عاجل: إسرائيل تٌعلن شن هجوم على إيران    إسرائيل تقصف مواقع حساسة داخل إيران وطهران تتوعد بردّ قوي    المجلس الأعلى للسلطة القضائية يصادق على لائحة جديدة من التعيينات في مناصب المسؤولية القضائية    ميناء طنجة المتوسط.. توقيف "مقدم" متلبسًا بمحاولة تهريب الشيرا نحو إسبانيا    عاجل : طوارئ بإسرائيل .. وانفجارات قوبة تهز إيران    بعيدا عن البهرجة والضجيج الإعلامي..المغرب يواصل دعمه الراسخ لفلسطين: مساعدات إنسانية تصل إلى غزة في صمت يعكس صدق المواقف    قرار أممي يطالب بوقف إطلاق النار في غزة.. أيدته 149 دولة وعارضته 12 من بينها إسرائيل وأمريكا    أربع حكمات مغربيات في كأس أمم إفريقيا للسيدات    الوداد يكتسح فريقا كنديا بسباعية    توقيع اتفاقيتين لتمويل مشروعين لتوسعة وإعادة تأهيل المعهدين المتخصصين في فنون الصناعة التقليدية بالرباط وفاس    مخرجات "اجتماع مكافحة الفساد في القطاع المالي" تقصد قطاع التأمينات    توقيف مشتبه به في سرقة موثقة بفيديو بالدار البيضاء        بوريطة يتباحث بالرباط مع رئيس مجموعة الصداقة فرنسا-المغرب بمجلس الشيوخ الفرنسي    رسميًا.. نابولي يعلن التعاقد مع كيفين دي بروين في صفقة انتقال حر    شهادات مرضى وأسرهم..        ضجة بعد انتشار فيديو لحمير داخل مركز صحي.. والمندوبية توضح    بعيوي ينفي أي صلة له ب"إسكوبار الصحراء" ويصفه ب"النصاب والمبتز"    260 قتيلا على الأقل وناجٍ وحيد بين الركاب في تحطم الطائرة الهندية    الحكومة تصادق على مرسوم لتحسين وضعية المهندسين بوزارة العدل    عجز الميزانية ناهز 23 مليار درهم خلال 5 أشهر    الأهلي القطري يجدد الثقة في فتوحي    بايتاس ينفي الاعتراض على إحالة قانون المسطرة الجنائية للقضاء الدستوري    الصين تعفي المنتجات الإفريقية بالكامل من الرسوم الجمركية وتعزز شراكتها مع القارة نحو مستقبل مشترك    مصر توقف أكثر من 200 ناشط أجنبي    الغلوسي: الاتهامات بالابتزاز "تسطيح للنقاش" وهروب من مواجهة الفساد    تقرير: الدار البيضاء ضمن قائمة 40 أفضل وجهة للمواهب التكنولوجية العالمية    الملك محمد السادس يهنئ الرئيس بوتين    إسبانيا تحبط تهريب شحنة مخدرات    كاظم الساهر يغني لجمهور "موازين"    رسائل تودع مؤسس "بيتش بويز" براين ويلسن    "محمد طه.. ميلاد النور حين صار ابني"    "لبؤات الأطلس" يثبتن بتصنيف "الفيفا"    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    أمام لجنة ال24 التابعة للأمم المتحدة : المغرب يدين تعنت الجزائر التي ترهن العملية السياسية على حساب الاستقرار الإقليمي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    فيديو "حمارين داخل مركز صحي" يثير الجدل.. ومندوبية الصحة بالخميسات توضح    فاس.. "نوستالجيا عاطفة الأمس" تعيد بباب الماكينة إحياء اللحظات البارزة من تاريخ المغرب    تحطم طائرة في الهند على متنها 242 شخصا    "350 فنانا و54 حفلة في الدورة السادسة والعشرين لمهرجان كناوة الصويرة"    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    بنك المغرب فقد 20 مهندسا في سنتين.. والجواهري يطالب الدولة بالتدخل للحد من نهب أطرها (فيديو)            كأس العالم للأندية.. فيفا: "كاميرا الحكم" لن تعرض الأحداث المثيرة للجدل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    أسعار النفط ترتفع إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من شهرين    اتهامات لعمر دودوح بتحويل الحج إلى منصة دعائية    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    المنتخب النسوي يستعد لكأس إفريقيا في تجمع بسلا من 11 إلى 19 يونيو    اجتماع طارئ .. هل بدأ لقجع يشكك في اختيارات الركراكي؟    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    كأنك تراه    انسيابية في رمي الجمرات واستعدادات مكثفة لاستقبال المتعجلين في المدينة المنورة    









أميركا والفتن الداخلية بين أمس واليوم - بقلم منير شفيق
نشر في التجديد يوم 03 - 01 - 2012

أميركا الضعيفة وشبه العاجزة أخطر من أميركا القويّة والقادرة. طبعاً هذه المقولة متناقضة من حيث المنطق للوهلة الأولى، ولكنها تعبّر عن واقع نشهده اليوم في عدد كبير من الوقائع، والمنطق الذي يخالفه الواقع لا يبقى منطقاً صحيحاً، ولا بدّ من إعادة النظر فيه بالنسبة إلى الواقع الذي خالفه في الأقل.
