فويرتيفينتورا تحتفي بالتنوع الثقافي في الدورة الخامسة من مهرجان "ما بين الثقافتين"    لجنة ال24 .. أبا يبرز دينامية الدعم الدولي لمغربية الصحراء ولمخطط الحكم الذاتي    أخنوش: "نواقص راميد" مستدرَكة .. وتقارير أممية تشهد لنجاح الدعم    وهبي يكشف ضمان تعديلات المسطرة المدنية توسيع حقوق الدفاع    "فائض مالي" يتيح لجماعة الرباط اقتناء عقارات وإصلاح واجهات بنايات    الواقع أقوى من الإشاعة    محمد سعد العلمي ضيف برنامج "في حضرة المعتمد" بشفشاون    شركة ايطالية تطلق عملية "مرحبا 2025" وتكشف عن سفينتها الجديدة من طنجة    أين الخلل في تدبير شاطئ رأس الرمل؟    حادثة سير خطيرة بطنجة تُرسل شابين في حالة حرجة إلى المستشفى    بلاغ صحافي : خطة "تسديد التبليغ"    فرع تمارة للحزب الإشتراكي الموحد يقدم رؤية جذرية لمعالجةالمسألة العقارية بالمغرب    عبير عزيم في ضيافة الصالون السيميائي بمدينة مكناس    تتويج عبد الحق صابر تيكروين بجائزة "زرياب المهارات" تقديرا لمنجزه الفني في مجال التأليف الموسيقي    مباراة ودية.. فريق الوداد الرياضي ينهزم أمام إشبيلية الإسباني (1-0)    برشلونة يُجدد عقد لامين جمال حتى 2031 ويؤكد تمسكه بموهبته الصاعدة    سوريا تغلق مقرات البوليساريو بدمشق و تحول إستراتيجي يعمق عزلة الجزائر الدولية.    فاتح ذي الحجة بعد غد الخميس وعيد الأضحى يوم السبت 7 يونيو 2025    د. الحسن عبيابة في ندوة حول " العيون عاصمة المجتمع المدني".. ويتساءل ؟: من أين جاءت البداية … ؟ !    حريق يلتهم 30 هكتارا ضواحي طنجة.. الرياح تعقد مهمة فرق الإطفاء    غيابات وازنة في قائمة الركراكي لوديتي تونس والبينين    اختراق دبلوماسي مغربي في العمق الإفريقي يُضعف أطروحة الانفصال    نفقات الأحزاب السياسية لسنة 2023 بلغت 91,37 مليون درهم    خريصي: الإنسان المعاصر أداة في يد نظام اقتصادي يوجهه للاستهلاك ويجعل وجوده استعراضيا    كيف تحمون أنفسكم من موجات الحر؟    هل تنتظر المغاربة عقوبات بسبب ذبح الأضاحي؟    نشرة انذارية : زخات رعدية قوية بعدد من مناطق المملكة    المبارتان الوديتان ضد تونس وبنين فرصة جيدة لتأكيد الخيارات قبل كأس أمم إفريقيا (وليد الركراكي)    بعد أيام من دعوة الفريق الاشتراكي لحضور مديره للمساءلة حول السياسة المالية للمؤسسة ..ONEE يقترض 300 مليون أورو في ظل مديونية جد ثقيلة تفوق 100 مليار درهم    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    "تمويل أخضر" جديد يعزز التزام مجموعة الفوسفاط بالاستدامة والابتكار    بوعياش تبرز تحديات الذكاء الاصطناعي    مؤسسة محمد السادس تحتفي بتميّز أسرة التعليم في الشعر بعدة لغات    السعودية: عيد الأضحى الجمعة 6 يونيو    "الكاف" يكشف عن الملاعب المستضيفة لمباريات كأس الأمم الأفريقية للسيدات بالمغرب    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات ": لمحات من سيرة العلامة المحقق المرحوم عبد الله المرابط الترغي.    كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال تستضيف الإعلامية حنان رحاب    حاجيات البنوك من السيولة تتراجع إلى 118,7 مليار درهم خلال أبريل 2025 (مديرية)    الركراكي يعلن ثقته في تتويج المغرب بكأس إفريقيا: "حكيمي سيرفع الكأس"    موجة حر مرتقبة.. طبيب ينبه للمضاعافت الصحية ويدعو لاتخاذ الاحتياطات    الركراكي: تلقينا اتصالات من الأندية من أجل ترك لاعبيهم واخترت فاس لأن المنتخب لم يلعب هناك ل16 سنة    يوعابد ل"برلمان.كوم": موجة حر قياسية وغير مستقرة مرتقبة هذه الأيام بالمملكة    مبيعات "تيسلا" تتراجع إلى النصف في أوروبا    تلسكوب "جيمس ويب" يلتقط صورة لأبعد مجرة على الإطلاق حتى الآن    تزامناً مع موجة الحر.. الدكتور حمضي يكشف عن إجراءات مهمّة لتجنب المخاطر الصحية    تراجع أسعار النفط وسط ترقب احتمال زيادة إنتاج "أوبك+"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    حقيقة صفع ماكرون من طرف زوجته بريجيت..    دراسة: الموز يساعد على خفض ضغط الدم بشكل طبيعي    الصين تكشف عن مخطط عمل لسلاسل الإمداد الرقمية والذكية    معرض الصين الدولي للسياحة 2025: المغرب يستكشف أكبر سوق سياحي في العالم    التهراوي: تسجيل تراجع بنسبة 80 في المائة في عدد حالات الحصبة بفضل حملة التلقيح    الحرب الأوكرانية.. الهوية الدينية مفتاح الحرب والسلام في الدول الأوروبية    الخوف كوسيلة للهيمنة: كيف شوّه بعض رجال الدين صورة الله؟ بقلم // محمد بوفتاس    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    









