التصفيات الافريقية لمونديال – 2026 ..المنتخب الوطني يخوض حصة تدريبية مفتوحة أمام وسائل الإعلام بعد غد الاثنين قبل مواجهة الكونغو    أزيلال.. حادث سير خطير ينهي حياة 6 أشخاص أغلبهم تلاميذ    رفض السراح المؤقت لمتابعين احداث على خلفية مواجهات امزورن    جبهة القوى الديمقراطية: الخطاب الملكي دعوة لتصحيح مسار التنمية واستعادة الثقة في العمل الحزبي    الخطاب الملكي الذي أوجد للجميع ضالته    "مال القدس" تدعم شركات فلسطينية    أعمو ينتقد ضعف أداء رؤساء الجهات ويدعو إلى تنزيل فعلي للاختصاصات الجهوية    بلال الخنوس.. الموهبة المغربية التي وجدت نفسها في "البوندسليغا"        حين يتكلم العرش… تستيقظ الحقيقة و يتنفس الوطن    مسؤول في حماس: نزع سلاح الحركة "غير وارد وخارج النقاش"    سيول جارفة وانقطاع طرق بسبب تساقطات مطرية غزيرة بجهة الشمال    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    رياض السلطان في النصف الثاني من شهر اكتوبر    الحسيمة تثمن الإبداع والتمكين النسائي‬    حفظ الله غزة وأهلها    "الفيفا" يعين جلال جيد لقيادة مباراة الأرجنتين والمكسيك في ربع نهائي كأس العالم للشباب    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع بأداء سلبي    قبل مواجهة المغرب والكونغو.. اللجنة المنظمة تحدد موعد ومكان سحب تصاريح وقوف السيارات    اجتماع طارئ لبحث تداعيات إغلاق ملعب محمد الخامس    من الاحتجاج إلى الإصلاح.. كيف حوّل الخطاب الملكي غضب الشباب إلى أمل جديد؟    أزمة القراءة... ما بين النص والتناص    "جيل زد" تٌعلق احتجاجاتها مؤقتا بعد خطاب الملك الذي حمل صدى مطالبها    "بورشه" الألمانية تبحث تشديد السياسة التقشفية    أشبال الأطلس في اختبار ناري أمام الولايات المتحدة لتكرار إنجاز مونديال 2005    "تخريب ليلي" يستنفر شرطة البيضاء    اتفاق مبدئي يقرب الأشخاص في وضعية إعاقة من مجانية التنقل بالرباط            بعد 55 عاماً من العلاقات الدبلوماسية.. بكين وروما تجددان التزامهما بالحوار والانفتاح    ماكرون يعيد تعيين لوكورنو رئيسا للوزراء ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة    خطاب جلالة الملك في افتتاح البرلمان : مناشدة التنمية عبر الآلية الديمقراطية    اعتقال حوالي 30 من شباب "جيل Z" خلال افتتاح البرلمان    الأمم المتحدة... متدخلون يحذرون من التواطؤ الثابت بين "البوليساريو" والجماعات الإرهابية    الصين وتايلاند والولايات المتحدة يتفقون على تعزيز التعاون في مجال مكافحة المخدرات    تبون و«الدولة التي لا تُذكر»... عندما يتحول الحقد إلى سياسة رسمية في الجزائر    النازحون يعودون إلى مناطق في غزة    والدة قاصر منتحر تحذر من "روبوتات الدردشة"    سحب بطاقة الصحافة من مدير موقع خالف أخلاقيات المهنة    للاطلاع على الخبرة المحاسبية.. غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمراكش تؤجل جلسة المتابعين في ملف "كوب 22"    كيوسك السبت | 66 ألف مستفيد من دعم السكن إلى حدود الشهر المنصرم    فنزويلية تفوز بجائزة نوبل للسلام 2025    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    السنغال: ارتفاع حصيلة ضحايا حمى الوادي المتصدع إلى 18 وفاة    الصيد البحري... تسويق حوالي 8,2 مليارات درهم من المنتجات حتى نهاية شتنبر 2025    طنجة تحتضن نقاشا إفريقيا واسعا يغذي أمل "استدامة حياة بحار القارة"    الخزينة.. مركز "التجاري غلوبال ريسورش" يتوقع عجزا متحكما فيه بنسبة 3,5% من الناتج الداخلي الخام سنة 2025    بورصة الدار البيضاء تغلق على تراجع    "مؤسسة منتدى أصيلة" تصدر