أما تفسير كيف تكون أميركا وهي ضعيفة وعاجزة أشدّ خطراً على العرب والمسلمين مما كانت عليه وهي القوية القادرة أو وهي الأقوى بين الدول الكبرى فيحتاج إلى مقارنة بين حالتيها قويّة وضعيفة. أميركا القويّة والقادرة كانت تأتي إلى المواجهة مباشرة، وكانت تتصدّر الهجوم ولا تقبل أن يشاركها أحد في تقرير مصير هذه القضيّة أو تلك، فهذا ما فعلته على سبيل المثال حين مضت إدارة كلينتون في عملية التسوية. وهذا ما فعلته إدارة بوش الابن في عملية العدوان على العراق وفرض ما أسمته صوْغ الشرق الأوسط الكبير أو الجديد. وكذلك عندما تحرّك الكيان الصهيوني ليشنّ حربين عدوانيتين إحداهما على لبنان في يوليو 2006 وثانيتهما على قطاع غزة 2008/2009 كانت أميركا مباشرة وراء الحربين، وقادت الحملة السياسية لتغطيتهما والمفاوضة بخصوصهما. وقد اقتُصِر على هذه الأمثلة باعتبارها طازجة، وعاش تفاصيلها أهل هذه المرحلة التاريخية. هذا وثمة أمثلة أكثر من الماضي.
حاولت إدارة أوباما أن تحافظ على دور أميركا ولو على مستوى أدنى من السابق بسبب بدء ظهور علائم الضعف والعجز. ولكن مع بداية العام 2011 كان الضعف الأميركي والاختناق بالأزمة المالية ظاهرتين يلمسهما الكثيرون من المحللين السياسيين، وهنالك من أخذ يتعامل ومقولة أن أميركا أصبحت ضعيفة وشبه عاجزة وكأنها مسلّمة لم تعد قابلة للنقاش. فمع اندلاع الثورتين الشبابيتين في تونس ومصر بدا الارتباك واضحاً في مواجهة أميركا لهاتين الثورتين وهما تُطيحان بحليفين من الدرجة الأولى لأميركا، ثم وصل الأمر إلى حدّ الترحيب بتنحّي حسني مبارك وزين العابدين بن علي من دون أن تمدّ يد الإنقاذ كما كانت تفعل في السابق، وهي ما زالت حتى الآن بلا إستراتيجية هجومية عدا بوادر أخذت تظهر في منطقة المحيط الهادئ ونشر الصواريخ المضادّة للصواريخ ضدّ روسيا والصين وإيران. بالتأكيد كان السبب وراء هذا التغيير يعود إلى الضعف أو في الأدّق إلى ما حدث من اختلال في ميزان القوى العربي والإقليمي والعالمي في غير مصلحة أميركا والكيان الصهيوني، وقد تشكل هذا الاختلال بسبب الفشل الذي مُنِيَ به مشروع إعادة صوغ ما يُسمّى الشرق الأوسط الكبير، وفي المقدّمة الفشل في حربي 2006 و2008/2009 وفي انهيار احتلال العراق ومأزق الاحتلال في أفغانستان أمام المقاومات والممانعات.