التمرة التي أفاضت الكأس
نشر في الصحيفة يوم 02 - 05 - 2021

هل سمعتم يوما أن هناك نوعاً من النخيل يموت بموت زارعه؟ قصص وحكايات عديدة رويت حول العلاقة الروحية التي تنشأ بين النخلة والإنسان، تماما كما العلاقة بينه والحيوان. جاء في الأثر الشريف قول الرسول عليه الصلاة والسلام «أكرموا عمتكم النخلة". ولما سأل الصحابة عن سر العلاقة مع هذا المخلوق، رد سيد الخلق كونها خلقت من بقية خميرة سيدنا آدم. فهناك تطابق كبير بين النخلة والآدميين بحيث يبدو أنها الشجرة الوحيدة التي إذا قطع رأسها هلكت كالإنسان. وإذا قطع منها غصن لا يخلفه غصن آخر كعضو بديل في آن.
كثيرا ما أثير الجانب العاطفي للنبات من خلال تمظهرات غريبة تعكس حنانه وبكائه. إلا أن العديد يلقون صعوبة في استيعاب موضوع الموت حزنا على الإنسان، ولو أن أجدادنا ساقوا حكايات كثيرة حول حالات عديدة سجلت ضياع حقول للنخيل جراء قضاء صاحبها. وفي غياب أدلة علمية تفيد بمدى تأثر النبات حزنا على وفاة الإنسان، تبقى هذه النظرية في حاجة إلى برهان.
لكن ماذا عن تأثر الإنسان بفقدان نخل الواحات والوديان؟ هذه حقيقة لا تحتاج إلى تأكيد أو نفي أو نكران. "واحة العرجة" وما صاحبها من عمليات اقتلاع وترحيل العمة النخلة تقدم أبلغ بيان. حيث أقدمت السلطات الجزائرية على قرار إغلاق كل المعابر الحدودية وطرد مزارعين مغاربة بسطاء من أراض زرعوا فيها النخيل وجنوا منها التمور لسنين وعقود على المنطقة الحدودية بين المغرب والجارة الشقيقة، غير أبهة بوصاية تكريم "العمة النخلة" فبالأحرى تكريم الجار الشقيق، وهو ما رد عليه مزارعون مغاربة من مدينة فكيك والضواحي بمظاهرات ضد القرار المباغت للسلطات الجزائرية حاملين شعار: "العرجة مغربية بالتاريخ والاستغلال"، لتتدخل السلطات المغربية وتمنع المتظاهرين الغاضبين من التوجه بالمظاهرة إلى منطقة الحدود.
الضيعات التي شملها قرار الجارة تضم 70 ألف شجرة نخيل. فهل هي "أزمة العمة"؟ أم هي جراح الماضي الغائرة التي لم تندمل بعد؟ أم مجرد مشهد يعكس وضعية ومآسي سكان المناطق الحدودية؟ أم هو نزوح العسكرتاريا الجارة إلى نقل جزء من الأزمة خارج الحدود من خلال خلق بؤر توتر مع المملكة الجارة؟
السلطات الجارة عللت موقفها المفاجئ هذا انطلاقا من اتفاقية 1972 التي رسمت بموجبها الحدود بين البلدين والتي بمقتضاها يحق للجارة استرجاع أراضيها وفق تقديرها. وحتى لو سلمنا جدلا بصحة هذا الطرح، يبقى السؤال: لماذا هذا القرار في هذا التوقيت بالذات بعد نصف قرن من الزمن؟ بتعبير آخر ماذا تغير اليوم، بعد خمسة عقود، حتى تقرر الجارة ضرورة "استرجاع" أراضيها؟
لنعد إلى اتفاقية 1972 التي رأت فيها الجارة اليوم حجية لقرارها الذي سقط فُجَاءَة. الفصل السابع من الاتفاقية المذكورة جاء كما يلي:
"اتفق الطرفان المتعاقدان الساميان على أن مُقتضيات هذه المعاهدة تسوي نهائيا قضايا الحدود بين المغرب والجزائر". وبعد مرور سنة على توقيع الاتفاقية، أي عام 1973، بادرت السلطات الجارة إلى نشرها بالجريدة الرسمية الجزائرية، وهي الجريدة نفسها التي تضمنت نص التصريح المغربي الجزائري والذي يؤكد على "نهج سياسة حسن الجوار بين البلدين الشقيقين". الفصل الموالي من الاتفاقية، أي الفصل الثامن، يشير إلى ما يلي: "يجري العمل بهذه المعاهدة عند تبادل وثائق المصادقة"، وهو الأمر الذي لم يحدث إلا بعد 17 عاما، أي سنة 1989. بعدها بثلاث سنوات أي عام 1992 تم النشر بالجريدة الرسمية للمملكة.
