في المؤتمر التأسيسي للمكتب الجهوي للمجموعة الصحية الترابية والوكالات الصحية بجهة طنجة تطوان الحسيمة    كأس العالم لكرة القدم لأقل من 20 سنة.. الصحافة الشيلية تصف فوز المغرب على إسبانيا بال"مفاجأة الكبرى"    مباراة المغرب والبحرين .. بيع 30 ألف تذكرة إلى حدود منتصف نهار اليوم الاثنين ( اللجنة المنظمة)    فتح باب الاعتمادات الصحافية لمباراة المنتخب الوطني أمام البحرين        عام أخير لحكومة "أخنوش".. تحديات وتطلعات وأجندة انتخابية (تحليل)    نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من مناطق المملكة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين الجدد التابعين لقطاع التربية والتعليم    الخارجية الأمريكية: المغرب قطب إقليمي استراتيجي للأعمال والصناعة ويشكل بوابة نحو إفريقيا    الركراكي يعقدة ندوة صحفية للإعلان عن لائحة الأسود لمباراتي البحرين والكونغو    "رويترز": ترامب سيسعى لدفع مقترح سلام بعيد المنال لغزة في محادثات مع نتنياهو    حقوقيون يطالبون المغرب بإنقاذ جاليته العالقة في غزة وسط الحرب والمجاعة    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر منع احتجاجات "جيل Z" وتدعو إلى حوار جاد مع الشباب    المغرب ‬يعيد ‬رسم ‬قواعد ‬التجارة ‬في ‬معابر ‬بني ‬أنصار ‬وتراخال ‬وسط ‬نزيف ‬استثماري ‬إسباني ‬    وجدة تحتفي بالسينما المغاربية والدولية في الدورة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم    المعهد المتخصص في الفندقة و السياحة بالحوزية ضمن المتوجين في الدورة 11 للمعرض الدولي ''كريماي'' للضيافة وفنون الطبخ    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    بنسعيد: الراحل سعيد الجديدي أغنى المكتبة الوطنية بإنتاجات أدبية وصحفية قيمة    الباييس: إسبانيا فرضت رقابة على القواعد الأمريكية على أرضها لمنع نقل شحنات أسلحة إلى إسرائيل            مساءلة وزيرة السياحة حول تعثر مشروع تهيئة مضايق تودغى بعد إلغاء طلب عروض بسبب كلفة الأشغال    الذهب يتجاوز عتبة 3800 دولار للأوقية وسط تزايد توقعات خفض الفائدة    ردا على المنع والتوقيفات.. شباب "الجيل زد" يقررون تجديد احتجاجاتهم لليوم الثالث تواليا            "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين    اقتراع سوريا يستبعد "مؤيدي الأسد"    محمد وهبي: المنتخب المغربي أحسن استغلال نقاط ضعف نظيره الإسباني    الأردن يحرك ملفات الإخوان المسلمين    قتيل وجنود محتجزون في احتجاجات بالإكوادور    البرلمان البرتغالي يناقش مقترح الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء        تراجع طفيف لأثمان الإنتاج الصناعي    الصين تهدف تحقيق نمو يزيد عن 5 في المائة في صناعة البتروكيماويات خلال 2025-2026        رؤساء جمعيات آباء وأمهات التلاميذ يتدارسون بالجديدة مشاكل المنظومة التربوية وبنية المؤسسات التعليمية        تقرير: "جنوى" الإيطالي مهتم بزياش    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    إلياس فيفا يتوج في مدينة البيضاء    التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب    قمع مفرط في احتجاجات جيل Z بالمغرب.. بين انزلاقات فردية ومسؤولية مؤسساتية    ‬محاولات ‬الاقتراب ‬من ‬جيل ‬z ‬‮..‬ زورو ‬يقود ‬الربيع ‬الدائم‮!‬    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم    الرباط تختتم الدورة 27 من مهرجان الجاز بمزيج موسيقي فريد    السينما تلتقي بالموسيقى في برنامج فني إبداعي في مهرجان الدوحة السينمائي        مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو            بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة العتيقة لبني ملال..ذاكرة يمحوها النسيان وتقبر معالمها فوضى التمدن العشوائي
تضم 22 مسجدا و10 سقايات ما تزال صامدة
نشر في التجديد يوم 30 - 04 - 2012

المدينة القديمة لبني ملال ذاكرة يأكلها النسيان ويقبرمعالمها مسخ فوضى التمدن العشوائي وبشاعة انتشار المجون، تضم 22 مسجدا و7 زوايا ويتمركز بها 80 بالمائة من النشاط التجاري، ما تزال ازيد من 10 سقايات صامدة أمام الاستئصال الزمني تخجل حافظي ذاكرة المؤرخ والمهندس المعماري وأبناء المدينة الغيورين. أحياء الصماط وساحة الحرية والقصبة مواقع مغامرات المقاومين وعملياتهم الفدائية إبان الاستعمار تتحول في جزء كبير منها (خاصة الساحة وبعض الدور بأزقة شارع الشهداء)إلى ماخور علني مفتوح يخدش حياء المدينة وسكانها ويسائل الراشدين من سكانها.