كتابا تكريما لمحمد بن عيسى تضمن 78 شهادة عن مسار الراحل    مهرجان فيزا فور ميوزيك يكشف عن برنامج دورته الثانية عشرة    أطعمة شائعة لا يجب تناولها على معدة خاوية    دراسة: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تغير أعداد البكتيريا المعوية النافعة    لأول مرة في العالم .. زراعة كبد خنزير في جسم إنسان    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيل Z المغربي.. بين الاحتجاج المشروع على الحكومة، وتحريض الإعلام العسكري الجزائري العدائي
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


د.محمد كرواوي
الأربعاء 8 أكتوبر 2025 - 23:05
جيل Z المغربي.. بين الاحتجاج المشروع على الحكومة، وتحريض الإعلام العسكري الجزائري العدائي
في هذه البداية نضع الأساس لفهم طبيعة ما نسميه بالتحريض الإعلامي الجزائري الموجه إلى جيل Z المغربي. ما وقع في الشهور الأخيرة لم يكن مجرد تغطية صحفية عابرة، بل سلسلة من ممارسات إعلامية حملت بصمات واضحة على أنها تتجاوز حدود نقل الخبر إلى محاولة تشكيل وعي الشباب المغربي، ودفعه إلى مسار من الفوضى والاصطدام مع مؤسساته. يظهر هذا من خلال الكم الهائل من المقالات والتقارير التي اختارت زاوية عدائية ثابتة، توظف فيها لغة التحقير والتشفي، وتعيد صياغة الأحداث الاجتماعية في المغرب على أنها انهيار شامل للدولة، لا مجرد أزمة قطاعية أو حادث عرضي.
ما يثير الانتباه هو أن هذه التغطيات لم تكن محايدة، بل مثقلة بالرموز السياسية والدلالات العدائية، إذ أصرت على توصيف احتجاجات جيل Z بكونها "ثورة" و"انتفاضة" و"بداية النهاية للمخزن"، وهي عبارات لا تقال عرضا بل تحمل شحنة أيديولوجية واضحة. مثل هذا الخطاب ليس بريئا، بل موجه بدقة إلى جمهور شاب يتابع الإعلام الرقمي بكثافة، ويعيد تلقف الرسائل المكررة دون تفكير في خلفياتها. إننا أمام عملية دعاية مضادة تسعى إلى تحويل إحباطات اجتماعية واقتصادية مشروعة إلى مواجهة شاملة مع الدولة.
كما أن آلية إعادة إنتاج المحتوى التحريضي أدت وظيفة حاسمة، إذ لم يقتصر الأمر على نشر مقالات رأي أو تقارير، بل تعداه إلى تضمين تغريدات مجهولة المصدر، ومقاطع فيديو مجتزأة من سياقها، ونقل هاشتاغات صادرة عن حسابات غير موثوقة، ثم تقديمها في قوالب صحفية على أنها مطلب الشارع المغربي. بهذا الشكل يصبح الإعلام الجزائري وسيطا يضفي الشرعية على ما هو في الأصل مجرد دعوات عشوائية أو حسابات وهمية، ليتحول إلى صوت داخلي يحاول التحدث باسم المغاربة وهم منه براء.
هذا المدخل يضعنا أمام فرضية أساسية: أن ما نواجهه ليس صحافة تقليدية، بل أداة من أدوات الصراع السياسي بين الجزائر والمغرب، وظفت فيها المنابر الإعلامية لتأجيج الشباب المغربي، خصوصا جيل Z الذي يملك حساسية مفرطة تجاه قضايا العدالة الاجتماعية، لكنه في غياب التأطير المؤسسي يصبح عرضة للتلاعب. من هنا تبدأ أهمية تفكيك هذا الخطاب ورصد أدواته وآثاره، وهو ما سنقوم به تباعا.
أولا، المنابر الإعلامية الجزائرية وأدوارها في صناعة التحريض:
عند تتبع التغطية الجزائرية لأحداث جيل Z بالمغرب، يتضح أن هناك مجموعة من المنابر الإعلامية التي تصدرت المشهد، ليس بهدف الإخبار، بل بقصد تشكيل رواية خبيثة موجهة. من أبرزها صحيفة الشروق، التي اعتادت منذ سنوات أن تجعل من أخبار المغرب مادّة يومية لصناعة العداء. فقد اختارت هذه الجريدة، في مقالات عديدة، عناوين متشنجة وصيغا تنزع نحو التشفي أكثر من الإخبار، فتبرز مشاهد المواجهة بين الأمن والمحتجين، وتصفها بعبارات مثل "قمع دموي" و"انفجار اجتماعي"، في محاولة لترسيخ صورة أن المغرب على حافة الانهيار.
