اعتقال طالبة " 21 سنة" بالرباط خططت لعملية إرهابية باسم "داعش"    تدنيس القرآن في قمة الناتو يغضب الجاليات المسلمة بهولندا    سقوط سور إعدادية يودي بحياة راعي غنم وقطيعه    غضب واستفهامات بعد وفاة "راعي الغنم" القاصر.. أين الحقيقة؟    بودشار يمتع الرباط بكورال جماهيري    تراجع التلقيحات يعيد شبح الأوبئة .. والمختصون يطالبون بتعبئة مغربية    قناة عبرية: مصدر سوري يكشف عن توقيع إسرائيل وسوريا اتفاقية سلام قبل نهاية العام    إسرائيل تقتل 550 طالبا للمساعدات.. الأمم المتحدة تندّد بنظام "عسكري" لتوزيع المساعدات في غزة    مونديال الأندية: مواجهة مرتقبة بين سان جرمان وميسي.. وبايرن يصطدم بفلامنغو    اعتصام لقوات تابعة لمرتزقة البوليساريو احتجاجًا على التهميش والإهمال الصحي العلم الإلكترونية – متابعة    مجموعة العمران تطلق جولة "Al Omrane Expo – مغاربة العالم 2025" من بروكسيل    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    توقيف شخصين لإهانة الشرطة وتخريب مرفق عمومي بابن جرير    المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية يدين هجوما مسلحا قرب ثكنة للمينورسو ويحمّل البوليساريو المسؤولية    ترامب: وقف إطلاق النار في غزة ممكن خلال أسبوع    مصادر طبية تنعى 66 من أطفال غزة    برلماني جزائري يؤكد التلفيق للمغرب    ألونسو: دياز يتمتع بروح تنافسية عالية    انطلاق بيع تذاكر كأس إفريقيا للسيدات بالمغرب    2419 ملعب قرب مبرمج لتعزيز البنية الرياضية بالمغرب    جمال سلامي    أخنوش يدعو النقابات إلى اجتماع لجنة إصلاح التقاعد في يوليوز المقبل    نقاش في جنيف يدين انتهاكات تندوف    تقنين جديد لإنتاج وتسويق الخل بالمغرب    أين اختفى الاتحاد الإفريقي..اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية يوقع في واشنطن    عملية توقف "داعشية" بمدينة الرباط    جريمة قتل أم تستنفر الشرطة بمكناس    منتخبون يرثون حال المحمدية ويُحملون آيت منا مسؤولية ذبول "مدينة الزهور"    نظام إيران يشيع عسكريين وعلماء    مراكش تحتضن المنتدى الدولي للشباب بمشاركة واسعة من دول العالم الإسلامي    وزارة العدل الأمريكية تضغط لإقالة رئيس جامعة    المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي: لا الاتحاد ولا أي من دوله الأعضاء يعترف ب"الجمهورية الصحراوية" المزعومة    زلزال بقوة 6,1 درجة يضرب قبالة سواحل جنوب الفلبين    مونديال الأندية: جماهير غفيرة وأهداف غزيرة في دور المجموعات    المغرب وتركيا يوقعان بإسطنبول على مذكرتي تفاهم حول السلامة الطرقية والممرات البحرية    البوليساريو تلقت ردا حاسما بعد استهدافها السمارة    رحيل الإعلامية والممثلة المغربية كوثر بودراجة بعد صراع مرير مع المرض    كرة الطائرة / اتفاقية تعاون بين CAVB و AIPS إفريقيا …    المغرب يرفع وتيرة الاستثمار في قطاعات استراتيجية ذات جاذبية عالمية    بالفيديو.. كاظم الساهر يسحر جمهور موازين في ليلة طربية خالدة    المغرب يتصدر موردي الحمضيات للاتحاد الأوروبي بصادرات قياسية    ارتفاع مبيعات الإسمنت بنسبة 9,5%    الذهب يتراجع مع صعود الدولار    بحضور الأميرة لمياء الصلح.. فوضى تنظيمية خلال حفل كاظم الساهر ومسرح محمد الخامس يتحول إلى "حمام بلدي"        ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    المغرب يحقق "معجزة صناعية" مع الصين بالجرف الأصفر: مصنع مغربي-صيني يضع المملكة في قلب ثورة البطاريات العالمية    كاظم الساهر في موازين: ليلة اهتز فيها التنظيم قبل الموسيقى -صور خاصة-    أكاديمية المملكة و"غاليمار" يسدلان ستار احتفالية كبرى بآداب إفريقيا    حفل كاظم الساهر في "موازين" .. فوضى تنظيمية تسيء للفن والجماهير    ضجة الاستدلال على الاستبدال        طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرقام الاغتصاب والحاجة إلى حماية المجتمع