ثم بسبب نشوء أقطاب دولية وإقليمية تعاظمت أدوارها من روسيا والصين والهند والبرازيل وإيران وتركية وجنوبي أفريقيا، إلى صمود قوى ممانعة مثل فنزويلا وسوريا وبوليفيا. أما السبب الثالث البالغ الأهمية أيضاً فجاء من الأزمة المالية الاقتصادية الممتدّة من 2008 حتى الآن.
وبكلمة أصبحت أميركا ضعيفة وعاجزة، ولم تعد قادرة على صنع الأحداث والتحكم في مصائر الصراعات، ولم يعد هنالك من يناقش بالقول إن أميركا اليوم هي أميركا الحرب الباردة، أو أميركا عقدي 1990-2010، أو ينكر ما يظهر عليها من ضعف. ولكن مع ذلك ما زالت هيبتها قائمة وما زال الكثيرون يستنجدون بها أو يعتبرون كل ما تفعل نابعاً من قوّة وقدرة ولكن أحدثت تغييراً في الأسلوب. ولكن ما تفسير هذا التغيير؟ أليس الضعف.
يُروى أن أسداً كان في غابة قريبة من قرية ملأ قلوب أهلها رعباً وقد كثرت الأحداث التي بطش فيها بأهل تلك القرية، ولكنه بعد أن استوفى عهد الفتوة والشباب وتجاوز عهد الكهولة وبدأ يشيخ خرج له عدد من شباب القرية وعادوا به محمولاً على ما يشبه النعش، وقد فارقته الحياة. وعندما شاع الخبر تراكض أهل القرية ليشهدوه مسجّى، وقد أصبح ميتاً لا حول ولا قوّة فيه. ولكن لسوء حظهم هبّت ريح قوية وإذا بشعر غرّة الأسد يشرئبُّ كعادته عندما يهمّ بالوثوب على فريسته. فما كان من أهل القرية إلا أن ولّوا هاربين وقد ظنوه عاد حياً مفترساً. كثيراً ما يحدث مثل هذا مع الدول الكبرى وهي تولي الأدبار أن تظل هيبتها قائمة بعد أن تفقد قوّتها، فيظل الوهم حاضراً ليستيقظ عندما يبدو منها حراك ليس فيه من حول أو طول. من يتابع السياسات الأميركية إزاء الأحداث التي صنعتها الثورات الشعبية العربية، وموازين قوى لم تعد في مصلحة أميركا والكيان الصهيوني أو الغرب عموماً، يلحظ أنها أصبحت في وضع الذي يركض وراء الأحداث ولا يصنعها، أو في وضع الذي يحاول ركوب موجها من دون أن يكون الممسك بأعنّتها. فقد خرجت عن أن تكون في المواجهة مباشرة، وإنما أصبحت القوى المحلية والإقليمية هي اللاعب الرئيس في المواجهة.
فأميركا تتدخل من خلال التصريحات والأجهزة الأمنية والدعم الإعلامي وحشد حلفائها، أو من خلال نفوذها في هيئة الأمم أو بعض المنظمات غير الحكومية. واللافت في التدخل في ليبيا أنها حوّلته إلى فرنسا وبريطانيا والناتو، وتدخل الطيران بعد أن ضمن عدم مقاومته بالصواريخ أو المضادات مع تدخلٍ من خلال المدربين، فيما المعارك على الأرض قرّرها -في نهاية المطاف- اللاعبون المحليون. هذا التغيّر الذي حدث أدّى إلى انتقال الدور إلى اللاعبين المحليين والإقليميين، فيما الدور الأميركي راح يؤثر من خلال هذا الطرف أو ذاك من اللاعبين الرئيسيين. ولهذا يجب ألا يُعامَل كما كان الحال عندما كانت أميركا اللاعب الأول في المواجهة، فالتغيير هنا -من حيث إدارة الصراع- نوعي وليس كميا أو ثانويا. فمن يدير عملية الصراع حين أصبح الدور الرئيس فيه للاعبين المحليين والإقليميين كما كان يديره عندما كان الدور الرئيس في الصراع لأميركا والكيان الصهيوني لا يكون قد ضرب حيث يجب أن يضرب أو عالج حيث يجب أن يعالج. انتقال الصراع إلى القوى المحلية والعربية والإقليمية وضع تلك القوى في مواجهة بعضها مباشرة، الأمر الذي راح يفسح المجال لأميركا وأوروبا لصبّ الزيت على نار الانقسامات الداخلية لتحويلها إلى طريق الفتن المذهبية والإثنية والدينية، أو تحويل ما هو صراع سياسي إلى صراع حول المرجعية بين الإسلاميين والعلمانية ليدخل بدوره إلى الفتنة الأيديولوجية.