كما برز موقع TSA Algérie الذي ذهب أبعد من ذلك، إذ لم يكتف بالصياغة التهويلية، بل أدرج في تقاريره تغريدات من منصات رقمية تدعو إلى "الزحف على القصر" أو "إسقاط النظام"، وهي دعوات صدرت عن حسابات مجهولة أو مشبوهة، لكنه قدمها كأنها تعبير صادق عن الشارع المغربي. وبذلك انتقل الموقع من ناقل للأخبار إلى مشارك في تضخيم خطاب التحريض، عبر إعطائه مشروعية إعلامية، وتقديمه في قالب رأي عام مغربي بينما هو في الحقيقة مجرد ضجيج رقمي خارجي أو معزول.
من جهة أخرى، ظهرت قنوات رقمية جزائرية أصغر حجما لكنها لعبت دور المكرر الصدى، حيث أعادت نشر نفس الخطاب التحريضي بلغة أكثر فجاجة، مستخدمة في بعض الأحيان أسلوب المقارنة الاستفزازية بين "انتصارات" الجزائر المزعومة و"هزائم" المغرب، لتغذية شعور الغضب والإحباط عند الشباب المغربي. هذه المنابر لا تنتج خطابا أصيلا بقدر ما تعمل على تكراره ونشره على أوسع نطاق، بما يحولها إلى أداة مضاعفة للتحريض بدل أن تكون مصدرا للتحليل الموضوعي.
كل هذه الأمثلة تؤكد أن الإعلام الجزائري لم يتعامل مع احتجاجات جيل Z كأحداث اجتماعية داخل بلد جار، بل حولها إلى مادة للتوظيف السياسي والدعائي. ومن هنا تبرز أهمية قراءة عناوينه وأساليبه ليس باعتبارها مجرد تغطية إخبارية، بل كجزء من عملية ممنهجة لتشويه صورة المغرب وتحريض شبابه على تجاوز الخطوط الفاصلة بين الاحتجاج المشروع والفوضى.
ثانيا، العناوين التحريضية ولغة التهويل في الإعلام الجزائري:
من خلال رصد نماذج من التغطية الجزائرية، يتضح أن العنوان هو السلاح الأول في صناعة التحريض. فقد اختارت صحيفة الشروق عبارات مكثفة تصف احتجاجات جيل Z في المغرب بكونها "غليانا شعبيا" و"انفجارا اجتماعيا غير مسبوق"، وهي صياغات تخرج عن الحياد الصحفي إلى التنبؤ بزوال النظام. مثل هذه اللغة لا تعطي القارئ خبرا موضوعيا، بل تقدم له حكما جاهزا ومشحونا يوحي بأن المغرب يعيش لحظة انهيار.
وفي موقع TSA Algérie برزت عناوين أكثر حدة، من قبيل "المخزن في مواجهة شباب غاضب" و"المغاربة يطالبون بإسقاط الفساد"، مع التركيز على مشاهد المواجهة والاشتباك، وتجاهل تام للمطالب الاجتماعية الأصلية المرتبطة بالصحة والتعليم. الأكثر خطورة أن بعض هذه المقالات لم تتردد في إدراج عبارات من حسابات مجهولة مثل "الزحف على القصر" و"ليلة الحسم"، لتضفي عليها صفة الحقيقة الإعلامية. هنا يتحول العنوان إلى أداة شرعنة لدعوات رقمية عابرة، وكأنها إجماع وطني مغربي.
أما بعض القنوات الجزائرية الرقمية فذهبت نحو خطاب أكثر عدوانية، حيث صدرت مقالاتها بعناوين من قبيل "المغرب يحترق" أو "جيل Z يشعل الثورة"، في استدعاء متعمد لمفردات الحريق والثورة، بما يغري القارئ بالتصديق أن الشارع المغربي على أعتاب قطيعة كبرى مع مؤسساته. هذه اللغة ليست بريئة، بل تستبطن رسالة مزدوجة: تأليب الداخل المغربي، وتقديم صورة قاتمة للمغرب في الخارج.
