حسن لقيبي الأربعاء 30 يوليوز 2025 - 1:37 العلاقات المغربية الإسبانية.. لحظات تعاون وحقب من التوتر تجسد العلاقات المغربية الإسبانية حالة لتاريخ طويل من التفاعل، تتخلله لحظات تعاون نادر، وتطغى عليه حقب من التوتر المستمر والأزمات المتجددة. فكلما بدت بوادر انفراج تلوح في الأفق، سرعان ما تعيد ملفات الماضي العالق ومصالح الحاضر المتضاربة رسم حدود العلاقة، لتدفعها نحو منطقة رمادية بين الشراكة الضرورية والخصومة المستترة. هذه الدينامية المعقدة، المتجذرة في التاريخ والجغرافيا، لا تزال تشكل تحديا حقيقيا لكلا البلدين، وتلقي بظلالها على مستقبل التعاون الإقليمي في غرب حوض المتوسط. ورغم تواتر الأزمات الصامتة التي لا تعلن دائما، إلا أن التشابك الاقتصادي العميق والتنسيق الأمني الواسع، إضافة إلى موقع المغرب الاستراتيجي كبوابة لأوروبا نحو إفريقيا، كلها عوامل تجبر الدولة العميقة في إسبانيا على ضبط إيقاع العلاقة مع الرباط، وتفادي الانزلاق نحو القطيعة. إنها علاقة تحكمها الواقعية السياسية، وتوازن المصالح، أكثر مما تحكمها الثقة المتبادلة أو الحوار البناء. الرباطومدريد أزمة صامتة جديدة تشهد العلاقات المغربية الإسبانية في الآونة الأخيرة أزمة صامتة، إذ رغم التصريحات الدبلوماسية المطمئنة الصادرة عن المسؤولين الإسبان، وعلى رأسهم وزير الخارجية، فإن المؤشرات الميدانية تكشف عن توتر مكتوم. ويبدو أن السبب الأساسي لهذا التوتر هو تلكؤ مدريد في تنفيذ عدد من الالتزامات التي تم الاتفاق عليها مع الرباط، عقب أزمة 2021، والتي شملت ملفات استراتيجية تهم قضية الصحراء المغربية، الحدود البحرية والهجرة، والتعاون الاقتصادي والجمركي في المعابر الحدودية... هذا التباطؤ الإسباني ينظر إليه في المغرب باعتباره إخلالا بروح الشراكة الجديدة، ومحاولة للمماطلة في القضايا الجوهرية، مع الحفاظ فقط على العلاقات الاقتصادية، التنسيق الأمني والهجرة... أمام هذا الواقع، يدير المغرب الأزمة بصمت لكنه يبعث برسائل واضحة، منها تشديد المراقبة على الحدود، واتخاذ إجراءات سيادية على الأرض، في انتظار موقف إسباني أكثر التزاما ووضوحا. المغرب وإسبانيا أزمات بنيوية صقلت الدبلوماسية المغربية منذ استقلال المغرب عام 1956، طبعت العلاقات المغربية الإسبانية بسلسلة من الأزمات المتكررة، من أزمة سيدي إفني (1957–1958)، إلى انسحاب إسبانيا من الصحراء (1975) وما تبعه من توتر خفي، وصولا إلى أزمة جزيرة ليلى (2002) التي استدعت تدخلا أمريكيا، ثم توترات سبتة ومليلية المحتلتين الدورية، خاصة زيارة الملك الإسباني سنة 2007. كما شكلت الهجرة غير النظامية، خاصة في 2021 لحظة احتقان غير مسبوقة، بلغت ذروتها مع أزمة إدخال زعيم ميليشية البوليساريو الجزائرية بوثائق مزورة. بعد سنة 2022، هدأت الأجواء نسبيا تزامنا مع دعم حكومة سانشيز لمبادرة الحكم الذاتي، لكن القضايا الجوهرية ظلت مفتوحة، وأبقت العلاقة رهينة موازين المصالح والمخاوف المتبادلة. اللافت للنظر هو تطور موقف المغرب الإيجابي في إدارة أزماته مع إسبانيا، إذ انتقل من الضغط الرمزي والدبلوماسي في مرحلة ما بعد الاستقلال (1956–1975)، إلى نهج واقعي براغماتي أكثر حزما ومرونة؛ ففي البداية ركز