولا إلى بوغوتا وبوخارست وعدد من الدول الإفريقية والعربية. وقد بنى المغرب خطابه على أرضية من ثلاث ركائز هي المشروعية التاريخية والقانونية التي يستند إليها في الدفاع عن وحدته الترابية، الفعالية التنموية والسياسية في تدبير الأقاليم الجنوبية عبر نموذج متقدم من الجهوية الموسعة والاستثمارات الاستراتيجية، والتكامل الأمني والديني والاقتصادي في إفريقيا، الذي جعله فاعلا محوريا في الاستقرار الإقليمي، ومركز ثقل في ملفات الطاقة والهجرة ومحاربة التطرف. في هذا السياق، يبدو أن بريطانيا لم تُقدم على هذه الخطوة فقط بدافع إعادة تموقعها الدولي، بل أيضا لاعتبارات تتعلق بالموثوقية السياسية والاقتصادية للمغرب، كشريك مهيأ لمرحلة ما بعد "بريكست"، خاصة في ظل تزايد هشاشة الجوار الإقليمي (الجزائر – الساحل – ليبيا) وعلى المدى المتوسط، قد تكون الخطوة البريطانية مقدمة لتحول في موازين القوى داخل مجلس الأمن، حيث بات ثلاثة من أصل خمسة أعضاء دائمين (الولاياتالمتحدة، فرنسا، بريطانيا) يميلون إلى دعم مبادرة الحكم الذاتي كخيار عملي، مقابل استمرار التحفظ الروسي والصيني، لا بدوافع قانونية، بل لأسباب تتعلق بالتوازنات الاستراتيجية والتقاطعات مع مواقف الجزائر. لكن الأهم، أن هذا التحول قد يضغط على المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا لتجاوز منطق التماثل بين الأطراف، والانخراط في مسار سياسي واقعي يضع المبادرة المغربية في صلب النقاش، وليس على هامشه، فالمسار الأممي، ورغم تجديد الدعوات لاستئناف المفاوضات (آخرها في أكتوبر 2024)، لا يزال مشلولا بفعل تعنت الجزائر والبوليساريو وغياب أي رؤية قابلة للتطبيق من طرفهم. جنون بلاغات الجزائر الموقف الجزائري من التحول البريطاني جاء مرتبكا، وعاكسا لنفاد خيارات الرد الاستراتيجي، فمنذ اعتراف ترامب بمغربية الصحراء، تُراكم الجزائر البيانات والبيانات المضادة، دون أن تقدم بديلا سياسيًا متماسكًا، بل إن خطابها يُعيد نفسه: "الاستعمار"، "الاحتلال"، "تقرير المصير"، دون تقديم صيغة تفاوضية أو مشروع سياسي يمكن البناء عليه. وتواجه الجزائر الآن أزمة مزدوجة، خارجية تتجلى في تآكل أطروحتها في المنتديات الدولية، وداخلية تتفاقم بفعل انغلاق المشهد السياسي، وتآكل مشروعية النظام أمام الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية المتكررة. أما الموقف البريطاني فلا يُشكل نقطة نهاية في النزاع، لكنه بالتأكيد نقطة تحول، إذ يعيد تركيب مفردات الحل الأممي، ويعزز من تآكل الخطاب التقليدي حول "الاستفتاء"، ويفرض – ولو ضمنيا – الانتقال إلى منطق التسوية الواقعية المبنية على السيادة المغربية والحكم الذاتي كصيغة توافقية. كما أن المغرب بات يُراكم أوراق القوة، سياسية، اقتصادية، دبلوماسية، تنموية، ويُحسن استثمارها في صوغ سردية جديدة حول الصحراء، تُقنع الفاعلين الدوليين وتُربك خصومه الإقليميين فيما الجزائرر، لا تزال حبيسة منطق "الرفض"، دون امتلاك أدوات إنتاج الحل، وفي ظل هذا التراكم، قد يكون مستقبل النزاع أقرب إلى التسوية من أي وقت مضى، ليس لأن كل الأطراف اقتنعت، بل لأن المشهد الدولي لم يعد يتسع للخيارات المؤجلة.