وبذلك يتضح أن العناوين لم تصغ لتلخيص المحتوى الصحفي فحسب، بل لتعمل عمل البيانات السياسية. فهي تعلن حكما مسبقا، وتعيد صياغة الواقع في قالب يتسق مع الرواية الرسمية الجزائرية المعادية للمغرب. ومن هنا، فإن رصد هذه العناوين يشكل جزءا أساسيا من إثبات أن ما جرى لم يكن تغطية إعلامية عادية، بل ممارسة تحريضية ممنهجة تستهدف جيل Z المغربي بشكل مباشر.
ثالثا، إعادة تدوير المحتوى الرقمي المجهول كأداة للتحريض:
من المظاهر الأكثر خطورة في التحريض الإعلامي الجزائري أن بعض المنابر لم تكتف بصياغة عناوين مثيرة، بل مارست إعادة تدوير لمحتويات رقمية مجهولة المصدر، مقدمة إياها على أنها التعبير الأصيل عن صوت الشارع المغربي. فقد لاحظنا أن موقع TSA Algérie على سبيل المثال أدرج ضمن تقاريره تغريدات صادرة عن حسابات على منصة X تدعو إلى "الزحف على القصر" و"ليلة الغضب الكبرى"، مع أنها لا تعكس إجماعا ولا حتى رأيا معتبرا داخل المغرب، وإنما مجرد أصوات هامشية أو حسابات قد تكون وهمية أو مدارة من الخارج. إلا أن إعادة نشرها في قالب إعلامي منحها صفة الشرعية وأضفى عليها وزنا يتجاوز حجمها الحقيقي.
كذلك لم تتردد صحيفة الشروق في نقل صور وفيديوهات منشورة على تيك توك وديسكورد، تظهر لقطات عنف مجتزأة من سياقها، وقدمتها بوصفها "دليلا على أن الشباب المغربي انتقل إلى المواجهة المفتوحة". غير أن هذه المقاطع، كما تبين لاحقا، التقطت في لحظات معزولة أو حتى خارج المغرب، لكن إعادة تدويرها في المقالات الجزائرية جعلها جزءا من رواية التحريض المستمرة. إنها آلية تقوم على التضخيم: ما هو صغير يقدم كبيرا، وما هو معزول يسوق كظاهرة.
الأخطر من ذلك أن بعض القنوات الجزائرية على يوتيوب أعادت نشر مقاطع مأخوذة من حسابات مغربية معارضة، لكن مع مونتاج جديد يضيف تعليقات تحريضية، ويقرنها بموسيقى وشعارات ثورية لإثارة الانفعال. وبهذا لم يعد الأمر نقلا للأخبار، بل عملية صناعة صورة ذهنية مقصودة لجيل Z المغربي، مفادها أن خيار التصعيد هو الحل الوحيد. إنها محاولة لجر الشباب نحو قناعة مسبقة: أن التظاهر السلمي لا يجدي، وأن العنف هو الطريق.
هذه الممارسات تبين أن الإعلام الجزائري لم يكن مجرد متابع خارجي، بل شريك في نشر وتحريف المحتوى، عبر إعادة تدويره وانتزاعه من سياقه المحلي. وفي ظل حساسية جيل Z للمنصات الرقمية وتفاعله السريع مع الصور والفيديوهات، يصبح هذا النوع من التضليل مضاعف الأثر، إذ يوجه الغضب العفوي نحو مسارات الفوضى بدل مسارات الإصلاح.
رابعا، أساليب الخطاب التحريضي بين التشفي والمقارنة والتهويل:
إذا دققنا في النصوص والمضامين الجزائرية التي رافقت احتجاجات جيل Z بالمغرب، نلمس بوضوح أنها اعتمدت ثلاثة أساليب خطابية رئيسة: التشفي، والمقارنة الاستفزازية، والتهويل الممنهج. هذه الأساليب ليست عفوية، بل تدخل في استراتيجية مدروسة تجعل المتلقي المغربي، وخاصة الشاب المتأثر بالمنصات الرقمية، يقرأ ذاته من خلال عين الخصم، فيتبنى صورة قاتمة عن وضعه ويفقد الثقة في أفق الإصلاح.