على استرجاع أراضيه عبر التفاوض، كما في سيدي إفني وطرفاية، ثم دخل في مرحلة تحاشي الصدام المباشر، خاصة بعد توقيع اتفاق مدريد (1975)، مفضلا ضبط التوترات وتحييد الخصوم. ثم اعتمد ما بين 2000 و2020، أدوات القوة الناعمة والخشنة، مستثمرا موقعه في الأمن والهجرة والتعاون الاقتصادي لتعزيز أوراقه. أما بعد 2021 فقد دخل مرحلة جديدة تقوم على الربط الصريح بين قضية الصحراء المغربية وبقية الملفات الثنائية، كما ظهر في أزمة بن بطوش، حيث أرسى المغرب معادلة جديدة لا شراكة دون احترام لوحدته الترابية، مؤسسا لعلاقات تقوم على الوضوح والاحترام المتبادل. تحديات اليوم: الخلافات الكامنة وأبعادها الجيوسياسية رغم أجواء التهدئة التي أعقبت إعلان إسبانيا دعمها لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، لا تزال العلاقة بين الرباطومدريد مرشحة للتوتر، بفعل استمرار عدد من الملفات الخلافية العالقة: دعم مدريد لمغربية الصحراء: لا يزال هذا الدعم هشا، إذ يفتقر إلى إجماع داخلي، ويواجه معارضة واضحة من أطراف سياسية إسبانية نافذة، مما يجعله اختبارا حقيقيا لمدى التزام إسبانيا بشراكة متوازنة وذات مصداقية. قضية استمرار الاحتلال الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية: رغم غياب التصعيد الرسمي الدائم بشأنها، فإنها تبقى في صلب الوعي الوطني المغربي كأراض غير مسترجعة. الهجرة غير النظامية: تشكل عبئا مشتركا، لكن المغرب يجد نفسه مطالبا بتحمل تكلفة أمنية وإنسانية ضخمة دون دعم أوروبي مالي وسياسي كبير وصريح، رغم أنه بلد عبور فقط. ترسيم المغرب لحدوده البحرية: قبالة جزر الكناري، يعد ممارسة سيادية مشروعة تندرج ضمن حقوقه المكفولة بموجب القانون الوطني والدولي، لاسيما اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار، يسعى المغرب إلى تثبيت حدوده البحرية وتأمين منطقته الاقتصادية الخالصة، بما يضمن حسن استغلال ثرواته الطبيعية وموارده البحرية. غير أن هذا الترسيم يثير حساسية لدى الجانب الإسباني، خصوصا فيما يتعلق بالمعادن الحرجة المتوقعة في جبل التروبيك، ما يجعل الملف مجالا لتجاذب سياسي وتقني متجدد، يحتاج إلى تدبير هادئ ومسؤول يراعي المصالح المتبادلة، دون المساس بحقوق السيادة الوطنية. التحركات الإسبانية نحو موريتانيا: لا تندرج هذه التحركات المتكررة فقط في إطار التعاون الثنائي بين بلدين، بل تعبر عن مناورة إسبانية تهدف إلى إدخال طرف جديد في ملفات تعتبرها مدريد حيوية في علاقتها بالمغرب، وعلى رأسها الهجرة وترسيم الحدود البحرية. وهذا توجه خطير قد ينسف العلاقات بين مدريدوالرباط. إذا تأملنا في طبيعة الملفات المطروحة بين المغرب وإسبانيا، يتبين أن المغرب أبدى خلال السنوات الأخيرة درجة عالية من الانضباط الدبلوماسي والتفاعل الإيجابي مع القضايا المشتركة، خاصة تلك ذات الحساسية العالية مثل الهجرة، الأمن، محاربة الإرهاب، والمصالح الاقتصادية. وقدمت الرباط في عدة مناسبات دلائل واضحة على حسن النية، من خلال التعاون الأمني الوثيق، وضبط تدفقات الهجرة، وحتى التدخل للمساعدة في أزمات بيئية أو إنسانية داخل إسبانيا. غير أن الموقف الإسباني ظل في كثير من الأحيان غير متوازن، بل وأحيانا يوظف