نشر في التجديد يوم 14 - 11 - 2012

الأرقام التي كشف عنها مركز الدراسات والأبحاث الجنائية التابع لوزارة العدل والحريات، حول ظاهرة الاغتصاب تدق ناقوس الخطر، وتفرض تدخلا شاملا وعاجلا لوقف التنامي السرطاني للظاهرة في المغرب. فحسب دراسة أعلنتها الوزارة مؤخرا، فإن حالات اغتصاب الفتيات قد تضاعف مائة في المائة خلال عشر سنوات. والمعطيات المقلقة التي كشف عنها المركز حول الظاهرة تحمل عدة دلالات مخيفة تفرض على المجتمع المغربي الإسراع إلى تطوير آليات حماية نفسه من مختلف الآفات الاجتماعية والجنائية والتي يعتبر الاغتصاب أحد أخطر مؤشراتها بصفته انتهاكا خطيرا لحقوق المرأة.
وأول تلك الدلالات هي التي تعبر عنها وثيرة تنامي ظاهرة الاغتصاب، فرصد الظاهرة من خلال مؤشر القضايا المسجلة في مختلف المحاكم في المغرب خلال عشر سنوات كشف سرعة تنامي كبيرة. قد يكون الأمر تعبيرا عن ظاهرة صحية تعني ارتفاع عدد الملفات التي تصل إلى القضاء دون أن يعني ذلك ارتفاعا في جرائم الاغتصاب، غير أن مقارنة معطيات الظاهرة في العالم تكشف عن تنامي مقلق لها وأن الإحجام عن الإبلاغ بجرائم الاغتصاب ما زال أهم عوامل حمايته وانتعاشه. وفي المغرب تؤكد وضعية الآفات الاجتماعية ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بالاغتصاب ما يعزز أن الأرقام المعلن عنها حول الاغتصاب أرقام تعبر في المقام الأول عن فرضية تنامي جريمة الاغتصاب وليس فقط دعاويه القضائية. فالجريمة عموما متنامية وجرائم السكر العلني وتعاطي المخدرات وجرائم الأخلاق بالخصوص تعرف تصاعدا مقلقا.
وهذا التطور المقلق يكون أكثر خطورة إذا استحضرنا المقاربات غير فعالة المعتمدة للحد من الظاهرة و التي لا تعبر الأرقام الرسمية حولها سوى عن الظاهر من جبل جليدها الضارب في أعماق الصمت الذي تحاط به جرائم الاغتصاب عموما، إما حفاظا على شرف الأسرة أو حماية للجاني امتثالا لتقاليد "العار" أو خوفا من انتقام الجاني إلى غير ذلك من الاعتبارات. وفي غياب مقاربة شمولية ومندمجة ترتكز على التربية والتوعية و الشدة في العقاب بما لا يفتح أي مجال للإفلات من العقاب حتى تحت ستار الزواج من المغتصبة، قد تستمر الظاهرة في التنامي ببقاء وتنامي أسبابها والعوامل المشجعة عليها.
ثاني تلك الدلالات تتعلق بحجم الظاهرة التي تعبر عنها الأرقام التي سجلتها، حيث سجلت تلك المعطيات الرسمية أن معدل عدد القضايا المسجلة في جريمة الاغتصاب خلال العشر سنوات الماضية هو 786 قضية سنويا، أي أزيد من قضيتين في كل يوم في الاغتصاب، وبالطبع لا تعبر تلك الأرقام سوى عن القضايا المسجلة وليس عن الجرائم المرتكبة فعليا والتي لا يصل إلى المحاكم منها سوى القليل لما ذكرناه من الاعتبارات وغيرها. وهذا المعدل كبير جدا إذا استحضرنا بعض التقديرات التي تقول بأن كل قضية جرائم الشرف تصل إلى القضاء تقابلها على الأقل عشرة جرائم لا تصل إلى القضاء نهائيا.
ثالث تلك الاعتبارات تتعلق بطبيعة جريمة الاغتصاب، ورغم أن معدل قضيتين مسجلتين في اليوم قد تبدو ضعيفة مقارنة مع ما تسجله جرائم الاغتصاب يوميا من معدلات مخيفة في الدول الغربية مثلا، إلا أن استحضار طبيعة الجريمة في علاقتها مع القيم والمجتمع تطرح أسئلة كبرى حول طبيعة التنشئة التي يخضع لها المجتمع المغربي، و الأطراف الفاعلة في هذه التنشئة ومدى تصرفها بمسؤولية.
إن الاغتصاب يجمع بين جريمتين، جريمة انتهاك عرض الغير، وجريمة ممارسة العنف في ذلك الانتهاك. وهذه الجريمة المركبة من حيث الفعل (ممارسة الجنس بالإكراه) ومن حيث القيم (المتعلقة بالجنس أو المتعلقة بالعنف ضد الآخر) تعبر عن اختلالات كبيرة تنخر المجتمع المغربي وتجد ترجمتها في أحد أعلى قمم الجريمة وهي الاغتصاب.
إن الاغتصاب بصفته سلوكا منحرفا عنيفا تكون وراءه عدة عوامل، أهمها التغذية اللاشعورية الكثيفة بالجنس ومثيراته، وهي التغذية التي تلعب فيها وسائل الإعلام دور الفاعل الأساسي وخاصة منها الأنترنيت وصحف الإثارة. وثاني تلك العوامل هو ضعف التربية الجنسية سواء على مستوى الأسر أو على مستوى المدرسة أو على مستوى الإعلام العمومي، مما يفسح المجال لفاعلين آخرين في دوائر غير مؤسساتية لتغطية حاجة النشء إلى التربية الجنسية والتي لا تخضع لا لضوابط تربوية ولا لرؤية سليمة ولا لقواعد علمية. بل تتم عملية التأطير في تلك الدوائر على أساس الإثارة الجنسية وليس على أساس التربية الجنسية. مما يجعل الشخص في حالة "تأهب جنسي" حاد، وحين تنضاف لهذه الحالة ضعف الوازع الديني وضعف الرصيد الحقوقي مع كثافة ثقافة العنف التي يكون مصدرها الأفلام والوسط الاجتماعي، نكون أمام أشخاص "متأهبين جنسيا" وعنيفين اجتماعيا يستسهلون الإكراه في تحصيل المتعة الجنسية.
إن المعطيات التي كشفت عنها وزارة العدل سواء فيما يتعلق بالاغتصاب أو بالجريمة عموما تتطلب وقفة خاصة من المجتمع المغربي ليتدارك الموقف، ويضع آليات ناجعة لحماية نفسه. فالمجتمع المدني اليوم مطلوب منه أكثر من أي وقت مضى تقوية حضوره وتنويع مبادراته والإبداع في سياساته سواء المتعلقة بالتأطير المباشر للمواطنين أو التي تروم الضغط على صناع القرار السياسي للتدخل المناسب والسريع لحماية المجتمع. إن الفقر الفظيع في التأطير الحمائي للمواطنين والمجتمع، والذي تكرسه المناهج التربوية والسياسات الإعلامية، يتطلب التدخل العاجل بمقاربات ناجعة وشاملة ومندمجة. غير أن مسؤولية الإعلام، وخاصة الإعلام الخاص الذي يدفعه البحث عن الموارد المالية إلى السقوط في أحيان كثيرة في فخ دعم وتغذية عدة ظواهر اجتماعية خطيرة والتي يكون الاغتصاب أحد أهمها، مسؤولية كبيرة. كما أن أحد مداخل حماية المجتمع أيضا بالإضافة إلى ما سبق هو مراجعة منظومة العدالة بما يساهم بفعالية في تحقيق حماية المجتمع، سواء على مستوى الأحكام التي تعتبر في جريمة الإغتصاب مثلا مخففة، أو على مستوى التأطير في المؤسسات السجنية بما يجعلها مؤسسات حقيقية لإعادة الإدماج في المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.