الذهب يصعد مع إقبال المستثمرين على الملاذات الآمنة بفعل التوتر في الشرق الأوسط    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    النفط يصل لأعلى مستوى في 5 أشهر بعد الهجمات الأمريكية على إيران    المغرب ‬يعيد ‬رسم ‬خريطة ‬الأمن ‬الغذائي ‬في ‬أوروبا ‬بمنتجاته ‬الفلاحية ‬    تصعيد غير مسبوق بين إسرائيل وإيران وطهران تتوعد بتوجيه ضربات لأمريكا    مقتل ‬ضباط ‬جزائريين ‬بطهران ‬    إسبانيا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى "التحلي بالشجاعة" لمعاقبة إسرائيل    مونديال الأندية: السيتي يعبر بسداسية ومدريد ينتصر بعشرة والهلال يبحث عن فرصة أخيرة        الناخب الوطني النسوي يعقد ندوة صحفية بعد غد الثلاثاء بسلا    أمطار رعدية مرتقبة بالريف وحرارة قد تصل إلى 38 درجة            فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتيفلت يوجه رسالة مفتوحة إلى وزير الصحة احتجاجاً على تردي الخدمات الطبية    احتجاج عمالي أمام المحكمة التجارية بالدار البيضاء رفضًا "لاغتيال سامير" وتجاهل مصير عمالها    المغرب يحقق قفزة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنة 2024 وسط انتعاش إفريقي غير مسبوق    الدورة51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي تبرز جهود الملك محمد السادس لفائدة القارة الإفريقية    ألونسو: من الأفضل أن تستقبل هدفًا على أن تخوض المباراة بلاعب أقل    "الفيفا" يفتح تحقيقًا بعد تعرض لاعب باتشوكا روديغير لإهانة عنصرية من طرف الأرجنيتي كابرال    معنى ‬أن ‬تصبح ‬العيون ‬نقطة ‬وصل ‬بين ‬شمال ‬أفريقيا ‬وعمقها ‬الجنوبي    وثيقة مزورة تعكس انزعاج الجزائر من نجاحات المغرب    إيران تتوعد واشنطن "بعواقب وخيمة" وتستهدف إسرائيل برشقة صاروخية جديدة    واشنطن تبدأ إجلاء رعاياها من إسرائيل    الكركرات.. توقيف شاحنة محملة بالكوكايين القادم من الجنوب    كيوسك الإثنين | تسجيل 111 حريقا غابويا أتى على 130 هكتارا من يناير إلى يونيو    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    كأس العالم للأندية 2025.. ريال مدريد يتغلب على باتشوكا المكسيكي (3-1)    نزيف إسرائيل الداخلي.. تزايد الهجرة الجماعية لمواطنيها مند 2023    طنجة.. تتويج فريق District Terrien B بلقب الدوري الدولي "طنجة الكبرى للميني باسكيط"    منحرفون يفرضون إتاوات على بائعي السمك برحبة الجديدة وسط استياء المهنيين    الأستاذ عبد الرحيم الساوي يغادر المسؤولية من الباب الكبير.. نموذج في الاستقامة والانتصار لروح القانون    إيران تبدأ هجوماً صاروخياً جديداً على إسرائيل    استعمال "Taser" لتوقيف مبحوث عنه هدد المواطنين بسلاح أبيض في سلا    بركان تواجه آسفي في نهائي الكأس    إيران تتحدى الضربات الأمريكية: مخزون اليورانيوم والإرادة السياسية ما زالا في مأمن    منظمة التعاون الإسلامي تسلط الضوء على جهود الملك محمد السادس لفائدة القارة الإفريقية    الأبواق الجزائرية تطلق كذبة جديدة    إدارة مهرجان تكشف أسباب تأجيل "أيام وزان السينمائية"    بورصة البيضاء .. أهم نقاط ملخص الأداء الأسبوعي    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    مهرجان مشرع بلقصيري الوطني 16 للقصة القصيرة (دورة أبو يوسف طه)    الكلام عن الشعر بالشعر مقاربة لديوان « في معنى أن تصرخ» لفاطمة فركال    جائزتان لفيلم «سامية» في مهرجان الداخلة السينمائي بالمغرب    بنكيران يعلن دعمه لإيران ضد إسرائيل: "هذا موقف لوجه الله"    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    مهرجان كناوة بالصويرة يختتم دورته ال26 بعروض عالمية    موجة حر تمتد إلى الأربعاء القادم بعدد من مناطق المملكة    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    "ها وليدي" تقود جايلان إلى الصدارة    عضة كلب شرس ترسل فتاة في مقتبل العمر إلى قسم المستعجلات بالعرائش وسط غياب مقلق لمصل السعار    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراكش الذي في الروح و الخاطر
