تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    أخنوش: تنمية الصحراء المغربية تجسد السيادة وترسخ الإنصاف المجالي    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزاء الإلهي الذي خصه الله للمترفين 2/2- بقلم عبد الرحمان معزيز
نشر في التجديد يوم 12 - 02 - 2009


ما اعدل الجزاء الإلهي الذي خصه الله للمترفين الذين كانوا يتنعمون في حياتهم الدنيا بألوان الشراب والطعام ، والدور الفاخرة ، والقصور الشامخة والحدائق الشاسعة ، والناس من حولهم يتضرعون جوعا وعطشا يقضون ساعات ا لحر اللهب في الظلال الباردة، والمعدمون يسحون عرقا. هاهم ينزلون المكان الذي اعد لهم سلفا والذي توحي كل كلمة من كلماته البارعة المصورة بجو الحر والاختناق في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم . يأكلون كالأنعام لأنهم في حياتهم الدنيا ما كانوا ليغايروا الأنعام في تهافتهم على الطعام والشراب يلتهمون أطيب ما تنتجه الأرض لكنهم صاروا يملؤون بطونهم باسوأ ماتطلعه الجحيم شجر الزقوم أو شراب الجحيم ، وتختم الآية الكريمة حديثها المروع عن مصير هؤلاء هذا نزلهم يوم الدين . (الواقعة 56 ) ويخطو القران خطوة أخرى لتفسير مسالة الترف لكي يبن لنا على مستوى حركة التاريخ وقيام الدول والحضارات واضمحلالها المسؤولية الكاملة التي يمارسها طرفا المسالة - المترفون والمعدمون، في السير بالجماعة أو الأمة أو الدولة كوحدة اجتماعية نحو الهلاك والدمار ، المترفون الذين يقف بعضهم ساكنا إزاء الجريمة ،بينما يسعى بعضهم الآخر إلى الإسهام بالجرم وتعزيزه بتملقهم وتذللهم ومعاونتهم على الشر في شتى مساحته النفسية والاجتماعية والأخلاقية ، ولن يكون بعد ذلك إلا أن تتحد الإرادة الإلهية خوفق سننها الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل خطبيعة المترفين أنفسهم وهم في قمة السلطة ، وسيلة لإحلال الدمار بأمة أو جماعة فقدت كل مبررات وجودها واستمرارها وإذا أردنا أن نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا، وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا.( الإسراء 16 - 17 ). والسؤال الذي يثير النقاش هنا هو كيف يقول القرآن الكريم (أمرنا مترفيها ) ويرد في آية أخرى:( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ) الاعراف .27 والجواب ( أمرنا) بمعنى ا كثرنا مترفيها و(كثرنا مترفيها) ، يقال أمرته وآمرته سواء بالمد او الكسر يعني التكثير والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم خير المال سكة مابورة او مهرة مأمورة أي مكثرة ، وقرا أبو العالية :أمرنا مترفيها بتشديد الميم جعلته أميرا ومعنى الآية سلطنا رؤساءها ففسقوا ، والمراد بقول الله إهلاك قرية خرجت عن شرع الله بسبب فسقهم عند حصول أسبابه وهي المشار إليها في قوله تعالى أمرنا مترفيها.... إلى آخره أي بعثنا إليهم الرسول وأمرناهم بما نأمرهم على لسان رسولهم فعصوا الرسول وفسقوا في قريتهم فاستحقوا العذاب. ثم ما يلبث القرآن أن يبين أن عطاء الله مفتوح للجميع وانه ليس مقصورا على فئة دون فئة ، وليست الملكية أو عدمها حتمية مقفلة ليتنعم بها البعض ويحرم آخرون. ثم إن المسألة المادية أو الإثراء ليس هو المقياس الموضوعي الصارم لتقسيم الناس إلى درجات ، إنما هو الإيمان الذي