بشكل انتهازي، حيث لا تتردد بعض الدوائر داخل مدريد في استخدام ملف الصحراء كورقة ضغط أو ابتزاز سياسي، متى ارتأت أن المصالح الإسبانية تتطلب ذلك. وهنا يظهر التناقض الصريح فبينما يراهن المغرب على شراكة مبنية على الندية والاحترام المتبادل، لا تزال بعض أوساط القرار الإسباني تشتغل بمنطق الهيمنة والوصاية، وتتعامل مع الوحدة الترابية للمغرب كملف قابل للمساومة، لا كخط أحمر سيادي. وهذا السلوك يضعف الثقة، ويؤكد أن حسن النية وحده لا يكفي لضمان شراكة استراتيجية متوازنة. لذلك، فأي قراءة حقيقية للموقف الإسباني من المغرب، سواء في قضية الصحراء أو في ملفات التعاون، يجب أن تأخذ في الاعتبار كيفية صناعة القرار في إسبانيا، عقلية النخبة الإسبانية تجاه المغرب وعوامل تفشي مشاعر الكراهية أو الريبة تجاه المغرب هذه البنية المركبة والمعقدة لا يحكمها منطق مصلحة آنية فقط، بل تاريخ طويل من التوجس، والمنافسة، والتفاعل الحضاري المتأزم. إسبانيا: تعدد مراكز القرار وتأثير الدولة العميقة لا يقتصر صنع القرار الإسباني على رئيس الحكومة الفاعل والمؤثر الأول، بل يمتد إلى شبكة معقدة من القوى التي تعرف في الأدبيات السياسية بالدولة العميقة؛ هذه الشبكة هي التي تضمن استمرارية التوجهات الاستراتيجية بغض النظر عن التناوب الحزبي، تتكون من مؤسسات سيادية، وأجهزة أمنية ودبلوماسية، وقوى اقتصادية ومالية، بالإضافة إلى مراكز الفكر والإعلام النخبوي.. فالمؤسسة الملكية الإسبانية، ممثلة في الملك فيليبي السادس، تلعب دورا غير معلن في توجيه العلاقات الخارجية، لا سيما مع المغرب، إلى جانبها تشكل وزارة الخارجية، والسلك الدبلوماسي، وجهاز المخابرات (CNI)، والقيادة العسكرية، أركان العقل الاستراتيجي الإسباني الذي يتجاوز الحسابات الحزبية المؤقتة، ويركز على الملفات الجيوسياسية بعيدة المدى كقضية سبتة ومليلية، ترسيم الحدود البحرية، مستقبل الصناعات العسكرية المغربية، التوازنات في الداخل المغربي، والهجرة. اقتصاديا، تمارس المجموعات الكبرى مثل (CEOE)، البنوك، وشركات الطاقة والبنية التحتية... ضغوطا مستمرة للحفاظ على استقرار العلاقات مع الرباط، مدفوعة بالأرقام فالأرقام لا تكذب: المغرب هو الشريك التجاري الأول لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي والتبادلات بين البلدين بلغت سنة 2023 حوالي 18.8 مليار يورو، ومعبرها الحيوي نحو أسواق إفريقيا جنوب الصحراء حيث تمر حوالي 15-20% من الصادرات الإسبانية الإفريقية عبر المغرب... هذا التشبيك الاقتصادي العميق يجعل تكلفة أي أزمة سياسية أو دبلوماسية مرتفعة جدا، حيث يمكن أن تؤثر سلبا على تدفق السلع والخدمات وتعطيل الاستثمارات وسلاسل التوريد، لذلك هناك مصلحة مشتركة قوية لدى الطرفين في الحفاظ على استقرار العلاقات وتجنب التصعيد، وهو ما يجعل الشراكة الاستراتيجية مع المغرب الخيار الوحيد أمام صناع القرار الإسباني. إلى جانب ما قيل تؤثر مراكز التفكير مثل Real Instituto Elcano وCIDOB في بلورة الرؤية الاستراتيجية الإسبانية وتؤثر في صناعة القرار، وإن كانت بعض أطروحاتها لا تزال أسيرة تمثلات استعمارية قديمة. كما أن موقع إسبانيا ضمن المنظومة الأوروبية، يحتم عليها الانسجام