نشر في أسيف يوم 02 - 11 - 2011

كنت قد زرت مدينة مراكش مسقط رأسي ومهد الشباب في الأيام القليلة الأخيرة بعد غيبة طويلة، وجلت شوارعها، أتفقدها بيت بيت، زنكة زنكة ، وحمت كالفراشة بين دروبها وزقاقها، وأرجعت الذاكرة إلى الوراء فانتابتني قشعريرة غريبة وموجة من الأسى جراء التغيير العمراني الجارف الذي جرى ولازال يجري في المدينة، أصبحت مثل عادة كبار السن أريد للزمن أن يتوقف و يتراجع، استوقفني الحنين أيام الطفولة والشباب، وأعاد إلى ذهني ذكريات رائعة لأيام رائعة تراكمت عليها الأيام والسنون عندما كان جدي "رحمه الله"يوقظني مع "تهليلة" المؤذن التي تسبق آذان الفجر، من أجل معاونته على حمل جلود الاكباش على ظهر حماره والسير به أميالا من حي زاوية سيدي بلعباس باب تاغزولت درب المرستان، مقر سكنانا وقتذاك، مرورا بديور الصابون وسيدي عبد العزيز ثم الطالعة الى سيدي إسحاق حيث الحانوت بالفندق مكان حرفته بعد ذلك الى زاوية لحضر وحارة الصورة عبر الموقف لنلج باب الدباغ الى واد اسيل بأطراف المدينة من اجل غسلها في الوادي، كان رحمه الله يمتهن حرفة "لباط"، أعرق وأقدم حرفة تقليدية على مر العصور في مراكش ، يشتري أعدادا من "بطانة" الاكباش يضع بداخلها خليط من الرماد والجير "لكلاطة" تم يضعها جانبا إلى غاية يوم الغد ليشرع في قلع الصوف من الجلد، ينتج صوفا وجلدا وأيضا أكوام من"سدا" (سنابل من الصوف لصناعةالجلاليب)،فبالرغم من أن الطريق طويل جدا ويشعرني بالملل والتعب ،فانا ممن يفضل الاستمتاع برداد الندى الصباحي وركوب الحمار وقيادته متوهما أني امتطي جوادا حقيقيا، حيث أنك ترافق الأشجار والأودية والآبار التي نسميها "لخطاطر" كانت أحياء باب دكالة وباب الخميس يعجان بها في زوايا كثيرة منها إلى أن تصل واد اسيل، و في طريقك تتأمل الوجوه، فترى المنشرح الذي يرى الحياة بنظرة مشرقه تشع من وجهه ليبادلك التحية المعهودة "الله يسعد الصباح"،وترى المقطب من كبلته الدنيا بمشاقها الذي يوحي لك منظره بالصرامة و الجدية، وجوه مراكشية متباينة تعكس نظرة أصحابها لهذا الصباح الباكر، ولا تخلو طريقك من مسافات طويلة مليئة بأشجار النخيل المحملة بثمار البلح ، تدخلك في لحظات غاية في الانشراح حين ترشقها بحجارة، يتساقط البلح رذاذا وكأنك تمارس لعبتك المفضلة تنسيك هموم الدنيا كلها.
ولكن ماذا عن بقية الأحياء التي كانت حبلى بأشجار النخيل والجنان والآبار، ماذا عن مصير النخيل التي كان عددها يفوق الآلاف والتي كانت أحد ابرز معالم مراكش المدينة؟ أصبحت الساحات الخضراء تتراجع أمام الاسمنت المسلح، اسمنت يسابق بعضه، افقد المدينة نخلها وبلحها فانتهى زمانه، تغيرت جغرافيا المدينة خلال سنوات قليلة وتبدلت ملامحها سريعا،وأضحى النخيل كأعجاز نخل خاوية.
حين تتعرف على بعض الوجوه القديمة يغرقونك في ذكرياتهم وهم لا يكفون عن الحديث: كل شيء تغير كل شئ غلا وارتفع ثمنه،الأحياء لم تعد تضم سوى الغرباء كل شئ في هذه المدينة صار اسمه الغرباء،دروب شعبية بناسها الطيبين احتلها الغرباء حولوا منازلها إلى دور للضيافة ويالها من دور للضيافة؟ كل شئ ازداد ارتفاعا واشتعالا،الشوارع غاصة بكل أشكال المواصلات، والسيارات لم يعد أصحابها يجدون مركنا لها، المدينة صارت مدينة الأثرياء و الأغنياء، بعد أن كانت مدينة البهجة مدينة البسطاء والفقراء.
نصل الوادي ونشرع في الغسيل بنبات " تيغيغشت" المستعمل لغسل الصوف و إعطائه لونا ناصع البياض و رائحة مميزة مع استعمال عصا غليظة تدعى "الطراشة" على ترانيم أنواع كثيرة من طيور "طيبيبط" و"كريكر" و"أم قنين" الجميلة، وما أن تبدأ الشمس تلسعنا بقليل من خيوطها، حتى نتوقف عن الغسيل ونعود للبيت وكلنا حيوية ونشاط حتى أنك تشعر أن الحي كله يتثاءب ويستيقظ ببطء،تلك حياة مراكش التي أمدتنا بكل المعاني مكتنزة بما هو جميل ونبيل وإنساني،هذا الحنين هو الذي أعاد في مخيلتي كل تلك الذكريات، فليرحمكما الله يا جدي ووالدي، ويا لمرارة التغيير من بعدكما، ومن بعد المدينة التي صرنا فيها غرباء نزورها كمايزورها الأجانب السياح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.