يناط به التفضيل الحقيقي بواسطة الدرجات الحقيقية الكبيرة عند الله وتبقى الأرزاق والأموال ، وعطاء الله نتاج الناس جميعا مؤمنين وغير مؤمنين ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ، كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا) (الاسراء 18-21 ). أما الغنى الفاحش الذي يقترب من الترف بدرجة أو بأخرى ، يتعرض هو الآخر لحملات القرآن الصارمة في أكثر من موضع ويتلقى ضربات في أكثر من زاوية ،فالقرآن الكريم في نصه المبين يحدثنا عن العلاقة المتبادلة بين الغنى والطغيان وعن المصير السيئ الذي يؤول إليه أصحاب الملايين، يحدثنا بلهجة الزجر والتصنيف كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى (العلق الآية 76). وفي آية أخرى يندد أصحاب الغنى والجاه ، وكيف أن الله سيسوقهم بممارستهم الخاطئة الظالمة الأنانية الطاغية التي تنبثق بالضرورة عن الغنى الفاحش إلى الطريق المسدود حيث السقوط الذي لن تجدي أموال صاحبه وأكداسه في أنقاده منه وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى (اليل الآية 8 - 11) وفي آية ثالثة ينقلنا نقلته السريعة المعهودة إلى يوم الحساب لتصطدم مع أصحاب الملايين وذوي الجاه الذين كان الناس- يومها يتقطعون جوعا وهم متخمون ، فلم يتحركوا لإشباع جوعتهم نلتقي بهم لكن ما الذي حل بهم ، وما هو الطعام الذي سيملئون به بطونهم يوم التلاق - (ما أغنى عني ماليه ، هلك عني سلطانيه ، خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ، ثم في سلسلة ذراعها سبعون ذراعا فاسلكوه، انه كان لايؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ، فليس له اليوم هاهنا حميم ، ولا طعام إلا من غسلين ، لاياكله إلا الخاطئون) الحاقة 26 - .36 وفي مواضع أخرى عديدة من كتاب الله تتدفق الآيات فتحدته هذه المرة عن أرباب المال مترفين وأغنياء ، فاضحة إياهم منددة بهم ، ملقية قوارعها على مواقفهم الرجعية والمنفعية إزاء الدعوات الجديدة ، صافعة صقلهم وغرورهم ، ممزقة الأستار عن حماية المال والبنين التي يختمون بها دائما ويتوهمون أنها تخلصهم من عقاب الله واضعة إياهم خهذه الآيات خوجها لوجه أمام بصائرهم مبينة لهم أن إغداق المال عليهم ليس من مصلحتهم في معظم الأحيان يحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ، بل لا يشعرون (المؤمنون 55). الاختلاف بين الإبقاء والإلغاء- بقلم عبدالعزيز بوبكري يشكل هذا البحث حلقة ضمن حلقات أخرى، قد ترى النور لاحقا إن شاء الله، تهدف أساسا إلى حصر الاختلاف فيما هو ضروري أو محاصرة الضار منه إذا تعذر رفعه، ولا أقول وضع حد له كلية، لأن هذا ليس في مقدور أحد. فالاختلاف سيبقى قائما ومستمرا بالجزء، ولا أقول بالكل، في الحياة الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. بمعنى آخر: إن الاختلاف بين البشر، بل وداخل الأمة الواحدة، لن يرفع بالجملة في الحياة الدنيا باعتباره ابتلاء، بدليل قوله تعالى: +ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم؛ (هود/811) وكذلك لقوله سبحانه: +ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون؛ (يونس/91). ولما كان الاختلاف نوعا من الابتلاء، فإن رفعه لن يكون إلا في الدار الآخرة، حيث سيقضي الله سبحانه وتعالى بين عباده في كل