وهنا لابد من ملاحظتين: هرولة الجارة إلى المصادقة على الاتفاقية-المكسب من جهة وتأخر المغرب لعقدين من الزمن للمصادقة عليها من جهة أخرى. فماذا يعني هذا التأخير؟ هل له علاقة باسترجاع الأقاليم الصحراوية؟ أم هو شعور بالإجحاف والحيف؟ أم تنازل طوع الإرادة لتطويع عناد جوار شَمُوس؟
شاهد عصر، أحمد عصمان، الوزير الأول السابق ورئيس مجلس النواب آنذاك، سبق وأن أدلى بتصريح لجريدة الشرق الأوسط سنة 2002 منبها: "لابد من مراجعة اتفاقية الحدود بين المغرب والجزائر طال الزمن أم قصر، لأنها لم تقدم للبرلمان قصد المناقشة والمصادقة". بمعنى أن هناك علّة قانونية شابت المصادقة عليها من الجانب المغربي، معللا طرحه بالقول: "مقتضيات الدستور تنص على أن الاتفاقيات مع الدول يوقع عليها الملك ويصادق عليها، إلا في حالة الاتفاقيات التي تترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة، وفي هذه الحالة تكون الموافقة عليها بقانون. ومن الواضح الانعكاسات الكبيرة لهذه الاتفاقية على مالية الدولة وعلى البلاد ككل. وبما أن البرلمان لم يصادق على اتفاقية الحدود المغربية-الجزائرية، فإنها اتفاقية غير مصادق عليها دستوريا حتى الآن".
هذا كلام نابع من شخص كان على رأس التشريع المغربي آنذاك. وحسب تصريحه، دائما، فقد كان الوحيد الذي عارض اتفاقية 1972 ضمن زعماء الأحزاب السياسية. وهو على ما يبدو موقف تبرره صفة الرجل آنذاك أي رئيس مجلس الشعب المغربي.
لكن وبما أن الجارة الشرقية تشتهي التحجج بالتاريخ، فلا بد من استعراض فصوله كاملة. لنعد مرة أخرى إلى سنة 1844 وهي السنة التي دارت خلالها رحى معركة إيسلي الشهيرة بين الجيش المغربي والجيش الفرنسي بالقرب من مدينة وجدة، وبادر خلالها المعمر الفرنسي، في عملية لشل حركة المقاومة المغربية، إلى ضرب ميناء طنجة ثم ميناء تطوان ثم ميناء أصيلة مخلفا الآلاف من الضحايا من قتلى وجرحى في صفوف الجيش المغربي.
بعدها فرضت فرنسا عقوبات قاسية على المغرب بدءاً باستيلائها على بعض أراضيه التي ضمتها لمستعمرة الجزائر الفرنسية، كما فرضت عقوبات مالية على المغرب ومنعته من تقديم الدعم للجزائر، وهي المعاهدة التي اشتهرت باسم "للا مغنية" وقعها المغرب مع فرنسا سنة 1845 بمدينة مغنية الجزائرية المتاخمة لمدينة وجدة.
فهل تساءلت الجارة يوما عن سبب اندلاع معركة إيسلي التي سالت فيها دماء آلاف الشهداء المغاربة؟ تلاها فرض معاهدة للا مغنية على جارتها الغربية اغتصبت بمقتضاها أراضيها وأهدرت كرامتها!
إنه للذكرى والتاريخ ثمن الوفاء للجارة وضريبة الدود على مشترك اللسان والتاريخ والعقيدة، وهو ما وصفه الفرنسيون بتعنت وإصرار السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن على تقديم المساعدة للمقاومة الجزائرية ضد فرنسا واحتضانه للأمير عبد القادر. هذا هو التاريخ الذي وجب استحضاره في كليته لضمان القراءة الصحيحة لجزئياته.
فهل وقفت الجارة يوما على ثمار الماضي في التضامن والتآزر والإخاء لتحصين وحدة الوطن والتراب؟ أم أن تمور "واحة العرجة" هي انعكاس لعرج جوار صعب جفت معه واحات التآزر والتعاضد والوفاء بالدين. فالجوار هو شجرة ذات فروع وأوراق وجذوع وجذور.
من الأقوال المأثورة للوزير الأول البريطاني ونستن تشرشل أن "الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم". فشرط الفلاحة غرس النبات وشرط الجوار غرس الرجال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.