جراح
يأسف محمد الحجام إعلامي وابن المدينة القديمة لما أصبحت عليه هذه الرقعة من بني ملال فلخص جملة من أحاسيسه بالقول لابد أن العارف للمدينة القديمة سابقا وما تحولت إليه حاليا أن يعيش جراحا وأسفا كبيرين لا يوازيهم إلا حجم التخريب واستئصال الجمال من هذه المدينة، والتي إلى حدود القرن الماضي كانت ولا تزال في كامل بهائها وتصميمها الذي ينم عن وعي عمراني لدى سكانها الأولين، يستطرد الحجام واصفا هذا الفضاء الذي شهد ميلاده وميلاد آبائه وأجداده أن المدينة القديمة بنيت فوق ربوة في ساحة تعلو محيطها، محاطة بسور و5 أبواب ومداخل كبيرة أنيقة وبداخلها منظم بشكل يتناغم معه رحاب الخدمات والمساكن والساحة الكبيرة.
يتذكر الحجام إحدى الحنطات وهي «الصماط» الموجود بزنقة «الهرية» حيث ولد: الصماط له مدخل وبه حوالي 50 دكانا تتكامل في ما بينها في حرفة صناعة البلغة حيث يصل الجلد إلى هذه الورشة الكبيرة من دور الدباغة في أطراف المدينة ليخرج في النهاية منتوجا للبيع كل يوم أربعاء بالمزاد العلني.
لم يعد أثر لهذه الصنعة –يقول ابن المدينة القديمة متحسرا- تحولت دكاكين الصماط الى محلات لبيع مواد التجميل وماتت صنعة الأجداد وإحدى بصمات الصانع الملالي ذي الذوق المتميز. صنعة كان بالإمكان تطويرها اعتبارا لجودة نموذجها، وقال الحجام جازما إن ما كان يصنع من أحذية جلدية تقليدية يمكن أن يحتل موقعا عالميا الآن بكل المقاييس.
طفولة
كيف لا وصور الطفولة لاتزال عالقة في ذاكرته وذاكرة أقرانه من أبناء المدينة القديمة صور تطبعها الأواني الزاهية وروائح الجلد وأزهار أشجار الرمان، بصمات نقشت آثارها في عقول الصبية الذين كانوا يقضون أيام العطل عند المعلمين «البلايغية» والحقيقة أن الأمر كان يتعلق بفضول الصبى أكثر منه رغبة في الشغل أو تعلم حرفة. فكانت تتلخص مهام الأطفال (المتعلمين) في تقديم بعض الخدمات للمْعلْمين كجلب الماء من السقايات العمومية الكثيرة والجميلة بفضاء المدينة القديمة وجلب القهوة، بل حتى الكيف آنذاك الذي لم يكن مادة مباحة ولا ممنوعة وإنما كان رمزا للمقاومة عند الملاليين لمقاطعة المنتوج الاستعماري «السجائر».
في هذا الفضاء الحميمي الجميل يذكر الحجام صناعة «الزيواني» و«المدفون» و«المقلوب» ورائحة الجلد وأغراس الحبق وشجيرات الرمان وأقفاص العصافير ونظافة المكان بل وطهره بالرغم من النشاط المكثف الذي كان يشهده. ويذكر أيضا غير بعيد عن الصماط مقهى «باالمدني» رجل مسن ومحترم كان يهيء القهوة على الطريقة التركية ب»الزيزوا» قهوة تغطي نكهتها فضاء زنقة «الهرية» بأكملها لتمتزج مع باقي الروائح الطبيعية الأصيلة: دباغ وجلد وحناء وتوابل...