أولا، التشفي: يظهر في صياغات من قبيل المغرب يحترق أو المخزن يترنح. وهي تعابير لا تخفي فرحا خفيا بمعاناة بلد جار. لم يرد هذا الأسلوب مرة أو مرتين، بل تكرر بشكل منهجي في عناوين وتقارير متعددة، ما يحول الإعلام من وسيط خبري إلى طرف يصفي حسابات سياسية على حساب شباب يعاني واقعه الاجتماعي. فالتشفي هنا ليس مجرد موقف لغوي، بل وسيلة لدفع الشاب المغربي إلى قناعة أن بلده ضعيف ومكشوف أمام جيرانه.
ثانيا، المقارنة الاستفزازية: وهي من أبرز آليات التحريض، إذ دأبت بعض الصحف الجزائرية على مقابلة ما تسميه "إنجازات الجزائر" مع "أزمات المغر"، وكأنها تقول لشباب جيل Z: أنظروا كيف تتقدم الجارة بينما أنتم تغرقون في الفوضى. هذه المقارنات ليست مبنية على معطيات اقتصادية أو اجتماعية دقيقة، بل على تضخيم منجزات طرف واحد وتبخيس كل ما تحقق في الطرف الآخر. الغرض منها ليس الإخبار، بل توليد شعور بالنقص والغضب لدى المتلقي المغربي، بما يدفعه نحو تبني مواقف عدائية تجاه مؤسساته.
ثالثا، التهويل الممنهج: يتمثل في تصوير احتجاجات محدودة النطاق كأنها انتفاضة شاملة أو ثورة عارمة. يستخدم الإعلام الجزائري في هذا السياق لغة كثيفة بالتضخيم، مثل "انفجار اجتماعي"، "ليلة الغضب الكبرى"، أو "الشارع المغربي يثور"، رغم أن الوقائع على الأرض كانت متفرقة ومتباينة بين مدينة وأخرى. هذه اللغة تسعى إلى خلق انطباع بأن المغرب على وشك الانهيار، وأن جيل Z هو طليعة هذا الانهيار. بهذا يخرج الخطاب الإعلامي من وظيفته الصحفية ليؤدي وظيفة تعبئة وتحريض.
كل هذه الأساليب مجتمعة تصنع تأثيرا مضاعفا: فهي من جهة توظف لغة عدائية لإضعاف صورة الدولة المغربية في أعين شبابها، ومن جهة أخرى تضخم الفوضى لتبرير التحريض على مزيد من الفوضى. إنها دائرة مغلقة من السلبية، هدفها أن يستيقظ جيل Z المغربي على رسالة واحدة: لا أمل لكم إلا في مواجهة مؤسساتكم. وهذا بالضبط جوهر التحريض الإعلامي الذي نرصد خيوطه.
خامسا، أثر الخطاب التحريضي على المتلقي المغربي: جيل Z في الفضاء الرقمي
إنّ أخطر ما في الخطاب الإعلامي الجزائري المحرض ليس فقط اللغة التي صيغ بها، بل الأثر النفسي والمعنوي الذي خلفه على المتلقي المغربي، وخاصة فئة جيل Z التي تعيش أصلا في تماس مباشر مع المنصات الرقمية وتشكل مواقفها بسرعة فائقة تحت ضغط الصور والهاشتاغات والفيديوهات. لقد أصبح هذا الجيل عرضة لتأثير مزدوج: إحباط داخلي بسبب التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، وضغط خارجي بفعل خطاب إعلامي يوجهه نحو مسارات الفوضى.
فأول انعكاس يلاحظ هو تأثير التكرار الرقمي. فقد جعلت كثافة إعادة نشر مقاطع وصور مشحونة بالعنف، مقرونة بعناوين عدائية، الشباب المغربي يعيش انطباعا بأن البلاد كلها على وشك الانهيار. مع أن الواقع كان يختلف، إلا أن الاستهلاك الرقمي المتواصل، خاصة في فضاءات مثل تيك توك وإنستغرام، رسخ في أذهانهم صورة مظلمة. التكرار في الإعلام الجزائري صنع ما يشبه غرفة صدى ضاغطة، حيث يتحول الحدث العابر إلى أزمة وطنية لا مفر من التصعيد فيها.
ثاني انعكاس هو إضعاف الثقة في المؤسسات. حين يصور الأمن المغربي في الخطاب الجزائري بوصفه خصما وحيدا للشباب، فإن هذا يغذي قناعة بأن كل مؤسسات الدولة متواطئة ضد الجيل الجديد. هذه الصورة السلبية، التي تبنى على مشاهد مجتزأة، تجعل الشباب يفقدون الثقة في إمكانية الإصلاح التدريجي، ويندفعون نحو القطيعة الكاملة. في هذه النقطة بالذات يتحقق هدف التحريض: تفكيك الرابط بين المواطن والمؤسسة.