ما كانوا فيه مختلفين، كما يدل على ذلك قوله تعالى: +إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون؛ (يونس/39, والجاثية/71). أما من جهة أخرى، فإن هناك نوعا ثالثا من الاختلاف لا يمكن رفعه بتاتا، باعتباره ضرورة حياتية يتطلبها واقع الناس، الذي يختلف بحسب ظروفهم الزمنية والمكانية وطبائعهم وغيرها، وهو ما يمكن تسميته باختلاف الضرورة والتنوع. فهذه حقيقة أولى ينبغي التسليم بها حتى لا يزايد علينا أحد من خلالها، فيتهمنا بالجهل أو السذاجة ونحن نحاول رفع الضار من الاختلاف! ولئن سلمنا بالاختلاف، فهذا لا يعني استسلامنا له. لأن هناك حقيقتين ينبغي تبنيهما أيضا بالإضافة إلى الحقيقة السابقة، حتى يستقيم التعامل مع الاختلاف، فتستقيم أحوالنا تبعا له: * الأولى مفادها أن كل اختلاف، حتى ولو كان في الأمور الفقهية الفرعية ونحوها مما ليس فيه نص قطعي الدلالة والثبوت، يعتبر ضارا بالأمة إلا أن تثبت براءته، وذلك من خلال إظهار منفعته. وبمعنى آخر: إنه ينبغي اتخاذ الحيطة والحذر ما أمكن، من كل اختلاف كيفما كان نوعه، في أثناء تنزيله على الواقع، وعدم استسهاله والاستخفاف بتأثيره، لمجرد أنه لم يطل المجال الاعتقادي أو مرجعية من مرجعيات الإسلام، ومن ثَمَّ قبوله تحت ذريعة الاختلاف ضرورة، أو الاختلاف واقع لا يرتفع، أو غيرها من الذرائع التي تستعمل أحيانا في غير محلها، فيكون إثمها أكبر من نفعها. ما يؤكد هذه القناعة لديَّ، هو عدم وجود حديث نبوي صريح، أي قطعي الدلالة والثبوت، علاوة على نص قرآني يفهم منه جواز الاختلاف ولو ضمنيا، اللهم إلا إذا استثنينا بعض الأحاديث الضعيفة التي لا ترقى إلى مستوى الاستدلال، خاصة في هذا المجال الشائك، كحديث +اختلاف أمتي رحمة؛ أو +اختلاف أصحابي رحمة لأمتي؛ أو +أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؛ ونحوها.. وهي أحاديث تطرق إليها الضعف من قِبَل الإسناد، حتى إن بعض المحدثين اعتبروها من الأحاديث الموضوعة. ومهما كان من أمر صحة أو ضعف هذه الأحاديث، فإن الاختلاف في الفروع لا ينبغي حمله على الإباحة المطلقة، باعتباره رحمة وضرورة لا ينبغي رفعه. ودليلنا على هذا هو رفع اختلاف كان جائزا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما أقدم عثمان رضي الله عنه في خلافته، بعد اتفاق الصحابة معه، على حرق المصاحف ونسخها على حرف قريش. وهو أحد الأحرف السبعة أو العشرة التي نزل بها القرآن الكريم. وبهذا العمل يكون عثمان قد جمع المسلمين في جميع الأقطار على مصحف واحد وعلى قراءة واحدة، وذلك حينما خيف على الاختلاف في قراءة كتاب الله مع اتساع رقعة الإسلام. فإذا كان هذا قد حدث مع تعدد القراءات في كتاب الله الثابتة عن رسول الله، فماذا عسانا أن نقول في حق الاختلافات المتباينة في الأمور الفرعية، والتي عادة ما تجلب الفرقة بين المسلمين؟! أليس من الأحوط رفعها أو تفاديها قبل تنزيلها، حتى نحافظ على وحدة الأمة، خاصة أنها اختلافات في أمور فرعية، أي ثانوية، ناجمة عن اجتهادات علماء معرَّضين للخطأ والصواب؟! فالاختلافات في الأمور الفرعية، إذا كانت من جنس الاختلافات المتباعدة أو المتباينة، كالاختلاف في أمر هل هو مستحب أم مكروه؟ (مثل الصلاة على النبي في التشهد الأول)، أو هل هو واجب أم محرم؟ (مثل قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة واجبة عند الشافعية والحنابلة وحرام عند الأحناف)، فإنه ينبغي عدم الإقرار بها وتنزيلها، خاصة على واقع معين. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذه الأحوال هو: أين هي الرحمة التي نشدها العلماء في مثل هذه الاختلافات؟ أو أين هي المشقة التي عمدوا إلى تركها في هذه الاختلافات؟ فأنا لا أرى هناك رحمة ولا مشقة على الإطلاق في كلتا الحالتين! بل أرى على العكس، قد حدث فوات فضل الاتفاق بين المسلمين. والأمر نفسه ينطبق على الكثير من الاختلافات الفرعية: كقراءة أو عدم قراءة البسملة، والجهر أو الإسرار بها، وكذلك رفع اليدين أو عدمه عند الركوع والرفع منه، وقِسْ على هذا. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن القرآن جاء ذاما للاختلاف وناهيا عنه. أما السنة النبوية، فجاءت موضحة لكيفية التعامل معه حينما يقع اضطرارا، ولم تكن ساعية إليه، إلا أن يكون اختلاف ظروف وتنوع. فالرسول بحكمته المعهودة استطاع أن يتصدى لتلك الاختلافات التي وقعت على عهده في مهدها، ولم يتركها تستفحل حتى تؤثر على وحدة المجتمع الإسلامي الذي كان بصدد إنشائه، ولهذا نجده يعالجها: - تارة بنهي الصحابة عن الاختلاف في قراءة القرآن، كما حصل لابن مسعود عندما تنازع مع رجل سمعه يقرأ آية خلاف ما سمعها منه، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: +كلاكما محسن ولا تختلفا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا؛. - وتارة بالسكوت عن الاختلاف، كما حصل بين الفريقين المختلفين في فهم مراده صلى الله عليه وسلم من أمره لهم بصلاة العصر ببني قريظة، عقب غزوة الأحزاب، وذلك حينما قال لهم: +لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة؛. - وتارة بالتنبيه والتحذير المسبق من الاختلاف قبل أن يقع، حتى يسد بابه. ولهذا نجده صلى الله عليه وسلم يوصي معاذ بن جبل وأبا موسى حينما أرسلهما إلى اليمن قائلا: +يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا؛. * أما الحقيقة الثانية، فمفادها أنه إذا كان رفع الضار من الاختلاف كلية، سواء في الأصول أو الفروع أمرا مستحيلا، فإن رفعه بالجزء يبقى أمرا ممكنا وليس متعذرا. وإلا لما شرع الاجتهاد والشورى في الإسلام، كما جاء ذلك في قوله تعالى: +فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا؛ (النساء/95). +والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم؛ (الشورى/83). فإن لم يكن الهدف من الاجتهاد والشورى هو رفع الاختلاف أو الخلاف والتنازع، فماذا عساه أن يكون يا ترى؟! وبهذه المناسبة، أستحضر قولا لأبي إسحاق الشاطبي من كتابه +الاعتصام؛ جاء فيه: +ولأن الاختلاف منفي عن الشريعة بإطلاق لأنها الحاكمة بين المختلفين لقوله تعالى: +فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول؛ إذ رد التنازع إلى الشريعة، فلو كانت الشريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرد إليها فائدة وقوله: +في شيء؛ نكرة في سياق الشرط فهي صيغة من صيغ العموم فتنتظم كل تنازع على العموم فالرد فيها لا يكون إلا لأمر واحد فلا يسع أن يكون أهل الحق فرقا؛. وفي هذا يقول أيضا ابن كثير في تفسيره: وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: +وما اختلفتم فِيهِ مِن شيء فَحُكْمُهُ إِلَى ؟