جمال
ما تزال صورة المدينة القديمة راسخة في ذهن كل من عاش أيام عزها حيث كان يخترقها نهران (فوغال وتمكنونت) بضفافيهما أشجار باسقة مكللة بزهور ذات ألوان زاهية وأخرى ذات أغصان وارفة تسمى عند عموم الملاليين ب(سوالف الهبيلة) والمعروفة ب«صول بلورور saule pleureur» كما كانت عدة رحي منتصبة على طول النهرين. وكانت أحياء المدينة القديمة وشوارعها نظيفة ومنظمة وموزعة من الوسط في اتجاه كل الأحياء بشكل هندسي متقن. وكانت المنازل تعيش في أمان كانت طيلة اليوم مفتوحة في وجه كل أبناء الحي لأن الأسر به موحدة ومتماسكة تقيم أفراحها واتراحها بشكل جماعي. وعلى المستوى التربوي فبالإضافة لامتلاك كل حي كتابا قرآنيا كانت هناك مدارس عصرية وكان يسود وعي جمعي ذو مضمون أخلاقي وتربوي مبني على احترام العلم والمعرفة والأكبر سنا والأكثر وقارا ضمن فلسفة تربوية تزكي مكارم الأخلاق وتذم ما دونها من سلوكات فاسدة .
كانت تقام الأعراس بشكل جميل يوجب على العريس الاستحمام بعين أسردون أو عين تمكنونت ليلة زفافه رفقة زملائه. أما الأعياد والمناسبات الدينية فكان يُحتفل بها في الأحياء ومركزيا في المسجد الأعظم بصومعته التي ما تزال لحد الآن من أجمل المئذنات بالمدينة.
تميز
يحكي الحجام أن المدينة القديمة ببني ملال تتميز عن باقي المدن المغربية بوجود مدينة ثانية تحت الأرض عبارة عن كهوف ومغارات، حيث كانت الكهوف بمخارجها السبع وساحات الاجتماع ومعامل لعصر الزيتون تتسع لكل السكان والخيول والمحاصيل الزراعية طيلة شهور فصل الصيف لما تشتد الحرارة أو عند حدوث «الحركات» الحربية /المخزنية حيث كانت تعتبر بني ملال مركزا لجهة تادلة التي تتوسط فاس ومراكش عاصمتين حضريتين ما يبرر إحداث تحصين السور والكهوف.
هاتان الوسيلتان اللتان كانتا بالأمس مصدر وضامن أمن وأمان لسكان المدينة القديمة أصبحتا اليوم وبكل أسف عاملين خطيرين يهددان حياة السكان بسبب ما طالهما من إهمال وتدهور فأصبح السكان مع كل موسم أمطار يضعون أياديهم على قلوبهم مخافة انهيار مبانيهم كما انهارت منازل أخرى بجوارهم.
ساحة المطلك
قيمة تاريخية يطالها الإتلاف: كهوفها كسطحها فهذه الساحة المعروفة عند الملاليين القدامى بساحة «المطلك» وهو تحريف لفظي لكلمة ساحة المنطلق، منطلق «سربات» خيول الفروسية ومنطلق شرارة المقاومة أيضا ضد المعمرالفرنسي تعيش نفس المصير. فبعد البطولات التي عرفتها يحكي باصالح رجل يفوق سنه 90 سنة تعيش ساحة الحرية أسوأ أيامها، يذكر باصالح حدث اعتقاله وزمرة من زملائه الشباب المقاومين من هذه الساحة ومنها اقتيدو إلى معتقل تاكلفت الجبلي، ساحة شهدت حياة فتية كان كل شيئ يهون لديهم من أجل الوطن من أجل تحرير مدينتهم الجميلة منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. كان المطلك هو ميدان للجهاد هو محط العمليات الفدائية والتخطيط السياسي والتكوين في علوم القرآن والدين والسياسة والمقاومة إبان الاستعمار وكان محط الالتقاء بين الحرفيين والمثقفين والتجار فجر الاستقلال. يطلق باصالح نفسا حارقا بسبب ما آلت إليه أوضاع هذه الساحة من فوضى وخاصة استشراء ظاهرة الجهر بالدعارة لفتيات في مقتبل العمر الله أعلم بالظروف التي اقتادتهن إلى عرض أجسادهن لنزوات عابرة لزبناء عابرين. مظهر يخجل شموخ قلاع العلماء والزوايا المنتشرة في هذه الربوع من بني ملال الجميلة. لم يبق إلا جدران من طين تتآكل يوما بعد يوم، فصل أمطار بعد فصل أمطار فتغادر حُبيباتها عرش شموخها لتتسرب إلى جوف الأرض في استحياء لاوية في طياتها على أجمل ذكريات مدينة وشمت التاريخ والجغرافيا بفنونها في المعمار والصنعة والمقاومة والعلم... في انتظار بعث الرجال المنقدين ليعود للفضاء عزه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.