أكد أحمد المطيلي، المختص في علم النفس، أن "الأقراص المهلوسة" تتميز بمفعولها القوي في تغيير الأحاسيس والمشاعر والمزاج الشخصي للمتعاطي لها، وأنها "جنة مصطنعة" ينعم فيها المتعاطي، غير أن تلك الجنة المصطنعة سرعان ما تنقلب إلى جحيم بمجرد ما يخف مفعول المخدر. واعتبر المطيلي في حوار مع جريدة "التجديد" الورقية ، أن فقدان الأقراص المهلوسة من أشد أنواع الخمر لتعطليها حاسة التمييز التي هي أخص خصائص الإنسان. هل تدخل "أقراص الهلوسة"، في خانة الأدوية أم المخدرات؟ الأقراص المهلوسة كما يدل عليها إسمها، مواد مصنعة تتسبب في إحداث أعراض مرضية بالغة الخطورة تتمثل في أحاسيس بصرية أو لمسية أو سمعية لا وجود لها إلا في ذهن المتعاطي لها بحكم ما تحدثه من تأثيرات بيوكميائية في جهازه العصبي. وتتميز هذه الأقراص بمفعولها القوي في تغيير الأحاسيس والمشاعر والمزاج الشخصي للمتعاطي لها، ومن ثم ما أسرع ما يحدث الإدمان بفعل ما تتسبب فيه من اعتماد جسمي ونفسي سريع !. ومن شأن تلك الأحاسيس الخاصة أن تنأى به ولو لفترة وجيزة عما يقاسيه في حياته من مشكلات ومصاعب أو رتابة وملل. وقد أحسن من عبر عن مجمل تلك الأحاسيس والخيالات بقوله عنها بأنها "جنة مصطنعة" ينعم فيها بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، غير أن تلك الجنة المصطنعة سرعان ما تنقلب إلى جحيم بمجرد ما يخف مفعول المخدر. شاعت هذه الأقراص خلال العقود الأخيرة في أوربا وأمريكا قبل أن تنتشر في مجمل بقاع العالم فتتعولم كما تعولمت شتى البضائع المستوردة من الشرق والغرب معا على نحو غير معهود، ولعل هذه من المظاهر المستحدثة في هذا الشأن لأن المغاربة عرفوا أنواعا شتى من المخدرات منذ قرون خلت، وفي مقدمتها الخمور والحشيشة فكان استهلاكهم لها استهلاكا لبضائع محلية لا مجلوبة. وكانت حتى عهد قريب منحصرة في البوادي والقرى النائية أو لدى فئات مهنية معينة مثل الحرفيين على سبيل المثال، وصارت اليوم شائعة لدى فئات عريضة من أعضاء المجتمع ولا سيما الفتيان منهم مثل تلاميذ المؤسسات الإعدادية والثانوية وطلبة الجامعات، وهي بلا أدنى شك الفئة المستهدفة أكثر من غيرها من قبل عصابات التهريب والترويج والباعة المتجولين التي تجد فيها مرتعا خصبا لتسميم العقول وجلب المال والثراء بكل ما أوتوا من دهاء وذكاء وحيل الاستدراج والإغراء والوعود الخادعة. قد يصل تأثير حبوب الهلوسة في مدمنيها إلى حد إقدام العديد منهم على ارتكاب أبشع الجرائم من قتل واغتصاب حتى في حق الأصول؟ ترى من المسؤول؟ إذا كان لهذا الصنف من المخدرات التأثير البالغ الذي ذكرت في الجهاز العصبي للمتناول فبوسعنا أن نتوقع كل المضار التي تترتب عن فقدان القدرة على التمييز وإعمال العقل، ومن هنا نفهم حكمة التشريع الإلهي في تحريم الخمر، والخمر لغة كل ما خامر العقل وحجبه وعطل قدرة التمييز لدى صاحبه، وبهذا المعنى ورد الحديث النبوي الشريف "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"، تكون الأقراص المهلوسة من أشد أنواع الخمر لتعطليها حاسة التمييز التي هي أخص خصائص الإنسان، فإذا ما تعطلت هذه الحاسة انحط الإنسان إلى مصاف البهيمة فيما يأتيه من أفعال وما يصدر عنه من أقوال. وليس غريبا أن تكون البشاعة التي تظهر بها بعض الجرائم سمة غالبة لمن لعبت المخدرات بعقله فصار لا يرعى إلا ولا ذمة فيسهل عليه إذن أن يزني بمحارمه، وأن يسيم أقاربه ما يطيقون وما لا يطيقون من شتى أنواع الإذاية بما فيها القتل. على أن بعض أنواع الجرائم كالسرقة والقتل بما فيها قتل الأصول قد ترتكب للحصول على ما يكفي من المال للحصول على الجرعة المتنامية للمخدر. فإذا ما حيل بين المدمن وبين المال لجأ إلى السرقة أو القتل على نخو ما تطالعنا به الصحف اليومية من أخبار الجريمة داخل قرانا ومدننا في العقود الأخيرة. ترى من المسؤول عن كل هذا؟ لا ريب أن المسؤولية مسؤولية جماعية قد تقع في المقام الأول على ولي الأمر إن كان الجاني قاصرا، وتقع على المدمن إن كان بالغا وإن لم تسقط بالكلية عن الوالدين إن كانا قد قصرا في أمر تربيته وتنشئته التنشئة الصالحة التي توفر لها الاتزان النفسي والروحي والجسمي والعقلي اللازمين لخوض غمار الحياة، والمسؤولية قد تقع على الحاكم أولا إن تبين تقاعسه في قطع أسباب الحصول على المخدر بأنواعه أو قصر في توفير سبل العيش الكريم وفي مقدمتها التعليم والتكوين والعمل. ومجمل القول أن المسؤولية حين تعم البلوى مسؤولية جماعية وإن بدرجات متفاوتة بحسب موقع كل فرد من الجاني قاصرا كان أو لم يكن. هل يعالج مدمنوا القرقوبي بالرغم من قوة مفعول هذا المخدر على الذات؟ طبعا بوسع المدمن أن يعالج ويشفى تماما من الإدمان لكن بنسبة لا تتجاوز 40 في المائة من الحالات، فالإدمان على المخدرات من الاضطرابات المزمنة التي تتطلب وقتا وجهدا ومالا ومعاونة أسرية واجتماعية. ويتوقف نجاح العلاج على عدد من العوامل منها شخصية المدمن، ونوع المادة المخدرة، والوسط الأسري والاجتماعي المحيط به، فالعلاج إذن لا بد أن يكون علاجيا جسميا (بإزالة أنواع السموم المتراكمة في الجسم)، ونفسيا بسبر بنيته النفسية ومعالجة مكامن الخلل والهشاشة في شخصيته، واجتماعيا بتولي شؤونه الأسرية إذا ما تعلق الأمر بالاختلالات الأسرية كالخصومات الزوجية والتفكك الأسري المتمثل في غياب أحد الوالدين بفعل العمل أو الهجرة أو الانفصال أو الطلاق أو الوفاة، ومهنيا بتأهيله قصد مزاولة مهنة تتناسب وميوله وقدراته، ويغلب على علاج المدمنين في بلادنا أن يقتصر على العلاج الكيميائي المتمثل في تخليص الجسم من السموم المتأتية من تناول المخدر وقلما يلتفت إلى الجوانب الأخرى التي لا يتم الشفاء إلا بها، لاسيما إن كان للمتعاطي استعداد نفسي للإقبال على المخدر مثل الإحساس بالنقص، والانطواء، والرهاب الاجتماعي، أو الكآبة والحزن وهلم جرا، وقل مثل ذلك عن الهشاشة الاجتماعية المتمثلة في الفقر والبطالة والقهر الاجتماعي وما ينجر عنه من ضعف في الوازع الديني والخلقي وتمرد وما شابه. هل يتوفر المغرب على مراكز خاصة لعلاج المدمنين؟ حتى عهد قريب كان المدمنون يوجهون إلى مستشفيات الأمراض العقلية بالنسبة لعموم الناس، أما المرضى المنتمين لأسر ميسورة فكانت تتجه إلى عيادة الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين، وقد يلجأ البعض منهم إلى دول أجنبية طلبا للعلاج، وقد وعت السلطات المختصة في هذا الشأن الحاجة إلى إنشاء مراكز علاجية متخصصة، ولا شك أن سياسة مثل هذه كفيلة بمعالجة العدد المتزايد من المدمنين في مختلف مناطق البلاد لا سيما في منطقة الشمال بحكم التهريب الذي ينشط من الدول المجاورة ومن المدن السليبة كسبتة ومليلية. أي مقاربة تقترحونها للتصدي لظاهرة إدمان "القرقوبي"؟ أرى أن المقاربة الأساسية للتصدي لظاهرة استفحال الإدمان على المخدرات لا بد أن تكون مقاربة شاملة وفق رؤية واضحة وجلية بوضع المشكل وحيثياته وأبعاده الجسمية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والدولية كافة، وقبل ذلك لا بد أن نلح على أولوية الوقاية خير من العلاج، ويعني ذلك أن نتوجه إلى معالجة الأسباب المؤدية إلى تناول المخدرات والإدمان عليها وفقا لما تسفر عليه الدراسات الميدانية في هذا الشأن تجعل فيما بعد للإعلام وظيفته في توعية الفئات المستهدفة بأخطار هذا الوباء، وبيان موقف الشرع منه ونواهيه وزواجره قبل الإصابة به، ولا بد أن تعتمد المكافحة على قرارات سياسية حازمة لاستئصال زراعة المخدرات وتنفيذ القوانين التشريعية والتنفيذية لهذا الغرض، وبهذا المعنى تكتسي الوقاية معناها الشامل وبعدها الأصيل، فعلاج الإدمان إما أن يكون وقائيا أو لا يكون.