ثالث انعكاس هو التأثير العاطفي المفرط. إن جيل Z في المغرب، باعتباره جيلا رقميا بامتياز، يتفاعل مع الصور والموسيقى والمقاطع القصيرة أكثر من المقالات الطويلة. لذلك فإن التحريض الإعلامي الجزائري، حين أعاد نشر فيديوهات مشفوعة بتعليقات ثورية ومؤثرات صوتية، نجح في مضاعفة الانفعال لدى الشباب، ما زاد من احتمال انزلاق بعضهم من التظاهر السلمي إلى سلوك عدواني. العاطفة هنا تصبح أداة تعبئة أسرع من أي خطاب عقلاني.
رابع انعكاس هو تغذية الانقسام الداخلي. إذ أن بعض الشباب بدأوا بتبني خطاب التحريض كما هو، وإعادة ترويجه داخل الفضاء المغربي ذاته، ما أدى إلى تصدع داخلي بين من يتمسك بالسلمية وبين من يرى في الفوضى خيارا مشروعا. بهذا المعنى، تجاوز أثر الإعلام الجزائري حدود التغطية ليصبح جزءا من الخطاب الداخلي الذي يهدد وحدة جيل Z ويشوه وعيه السياسي والاجتماعي.
بهذا، يمكن القول إن التحريض الإعلامي الجزائري لم يكن مجرد ضجيج خارجي، بل ترك بصماته داخل المزاج الشبابي المغربي، بما ولد حالة من عدم التوازن بين الوعي النقدي والاندفاع العاطفي. وهو ما يجعل مواجهة هذا الخطاب ضرورية لحماية الوعي الجماعي من الانزلاق نحو التبني الأعمى لروايات معادية.
سادسا، الخلفيات السياسية والإقليمية للتحريض الجزائري ضد جيل Z المغربي:
حين نتأمل توقيت وحِدة التحريض الإعلامي الجزائري الموجه نحو جيل Z المغربي، يتبين أنه ليس وليد الصدفة، بل يعكس رهانات سياسية وإقليمية متشابكة. الجزائر، التي تجد نفسها منذ سنوات في حالة توتر دائم مع المغرب بسبب ملف الصحراء أساسا، تبحث عن كل منفذ لتقويض صورة المملكة داخليا وخارجيا. ومن هنا يصبح جيل Z المغربي، بصفته الفئة الأكثر نشاطا في الفضاء الرقمي، هدفا مثاليا للحملات الإعلامية التي تسعى إلى ضرب الثقة بين الشباب والدولة.
أول خلفية تكمن في الصراع الدبلوماسي حول الصحراء المغربية. فمنذ أن حقق المغرب اختراقات دولية بدعم مقترح الحكم الذاتي، شعرت الجزائر بانحسار خطابها الخارجي، فانتقلت إلى جبهة أخرى: الجبهة الإعلامية. وهكذا، صار الإعلام الجزائري يحاول تضخيم كل أزمة اجتماعية في المغرب، وتقديمها للعالم بوصفها دليلا على فشل النموذج المغربي. الغاية من ذلك مزدوجة: من جهة التشويش على مكاسب المغرب الدبلوماسية، ومن جهة أخرى دفع شباب جيل Z إلى التشكيك في جدوى الدفاع عن وحدة الوطن.
ثاني خلفية تتصل بالوضع الداخلي الجزائري. فالجزائر تعيش بدورها أزمات اجتماعية واقتصادية خانقة، وحركات احتجاجية شبابية برزت منذ الحراك الشعبي في 2019. لذلك، فإن تضخيم احتجاجات جيل Z المغربي يخدم غرضا داخليا: صرف أنظار الرأي العام الجزائري عن مشاكله الخاصة، عبر تصوير المغرب على أنه النموذج الأسوأ. هذه الآلية تتيح للنظام الجزائري تقديم نفسه لشبابه على أنه أكثر استقرارا وشرعية مقارنة بالجوار.
ثالث خلفية ترتبط بالتنافس الإقليمي على قيادة شمال إفريقيا. فالمغرب راكم خلال العقد الأخير مبادرات اقتصادية واستراتيجية كبرى، من بينها مشاريع الطاقة والربط القاري، بينما تتراجع الجزائر في موقعها كفاعل إقليمي. هذا التفاوت يغذي نزعة عدائية تسعى إلى كسر صورة المغرب كمركز استقرار وتنمية، عبر إظهاره في إعلام الجزائر كبلد مأزوم يعيش على وقع شباب غاضب. إنها محاولة لإعادة تشكيل ميزان القوة السياسي في المنطقة.
رابع خلفية تعود إلى الحرب الإعلامية بالوكالة. فالجزائر لا تعمل بمعزل، بل تستفيد من شبكات إعلامية إقليمية ودولية تتقاطع معها في العداء للمغرب. ومن ثم، يصبح التركيز على جيل Z المغربي وسيلة لضرب أكثر الفئات الحيوية في المجتمع المغربي، إذ يراد لها أن تتحول من طاقة تغيير إيجابي إلى قوة فوضى داخلية. بهذه الاستراتيجية، تتجاوز الجزائر منطق الدولة الجارة إلى منطق الصراع المفتوح، حيث الإعلام يوظف كسلاح مواز للدبلوماسية والاقتصاد.
هذا يوضح أن التحريض الإعلامي ليس مسألة صحفية، بل خيار استراتيجي يندرج ضمن سياسة إضعاف المغرب. ويفسر أيضا لماذا كان التركيز على جيل Z بالذات، باعتباره أضعف حلقة في منظومة المناعة الوطنية إذا ترك دون تأطير. وهنا تكمن خطورة الخطاب الجزائري في بعده السياسي الإقليمي.
سابعا، في مواجهة التحريض الإعلامي الجزائري:
بعد استعراض ممارسات الإعلام الجزائري تجاه احتجاجات جيل Z المغربي، يتأكد أننا أمام منظومة دعائية ممنهجة وليست مجرد انحرافات مهنية معزولة. فقد اتضح أن المنابر الجزائرية تبنت خطا ثابتا يقوم على تضخيم الأحداث، إعادة تدوير المحتويات الرقمية المجهولة، استخدام لغة التشفي والتهويل، وتوظيف المقارنات الاستفزازية. والهدف المركزي من ذلك كان ولا يزال: ضرب الثقة بين الشباب المغربي ومؤسساته، وتحويل الاحتجاج الاجتماعي المشروع إلى وقود للفوضى والتصعيد.
لقد رأينا كيف أن العناوين العدائية، والمضامين المقتطعة من سياقاتها، والمقاطع المحرفة بالصور والمؤثرات، كلها اجتمعت لتصنع رواية إعلامية بديلة، تصور المغرب وكأنه على وشك الانهيار. ورأينا أيضا أن جيل Z المغربي، بحساسيته الشديدة للفضاء الرقمي، كان الهدف الأسهل لهذا الخطاب. وهنا يكمن الخطر الأكبر: أن يتحول الإحباط الداخلي إلى قناعة مستوردة بأن لا جدوى إلا في العنف والقطيعة.
إن مواجهة هذا التحريض تتطلب خطة متعددة الأبعاد. أولها بعد إعلامي: بناء خطاب وطني بديل قادر على تفكيك الروايات المغلوطة وكشف تهافتها بالأدلة، مع تطوير محتويات رقمية موجهة للشباب بلغة يفهمها وبإيقاع يستهويه. ثانيها بعد تربوي ثقافي: تعزيز التربية الإعلامية والوعي النقدي في صفوف جيل Z حتى لا يقع فريسة سهلة للدعاية المعادية. وثالثها بعد دبلوماسي: فضح هذه الممارسات في المحافل الدولية باعتبارها جزءا من حرب إعلامية تتعارض مع قواعد حسن الجوار.
وتأسيسا على ذلك، ينبغي التأكيد على أن قوة المغرب ليست فقط في مؤسساته وأجهزته، بل في وعي شبابه. فإذا نجح المغرب في تأطير جيل Z ومنحه آليات التعبير السلمي والمشاركة الفاعلة، فلن تنجح أي حملة خارجية في تحريضه أو جره نحو الفوضى. فالمعركة الأساسية ليست مع الإعلام الجزائري وحده، بل مع هشاشة الثقة داخل النفوس. وإذا ردت هذه الثقة إلى مكانها الصحيح، سيبقى خطاب التحريض مجرد ضجيج خارجي لا أثر له في الميدان.
كاتب وأكاديمي مغربي
الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.