للهِ؛ (الشورى/01). قد يعترض البعض على هذه القناعة بقوله: إن الخلاف بين الناس واقع لا يرتفع وكل أمل في القضاء عليه ومحوه هو مجرد وهم وسراب.. وليس أمامنا سوى أن نسلم به ونحسن التعامل معه والاستفادة منه، هذا هو الممكن، فلنتحرك في حيز الإمكان. وهو اعتراض قد لا يخلو من وجاهة، لكنه يبقى مشوبا ببعض الغموض، بل ومثيرا حتى، في عبارته الأخيرة التي يشتم منها رائحة الاستسلام للاختلاف. فلو أمعنَّا النظر قليلا في مسألة الشر، لوجدناه هو الآخر واقعا لا ولن يرتفع إلى الأبد. وإذا كان الأمر كذلك، فلِمَ نعمل جاهدين على رفع الشر؟! قد نضطر أحيانا للتسليم بالاختلاف، وليس للاستسلام له، إذا ما كان سيفضي إلى ضرر أقوى منه، لكن مؤقتا ريثما يحين الوقت لرفعه، عملا بالقاعدة الأصولية ارتكاب أخف الضررين. ولهذا فإن رد الأمور المتنازع فيها إلى الله والرسول يهدف أساسا إلى رفع التنازع، وليس إلى تحويله إلى نوع آخر من الاختلاف المقبول. وكأن الأمر يقتضي منا تحلة الاختلاف، أو استساغته من خلال عرضه على العلماء لإبداء رأيهم فيه، كي ينقلوه من منطقة الحظر إلى منطقة الإباحة، حتى نحافظ على إيماننا من جهة، ونضفي من جهة أخرى على هذا الاختلاف طابع المشروعية. وهكذا نكون قد استسلمنا للاختلاف، ولم يعد لدينا مجال للمزيد من الاجتهاد لرفعه كليا، علما بأن إصابة الحق عند التنازع عادة ما تكون نسبية، وبالتالي، تبقى اجتهادات العلماء ناقصة تحتاج دوما إلى المراجعة، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أي: حتى يصيب المجتهدون الحق. وخير دليل على هذه النسبية، ما حصل بين نبيي الله داوود وسليمان عليهما السلام حينما حكما في الغنم التي نفشت في حرث القوم. فقد كان كل منهما مصيبا في حكمه، لكن سليمان كان أكثر إصابة من أبيه للحق. ولهذا نزل في حقه قرآن يؤيد حكمه، وفي هذا يقول تعالى: +وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما؛ (الأنبياء/87, 97). وعلى الإجمال أقول: * إن التنازع في كل شيء، سواء مس الأصول أو الفروع، ينبغي رده إلى الكتاب والسنة، على سبيل الوجوب لا على سبيل الندب. لأن الأمر بالرد جاء مقرونا بالإيمان، ومن لم يأتمر بأمر الله، فقد أخرج نفسه من دائرة الإيمان. * إن مسألة رفع الاختلاف في كل شيء، أمر مشروع وممكن وليس مستحيلا، إذا ما التزم مجتهدو هذه الأمة بما يلي: - بمبدأي التغليب والتقريب بين آرائهم في اجتهاداتهم، قصد التسهيل والتيسير على الناس، وذلك تأسيا برب العالمين الذي يقول: +يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر؛ (البقرة/581). - وكذلك بمبدأ التطاوع الذي ما فتئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي به أصحابه، كما جاء ذلك في وصيته لكل من معاذ وأبي موسى. فإذا كان هذا شأن الله مع عباده، وحال رسوله صلى الله عليه وسلم مع أمته، فكيف ينبغي أن تكون حال العلماء ورثة الأنبياء مع أمتهم؟! فيا معشر العلماء يا ملح البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد؟! وفي الختام أقول: إذا كان الاختلاف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو العلماء في الفروع رحمة، فإن الاتفاق بينهم أرحم للأمة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.