صحيح أن هدفها واحد في الحالتين، لا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة في ما يتعلق بسياساتها العربية والإسلامية، وهو تجزيء المجزأ والوصول إلى الدويلات الفسيفسائية الشرق أوسطية من خلال زرع الانقسامات الداخلية وتحويلها إلى فتن. ولكنها عندما كانت في الهجوم راحت تقوم بالدور الرئيس وعلى المكشوف وباستخدام التدخل الخارجي المباشر، فعلى سبيل المثال هي التي احتلت العراق ودمرّت دولته وكانت السبب الرئيس في إثارة الفتن الداخلية.
على أن الذي حدث الآن، وبعد انكفاء أميركا وفشلها وأزمتها المالية أن دخلت القوى المحلية من خلال الثورات في عملية إعادة بناء الأنظمة وإقامة توازن جديد ما بين مختلف مكوّنات القطر وقواه السياسية، كما على المستويين العربي والإقليمي. هذه العملية تفتح باب الصراعات المختلفة على مصراعيه.
فقد انفتح الأفق الآن على صراعات سياسية وأيديولوجية واجتماعية قد تمتدّ إلى صراعات تمسّ المكوّنات المذهبية والطائفية والدينية والقبلية والقومية، الأمر الذي سيطرح على كل طرف السؤال كيف سيدار الصراع وبأي اتجاه ونحو أيّة أهداف؟ وسيكون أخطر الخيارات الانتقال إلى الفتن، وأسوؤها الفتنة السنيّة الشيعية، أو العربية الإيرانية أو الإيرانية التركية أو التركية العربية. هنا تتحوّل أميركا في ضعفها لتكون أخطر على المنطقة منها في قوّتها، لأنها حين تصبّ الزيت على الفتنة وتذكيها من خلال تدخلها العسكري المباشر -هي أو الكيان الصهيوني أو الأطلسي- تجعل بوصلة الصراع تتجّه إليها مباشرة لأنها في الميدان، الأمر الذي يجعل مقاومة الفتنة أيسر وأسهل. ولكن حين تتحرّك من بعيد في دعم أطراف تلعب الدور الرئيس في الصراع لتوقد من خلالهم نيران الفتن، فإن مقاومة الفتنة تصبح أشدّ صعوبة وتعقيداً في إدارة الصراع. فالمسؤولية اليوم مباشرة على أطراف الصراع المحلي والإقليمي في الذهاب إلى الفتنة أو تَوَقّيها فهي ليست مفروضة عليهم بالقوّة الأميركية المسلحة كما كان الحال في المراحل التي كانت فيها أميركا الأقوى والمبادرة وصانعة الأحداث.
طبعاً ثمّة أطراف تريد الدخول في الفتنة أصلاً، ولكنها في الواقع الراهن هي الأضعف دوراً في ما بين الأطراف المتصارعة. وهنالك أطراف قد تجرّ إلى الفتنة من دون أن تتقصدّها أو تريدها، بسبب أخطاء في إدارة الصراع وتقدير الموقف وعدم السعي لحل الخلافيات بالحوار المعمّق والجاد، أو بسبب عدم حصره في حدوده


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.