مع توجهات بروكسيل التي تعتبر المغرب شريكا لا غنى عنه في ملفات الطاقة والهجرة والأمن... خلاصة القول تطبع العلاقة بين البلدين بتوتر مزمن يخفيه التعاون العملي، ويضبط إيقاعه ميزان المخاوف العسكرية والمصالح الإقتصادية. النخب الإسبانية والمغرب تعالي توجس واحتقار. تبنى مواقف جزء معتبر من النخبة الإسبانية تجاه المغرب على خلفية تاريخية معقدة، تتداخل فيها مشاعر التفوق الاستعماري الحديث مع عقدة التفوق المغربي في الماضي فالمغرب، في المخيال السياسي الإسباني، ليس فقط جارا جنوبيا، بل قوة حضارية سابقة هيمنت على أجزاء واسعة من شبه الجزيرة الإيبيرية لثمانية قرون، ونافست إسبانيا على السيطرة في غرب المتوسط. هذا البعد التاريخي لا يزال حاضرا في لاوعي النخبة، وينتج هواجس تتأرجح بين الرغبة في الهيمنة والحذر من صعود مغربي جديد. ما يعزز النظرة الفوقية لدى بعض النخب الإسبانية تجاه المغرب هو استخفافها بجزء من نخبته المعاصرة التي تخلت، في نظرهم، عن جذورها الحضارية واندمجت ثقافيا وسياسيا في الفضاء الفرنكفوني. هذا التماهي مع النموذج الفرنسي يجعل تلك النخب، في أعين الإسبان، فاقدة للهوية السيادية والعمق الاستراتيجي. والمفارقة أن المفاوض المغربي، الذي يفترض أن يمثل بلدا عربيا أمازيغيا ذا إرث حضاري مستقل، يحادث نظيره الإسباني بلغة ثالثة هي الفرنسية، ما يثير لدى الإسبان شعورا بخسارة مجال نفوذ ثقافي كانوا يرونه أقرب وأسهل في التحكم لو نجحت سياستهم الثقافية في المغرب قبل اختطافه من قبل فرنسا. هذه الصورة تكرس لدى بعض دوائر القرار في مدريد قناعة بأن المغرب، رغم وزنه الجيوسياسي المتصاعد، لا يزال محكوما بنخب لا تعي قيمته التاريخية، ما يحد من قدرته على فرض حضور ندي يوازي موقعه ومصالحه. لكن المفارقة الأبرز تكمن في أن هذه النخب، رغم إدراكها المتزايد لمكانة المغرب الجيوسياسية الصاعدة، لا تزال تقرأ خطأ خياراته السلمية وحكمته في تدبير الملفات الخلافية المعقدة، من قضايا الهجرة والأمن إلى ملف الصحراء. فهي تفسر هذا النهج، لا كاستراتيجية واعية لتفادي التصعيد وتثبيت موقع تفاوضي قوي، بل كعلامة على الضعف أو التردد. وهذا خطأ في التقدير يظهر استخفافا بعمق الرؤية المغربية، وقد يقود إسبانيا إلى عواقب غير محسوبة، تماما كما حدث تاريخيا في معركة وادي المخازن، حين أساءت قوى أوروبية فهم توازنات المغرب، فكانت النتيجة هزيمة مدوية لا تزال محفورة في الذاكرة الإيبيرية. صناعة كراهية المغرب في إسبانيا رغم ما أبداه المغرب من حسن نية متواصل، ومبادرات إنسانية واستراتيجية لصالح إسبانيا خلال السنوات الأخيرة، فإن الخطاب العام في هذا البلد لا يعكس هذا التوجه، بل يشهد تناميا مقلقا لخطاب الكراهية والعداء، تغذيه قوى يمينية ويسارية متطرفة، ووسائل إعلام تمارس التحريض المبطن والمباشر ضد المغرب والمغاربة. فخلال حرائق الغابات الإسبانية 2022، عبر المغرب عن استعداده الفوري للمساعدة بطائرات متخصصة وساهم فعليا في إخماد الحرائق، وفي فيضانات إسبانيا الأخيرة أرسل المغاربة فرق الوقاية المدنية، كما عبر المغاربة في الداخل والخارج عن تضامن ملموس، سواء ميدانيا أو عبر حملات الدعم. كما لعب المغرب دورا حاسما في التخفيف من