1. الرئيسية 2. المغرب الوردي ل "الصحيفة": خطاب الملك دعوة لتغيير العقليات التي مازالت أسيرة البيروقراطية ومنطق تدبير الوقت بدل تدبير النتائج الصحيفة - خولة اجعيفري الجمعة 10 أكتوبر 2025 - 21:07 أكد الملك محمد السادس أن التحول الكبير على مستوى التنمية الترابية يتطلب تغييرا ملموسا في العقليات، وفي طريقة العمل، وترسيخا حقيقيا لثقافة النتائج. وقال الملك، في خطابه الذي وجهه إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، إن "التحول الكبير، الذي نسعى إلى تحقيقه على مستوى التنمية الترابية، يتطلب تغييرا ملموسا في العقليات، وفي طريقة العمل، وترسيخا حقيقيا لثقافة النتائج؛ وذلك بناء على معطيات ميدانية دقيقة، وباستعمال التكنولوجيات الرقمية". وبعدما ذكر الملك بدعوته في خطاب العرش الأخير، إلى تسريع مسيرة المغرب الصاعد، وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، أكد أن الأمر يتعلق بقضايا كبرى تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني. وأوضح أنه "لذلك، ننتظر وتيرة أسرع، وأثرا أقوى للجيل الجديد من برامج التنمية الترابية، التي وجهنا الحكومة لإعدادها، وذلك في إطار علاقات رابح - رابح بين المجالات الحضرية والقروية". وتابع الملك محمد السادس أن الأمر يتعلق، على الخصوص، "بالقضايا الرئيسية، ذات الأسبقية التي حددناها؛ وعلى رأسها تشجيع المبادرات المحلية، والأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل للشباب، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة، وبالتأهيل الترابي". في هذا السياق، قال عباس الوردي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة جاء امتدادا مباشرا لخطاب العرش، لكنه حمل هذه المرة بعدا عمليا أكثر وضوحا، إذ شدد على رفض منطق "مغرب بسرعتين" وعلى ضرورة إحداث تحول عميق في أسلوب تدبير الشأن العام. ويرى الوردي في تصريح ل "الصحيفة" حلل فيه مضامين الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الخريفية، أن هذا الأخير حمل رسالة سياسية مفادها أن زمن الخطابات العامة والشعارات الفضفاضة قد انتهى، وأن المطلوب اليوم هو ترسيخ ثقافة النتائج وربط المسؤولية بالمحاسبة على أرض الواقع. ويضيف الخبير السياسي، أن الملك قدّم ما يشبه "خريطة طريق دقيقة" أمام جميع الفاعلين، سواء كانوا سياسيين أو إداريين أو منتخبين أو حتى فاعلين مدنيين وهذه الخريطة تقوم، بحسب الوردي، على مجموعة من المرتكزات الأساسية أولها تغيير العقليات التي مازالت في كثير من الأحيان أسيرة البيروقراطية ومنطق تدبير الوقت بدل تدبير النتائج، وثانيها تبسيط المساطر الإدارية بما يجعلها رافعة لتسهيل الاستثمار وجلب الثقة، وثالثها اعتماد التكنولوجيا الرقمية كأداة لضمان الشفافية ومتابعة أثر المشاريع التنموية بشكل لحظي وواقعي. ويشدد على أن الخطاب لم يكن سياسياً بالمعنى الضيق، بل تنمويا بامتياز لأنه ربط بين التنمية والكرامة الإنسانية من جهة، وبين التنمية الترابية والعدالة المجالية من جهة ثانية. ويشير الوردي إلى أن الخطاب الملكي أعاد التأكيد على محورية المجال القروي في أي رؤية مستقبلية للتنمية، مبرزا أن تنمية المغرب لا يمكن أن تتحقق في ظل بقاء الفوارق بين المركز والهامش، لذلك دعا الملك إلى اعتماد تدبير مهيكل ومستدام للمجال القروي، عبر توسيع نطاق المراكز الصاعدة لتقريب الخدمات الأساسية من المواطنين، سواء تعلق الأمر بالتعليم أو الصحة أو الخدمات الإدارية. وأبرز الوردي أن الخطاب شدد على أن التنمية الحقيقية لا بد أن تعيد إدماج المناطق الجبلية والواحات في الدورة الوطنية للنمو، عبر سياسات عمومية مندمجة تراعي الخصوصيات المحلية وتستثمر المؤهلات الطبيعية والبشرية لهذه المجالات. ويرى أستاذ العلوم السياسية أن هذه الإشارات ليست مجرد عناوين عامة، بل تشكل خطة اختبار واضحة أمام الحكومة والجماعات الترابية على السواء، إذ لم يعد مقبولا أن يبقى العالم القروي على هامش التنمية أو أن تظل الجبال تعاني من عزلة وانعدام خدمات أساسية. ويعتبر أن الدعوة الملكية إلى توسيع المراكز القروية تحمل في جوهرها بعدا تنظيميا وتنمويا مزدوجا فهي من جهة وسيلة لتدبير التوسع الحضري والحد من آثاره السلبية، ومن جهة أخرى وسيلة لضمان توزيع عادل ومتوازن للخدمات على السكان. وفي ما يشبه التنبيه السياسي المباشر، يبرز الوردي أن الخطاب حمّل الأحزاب السياسية والبرلمان والمجتمع المدني مسؤولية واضحة في تأطير المواطنين والتواصل معهم بصدق وشفافية، بعيدا عن الخطابات الانتخابية الضيقة أو الحسابات السياسية القصيرة المدى. ويؤكد أن الثقة، كما ورد في الخطاب، لا تُبنى عبر وعود تُسطر على الورق، بل عبر الفعل الميداني والإنجازات الملموسة التي يمكن قياسها في المدرسة والمستشفى والطريق وفرص الشغل. كما شدد الوردي على أن الخطاب لم يغفل البُعد الخارجي المرتبط بالقضايا الوطنية الكبرى، إذ ذكّر بدور الدبلوماسية البرلمانية والحزبية والموازية باعتبارها آلية حاسمة في الدفاع عن المصالح العليا للبلاد، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية، وأبرز أن الملك أعطى دفعة قوية لهذه الدبلوماسية، مطالبا الأحزاب والبرلمانيين بأن يكونوا في مستوى التحديات الإقليمية والدولية، وأن يوظفوا حضورهم الخارجي لخدمة صورة المغرب وتعزيز مواقفه الاستراتيجية. وأشار الوردي تفي حليله على أن الخطاب الملكي يمثل خارطة طريق واضحة نحو نموذج تنموي متجدد، يضع الإنسان في صميم العملية التنموية، ويؤكد أن التنمية ليست مجرد مشاريع مهيكلة أو أرقام ميزانيات، بل مسار متكامل يجعل العدالة الاجتماعية والمجالية محور كل تدخل مشيرا إلى أن الخطاب يربط بين الاستمرارية في العمل وبين القطع مع الممارسات القديمة التي كانت تؤدي إلى هدر الزمن التنموي، كما أوضحأن بناء مغرب متوازن ومتماسك من طنجة إلى الكويرة لن يتحقق إلا إذا تم الالتزام فعلياً بهذا النهج القائم على النتائج والمحاسبة والإنصات لمطالب الشارع والمناطق الهامشية.