التوقعات التي أدلى بها والي بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري خلال الاجتماع الفصلي للبنك تقترب كثيرا من المؤشرات الرقمية الكبرى التي أعلنت عنها الحكومة في قانون المالية 2014، فباستثناء توقع نسبة النمو، التي اعتبر السيد الجواهري أنها لن تتجاوز 3.5 في المائة في الأٌقصى- الحكومة توقعت 4.2 في المائة في الأقصى- فإن بقية المؤشرات الأخرى تكاد تكون متطابقة. فمن جهة، توقع بنك المغرب فيما يخص التضخم، تبعا للإجراءات التي اتخذتها الحكومة أن يبلغ 1.8 في المائة في 2014 فيما كان توقع الحكومة 2 في المائة، أما بالنسبة للعجز المالي، فقد توقع البنك أن يتقلص إلى 4.9 في المائة، وهو نفس الرقم الذي اعتمدته الحكومة، كما تطابقت توقعات الحكومة وبنك المغرب فيما يخص الاحتياطات الدولية، وذلك في حدود أربعة أشهر وعشرة أيام. الفرق الوحيد في التوقع يتمثل في نسبة النمو، وهي راجعة بشكل كبير إلى طبيعة النموذج الاقتصادي المغربي الذي لا يزال مرتهنا إلى موارد تعرف متغيرات سنوية تؤثر في حالة وقوع السيناريو المتوسط والضعيف على نسبة النمو. وهذا هو الحاصل، إذ بنى بنك المغرب توقعه على الانخفاض المتوقع في الناتج الإجمالي الفلاحي وانخفاض تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج. بل إن والي بنك المغرب أزال التباسا كبيرا ثار مؤخرا حول تدفق نسبة الاستثمارات الأجنبية، معتبرا أن الانخفاض الذي وقع في الاستثمارات بالمقارنة مع سنة 2013، يرجع بالأساس إلى أن سنة 2013 عرفت مداخيل استثنائية بلغت أكثر من 7 ملايير درهم نتيجة تفويت الشركة الوطنية للاستثمار لصفقات لفائدة شركة أجنبية، وأنه خارج هذه الصفقة- أي دون احتسابها- فقد سجلت الاستثمارات الأجنبية ارتفاعا بما يقارب 18 في المائة بالمقارنة مع السنة الماضية حسب أرقام وزارة المالية. هذا التطابق أو التقارب في التوقعات يسمح باستنتاج ثلاث خلاصات أساسية: - أن تحكيم الاعتبارات العلمية والاستناد إلى المؤشرات الرقمية بعيدا عن أي حسابات أخرى يفضي في نهاية المطاف إلى تجنب الارتباكات التي حصلت بين بعض مؤسسات الدولة والتي كان لها أثر سلبي على ثقة المؤسسات المالية والائتمانية وأيضا ثقة المستثمرين في الاقتصاد المغربي، كما يفضي إلى تخليق النقاش السياسي حول المعطيات الاقتصادية التي تهم البلد، فليس من الأخلاق في السياسة أن يتم إيهام الرأي العام بتقلص الاستثمارات الأجنبية بنسبة 60 في المائة، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن مداخيل سنة 2013 كانت استثنائية لا يمكن القياس عليها. - أن الأداء الاقتصادي والمالي للحكومة كان في مستوى جيد من الفعالية، إذ يتجه في مسار تحقيق هدف الحفاظ على التوازنات المالية والاقتصادية في المغرب، بل إنه تبعا لمؤشرات نسبة التضخم المتوقعة، فلا خوف على ارتفاع الأسعار ولا تهديد القدرة الشرائية. - أن التوجه الذي ينبغي الاشتغال عليه هو العمل على تغيير النموذج الاقتصادي، وذلك بتقليص نسبة ارتهانه إلى الموارد الذي تتأثر بالمتغيرات المناخية، والبحث عن خيارات أخرى لتقوية هذا النموذج بتعزيز التوجه نحو الأنشطة غير الفلاحية، لاسيما منها الصناعية.