آثار انقطاع الكهرباء الذي عم البلاد يوليوز 2024، عبر تصدير الطاقة في لحظة حرجة، إضافة إلى التنسيق الوثيق في ملفي الإرهاب والهجرة، الذي وفّر على إسبانيا أزمات أمنية حقيقية; ورغم هذا كله، صدرت نتائج استطلاع رأي سنة 2024 تشير إلى أن شريحة واسعة من الإسبان تعتبر المغرب العدو الأول، تلته اعتداءات عنصرية على المغاربة، بالتوازي مع خطاب شيطنة ممنهج من قنوات إعلامية تميل لليمين المتطرف، في مؤشر على نجاح التيارات القومية في تغذية العداء، وتقديم المغرب كتهديد دائم، فحزب فوكس اليميني المتطرف يستخدم الملف المغربي وقضية الهجرة والمهاجرين المغاربة في إسبانيا كبوابة للشرعية الانتخابية، بينما يتهم بوديموس اليساري المتطرف بتلقي دعم من جهات معادية للمغرب. هذا الوضع يبرز مفارقة عميقة؛ فبينما تنخرط الرباط في شراكة مسؤولة وتعاون حقيقي، تحرك قوى داخلية إسبانية قومية خطابا عدائيا يهدد هذه الشراكة في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى عقلانية مشتركة لا إلى نزعات استعمارية مضمرة. المغرب: الحزم هو الخيار الوحيد لتكريس واقع ما بعد 2021 يبدو أن المغرب أن يدرك أن إسبانيا ليست كيانا سياسيا موحدا، بل نسيج متداخل من الأقاليم والدوائر السياسية والاقتصادية ذات المصالح والأولويات المتباينة لهذا من الضروري ألا يقتصر الانفتاح المغربي على الحكومة المركزية في مدريد ورجال الأعمال، بل أن يمتد إلى الفاعلين في الأقاليم المؤثرة مثل كتالونيا والأندلس... بشكل غير رسمي عبر الأحزاب السياسية والمجتمع المدني... بما يعزز الحضور المغربي في العمق الإسباني عبر قنوات متعددة. هذا الانفتاح سيوفر للمغرب هامشا أوسع للتأثير في بيئة القرار الإسباني، ويضعف من هيمنة النزعة القومية الموحدة المعادية لنا، كما سيفتح آفاقا جديدة للتعاون الاقتصادي والثقافي، بما يخدم مصالحه الاستراتيجية. وفي ظل التردد الإسباني في تنفيذ التزامات سابقة، خاصة تلك المرتبطة بقضايا السيادة والتنسيق الثنائي، فالخيار الأمثل في هذه المرحلة هو التصعيد المدروس، ليس بهدف القطيعة، بل لتأكيد استقلالية القرار المغربي وإظهار أن الرباط لم تغير موقعها في معادلة العلاقات، وأن أي تراجع أو غموض من الجانب الإسباني سيقابله موقف واضح وحازم لتوضيح قواعد اللعبة بشكل لا يترك مجالا للالتباس. ختاما تظل العلاقات المغربية الإسبانية مرآة تعكس تعقيدات الجوار الجغرافي وتقاطعات المصالح التاريخية والجيوسياسية. إنها علاقة لم تعرف الاستقرار التام، بل كانت مسرحا لأزمات متكررة كشفت عن تباين الرؤى وعمق التوجسات المستترة. ومع أن الضرورة الاقتصادية والأمنية تفرض شكلا من التعاون العملي، إلا أن جوهر الثقة المفقودة وتأثير النخب التي لا تزال أسيرة نظرات الماضي يحولان دون بناء شراكة استراتيجية حقيقية وراسخة. في هذا السياق، يبقى على الإسبان، أن يعيدوا قراءة قواعد اللعبة، فتجاهل سيادة المغرب أو التعامل مع ملفاته الحيوية بمنطق المساومة لن يؤدي إلا إلى تعميق الفجوة، بينما يفتح الاعتراف الكامل والتعاون الندي الباب أمام مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا للمنطقة بأسرها. الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة